قصة «مفبركة» وصالحة للتعاطف!
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
لفتني ما وُصف به الكاتب الياباني هاجيمي إيساياما، مؤلف مسلسل الإنمي الأكثر شهرة في الآونة الأخيرة «هجوم العمالقة»، باعتباره كاتبا مُعاديا للسامية، فلقد «جعل اليهود وحوشا يتحولون إلى عمالقة ويفسدون في الأرض». قرأتُ ذلك وأنا أقطعُ حلقات الجزء الرابع بصحبة أبنائي المشغولين بتحليل نظرياته وأبعاده وأزمانه المتداخلة والعميقة في آن.
كما لا يفوت أحدنا كثافة الترميزات الدينية والأسطورية، وقد برر أحدهم نجاح المسلسل لكونه: «يُغذّي أكثر ما يُحيّرُ وجودنا كبشر ويلتقطَ أكثرَ فصول إنسانيتنا هشاشة».
ولعل عين المشاهد الحذق وحواسه المتقدة، تكشفُ تشابها غامضا بين قصّة «الإلديانيين» في مارلي، وقصّة اليهود في أوروبا الشرقية، فثمّة شروحات تُعيدنا إلى أماكن حقيقية لها أسوار عالية وبوابة ذات حراسة مُشددة -كتلك التي فرضها هتلر- وشارات مُعلقة على الأذرع لتمييزهم عن الآخرين!
إنّ أحد أهم الأسئلة التي تجول في خاطرنا منذ بدء الأحداث المروعة في فلسطين: لماذا يُصدق العالم قصّة إسرائيل؟ رغم أنّه من اليسير على أحدنا بمجرد القراءة العابرة للتاريخ أن يُدرك الضغينة التي زجّت فلسطين إلى منعطفٍ حادٍ كهذا! لكن وكما يبدو فإنّ الذي يُمنح التعاطف العالمي هو الذي يقصُّ سردية جذابة وقابلة للتصديق، وهذا ما فعله الصهاينة باقتدار لأكثر من سبعة عقود، وقد تلقف الخيال الغربي الحكايات «الملفقة» باستحسان هائل. تناول أحمد الغندور على قناته اليوتيوبية «الدحيح» هذه الفكرة اللافتة في حلقة بعنوان: «حكاية الأرض»، وقد ذهب لتفصيل بالغ الدقة حول أنّ اليهودي الذي ينتقد الصهاينة، يُسمى «باليهودي الذي يكره نفسه»، لمجرد أنّه يحاول إفساد قصّة التعاطف التي ينسجونها، قصّة «عودة اليهود الشجعان إلى أرض الأجداد للبدء بتعميرها»!
وجد الغندور مقاربة بين ما يفعله الصهاينة وبين تعاطف الرجل الأبيض معه، ربما لأنّه يستعيد هو الآخر تاريخه عندما غيّر ملامح أمريكا بإبادة الهنود الحمر! فهم يملكون مسوغات فعل ذلك، لبناء حضارة ذات طراز رفيع حتى وإن كانت فوق مقابر بشرية! فما نشرته الصحيفة الأشهر نيويورك تايمز عام ١٩٤٨ بأنّ: «اليهود في خطر مميت على أراضي المسلمين»، يجعلنا نتأكد بأنّ القصّة المفبركة يُراد تصديقها منذ بدء تخلقها!
