رحلة المساعدات الإنسانية من أيدي المصريين إلى الأشقاء في غزة (فيديو)
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
منذ اللحظة الأولى التي اندلعت فيها الحرب الصهيونية على قطاع غزة، انتفضت مصر لنصرة فلسطين كعادتها، متبنية القضية كما كانت دائمًا، تحاول بكل ما أوتيت من قوة لإنقاذ غزة من بين فكّي الكيان الصهيوني، ومنذ اليوم الأول رفعت درجة الاستعداد القصوى لتجهيز قوافل الإغاثة المختلفة، بالتعاون مع التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي.
على الرغم من أن هذه المساعدات لا تكفي سوى 10% فقط من احتياجات الشعب الفلسطيني، وفقًا لتقارير بحثية، إلا أن الشباب لم يشعروا لحظة باليأس، بل استمرّوا في تكثيف الجهود لجمع التبرعات، وأيضًا التطوّع بالمؤسسات الأهلية والخيرية المختلفة، في محاولة لأن يكونوا في أقرب نقطة من غزة.
تمر المساعدات الغذائية والطبية بالعديد من المراحل، عايشت "الفجر" تلك المراحل التي تمر بها المساعدات، منذ بدء التبرّع بها أو الشراء، مرورًا بمرحلة الفرز، ثم التعبئة داخل الشاحنات، ثم التوجّه إلى معبر رفح للتفتيش، وأخيرًا المرور عبر البوابة المصرية إلى مقابلتها الفلسطينية، والتي تتسلّمها جهات الأمم المتحدة ووكالة الأونروا والصليب الأحمر الدولي، وفي النهاية يتم توزيعها عليهم.
على وجه التحديد، ظلّت محافظة شمال سيناء هي البطلة طوال القصة، والتي دائمًا كانت كذلك؛ حيث تعمل بعض الجمعيات الأهلية على توفير مخازن للتعبئة في مدينة العريش، والتي تشهد نسبة كبيرة من المتطوّعين للتعبئة، سواءً من الشباب أو الأطفال أو النساء وغير ذلك.
قُرب المسافة بين مدينة العريش وقطاع غزة، جعلهما في حالة تكامل كبيرة؛ فقد ترى الكثير من حالات الزاوج بين المصريين بالمدينة وأيضًا الفلسطينيين بغزة، واختلطت هنا الدماء، حتى الثقافة التي ظهرت في شكل البيوت والشوارع، ما جعلها هي المدينة الأقرب لقلب الأشقاء في غزة، تنتفض لألمهم، وتأن لوجعهم، وتعمل ليل نهار من أجل مساعدتهم.
ثقافة الجمعيات الأهلية
تشهد محافظة شمال سيناء، وفي القلب منها مدينة العريش، تنوعًا ملحوظًا في العمل الأهلي؛ حيث يعي المواطنون في تلك المحافظة النائية، ثقافة الجمعيات الأهلية بشكل كبير، وترى متطوّعين دائمين في شتّى المجالات، سواءً المجال الطبي أو الزراعي أو الخيري، وغير ذلك.
كانت تلك الجمعيات الأهلية في شمال شيناء، أو مكاتب المؤسسات المختلفة، أول من توجّه إلى معبر رفح، وعملوا على توفير سُبل التعاون المختلفة مع الجهات المعنية.
خلال رحلتنا لرصد المراحل التي تمر بها تلك المساعدات، لاحظنا وجود مكاتب كثيرة للجمعيات الأهلية المختلفة في شتّى شوارع العريش، وهو ما عكس انتشار ثقافة العمل الأهلي بين المواطنين، حتى لو اقتصر عملها فقط على المدينة، بعضها يهتم بالتنمية الزراعية، وآخر يهتم بالأيتام، وربما الأجهزة التعويضية، وبعضها متعدد النشاطات، وغير ذلك.
خلية نحل في محيط معبر رفح المصري، تجد أغلبها من متطوّعي الجمعيات الأهلية المختلفة، بدءًا بتجهيز الشاحنات، وصولًا لتوفير الوجبات الغذائية والإعاشة المختلفة للمتواجدين بمحيط المعبر، وعلى رأسهم وسائل الإعلام والصحفيين.
