د. عبدالله باحجاج

سيدخل السابع من أكتوبر 2023 ضمن الصيرورات الكونية التي غيَّرت البشرية من عدة نواح استراتيجية، هي الآن منظورة وغير منظورة، وهذا التاريخ يرتبط بطوفان الأقصى الذي يُحيِّر أصحاب العقول المجردة حول أسبابه ودوافعه وتوقيته الزمني، فعندما يحتكمون له- أي هذا العقل- يتساءلون عن عقلانية فعل حركة المقاومة الإسلامية حماس في ذلك اليوم بمقارنة قوتهم بقوة الكيان النازي، ويحاججون الآن بكثرة الشهداء وقوة التدمير وشموليته.

. مقابل ضحايا الجانب الصهيوني، ولم يرفعوا رؤوسهم للتفكير باستثنائية الفعل وقدرية التوقيت أو حتى حيثياته ونتائجه العميقة والمتعددة.

أما أصحاب الألباب أي أصحاب العقول المستقيمة والفطرة السليمة، فهم يسلمون بأنَّه لن يحدث في أرض الله إلّا ما يشاء الله، فكيف إذا ما كانت أرض الجهاد الموعودة بالنصر، وأن المعركة معركة الحق في الحياة، والحق في الكرامة والشرف، والحق في الأرض، والحق في الدين؟ والمطلعون على تردي الأوضاع في غزة وانتهاكات الصهاينة للشرف والعرض والكرامة وكل مقدس بما فيها الأرواح، سيرى أنها مُقدمة ضرورية لفعل كبير مُقبل، لأنَّ الخسائر في غزة ترتقي إلى مستوى تداعيات فعل كبير كالعدوان الراهن، ولن يذهب التفكير في استشرافاته إلى احتواء الطوفان مجموعة صيرورات متزامنة ومتداخلة وعابرة جغرافية غزة الباسلة.

وعندما نعمل التفكير من السياق الفكري الديني نرى في طوفان الأقصى في توقيته صيرورة لصالح منظومة الأخلاق والقيم في منطقة الخليج العربية، فقد كانت هذه المنطقة قبل الطوفان مستهدفة في منظومتها بخطط ممهنجة وفورية، رصدت لها موازنات مالية كبيرة، وقد تناولناها في عدة مقالات سابقة، وذلك بهدف إشهار إفلاسها الأخلاقي والقيمي من خلال نشر الإلحاد والمثلية والنسوية، واستهداف الأطفال والمرأة كبوابة أساسية لاستدامة الإفلاس، كنَّا في الخليج نعيش في قلق متصاعد من نجاحهم في ظل صمت الأنظمة والنخب حتى جاء يوم السابع من أكتوبر الماضي بطوفان جرف خططهم وأجبرهم على الانتقال إلى غزة، ومنذ تاريخ الطوفان إلى الآن لا حس لهم ولا خبر، سوى ما يفعله وكلاؤهم المحليون الذين يشتركون معهم في الأجندات لفتح الذهنيات خاصة الشباب وتحييد الذهنيات المؤطرة دينياً عن مرحلة تأسيس عهودهم الجديدة.

انتقلت تلكم الدول سريعًا إلى غزة بعد عقد اجتماع استثنائي عاجل لإعلان تضامنها مع الصهاينة ومدهم بالمال والعتاد والرجال، وصل بواشنطن إلى مشاركة نخبها القتالية على غزة، وأن تكون أسلحتها أداة قتل الأطفال وكبار السن، وتدمير المستشفيات والمساجد والمنازل، ووصل بلندن يوم الجمعة الماضية إلى تصويت برلمانها بالأغلبية إلى رفض التصويت على وقف إطلاق النار في غزة رغم المجازر المتتالية.