وضع مسلسل «هجوم العمالقة» أسبابا لإبادة رعايا «يومير» باعتبارهم شياطين في الأرض ولا حق لهم في الحياة، الأمر الذي يُذكرنا بشيطنة بعض الأعراق والحق في إبادتها لتطهير الأرض منها. بينما في الجهة المقابلة تظهر لنا صورة الوالدين الذين يُلقنان ابنهما «زيك» ما يمكن أن نفسره الآن بأنّهم شعب الله المختار! يُضيء المسلسل أيضا تلك الرغبة المحمومة في الحصول على الوقود الأحفوري «الغاز»، فهل يمكن أن تُبنى هذه القصّة على صدفة الأطماع التي تتوحش في العالم بأسره؟
عندما تردد اليهود بشأن فكرة الانتقال إلى فلسطين قبل عام 48 -كما تشير الحلقة- اضطلع صانعو القرار لحبك أسطورة مؤثرة، فالسفر إلى المجهول مخيف دوما، لكن ماذا لو قلنا لهم: «نحن لن نهاجر بل سنعود إلى وطننا»! فالرؤية الصهيونية تُقدم لنا اليهود باعتبارهم حالة فريدة في التاريخ، العداء ضدهم ثابت وقدري «معاداة السامية مرض وراثي بلا شفاء وعدوى عمرها 2000 سنة»، ولذا استُخدم الدين مسوغًا لتحقيق فكرتهم الاستعمارية، وغُرس في أعماقهم أنّ كراهيتهم تتم لمجرد أنّهم يهود، لذا فالحل أن تكون لهم دولة مستقلة ووطن خاص دون اندماج بالآخرين. هذا ما رآه هرتزل مؤسس المنظمة الصهيونية، فاختلاق تصور معاداة العالم للسامية -المستمر حتى اللحظة- هو الحل الذي سيُمكن اليهود من بناء قصتهم الأسمى، ولذا يُجرم أي رأي أو قول أو موقف لمجرد أنّه يثير حساسيتهم!
حتى لحظة كتابتي لهذا المقال لم أجد للكاتب الياباني «إيساياما» موقفا مُحددا في هذه الديستوبيا المرعبة، فهو يدفعنا لتورط عاطفي ثمّ يسحقنا بحقائق أكثر تعقيدا مما يبدو على السطح المتوتر، لكنه ينفي وجود عالم مثالي وحكاية مكتملة «فمن يمتلك المستقبل يُباح له انتهاك خطوط التاريخ»!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذی ی
إقرأ أيضاً:
اليابان تريد ربط الأرض بالمريخ
لقد أثار مفهوم المصعد الفضائي، الذي يمكنه رفع البشر والبضائع من سطح الأرض إلى الفضاء، فضول العلماء والمهندسين على مر السنين، تقترب شركة Obayashi Corporation اليابانية من الحلم بالعديد من الصعوبات التكنولوجية، إذا تم بناؤها بنجاح، فإن المصعد الفضائي سيغير مفهوم السفر إلى الفضاء من خلال جعله خيارًا ميسور التكلفة للسرعة إلى كواكب أخرى.
المصعد الفضائي هو مجرد كابل متصل بالفضاء من الأرض - كل شيء آخر هو نقل بدون دفع صاروخي. لولا ذلك، لكان من الضروري استخدام العديد من محركات الصواريخ الثقيلة والمكلفة لاستخدام هذا المصعد، ولكن بدلاً من ذلك، سيكون به مركبات كهرومغناطيسية تسمى المتسلقين، تعمل بالطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو الموجات الدقيقة.
ستعمل هذه المتسلقات على نقل البضائع إلى المدار، وبالتالي خفض تكلفة إرسال شيء إلى الفضاء إلى بضعة سنتات للكيلوجرام. الآن، بعد أن بدأ الكثير من الضجيج حول المصاعد الفضائية ليس فقط للمدار بل وأيضًا للكواكب الأخرى في الظهور في وسائل الإعلام والمجلات، ربما يكون أحد أكثر الأمثلة شهرة هو السفر إلى كوكب المريخ المجاور للأرض.
تشير التقديرات إلى أنه من الممكن أن يقلل ذلك من وقت السفر إلى المريخ بشكل كبير، من حوالي 6 أشهر كما يستغرق عادةً إلى أقل من شهرين، وربما 40 يومًا فقط. يمكن لمثل هذه الابتكارات أن تحدث ثورة في استكشاف الفضاء إلى مستقبل أكثر جدوى وأقل تكلفة للاستيطان البشري على كواكب مثل المريخ.