محافظ شمال سيناء: تطوّر كبير شهدته المؤسسات الأهلية مؤخرًا
قال اللواء محمد عبدالفضيل شوية محافظ شمال سيناء في تصريحات لـ "الفجر"، إن المؤسسات الأهلية في مصر وخاصة في محافظة شمال سيناء، تشهد تطوّرًا مستمرًا في آليات عملها، خاصة بعد بدء التجهيز للمساعدات الإنسانية التي تدخل عبر معبر رفح.
وأضاف: "حتى الكشري نرى الآن أن تجهيزه أصبح أكثر سهولة، والمؤسسات تتعلّم كل جديد خلال إعداد تلك القوافل، وهذه شهادة حق لجميع الجمعيات والمؤسسات الأهلية في مصر، نفتخر أن لدينا هذا التطوّر الذي يشهدها العمل الأهلي مؤخرًا".
رحلة المساعدات الإنسانية
قد يعتقد البعض أن رحلة المساعدات الإنسانية هي أمر سهل، ولكن عندما تقترب من التفاصيل، تكتشف أنها شديد الصعوبة، وكثيرة التفاصيل، ويحتاج إلى ترتيب ومجهود كبيرين.
في البداية خاضت "الفجر" رحلة المساعدات الإنسانية مع "مؤسسة مصر الخير"، وهي أحد أبرز أذرع التحالف الوطني للعمل الأهلي، ونجحت في إدخال عدد من الشاحنات إلى قطاع غزة خلال القافلتين الأولى والثانية.
وفي التجهيز للقافلة الثالثة التي يعدها التحالف الوطني للعمل الأهلي، توجّهنا إلى أحد أكبر المخازن التابعة للمؤسسة بمدينة العريش في محافظة شمال سيناء.
تتنوّع المساعدات الإنسانية التي تقوم على تجهيزها تلك المؤسسات بين تبرّعات يتوجّه بها المواطنون أو رجال الأعمال إلى تلك المؤسسات، سواءً عينية أو مادية، والنوع الآخر هو تبرعات تقوم المؤسسة على شرائها بنفسها، سواءً كانت مساعدات غذائية أو طبية.
تستقبل تلك المؤسسات قائمة باحتياجات القطاع من الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، ثم يبدأون في الإعداد والتجهيز؛ حيث تكون المرحلة الأولى في شراء أو إحضار تلك المساعدات إلى مقر مخزن كبير سواءً في القاهرة أو المحافظات المختلفة، أو في محافظة شمال سيناء.
يعتمد جزء كبير من تلك المؤسسات على المتطوّعين أو العاملين فيها، وتضع تلك المساعدات داخل تلك المخازن؛ حيث تبدأ هنا مرحلة الفرز، وتتأكد من صلاحيتها للاستخدام الآدمي، وأنها سليمة ومتوافقة مع الاحتياجات التي يطلبها الأشقاء في غزة، ثم يبدأ الفرز والترتيب، فيتم وضع المساعدات الغذائية مع بعضها البعض في "كراتين"، ويتم توزيع النواشف أو البسكويت بشكل عام مع بعضه البعض، ثم يتم وضع المعلبات مع بعضها البعض في كرتونة أخرى، وفي المقابل يتم ترتيب المساعدات الطبية على ذات النحو.
وبعد الانتهاء من تجهيز كل المساعدات، يتم ترتيبها ووضعها داخل الشاحنات التابعة للمؤسسة، والتي تكون مجهّزة وموجودة في خارج المخزن، والتي تتوجّه بعد ذلك إلى معبر رفح بشكل مباشر، ليتم تفتيشها من الجانب المصري والتأكد من سلامة كل محتوياتها وإجراءاتها، ويتم الإعداد لعبورها عن طريق ميناء رفح البري.
توفير الأدوية بالتعاون مع الجهات المختلفة
قالت الدكتورة عفاف الجوهري رئيس قطاع الصحة بمؤسسة مصر الخير، إن القافلة الطبية التي تعدها المؤسسة الآن هي الثالثة التي تدخل عن طريق معبر رفح، بالتعاون مع التحالف الوطني للجمعيات والمؤسسات الأهلية.
وأضافت في تصريحات لـ "الفجر"، أن أكثر ما تهتم به القافلة الطبية التابعة للمؤسسة هي الإسعافات الأولية وجبس كسور العظام؛ لأنها أكثر المساعدات التي تُطلب لإسعاف من يتم إنقاذهم من تحت الأنقاض، بالإضافة إلى الإعداد لحملات التبرع بالدم، وعملت المؤسسة على التبرع بنحو ألف كيس دم للأشقاء في غزة، والذي يدخل عن طريق بنوك الدم المركزية لوزارة الصحة المصرية، وأيضًا كل ما يخص إسعاف أنواع الحروق المختلفة.