لماذا سارعوا لنصرة الصهاينة ضد غزة؟ لأنَّ كيانهم المزروع في قلب وطننا الإسلامي العربي قد أظهره الطوفان صغيرًا لا يقدر على الدفاع عن نفسه لساعات، ولأنَّ رسالته اللاأخلاقية في وطننا الإسلامي العربي في خطر تاريخي، فقد زرع لتفتيت الدول الإسلامية والعربية، وإفساد نخبها، وأخلاق مجتمعاتها. من هنا نُفسِّر مسارعتهم لإنقاذه والدفاع عنه، فهو نافذتهم الاستعمارية لضمانة تمزيق وحدتنا وتشتيت لحمتنا، وإفلاس أخلاقنا، وبإغلاقها لن يكتب لخططهم وسياساتهم في المنطقة النجاح إذا ما انتصر الإسلام في غزة خاصة وفلسطين عامة، وسيكون هذا الانتصار مصدر إلهام وإشعاع لكل شعوب المنطقة؛ بل والعالم كله، مثل ما هي غزة الآن بمجازرها مصدر إلهام لكل أحرار وشرفاء العالم من رؤساء دول وبرلمانيين ونخب وشعوب خرجت مظاهرات واحتجاجات مليونية، ضد العدوان على غزة.

تشعر الدول الصناعية السبع الكبرى بالخطر الوجودي على حضارتها المادية من طوفان الأقصى، فكلنا نعلم الأسس الفلسفية لحضارتهم، وهى الفردانية والأنانية وخلو التعامل الاقتصادي والاجتماعي من القيم وإطلاق الحريات الفردية، ولن تسمح لشعب يقوده إسلامه إلى الانتصار على كيانهم المزروع في قلب أمتنا الإسلامية، عليهم أن يؤجلوا كل خططهم وسياساتهم في الخليج لمواجهة الخطر الوجودي عليهم، وهي غزة، وقد كانت منطقتنا الخليجية قبل يوم السابع من أكتوبر الماضي تجر إلى مستنقع السقوط الأخلاقي بخطط ممنهجة، وبضغوطات سياسية من دول العدوان على عزة نفسها، فقد كانت أبرز أجندتهم في الخليج نشر الإلحاد والمثلية والجندرية والنسوية.. وخصصت لها مؤسسات وموازنات ضخمة، أحدثت سريعاً شروخات في بنية بعض المجتمعات الخليجية، ودقت ناقوس الخطر على المنظومة الأخلاقية والقيمية في الخليج بأكمله.

من هنا نعتبر طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي قد جاء كذلك لينتصر لقضية الأخلاق والقيم في الخليج خاصة والمنطقة عامة؛ فالقضية في مجملها صراع بين الحضارات الإنسانية، مع حضارة مادية تعادي صراحة الأخلاق والقيم وتطلق الحريات الفردية دون قيود أو ضوابط أخلاقية، وعندما تنهار منظومة الأخلاق والقيم، ويعلن الإفلاس الأخلاقي في منطقتنا، فعلينا تصور كل شيء على البال، وهو المستهدف من تلكم الدول في الخليج، ويعتقدون أنهم قادرون على تحقيقه، حتى أتى أمر الله بطوفان غزة توقيتا، فاختفوا في الخليج فجأة مثلما ظهروا بالإلحاد والمثلية والجندرية فجأة.

لذلك نعتبر طوفان الأقصى في توقيته إرادة إلهية ذات غايات شمولية متعددة وعابرة لحدود العالم، فشكرا غزة، ولا قلق على ضحاياها الشهداء؛ فدماؤهم الطاهرة البريئة ستصنع العز والكرامة للبشرية، وستُحرر الأراضي المقدسة من دنس الصهاينة، وستنقذ منظومة القيم والأخلاق في منطقتنا الإسلامية، وتوقظ الضمائر الميتة فينا، وتحيي الشعوب الحرة في العالم، وسيكون لها موقف ضد حكوماتها المتواطئة في جرائم غزة، فلا تقلقوا على غزة، واقلقوا على أنفسكم من غزة، فهنيئًا لغزة بالشهادة، وهي غاية المسلم في الحياة، وهنيئًا لنا بغزة التي وضعت حدًا لخطط دول العدوان لإفلاس أخلاقنا ولو مؤقتًا، وهذه الوقتية حتى الآن تُحيي فينا جينات الصمود والتصدي لأي إعادة مقبلة لخططهم في المنطقة.