المهمة النهائية للمصعد الفضائي: الحصول على المادة المثالية للربط
تبدو فكرة المصعد الفضائي واعدة ومستقبلية، ولكن هناك بعض التحديات المرتبطة بها. أحد هذه التحديات هو المادة المستخدمة في بناء الربط. إن الحبل يجب أن يكون قوياً جداً لأنه مطلوب منه أن يحمل وزن الجسم وشدته حتى النقطة التي يصل فيها ذلك الجسم إلى المدار الجغرافي المتزامن حيث يكون خط الجسم حذراً للغاية حتى لا يسمح له بالغرق تحت جاذبية الأرض ولكن حتى الآن لم تتم دراسة مواد متقدمة مثل الفولاذ وما وراء هذا الشكل من الاهتمام.
إن البديل المثالي سيكون أنابيب الكربون النانوية، والتي من خصائصها أنها أقوى من الفولاذ بمرتين أو ثلاث مرات وأخف وزناً منه. ومع ذلك، فإن التكنولوجيا الحالية في الأنابيب النانوية لم تتقدم بشكل كافٍ حيث أن أطول الأنابيب النانوية لا يتجاوز طولها بضعة أقدام ولا يزال أمامها الكثير لتقطعه للوصول إلى الرقم السحري الذي يبلغ حوالي 40 ألف كيلومتر لتصبح مصعداً فضائياً.
كما يجب أن يتحمل الحبل ظروفاً قاسية تقريباً مثل ضربات البرق والأعاصير والعواصف. لا يمكن تجنب الطقس بوضع قاعدة الحبل على طول خط الاستواء، ولكن الحبل يجب أن يظل أقل عرضة للكوارث. سوف يتضمن المشروع مساحة إجمالية ضخمة ومالاً لا يقدر بثمن بحوالي 100 مليار دولار. إن مثل هذا التعاون في المشاريع لا يمكن أن يأتي من صناعة واحدة فقط بل من العديد من الصناعات.
إن التأثير الكبير الذي قد يترتب على مصعد الفضاء المحتمل في خفض تكاليف رحلات الإطلاق بنحو 90% في السفر إلى الفضاء
إن الإيجابيات الحاسمة في رؤية مصعد الفضاء هي التغييرات المذهلة في عيوبه. ولعل أهمها هو أن التكلفة سوف تنخفض بأكثر من 90%، بما في ذلك تكلفة إرسال حمولات ثقيلة.
على سبيل المثال، وفقاً لشركة أوباياشي، فإن التكلفة سوف تنخفض من تطورات تكنولوجيات الصواريخ التجارية إلى 24 دولاراً فقط للكيلوغرام الواحد للتسليم إلى الفضاء، حيث أنها أخف وزناً من 552 دولاراً للكيلوغرام الواحد حالياً.
إن مثل هذه التخفيضات سوف تفتح المجال أمام صناعات جديدة مثل التعدين الفضائي والسياحة الفضائية. كما أن المصاعد الفضائية، مقارنة بالصواريخ، سوف تكون أكثر أماناً، حيث لا تسبب خطر الأكسدة عند الإطلاق. وسوف تعمل المصاعد بالكهرباء، ولا تسبب أي انبعاثات وتشكل بديلاً صديقاً للبيئة لوسائل السفر الفضائي التقليدية.
ورغم أن سرعة المصعد الفضائي أقل من سرعة السفر التي تبلغ نحو 200 كيلومتر في الساعة، فإنه سيساعد في نقل الأدوات الحساسة، لأنه سيخلق اهتزازات أقل، مما يلحق ضررا ضئيلا بالأدوات الحساسة. إن بناء مصعد فضائي هو في الواقع حلم وهدف ينطوي على العديد من التحديات. ويعتقد أنه بحلول عام 2050، قد يتم ترجمة مثل هذا المشروع إلى واقع من خلال البحوث الجارية في علم المواد وتقنيات البناء.
وسوف يبدأ البناء قريبا، وفقا للخطط التي وضعتها شركة أوباياشي، ولكن قد يبدو الأمر حقا وكأنه قصة خيالية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الحلم سوف يدر فوائد كبيرة. وإذا نجح، فقد يبشر بعصر جديد في استكشاف الفضاء، وهو حلم من المرجح جدا أن يحول الخيال العلمي إلى حقيقة.