مساندة الإدارة المصرية لغزة وانتظار ما لا يجيء
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
كشفت مجريات الحرب الإسرائيلية الغربية على غزة خلال الأسابيع الماضية، تقاعس الإدارة المصرية عن القيام بدورها للتخفيف من معاناة سكان غزة، وتأخر وبطء إدخال المساعدات الغذائية والطبية لعدة أسابيع، وكذلك تأخر إدخال الوقود وصغر كمياته، رغم طنطنة الإعلام الرسمي عن حرب غذاء في غزة، وتوقف المستشفيات والاتصالات بسبب نقص الوقود، مع إلهاء الجمهور بقيام الجنرال بعلاج أحد أطفال غزة، رغم وجود المئات من الجرحى المنتظرين لدخول مصر للعلاج.
وأعلن الجنرال المصري بأن جيشه القوي يحمي الحدود ولا يتجاوزها، ونسي أنه كان قد قصف مواقع ليبية بالطائرات الحربية المصرية في شباط/ فبراير 2015 وكذلك في أيار/ مايو 2017، كما أرسل قوات ومعدات عسكرية لمساندة عبد الفتاح البرهان في السودان، ولم يتخذ أي إجراء عملي تجاه القصف المستمر لسكان غزة لأكثر من أربعين يوما بلا توقف، وقصف المستشفيات والمدارس ومنشآت الخدمات العامة والبيوت على سكانها، وتخطى عدد الشهداء 12 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء.
وهو كان قد قام بقطع العلاقات مع قطر في حزيران/ يونيو 2017، ومنع طائراتها من الوصول لمصر، لمجرد مسايرة دول خليجية في موقفها من قطر، رغم إضرار ذلك بالعمالة المصرية في قطر واضطرارهم للسفر لبلد وسيط حتى يمكنهم العودة لمصر.
وبينما ينتظر الجرحى الفلسطينيون دورهم في دخول مصر للعلاج، فإنه متاح للسياح الإسرائيليين دخول مدن جنوب سيناء (طابا ونويبع ودهب وشرم الشيخ) بدون تأشيرات منذ عام 1989 وحتى الآن.
معاملة مصرية سيئة مزمنة بمعبر رفح
وإذا كانت إسرائيل تحاصر سكان غزة بريا وبحريا وجويا، منذ انسحابها منه القطاع عام 2005 وحتى الآن، فقد شاركت مصر في ذلك الحصار من خلال إغلاق معبر رفح لفترات طويلة، وإغلاق الأنفاق التي قام سكان رفح الغزاوية بإنشائها، وتم إنشاء جدار حديدي يمتد لمسافات طويلة تحت سطح الأرض، وضح كميات من المياه حتى تنهار الأنفاق الموجودة، رغم تسبب مصر في نشأة الحاجة لتلك الأنفاق، حيث تسبب ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل بعد معاهدة السلام بينهما عام 1979، في إقامة حاجز حدودي قسّم سكان منطقة رفح نصفين؛ إحداهما منطقة تابعة لمصر وأخرى تابعة لغزة، مما دفع الأُسر التي فصل بينها الحاجز الحدودي للوقوف الدائم عليه للاطمئنان على أحوال على أقاربهم. وبعد أن تم استبدال الحاجز من سلك إلى جدار فولاذي سميك مقاوم للديناميت، أصبحت إمكانية اقامة الأنفاق أكثر صعوبة.
ويظن البعض أن بداية توتر العلاقة بين مصر وحماس تعود إلى فترة فوز حماس بالانتخابات التشريعية أوائل عام 2006 وتشكيلها الوزارة، وقيام السلطات المصرية بإغلاق معبر رفح أمام سكان غزة، كمشاركة للدول الغربية التي أوقفت معوناتها لفلسطين مع فوز حماس في الانتخابات، ومعاقبة الشعب الفلسطيني على ممارسته حقه الانتخابي. كما يربط البعض بداية توتر العلاقات بين مصر وحماس بفترة ما بعد استيلاء حماس على غزة، بعد صراع مسلح مع حركة فتح في حزيران/ يونيو 2007، إلا أن وقائع ندوة أقامها المركز الدولي للدراسات المستقبلية والسياسية المقرب من الجهات السيادية المصرية، حول العلاقات الاقتصادية المصرية الفلسطينية، في مدينة غزة في تموز/ يوليو 2005، أي قبل انسحاب إسرائيل من غزة بشهرين، أشارت إلى معاناة الفلسطينيين خلال العبور من معبر رفح والمهانة التي يتعرضون لها إلى حد الإذلال حسب قول المتحدثين، وأنه إذا رغب شخص فلسطينب بالسفر لمصر فإن إجراءات السماح له تستغرق عشرين يوما.