وليطمئن أصحاب التأطيرات الجامدة على كثرة سقوط الشهداء، فسقوطهم على مبدأ نتيجته الجنة بإذن الله، وليتأملوا في سقوط الملايين من شبابنا العربي بسبب المخدرات التي مصيرها النار لا قدر الله، تأملوا في المسارين ومآلاتهما، وفي إطار هذا التأمل، نرى أن دول العدوان لن تحتاج لأسلحة لتدمير الشباب الإسلامي والعربي مثلما فعلت في غزة، فقد نشرت المخدرات للقيام بهذه المهمة، فاصبحوا مصير معظم الشباب العربي، وبالأخص في دول مركزية بين الموت الفوري منها والموت المؤجل بسبب الإدمان.

بعض الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 50% من شباب دولة عربية يتعاطون المخدرات، وأخرى تقدر عدد المدمنين بـ6 ملايين، فأي الوفاتين تصنع المجد في الدنيا وتضمن الجنة في الآخرة، لا تقلقوا على عدد شهداء غزة، فهم مختارون للمكان وللشهادة.. لأنهم ذخيرة النصر الموعود، وما دام موعودا، فلن تنتهي الذخيرة أبدًا، اقلقوا على مواقفكم، وعواقب مصير خذلان من يستوجب عليكم نصرتهم، اقلقوا على أوطانكم التي رسمتها دول العدوان نفسها لتفرقة أخوتكم وفصل مسيركم ومصيركم الواحد، فأنتم تظهرون هنا ضحايا هذه الدول، فاستيقظوا قبل فوات الأوان.

شكرًا لغزة فقد حررت الضمائر الميتة من سجون الخوف والتردد، فلن تسمح بعد طوفان غزة لخطط وبرامج دول العدوان أن تنفذ كما كانت سابقا قبل العدوان، ستقاوم كما يقاوم المجاهد في غزة دفاعا عن أرضه وشرفه وعرضه وإسلامه.. وهذا من كبرى المكاسب المتحققة من طوفان الأقصى؛ بل وأعظمها إطلاقًا، لأنها تحرر الوعي، وتجعله يقارن بين موت الشهداء في غزة، وبين السجن الذي قد يكون مصير المدافعين عن الأخلاق والقيم في بلدانهم، وشتان المقارنة بينهما؛ لذلك فطوفان الأقصى صيرورة زمنية وسياسية عابرة للحدود ومؤسسة لوعي عربي وإسلامي بل عالمي جديد متحرر من الخوف والتردد، وتوقيتها لم ولن يكون نتيجة حسابات عقلانية مجردة أيها العقلانيون.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحية : الشعب والفصائل حققوا أهداف معركة طوفان الأقصى

قال القيادي في حركة حماس خليل الحية، الجمعة 31 يناير 2025 ، إن الشعب الفلسطيني والفصائل المسلحة حققوا أهداف معركة "طوفان الأقصى"، معتبرا أنها أسقطت هيبة إسرائيل وجيشها.

وفي كلمة مصورة، قال الحية: "حقق شعبنا ومقاومته أهدافهم من معركة طوفان الأقصى، وفي مقدمتها تمريغ أنف الكيان الإسرائيلي وإسقاط هيبته وهيبة جيشه".

وأشار إلى أن "هزيمة الكيان باتت ممكنة، كما أصبح تحرير فلسطين ممكنا".

و"طوفان الأقصى" عملية نفذتها فصائل فلسطينية، بينها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، بشن هجوم مباغت على مواقع عسكرية ومستوطنات محاذية ل غزة ، بالتزامن مع حصار إسرائيلي خانق على القطاع منذ 18 عاما، وتصعيد إسرائيل لانتهاكاتها بحق المسجد الأقصى.

وأضاف الحية أن "المقاومة، وبعد توقف المعارك (الحرب الإسرائيلية)، قررت الإعلان رسميا عن استشهاد عدد من كبار قادتها".

وأشار إلى أن "قادة المقاومة يقدمون أرواحهم في سبيل الله ولا يهابون الموت مشتبكين مع العدو في الصفوف الأمامية من أجل فلسطين".

والجمعة، أعلنت حركة حماس أسماء 16 من أعضاء مكتبها السياسي وقادتها الذين قتلتهم إسرائيل على مدى نحو 16 شهرا من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في قطاع غزة.

وشملت الأسماء التي نشرتها حماس، أعضاء من مكتبها السياسي وأبرزهم رئيسه الأسبق إسماعيل هنية ، ونائبه صالح العاروري، ورئيسه السابق يحيى السنوار، إضافة لرئيس جهاز الأمن العام للحركة سامي عودة، وعضو مكتبها الإداري محمد أبو عسكر.