وتابعت: "لنا الفخر أن أول سيارة تعبر عن طريق بوابات معبر رفح للجانب الفلسطيني في القافلة الأولى بعد فك الحصار عن القطاع، هي سيارة مؤسسة مصر الخير، والتي كان مُحمّلة بالمستلزمات الطبية المختلفة، والتي نُعدها بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي، والهلال الأحمر الفلسطيني والمصري، ووزارة الصحة الفلسطينية، وأيضًا عن طريق متابعة وسائل الإعلام المختلفة؛ حيث رأينا ببعض الفيديوهات أطفال يحملون المحاليل خلال تلقّيهم العلاج، فعملنا على توفير حامل لتلك المحاليل".
وأكدت "الجوهري" أن المؤسسة فور علمها بقيام الأطباء بالعمليات الجراحية دون بنج، وفّرت بنج يكفي نحو 9 آلاف عملية جراحية، بالإضافة إلى أدوية غسيل الكُلى، والتي تكفي ألفي مريض، وأدوية الكيماوي أيضًا، وأدوية الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى أدوية للسيدات الحوامل، خاصة وأن غزة بها نحو 50 ألف سيدة حامل في شهورهم المختلفة.
سيدة من العريش تشارك متطوّعة مع أطفالها
حُسنة محمد هي سيدة من مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، حرصت على التواجد داخل مخزن مؤسسة مصر الخير، خلال الإعداد للقافلة الثالثة، والتي رأيناها تعمل بكل جد، على الرغم من أنها متطوّعة ولا تتقاضَ شيئًا على تجهيز تلك المساعدات، تقف بكل حزم وسط المساعدات الغذائية، وتعمل على توجيه الفتيات للتعبئة الصحيحة، وتعمل بيدها أيضًا.
قالت في تصريحات لـ "الفجر"، إن مشاركتها جاءت من دافع حبها للأخوة الفلسطينيين؛ حيث أحضرت أطفالها معها، ليتطوّعوا هم أيضًا في الإعداد والتجهيز، وتزرع فيهم مفهوم القضية الفلسطينية والإيمان بها.
وأضافت: "أتمنّى أن نُصلي في المسجد الأقصى، أعبّر عن حبي وامتناني للشعب الفلسطيني، وخاصة الأشقاء في غزة، سننتصر بإذن الله".
طفل عمره 13 عام يشارك في التعبئة والتجهيز
حرص الطفل محمد أحمد، والذي يبلغ من العمر 13 عامًا فقط، على المشاركة أيضًا في الإعداد والتجهيز للقافلة، واهتم بالمساعدات الغذائية؛ حيث وجدناه منهمكًا في تعبئة البسكويت والمعلبات في الكراتين في جانب من المخزن، وعلى وجهه نظرة تعبّر عن التفاؤل والأمل.
قال في تصريحات لـ "الفجر"، إنه كان حريضًا منذ اليوم الأول على التواجد والمساعدة في الفرز والتعبئة، كنوع من أنواع الدعم ولو كان بسيطًا للأخوة والأشقاء في غزة، لافتًا إلى أنه سيظل يتطوّع ويساعد في التجهيز رغم صِر سنه، حتى انتهاء الحرب.
جامعات مختلفة وأطفال
دعم القضية الفلسطينية لم يقتصر يومًا على الكِبار، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة خلقت حالة من الوعي لدى حتى الأطفال وليس الشباب فقط؛ فقد عهدنا منذ صِغرنا أن نعرف عدونا الأول وهو الكيان الصهيوني، ونمنا على أغنية "الضمير العربي"، ووعينا للانتفاضة الفلسطينية، ولم تترك مشاهد استشهاد محمد الدرة مكانًا في ذاكرتنا لم تُحفر فيه.
