داخل مستشفى العريش العام في محافظة شمال سيناء، وعلى بُعد كيلومترات قليلة من معبر رفح الذي يستقبل الجرحى القادمين من قطاع غزة، يرتدي الطبيب الخمسيني المتطوع محمد إبراهيم، البالطو الأبيض بغرفة العمليات، في حين يرقد المصابون على عدد من الأسِرَّة في انتظار تخديرهم وتجهيزهم للتدخل الجراحي.

تدخلات جراحية لمصابي غزة

«إصابات وحشية، وجروح قطعية، وتهتكات متفرقة»، مشهد مأساوي وصفه طبيب الجراحة العامة وأستاذ جراحة الأورام بجامعة الفيوم، إذ أنّ أغلب الإصابات كانت من الأطفال الذين تقع أعمارُهم بين 3 إلى 7 سنوات، بالإضافة إلى السيدات اللاتي كانت إصابتهن لا تختلف عن الجرحى الذين استقبلتهم المستشفيات المصرية في سيناء.

يقول الطبيب المتطوع محمد إبراهيم، في حديثه لـ«الوطن»، إنّ جميع الإصابات القادمة من غزة كانت في أماكن متفرقة من الجسد وهي صعبة ووحشية للغاية، وكل جريح يعاني من 3 أو 4 إصابات كلها بالغة الخطورة وتحتاج إلى إجراء عمليات عاجلة.

ويضيف «إبراهيم» أنه على الرغْم مما يمر به الجرحى وذووهم من آلام جسدية ونفسية إلاّ أنّ كلمة «الحمد لله» كانت حاضرة حتى في صمتهم، مردفًا: «أكتر حاجة أثرت فيّ إنهم عندهم إيمان وثقة في ربنا وماعندهمش استعداد يسيبوا بلدهم حتى لو الثمن حياتهم».

رحلة التطوع لعلاج مصابي غزة

وحول تجرِبة التطوع يقول الطبيب، إنّ نجله الوحيد وزوجته كانا داعمين له في رحلته لإنقاذ مصابي الحرب في غزة، مردفًا: «أول مرة أقرر إني أتطوع، والحقيقة المحرك الأساسي ليا كان تعاطفي مع غزة، بالإضافة إلى مشاهد الإصابات اللي انتشرت من أول الحرب واللي ماحصلتش قبل كده».

وبعدما انفطر قلبه حزنًا على مصابي غزة الذين ينزفون دمًا- آناء الليل وأطراف النهار- نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع، قرر الطبيب الجراح التقدم للتطوع بواسطة نِقابة الأطباء موضحًا: «قدمت تاني يوم من العدوان الإسرائيلي على غزة، وبعدها وزارة الصحة أعلنت حاجتها لأطباء متطوعين واستطعت السفر إلى سيناء لمدة أسبوع بداية من يوم 10 إلى 17 نوفمبر الجاري وكنا 18 طبيبًا في قافلة وزارة الصحة».

وفيما يتعلق بتفاصيل رحلة التطوع يقول محمد إبراهيم: «وزارة الصحة بتحدد أسماء الأطباء اللي تم اختيارهم وبعدين نتجمع عند مقر الوزارة، ونتحرك في باصات نحو العريش، وهناك بيتم توفير سكن وأماكن للإقامة وكل الأجواء هناك مهيأة للعمل وخدمة أهالينا الفلسطينيين»، لافتًا إلى أنّ الأطباء المتطوعين غير مقيدين بساعات محددة للعمل».

وعما إذا كان قد تلقى مقابل مادي نظير تطوعه يواصل الطبيب الجراح حديثه: «التطوع بيكون لوجه الله لذا كلنا نشتغل على قد ما نقدر ووفق للحالات الموجودة وحاجتها للعمليات العاجلة».

مستشفيات مجهزة لاستقبال الجرحى

ويشير «إبراهيم» إلى أنّ المستشفيات التي استقبلت الجرحى الفلسطينيين تحظى بالتجهيز على أعلى مستوى، بما في ذلك مستشفى العريش الذي يحظى بخدمة طبية متكاملة، بالإضافة إلى توفير سبل الراحلة للمصابين ومرافقيهم.

