الموسيقى بين الأميرمحمد القمندان ومحمد جمعة خان «1»
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
بالإشارة إلى ما ورد في هذه الزاوية المتواضعة وفي أكثر من مقال سابق بشأن الصلات الموسيقية بين عُمان والهند، والهوية الموسيقية ومسألة الإبداع الفني، أتوسّع قليلا بشأن هذه المسائل وأتجه بهذا المقال جنوبا نحو لحج وحضرموت في الجمهورية اليمنية، وأقارن بين تجربتين إبداعيتين أفضى كل منهما إلى تأسيس مدرسة غنائية في التوجهات الفنية والأساليب والقوالب الفنية.
غنِ يا هادي نشيد أهل الوطن.. غنِ صوت الدان
ما علينا من غناء صنعاء اليمن.. غصن من عقيبان
وهكذا كانت منطلقات الأمير الملحن والشاعر محمد فضل القمندان سياسية وثقافية، فلا يريد أن تكون سلطنة لحج (السلطنة العبدلية) تابعة موسيقيا لصنعاء وتحت التأثير الثقافي للإمامة المتوكلية رغم إنه ألّف في الموشحات القالب الفني الصنعاني والعربي. من هنا أولى عنايته الشخصية نحو تأصيل الهوية الثقافية الموسيقية لسلطنته بعيدًا عن تأثير صنعاء الموسيقي، منطلقا من الموروث الغنائي اللحجي «لاكتشاف موارد جديدة للإبداع» ووفق رؤية فنية جديدة أشار إليها الأستاذ جابر علي أحمد.
والقمندان لم يكن في رؤيته تلك ناقلًا، ولا «مطورًا» على طريقة بعض المعاصرين عندنا، حيث قد نجد لحنا واحدًا يكرره الجميع في مناسبة أو غير مناسبة. فالتطوير القمنداني كان تطويرا خلاّقا وليس نقلا لما سبقه، ولو كان كذلك لماتت مدرسته الفنية ولن تتوارث ألحانه وأغانيه من بعده كتجربة ملهمة لغيره. جدير بالذكر أن فرقة القمندان كما ذكرها الكاتب جابر علي أحمد في كتابه المشار إليه تتكون من سبعة أفراد في مقدمتهم المطرب فضل محمد اللحجي، وعازف آخر للعود ومغنٍّ أيضا، وثالث للكمان، وثلاثة عازفين على الآلات الإيقاعية واثنان كورس. وهذا العدد القليل من الأشخاص المبدعين والماهرين بقيادة الأمير الشاعر والملحن كان كافيا لبلورة أهداف وإنجاز مشروعه الفني الذي لا يزال صداة يتردد حتى وقتنا هذا. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن نصوص القمندان التي كانت تغنيها فرقته ليست كلها من ألحانه، فقد شاركه في هذا أعضاؤها البارعون.
القمندان القائد العسكري للسلطنة العبدلية والمتعدد المواهب كانت رؤيته واضحة وعنايته بالثقافة والفن، خلّد ذكراه كشخص مؤثر في تاريخ هذه المنطقة الثقافي. وأعتقد أن رؤيته ومشروعه الفني والإبداعي الجديدين قد ضمنهما وأصّل لهما في كتابه:« فصل الخطاب في إباحة العود والرباب» الذي ما زلت أبحث عنه.