رصدت عدسة "الفجر" خلال تواجدها بمكان تعبئة وتجهيز المساعدات، تواجدًا ملحوظًا ورسميًا لطلبة المدارس والجامعات المختلفة، والذين كانوا حريصين كل الحُرص على أن يكونوا جزءًا من هذا الدعم.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: التحالف الوطني للعمل الأهلي جمعية مصر الخير مؤسسة مصر الخير المساعدات الغذائیة محافظة شمال سیناء المؤسسات الأهلیة الجمعیات الأهلیة التحالف الوطنی الأشقاء فی غزة تلک المساعدات فی تصریحات لـ مدینة العریش تلک المؤسسات مصر الخیر معبر رفح عن طریق وأیض ا
إقرأ أيضاً:
WP: عصابات السطو على المواد الإنسانية في غزة تعمل بمناطق السيطرة الإسرائيلية
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، أعدّته كلير باركر، ولافدي موريس، وهاجر حرب، ومريام بيرغر، وحازم بلوشة، قالوا فيه إنّه: "مع تصاعد أزمة الجوع في غزة تقوم عصابات النهب بسرقة معظم المساعدات الإنسانية التي تسمح إسرائيل بدخولها إلى القطاع".
وبحسب التقرير، الذي ترجمته "عربي21" فإن عصابات النهب تعمل بحرية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ وذلك نقلا عن عمال إغاثة ومسؤولين في المنظمات الإنسانية وشركات نقل وشهود عيان.
ونقلا عن المسؤولين، يضيف التقرير أنّ: "جرائم النهب أصبحت أكبر عائق أمام توزيع المساعدات في جنوب غزة، والذي لجأ إليه معظم سكان القطاع. وقام رجال عصابات بقتل وضرب واختطاف سائقي الشاحنات حول المعبر الرئيسي للمساعدات -كرم أبو سالم-، جنوب غزة، حسبما قال عمال إغاثة وشركات نقل.
وتابع: "يدير اللصوص عمليات تهريب السجائر، ولكنهم باتوا يسرقون الطعام والإمدادات الأخرى، وهم مرتبطون بعائلات محلية، كما يقول السكان. وتوصّلت مذكرة داخلية للأمم المتحدة، في الشهر الماضي، إلى أن "العصابات ربما انتفعت من تساهل إن لم يكن تسامحا إيجابيا" أو "حماية" من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأردف: "جاء في المذكرة أن زعيم عصابة أقام ما يشبه المجمع العسكري في منطقة "مقيدة" وتسيطر عليها القوات الإسرائيلية. وتقول منظمات الإغاثة إن السلطات الإسرائيلية رفضت معظم طلباتها باتخاذ تدابير أفضل لحماية القوافل، بما في ذلك المناشدات بتوفير طرق أكثر أمنا وفتح المعابر والسماح للشرطة المدنية في غزة بحماية الشاحنات".
ويقول عمال الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة وعمال النقل وسائقو الشاحنات، إنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت على مرمى البصر من الهجمات، فشلت أيضا في التدخل في مناسبات عديدة أثناء استمرار عمليات النهب. وفي بيان للصحيفة، نفى جيش الاحتلال الإتّهامات قائلا بأنه اتّخذ إجراءات مضادة ضد جماعات النهب و"بتركيز على استهداف الإرهابيين وتجنّب حدوث ضرر جانبي لشاحنات الإغاثة وعناصر المجتمع الدولي".
وأشارت الصحيفة، إلى أنها لا تستطيع العمل في غزة بسبب حظر الاحتلال الإسرائيلي على الصحافة الدولية، إلا من يسمح لها بمرافقة جيش الاحتلال. ويقوم المراسلون والمشاركون، بمن فيهم صحافيون من غزّة بالحديث مع المواطنين والأطباء وعمال الإغاثة عبر الهاتف أو الرسائل النصية، ويتم التأكد من رواياتهم من خلال مصادر متعددة، مرئية وغيرها.
وفي آخر حادث، تعرضت 98 شاحنة من 109 شاحنات محمّلة بمساعدات من الأمم المتحدة من معبر كرم أبو سالم للنّهب، ليلة السبت، وذلك حسب وكالات الأمم المتحدة ورجل الأعمال من غزة، أدهم شحيبر، الذي كان له ثماني شاحنات في القافلة.
وقامت جماعات النهب بإطلاق النار على الشاحنات واحتجزت سائقا لعدة ساعات. وفي بيان من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أنّ الهجوم قد أسفر عن: "إصابات للسائقين وضرر فادح للمركبة".
وقال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي المحتلة، مهند هادي، إن "غزة بالأساس فوضى، ولا يوجد أمن في أي مكان، ولأن إسرائيل هي القوة المحتلة؛ فإن هذه مسؤوليتهم وعليهم التأكد من حماية وتأمين المنطقة".