ويضيف الطبيب الجراح، أنّ جمعية الهلال الأحمر المصري تقوم بمجهود استثنائي، كما يقدم أعضاء الهلال الأحمر الدعم للفلسطينيين الذين طالتهم نيران الحرب، بالإضافة إلى توفير المكالمات الهاتفية المجانية لأهاليهم داخل القطاع للاطمئنان عليهم في ظل ما يتعرضون من إجرام الاحتلال.

4 مراحل لعلاج مصابي غزة

وعن المرضى الذين استقرت حالتهم بعد تلقيهم العلاج في مستشفى العريش، يقول محمد إبراهيم، إنّهم لم يعودوا إلى غزة مرّة أخرى، ويتم التعامل معهم على 4 مراحل كالآتي: «المريض اللي حالته تستقر يفضل في المستشفى لحين الانتهاء من جميع فحوصاته، أمّا إذا كانت حالته حرجة فبيتم تحويله إلى معهد ناصر، وفي حال احتاج إلى غيارات للحروق ففي هذه الحالة يتم نقله إلى مستشفى عين شمس العام في القاهرة».

وأكد أنّ الحكومة المصريّة قد جهزت دارًا للضيافة في شمال سيناء ليقيم فيها المصابين الذين تحسنت حالتهم لحين العودة لأراضيهم سالمين.

وحول إمكانية العودة للتطوع مرة أخرى داخل المستشفيات المصرية لحين انتهاء الحرب على القطاع، يختتم حديثه قائلًا: «أكيد طبعا بسعى إني أسافر تطوع تاني لأني بقدم واجبي، كمان عندي استعداد للدخول إلى قطاع غزة في حال تم فتح معبر رفح للمساعدة في علاج أهالينا هناك، ولكن بشرط واحد وهو أن يكون ذلك الأمر تحت مظلة وإشراف وتنسيق الدولة المصرية».

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة العريش التطوع الأطباء العدوان الإسرائيلي محمد إبراهیم بالإضافة إلى مصابی غزة

إقرأ أيضاً:

عبد الله علي إبراهيم: أيَّامٌ أَمْرِيكِيَّة!

سألني كمال الجزولي قبل نحو سنتين أو كذا أن أكون ضيفاً على روزنامته. وكانت هي المرة الثانية. كتبت في المرة الأولي عن يوميات كابوس يطاردني في حلمي عن أيام تخفشي في الظلام من أمن الرئيس نميري وفي طاقم الحزب الشيوعي المتفرغ. أما في المرة الثانية فكانت بعنوان “أيام أمريكية” أنشرها هنا مقتصرة على أيام أربعة من أيام الله السبعة. وقدمني كمال بقوله “عبد الله علي إبراهيم، مسـرحي وكاتب وأسـتاذ للتَّاريخ بجامعة ميسوري الأمريكيَّة وسابقاً مرشَّح لرئاسة الجُّمهوريَّة ورئيس لاتِّحاد الكتاب). رحمه الله.

الإثنين
هذا يوم ال “GPS” لفريد زكريا، المحلل السياسي الأمريكي من أصول هندية، على قناة السي إن إن. لم أحرص على حضور برنامج مثله منذ تفرق جمع برنامج الأحد التحليلي على الإي بي سي في التسعينات. وكان نجمي المفضل جورج ويل اليميني الذكي الماكر في تعبيره. وما يزال يكتب عموده، مع ذلك، للواشنطون بوست.

واسمِّي برنامج زكريا “عدل الرأس”، يطوف بك وضيوفه في خبر الأسبوع المنصرم بيسر، وله كلمة يقدم لها البرنامج تنضح علماً وذكاء.