ولعل أكبر دليل على الحصار المصري من خلال إغلاق معبر رفح، بالتوازي مع الحصار الإسرائيلي، ما حدث في أيلول/ سبتمبر 2005، حين اقتحم سكان غزة الحدود المصرية، ودخلوا إلى مدينة رفح المصرية لشراء بعض احتياجاتهم المعيشية، ومع استمرار الحصار الإسرائيلي والمصري كرر سكان غزة اقتحام الحدود في كانون الثاني/ يناير 2008، لشراء أي شيء يجدونه في المحلات التجارية والصيدليات ومحطات الوقود، نظرا لحرمان أسواقهم من السلع لفترات طويلة. ولطالما طالب رجال الأعمال الفلسطينين خلال لقاءاتهم بالمسؤلين المصرية بإقامة منطقة تجارة حرة، على الحدود بين مصر وغزة، وبما يوفر لسكان غزة إمكانية شراء احتياجاتهم.
غزة وتخفيف مشكلة نقص الدولار المصرية
وهذا المطلب ما زال مطروحا حاليا، وذلك عبر دخول سيارات سلع غذائية مصرية إلى معبر رفح وتفتيشها من قبل السلطات الإسرائيلية، ثم وقوفها بالقرب من المعبر من الناحية الغزاوية لتتيح المجال لسكان غزة شراء تلك البضائع، وهو أمر من شأنه أن يدر موارد من العملات الأجنبية، التي تعاني مصر من نقصها حاليا، حيث يتعامل سكان غزة عادة بالشيكل الإسرائيلي أو الدولار الأمريكي وكذلك الدينار الأردني، حيث لا توجد عملة خاصة للسلطة الفلسطينية.
وإذا كانت السلطات المصرية تُرجع بطء إدخالها للمساعدات لغزة إلى ما ورد باتفاق المعابر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، من مراقبة إسرائيل لشاحنات البضائع الداخلة من معبر رفح إلى غزة من خلال الكاميرات، وعدم دخولها إلا بموافقتها، فقد كان لديها الوقت الكافي خلال السنوات الماضية لتعديل هذا النص، الذي شارك في وضعه والإشراف على تنفيذه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة مع تنفيذ مصر لمطلب الاتحاد الأوروبي بمنع الهجرة غير الشرعية من الشواطئ المصرية إليه.
وإذا كانت السلطات المصرية يهمها الأحوال المعيشية البائسة لسكان غزة نتيجة الحصار المفروض عليهم منذ عام 2005 وحتى الآن، والذي تزيد حدته خلال فترات الحروب التي تنشب بين إسرائيل وغزة، مثلما تم منع الغذاء والدواء والوقود والكهرباء عن غزة خلال عدوان كانون الأول/ ديسمبر 2008، والغزو البري لغزة وقتها، فلماذا لم تسعَ مصر لتنفيذ بنود وارده في اتفاق المعابر لعام 2005، والخاصة بإنشاء ميناء بحري خاص ومطار خاص لغزة، وإنشاء ممر خاص لحافلات الركاب بين غزة والضفة الغربية وممر آخر لشاحنات البضائع، خاصة وأن مطار غزة قد تم إنشاؤه بالفعل وبدأ العمل في تشرين الثاني/ نوفمبر 1998، وافتتحه حينذاك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والذي أطلق اسمه على المطار وبرفقته الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وتكلف 70 مليون دولار، لكن إسرائيل قصفته في أواخر عام 2001 وأصبح غير صالح للعمل منذ ذلك الحين، بل تمت إعادة قصفه عام 2006؟
كذلك اتفقت السلطة الفلسطينية مع شركة هولندية في تموز/ يوليو 2000 لإنشاء ميناء غزة التجاري، وحضر حفل وضع حجر الأساس الرئيس عرفات وبرفقته الرئيس الفرنسي شيراك، لكن إسرائيل قصفت موقع تنفيذ الميناء بما فيه من معدات في أيلول/ سبتمبر 2000، ولم تتم معاودة العمل به منذ ذلك الحين حتى الآن، رغم أنه يحل مشكلة الحصار البري وإغلاق المعابر الإسرائيلية الستة التي تربط غزة بإسرائيل والمعبر المصري عند رفح.