إلى ذلك، أجرت الصحيفة 20 مقابلة مع ممثلين لمنظمات دولية ورجال أعمال فلسطينيين على علاقة بنقل البضائع، وشهود عيان للهجمات على قوافل الإغاثة الإنسانية. وراجعت الصحيفة الكثير من الوثائق التابعة للأمم المتحدة ولم تنشر، وتركز على حجم النهب وتحدثت إلى قادة العصابات التي تعتقد منظمات الإغاثة أنهم وراء الهجمات.
وتعلق الصحيفة أنّ: "ما بدأ وكأنه ظاهرة عشوائية، يقوم من خلال مدنيون يائسون بسرقة الأغذية من الشاحنات تطوّر إلى تجارة للعصابات المنظمة، حسب قول جماعات الإغاثة. كما وأصبحت الجماعات المسؤولة أكثر عنفا وقوة. وقد فاقم ظهور جماعات النهب عمليات توفير الطعام ومواد التنظيف والأشياء الضرورية لفصل الشتاء البارد ولأكثر من مليوني شخصا".
وانخفضت المساعدات إلى القطاع في شهر تشرين الأول/ أكتوبر إلى أدنى مستوى لها منذ المراحل الأولى من الحرب، حتى مع مطالبة المسؤولين الأمريكيين، دولة الاحتلال الإسرائيلي، بزيادة المساعدات إلى القطاع أو أنها قد تتعرض لعقوبات ووقف الدعم العسكري الأمريكي.
وفي الوقت الذي يواجه فيه شمال غزة المجاعة، يعاني سكان القطاع كلهم من انعدام الأمن الغذائي. كما وجدت لجنة مدعومة من الأمم المتحدة، هذا الشهر. وبرّرت إدارة الشؤون المدنية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، القيود المفروضة على تدفق السلع بزعمها أن حماس تسرق المساعدات وتمنعها من الوصول إلى المدنيين.
وبينما تحثّ واشنطن، دولة الاحتلال الإسرائيلي، على السماح بدخول المزيد من الشاحنات إلى غزة، أصبح النهب هو العقبة الكبرى أمام توزيع المساعدات المحدودة التي تصل إلى غزة، حسب مسؤول أمريكي، مضيفا أن حماس ليست وراء الهجمات، وهو التقييم الذي وافق عليه أولئك الذين يعملون في الميدان. وقال مسؤول في منظمة دولية إنسانية بارزة: "لم نر أي تدخل مادي من حماس في أي مكان ببرامجنا، في الشمال أو الجنوب".
وتقول الصحيفة إنّ: "ظهور عصابات النهب مرتبط بحملات إسرائيل منذ شباط/ فبراير لاستهداف الشرطة المدنية في غزة التي كانت تحرس القوافل الإنسانية، ما أسهم في انهيار النظام والقانون في القطاع، حيث اعتبرت إسرائيل أي رجل أمن عنصرا في حماس".
وتابع التقرير أن هذا ما: "دفع المواطنين والمجرمين لسرقة الإمدادات، بشكل أبطأ الإمدادات. وفي البداية كان معظم المهاجمين للقوافل من الناس الجوعى الباحثين عن مواد لإطعام عائلاتهم". وفي أيار/ مايو سيطر الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح وأغلقه، بشكل خفّض من مستوى القوافل الإنسانية إلى القطاع.
وتم تحويل كل المساعدات إلى معبر كرم أبو سالم الذي يتجه نحو جنوب غزة، وهي المنطقة التي لعبت فيها القبائل البدوية وعصابات الجريمة المنظمة دورا مهما. وبحلول الصيف، ازدهرت تجارة السجائر المهربة في السوق السوداء، التي حظرها الاحتلال الإسرائيلي من دخول غزة أثناء الحرب، حيث هاجمت عصابات الجريمة المنظمة الشاحنات بحثا عن السجائر.
وأصبح التبغ عملة صعبة، حسب رئيس مكتب غزة التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، جورجيوس بيتروبولوس، الذي قال إنّ: "علبة السجائر التي تحتوي على عشرين سيجارة تباع الآن بنحو 1,000 دولارا"، ووصفها بأنها "سرطان تسلل إلى سلسلة التوريد لدينا".