أعادني مرة إلى المقارنة الدارجة التي نجريها بين خيبتنا في الديمقراطية بينما نجحت الهند. وراعني أن منصور خالد خصص ما يقرب الكتاب لهذه المقارنة لغير صالحنا في شذراته. والمؤسف أنه لا يبدو، متى وضعنا المسألة هكذا، أننا عرفنا عن الهند شيئاً منذ سمَّينا مؤتمر الخريجين تيمناً بالمؤتمر الهندي، ولهجنا باسم غاندي!

ووقفت من البرنامج على أن ما أبقى الهند في الديمقراطية هو صبرها عليها برغم الحقائق الاجتماعية البشعة التي تكتنفها. فلو طرأت واحدة منها في أي بقعة من السودان لنهض من “يقلبها” بسلاحه لا غير. فلا يتجلى الصبر الهندي على الديمقراطية، بوصفها حلالة المشاكل على المدي الطويل، كتجليها في عادة وأد البنات المعاصرة في الهند. فنحن قد فرغنا من استرذال هذه العادة، شرعاً وروحاً، منذ 15 قرناً. والحمد لله على نعمة الإسلام. ولم أصدق أذني، خلال مشاهدة برنامج فريد، أن هذه العادة ما تزال سارية المفعول في الهند. وكانت موضوع حلقة في برنامج الرجل عن برنامج تلفزيوني يقدمه النجم السينمائي الهندي المحبوب أمير خان (اختارته التايم من ضمن مائة رجل وامرأة تركوا بصمة على حياة أمتهم) يعقد فيه مناقشات حية مع الجمهور حول محن الهند المصموت عنها بالذات! ومن ذلك نظام الطوائف، والإجهاض، والعنف مع النساء. وبلغ من شيوع عادة الوأد أن تحدثَت للبرنامج زوجة فرض عليها أهلها الاجهاض خمس مرات لأن رزقها من الذرية كان من البنات. بل أدى التخلص من البنات في الهند إلى أن زاد عدد الرجال هناك عن عدد النساء بخمسة وأربعين مليوناً. وبلغ الوأد من الشدة أن الحكومة منعت الأطباء من إبلاغ الأسر بجنس المولود في الرحم!

لما كان أستاذنا عبد الخالق محجوب يدعو حزبه، حتى بعد حله، للعمل الجماهيري الصبور الدؤوب، كان ذلك من حسن ظنه الوثيق بالديمقراطية لأنها تعمل لطويلة .. مش على الهبشة!

الثُّلاثاء
وددت لو أن قرار قيام وحدة للدراسات الأثيوبية بجامعة الخرطوم استبدل أثيوبيا بالولايات المتحدة. فدراسات أثيوبيا مما بالوسع القيام بها في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بالجامعة بقليل من الجهد. فاتفقت لي حاجتنا للعلم المؤسسي بأمريكا منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١م. فعِلمُنا بأمريكا توقف عند عقائد من بعيد عن الإمبريالية” لليساريين أو “أمريكا التي عرفتها” لسيد قطب (ولم يعرف شيئاً لم يكن يعرفه قبل زيارته لها)، أو ما نتخطفه من الوسائط التي تتقحمنا، أو ممن أقاموا بها منا بغزارة مؤخراً. وفي ذلك غث كثير. واحتاج العلم الأوثق بها إلى مؤسسة من باحثين جدعين يعدلون رأس وطننا حيال هذه القوة الأعظم.

ومررت بتجربة مؤسفة في مسعاي لطلب العلم المؤسسي بأمريكا. فصفوة الرأي عندنا مضربة عن هذا الضرب من العلم. فكانت دعتني جماعة لندوة عن الاسلام بعد أحداث 11 سبتمبر. وتهيأت بكلمة نقدت فيها جهلنا بأمريكا على ما نظنه من علم بها. ولا أعرف حتى الآن لماذا انصرف الحضور عن كلمتي ليتداولوا في خطة تسيير مظاهرة الي السفارة الأمريكية، فطويت أوراقي وقررت الاضراب عن مظاهرة من فكرهم في أقدامهم!