تمكن الأمير بواسطة فرقته الموسيقية تلك من وضع الغناء اللحجي على خارطة الغناء اليمني والجزير العربية حتى وقتنا هذا. ومن الواضح أنه عمل على نشر أغاني فرقته الجديدة بين الناس، لذلك لم يكن يتردد بالموافقة على إحياء الفرقة للأعراس والمشاركة في مختلف المناسبات الخاصة والشعبية العامة. لم يقفل القمندان الباب على فرقته في قصره أو مزرعته المشهورة « بمزرعة الحُسيني » التي تردد اسمها كثيرا في أشعاره وأغانيه، من هنا انتشرت أغاني القمندان وهذه الفرقة ومطربوها في جميع الأرجاء. ومن في الجزيرة العربية لم يسمع بأغنيته الشهيرة « سلام مني عليكم يا حبايب » بصوت مطرب لحج واليمن فيصل علوي مثلا:
سلام مني عليكم يا حبايب.. يا حبايب
يوم الهنا باتوجنا للحُسيني.. يا حمَام الحي غنّي
حيّا لكم بانسوي كل واجب.. كل واجب
أهلا على الرأس يا حبابي وعيني.. يا حمَام الحي غنّيالورد والفل أشكاله عجائب.. أشكاله عجائبأبيض ووردي وأصفر وأرجواني.. يا حمَام الحي غنّي
وعندنا اليوم مولى الكيد خائب. الكيد خائب
ما تعجب إلا المغاني والغواني.. يا حمَام الحي غنّي
ما همني قط في حاسد وعايب.. حاسد وعايب
قم حرك العود سمعني المعاني.. يا حمَام الحي غنّي
شوف المطر في الحُسيني اليوم ساكب.. اليوم ساكب
تبلبل الورد وأغصانه دواني.. يا حمَام الحي غنّي
من شاف هذا الخبر عنده مُناسب.. عنده مناسب
قُلّه يجي ثَمّ بقراء له بياني.. يا حمَام الحي غنّي.
الكتابة عن القمندان تطول نظرا لمكانته ودوره الثقافي والفني في اليمن والجزيرة العربية، وفي المقال القادم أستكمل الكتابة عن بعض ما خلّفه لنا من أثر غنائي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
علي جمعة يحذر من أمور تصيب من يفعلها بالبلاء والوباء
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان المعاجزة حالة وهمية يتوهم فيها الإنسان المغرور أمورًا منها : أنه له قوة أصلا وله ملك ذاتي، ولا يعلم أن القوة جميعا لله، وأن الله المالك وحده، ثم يتوهم أن ما يظهر عليه من قوة هي من الله، ومن ملك هو لله، توهم أن ذلك لا يمكن أن يزول منه، ويتوهم أنه قادر على إبقائه وحراسته، ثم يتوهم بعد ذلك أن هذه القوة التي توهم أنها ذاتية وأنها باقية أنها تقوى على معاندة أمر الله.
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان الإنسان مقهور بقدر الله وأمره، وإن توهم غير ذلك، قال تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ، وقال تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) .
والله سبحانه هو القدير الذي لا يعجزه شيء في السموات والأرض، ولقد أكد الله تلك الصفة، فقال تعالى : (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ).
وضرب الله الأمثال لذلك من التاريخ والآثار، فقال سبحانه : (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِى السَّمَوَاتِ وَلاَ فِى الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).
وتيقن فريق الجن الذي سمع القرآن أنه لا يعجز الله، ولا يمكنه الهروب منه، قال تعالى حكاية عنهم : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِى الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا) ، و(ظننا) هنا ليست على معناها الأصلي من عدم التأكد، وإنما هي بمعنى (علمنا) و(تيقنا)، وذلك كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ، وقوله سبحانه : (وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ).
فالله خلقنا وأمرنا بعمارة الأرض، وحد لنا حدودا، وأمرنا بأوامر ونهانا عن نواه، وينبغي على العاقل أن يقف عند حدود الله، وأن يأتمر بأمره، وينتهي عن نواهيه، فإن التعامل مع أوامر الله ونواهيه فرع على معرفة الله سبحانه وتعالى والعلم به، فلابد أن يتقين المسلم أن الله هو الفعال لما يريد، وأنه على كل شيء قدير، وأنه تقدست ذاته، وسما قدره، لا مثيل له، ولا ند له، ولا ضد له، ولا يعجزه شيء.
فمن حاول مبارزة الله بالمعاصي أصيب بالوباء والبلاء، ثم يرد إلى يوم القيامة فينال الجزاء الأوفر، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حين تحدث عن خمسة أصناف من هؤلاء المعاجزين، ويحذر المهاجرين من ذلك فيقول : (يا معشر المهاجرين خمس إن ابتليتم بهن أعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعملوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم من غيرهم وأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا ألقى الله بأسهم بينهم) [أخرجه الحاكم في المستدرك]
فلا يمر المعاجزون في كون الله وآياته بلا عقاب في الدنيا قبل الآخرة، وصدق الله تعالى إذ يقول : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ).
فتدبر أيها المؤمن كتاب ربك، واعلم أنه قد أنزله ليخرجك من الضلالة إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور، رزقنا الله الاستقامة والإيمان والتسليم.