وأضاف: "السجائر التي كانت في الماضي مخبأة داخل المنتجات، يعثر عليها الآن داخل معلبات الطعام مما يعني أن التهريب يبدأ من المصانع. ويعتقد أن منشأ معظم المواد المهربة هو مصر. ويمر طريق التهريب عبر شبه صحراء سيناء حيث ترتبط القبائل السيناوية بقبائل غزة"، حسب قول منظمات الإغاثة ومدراء الشركات. ولم يرد متحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، على طلب الصحيفة للتعليق.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة إنهم طلبوا من دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة الحد من تهريب السجائر، أو السماح بدخولها بشكل قانوني، لتخفيف وباء النهب، بدون أي نتيجة. وظهر في مقطع فيديو صوره أحد العاملين في المجال الإنساني في حزيران/ يونيو، وشاركه مع صحيفة "واشنطن بوست" أربعة رجال كانوا واقفين أو جالسين على شاحنة مفتوحة، واستخدم أحدهم أداة حادة لفتح صندوق من مساعدات الأمم المتحدة، وقال العامل إنهم كانوا يبحثون عن السجائر.
وتضيف الصحيفة إن الاحتلال الإسرائيلي أوقف خطوط الإمدادات التجارية لغزة في الشهر الماضي، بذريعة أن المسلحين يستفيدون من التجارة، فيما انخفض عدد الشاحنات الإنسانية إلى القطاع ولمستويات متدنية جدا.
وبحسب العرض الذي قدمه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لمجموعة تضم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والدول المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة، فقد سرق ما يقرب من نصف المساعدات الغذائية التي نقلها برنامج الغذاء العالمي على طول طريق جنوب غزة، والتي تقلّصت بالفعل.
وقال أحد عمال الإغاثة الدوليين إن العصابات اعتادت التخلص من المساعدات على الطريق حتى يتمكن المدنيون من التقاطها، بعد العثور على السجائر المخبأة. وأضافوا الآن "في كثير من الحالات، يقومون باختطاف الشاحنة بأكملها ونقلها إلى مستودع" لإعادة بيع المواد الغذائية والسلع الأخرى بأسعار باهظة في السوق السوداء.
وتساءلت الصحيفة عن الجهة أو الجهات التي تستفيد من المواد المسروقة، مشيرة إلى اتهامات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة لحماس بأنها المستفيد الأخير، لكنهم اعترفوا في الأسبوع الماضي أن عائلات الجريمة المنظمة هي المسؤولة عن النهب.
وقال مسؤول إسرائيلي للصحافيين في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر: "بعض جماعات النهب مرتبطة بحماس وأخرى غير مرتبطة". وقال ناهض الشحبير، شقيق أدهم والذي يدير شركة نقل خاصة إنّ: "الرجل المسؤول عن عمليات النهب، أمضى فترة في سجون حماس بتهم جنائية".
وفي المذكرة الداخلية للأمم المتحدة التي حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست" فإن الرجل المسؤول هو ياسر أبو شباب، من قبيلة الترابين التي تعيش في جنوب غزة وصحراء النقب في دولة الاحتلال الإسرائيلي وشبه جزيرة سيناء المصرية. وهو "الطرف الرئيسي والأكثر نفوذا وراء عمليات النهب الممنهجة والواسعة" لقوافل المساعدات.
وقال ناهض شحيبر إنّ: "أبو شباب الذي يعمل انطلاقا من الجزء الشرقي من رفح، يقود مجموعة تتألف من نحو "100 بلطجيا" يهاجمون الشاحنات التي تحمل الغذاء وغيره من الإمدادات إلى غزة".
وقال إنه في إحدى الحوادث التي وقعت في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، تعرّضت نحو 80 شاحنة مساعدات من أصل 100 شاحنة تابعة لشحيبر للهجوم وسرق رجال أبو شباب البضائع الموجودة بداخلها. وأضاف أن العصابة قتلت أربعة من سائقيه منذ أيار/ مايو، وكان آخرهم في هجوم في 15 تشرين الأول/ أكتوبر. وقال شحيبر إن سائقا آخر تعرض للهجوم الشهر الماضي، لا يزال في المستشفى مصابا بكسر في الذراعين والساقين.
واتّصلت صحيفة "واشنطن بوست" بأبو شباب، زعيم العصابة المزعوم، عبر الهاتف هذا الشهر. وقد نفى أن يحمل رجاله أسلحة أو يهاجمون السائقين. وبينما اعترف بأنه وأقاربه "يأخذون من الشاحنات"، أصرّ على أنهم لا يلمسون "الطعام أو الخيام أو الإمدادات الخاصة بالأطفال". ولم ترد إسرائيل على أسئلة من صحيفة "واشنطن بوست" حول أبو شباب وأنشطته الإجرامية المزعومة.