لكن الإدارة المصرية اتخذت مسارا معاكسا ضارا بسكان غزة، حين قامت بتدمير ما بقى من أنفاق أواخر عام 2013، وحتى تصعّب الأمر على إمكانية إنشاء أنفاق جديدة فقد أزالت البيوت الموجودة في الجانب المصري من رفح لمسافات طويلة، وبعدها اعتبرت حماس منظمة إرهابية وحاكمت الرئيس محمد مرسى بتهمة التخابر مع حماس.
وزادت درجة غيظ النظام الحاكم من حماس بعد إنجازها في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولهذا اتجهت للمشاركة مع إسرائيل ودول عربية لمعاقبتها، وهو ما أضر كثيرا بسكان غزة وما زال ضرره مستمرا، فحتى الماء الذي يعاني أهل غزة من نقص حاد به لم يقم النظام المصري بتقديمه لهم، كما لا يتم السماح للمصريين الراغبين بمساعدة أشقائهم في غزة؛ ليس فقط بمنع الاقتراب من معبر رفح، بل بالمنع من عبور قناة السويس للوصول إلى سيناء.
twitter.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المصرية الحصار معبر رفح مصر السيسي غزة حصار معبر رفح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لسکان غزة سکان غزة معبر رفح بین مصر
إقرأ أيضاً:
من لبنان إلى أوكرانيا.. هذا ما يفعله بايدن في الوقت الضائع
قبل 60 يومًا من موعد مغادرته البيت الأبيض، والمشهد السياسي الأميركي عامة، بادر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، جو بايدن، إلى اتخاذ مجموعة خطوات متسارعة وجادة على أكثر من صعيد، وجميعها يرتبط بملفات خارجية عانت إدارته من تبعاتها خلال العامين الأخيرين.
ويعتقد في واشنطن أن هذه الملفات كانت واحدة من الأسباب الكبيرة التي أدت بالحزب الديمقراطي إلى مواجهة كانت من أسوأ الخسارات في تاريخه الحديث خلال انتخابات الرئاسة والكونغرس الأخيرتين.
عودة إلى لبنان
وتتمثل العودة القوية إلى لبنان من خلال قرار بايدن إرسال مبعوثه الرئاسي، آموس هوكستين إلى بيروت وإسرائيل، في محاولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان.
ويقول مسؤولون في إدارة بايدن إن هذا الأمر بات أقرب إلى التحقق الآن أكثر من أي وقت مضى، وإن ظهر الأمر متأخرًا عن وقته بالنسبة لبايدن وفريقه، فإن المعطيات القائمة على الأرض هي من شجعت المبعوث الأميركي على العودة مجددًا إلى المنطقة، وذلك نتيجة ظهور ملامح اتفاق.
وكان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان هدفًا محوريًا بالنسبة لهذه الإدارة، التي كانت ترى في ذلك منجزًا لها يمكن أن يؤدي إلى إعادة رسم الخريطة الأمنية في لبنان، من خلال خطة تسعى من خلالها إلى اعطاء دور أكبر للجيش في لبنان، كقوة أمنية تسيطر على كافة البلاد، مع التعهد بتقوية عناصره وتسليحهم وجعلهم جزءًا من منظومة أمنية دولية، بالشراكة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، في سبيل تأمين المناطق الحدودية.
والمسألة كما يراها مسؤولو إدارة بايدن، هي بداية لعمل طويل الأمد، يسمح بإعادة رسم وتوزيع موازين القوة العسكرية في المنطقة مجددًا، كما يسمح لإدارة الجمهوري دونالد ترامب المقبلة بالبناء عليه.