ويأتي هذا الإعلان بعد يوم من إعلان "كتائب القسام" الجناح العسكري لحماس، مقتل قائدها العام محمد الضيف، و6 من أعضاء مجلسها العسكري، دون ذكر تفاصيل عن ذلك.

وفي سياق تأبين القيادات الراحلة، قال الحية: "نودع اليوم ثلة من القادة الكبار، الذين عشنا معهم وعايشناهم سنين طويلة".

وتحدث بشكل خاص عن محمد الضيف، قائد "كتائب القسام"، واصفا إياه بـ"الأسد الهصور، والرجل الذي عشقه وهتفت له الملايين رغم عدم معرفة صورته".

وأشار الحية إلى أنه "أمضى حياته مطاردا ومطارِدا، واستطاع على مدار أكثر من 30 عاما قهر كل من حاول مطاردته".

وتابع: "استطاع الضيف مع إخوانه الأحياء منهم والشهداء الأوائل: ياسر النمروطي، وعماد عقل، وصلاح شحادة، بناء جيش تعجز عن فعله كثير من الجيوش حول العالم".

ولفت إلى أن "هذا الجيش يضرب العدو بلا تردد".

كما أشاد الحية بدور القائد السنوار رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، واصفا إياه بـ"صاحب العلامة الفارقة في تاريخ حماس وشعبنا الفلسطيني، والذي تحول إلى أيقونة لكل حر حول العالم يرفض الظلم والعدوان".

وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نعت حماس قائدها السنوار، وأكدت استشهاده في مواجهة مع جنود إسرائيليين، وذلك بعد يوم من نشر الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك بيانا مشتركا أعلنا فيه قتل 3 أشخاص في عملية نفذها الجيش في قطاع غزة كان من بينهم السنوار.

وأضاف الحية: "نقف اليوم مع رفقاء الدرب الذين عملنا معًا سنين طويلة، في قيادة هذه الحركة المباركة، وتوجيهِ دفتها في ظل حسابات دقيقة، فرضتْها ظروف المراحل المختلفة".

وأضاف: "استطعنا بحكمة شهدائنا القادة وجرأتهم، وبركة الشورى ودماء الشهداء، أن نعبُر المراحل القاسية والتحديات الصعبة، فكانوا عند مسؤولياتهم بهمَّة عالية، وحركة دؤوبة لتحويل الخطط والرؤى إلى وقائع على الأرض، وخاصة بدء مشروع التحرير".

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين اجتماع عربي في القاهرة غدا بشأن غزة وأونروا أسماء الدفعة الرابعة من الأسرى المحررين في صفقة التبادل الصحة العالمية تدعو إلى الإخلاء الطبي العاجل من غزة الأكثر قراءة شاهد: جنين - شهيدان إثر قصف الاحتلال مركبة في قباطية بريطانيا: يجب تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة دون قيود تظاهرة وسط تل أبيب تطالب نتنياهو بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إسرائيل تتجهز للإفراج عن ثاني دفعة من الأسرى وكشف أسماء بارزة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • حماس: طوفان الأقصى أسقط هيبة الاحتلال وجيشه
  • الحية : الشعب والفصائل حققوا أهداف معركة طوفان الأقصى
  • وزير الخارجية الإيراني: عملية طوفان الأقصى أحيت القضية الفلسطينية
  • شاهد | المقاومة الفلسطينية تنتزع حرية أسراها رغماً عن العدو الإسرائيلي
  • شاهد | الرمزية القيادية لبعض أسرى الضفة تثير ذعر أوساط العدو
  • شاهد | بين السيوف الحديدية في قطاع غزة والسور الحديدي في الضفة.. العدوان واحد والنتيجة هزيمة صهيونية
  • محمد الضيف.. الشبح الذي قاد كتائب القسام إلى طوفان الأقصى
  • القسام تؤكد أن قائدها العام محمد الضيف قضى شهيدا خلال معركة طوفان الأقصى
  • أردوغان يستقبل وفدًا من حركة حماس في أنقرة
  • حماس: طوفان الأقصى كسر أسطورة الاحتلال