الجُّمعة
في تكساس يتعقب الجمهوريون الديمقراطيين في مجلس نواب الولاية لاعتقالهم بتهمة التغيب عن اجتماعات المجلس منذ شهر، حيث أن هذا التغيب خطة قصد بها الديمقراطيون حرمان المجلس من النصاب حتى لا يجيز تشريعاً ينتقص حق غير البيض في الاقتراع الميسر.
وإذا لم تعتبر بهذه المخاشنة الحزبية البرلمانية في أن الديمقراطية هي أفضل أسوأ النظم فهاك هذه: وقف قبل أيام سناتور ديمقراطي بمجلس شيوخ ولاية تكساس يتكلم في المجلس لمدة خمسة عشر ساعة متصلة. ولم يتوقف لتناول وجبة أو حتى لقطع الجمار. وتسمى هذه الممارسة بـ “الفيلبستر”. وهي خطب يريد منها صاحبها أن تطول لمنع المجلس من إجازة مسودة تشريع يعارضه. وهي خطب لا معنى لها غير حرق الوقت. فتجد من يقرأ خلالها من كتب وصفات الطبخ، أو قراءة إعلان الاستقلال الأمريكي مرات ومرات، أو قراءة الأسماء والأرقام في دليل التلفونات!

وأطول “الفيلبسترات” طرا هو ما قام به السناتور ستورم ثيرموند في مجلس الشيوخ لكي يعطل إجازة قانون الحريات المدنية لسنة ١٩٥٧م. فقد بدأ خطبته في الساعة الثامنة وأربعة وخمسين دقيقة، في ٢٨ أغسطس 2021م، ولم يفرغ منها إلا الساعة التاسعة واثني عشر دقيقة مساء اليوم التالي. وقرأ على النواب خلال ذلك إعلان الاستقلال، ووثيقة الحقوق، وخطبة وداع الرئيس واشنطن، وما وقع في يده من وثائق التاريخ الأخرى!
وظاهر ثيرموند شيوخ آخرون معارضون للقانون استغرقوا في “الفيلبستر” نحو ٥٧ يوماً قبل إجازة القانون.

لو حدث هذا عندنا كان المارشات دقت!
السَّبت
صرت أحرص على أن يكون قلمي ومذكرتي بجنبي وأنا استمع إلى الحوارات السياسية. وأعجب لدنو مأتى المعني للمتحدث بالعبارة الجزلة. اللغة عند محدثينا في الوسائط حالة من الفخاخة يضطرب الواحد في جنباتها على أنه بسمل وحوقل ودعا وطوف. ولا يبلعه المشاهد إلا بأغنية موعودة. كتبت عن فريد زكريا وهو ينعى على أمريكا هزيمتها في أفغانستان مهما قيل عن سوء إدارة خطة الخروج:
“The naked truth there is no elegant way to lose a war”!
كما كتبت ناقلاً من غيره:
“Hope is not a strategy; Courage is not the absence of fear but rather the recognition that there is something more important than fear”!

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أمير تبوك يستقبل مواطنًا عفا عن قاتل شقيقه لوجه الله
  • أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر العسيري المتنازل عن قاتل شقيقه
  • أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر العسيري المتنازل عن قاتل شقيقه لوجه الله تعالى
  • أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر العسيري الذي تنازل عن قاتل شقيقه لوجه الله تعالى
  • عبد الله علي إبراهيم: أيَّامٌ أَمْرِيكِيَّة!
  • محمد الدماطي: الأهلي مش محتاج يقول مصادر موارده لأن الميزانية موجودة
  • توجيه عاجل من وزير الصحة بنقله لمعهد ناصر.. تفاصيل حالة الطبيب محمد حسين
  • «فيدرا»: الأشخاص الذين يعذبون الحيوانات لا يعرفون الإنسانية
  • بعد استغاثته.. وزير الصحة يوجه بنقل الطبيب محمد حسين إلى معهد ناصر لتلقي العلاج
  • بعد عودته من القطاع... الطبيب المغربي يوسف بو عبد الله يروي فظائع إسرائيل في غزة