إنهاء الحرب في غزة
باتت إدارة بايدن متحررة من كافة الضغوط السياسية بعد خسارتها الانتخابات، فهي تسعى الآن إلى محاولة تعزيز الإرث الشخصي للرئيس بايدن من خلال تحقيق بعض المنجزات التي سبق له الوعد بها، ومنها التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
وهناك عودة قوية إلى هذه المحاولات، من خلال تكثيف المساعي بشأن ممارسة المزيد من الضغوط على حركة حماس، كما كان عليه الأمر في خطاب بايدن أمام مجموعة العشرين، بدعوته أعضاء المجموعة إلى ذلك، إضافة إلى تأكيد البيان الختامي للقمة على ضرورة الدفع بالمزيد من المساعدات والجهود لأجل التخفيف من حجم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
وقد كان التوصل إلى وقف لإطلاق النار هدفًا متجددًا في خطابات هذه الإدارة، لكن نسبة التقدم فيه كانت محدودة جدًا، بل أن تقديرًا يطرح في واشنطن حول عدم قدرة هذه الإدارة على ممارسة ضغوط كافية على الحكومة الإسرائيلية في سبيل تحقيق أهدافها.
في مقابل ذلك، هناك ضغوط سياسية يمارسها الجناح التقدمي من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، عبر مشروع القرار الذي تقدم به السيناتور اليساري بيرني ساندرز، والذي يدعو من خلاله إلى وقف تقديم المساعدات العسكرية المقررة لإسرائيل في حجم 20 مليار دولار، وهو مسعى لا يتوقع له أن يلقى تأييدًا كبيرًا من قبل الأعضاء في المجلس، لكنه بكل تأكيد سوف يشكل حرجًا إضافيًا من قبل شيوخ الحزب على إدارة بايدن.
وذهب ساندرز إلى حد اتهام هذه الإدارة بالتواطؤ في الأزمة القائمة في غزة، وعدم القيام بالخطوات الأكثر صرامة وجدية في التعامل مع إسرائيل في مسألة استخدام الأسلحة الأمريكية في الهجمات، لذلك ذهب إلى اتخاذ مبادرة تقديم المشروع للمصادقة عليه.
الحرب في أوكرانيا
لقد كانت خطوة إعلان الرئيس بايدن السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية البعيدة المدى في الحرب الدائرة في كييف، مفاجأة مدوية في واشنطن؛ لأن بايدن كان يرفض هذا التصعيد منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
لكن التغيرات التي شهدتها الساحة السياسية في الداخل الأميركي، وفي الخارج، جعلت حسابات هذه الإدارة تتغير، بل وأكثر من ذلك، تظهر استعدادها لمواجهة مخاطر التصعيد الذي يمكن أن يترتب على هذا القرار.
وبين موسكو وواشنطن سلسلة اتهامات حول توسيع مدى الحرب في أوكرانيا؛ لأن واشنطن ترى في دخول 10 آلاف جندي كوري شمالي إلى روسيا للمساعدة في الحرب على أوكرانيا، يشكل تصعيدًا خطيرًا من جانب موسكو، وأنه كان يجب أن يصدر ردًا أمريكيًا موزايًا في نفس القوة والاتجاه.
وينظر الرئيس بايدن إلى هذه الحرب تحديدًا على أنها مركز الإرث الذي أراده لرئاسته، من خلال تعزيز قوة الحلف الأطلسي أوروبيًا، ومنع روسيا من التمدد إقليميًا، وكذلك بسبب رغبته في إعادة الولايات المتحدة إلى دورها القيادي العالمي في مخالفة صريحة لمساعي سلفه دونالد ترامب في ولايته الأولى.
ويسعى بايدن في أيامه الأخيرة إلى جعل أوكرانيا في موقع تفاوضي أفضل، حال اختار الرئيس المنتخب دونالد ترامب مسارات تفاوضية لإنهاء الحرب في كييف، وذلك من خلال إعطاء أوكرانيا أوراق ضغط قوية، وكذلك الأمر بالنسبة للحلفاء الأوروبيين.
وتجد وجهة نظر بايدن تأييدًا حتى في أوساط النواب الجمهوريين بدرجات متفاوتة، لكنها من الناحية الأمنية والإستراتيجية تجد مناصرين خاصة بين الشيوخ الجمهوريين مع اختلاف واحد، وهو مسألة حجم ونوع المساعدات الأمريكية المقدمة من واشنطن، وكيفية تنظيمها وتقنينها ومحاسبة المسؤولين الأوكران على استخدامها خوفًا من الفساد وسوء الاستغلال.
هذا التأييد من قبل الشيوخ الجمهوريين لتصور بايدن سيجعل خيارات ترامب المتوقعة في الإدارة الجديدة تواجه معارضة داخل الجناح الجمهوري في مبنى الكونغرس؛ الأمر الذي سيكون في صالح الإبقاء على بعض خيارات بايدن في هذه الحرب تحديدًا. (ارم نيوز)