الجزيرة:
2024-09-29@14:20:02 GMT

ديفيد كاميرون.. عودة بائسة إلى السياسة البريطانية

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

مقدمة الترجمة:

في مقالها بمجلة "ذي أتلانتيك"، تناقش هيلين لويس دلالات عودة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون للحكومة البريطانية وزيرا للخارجية، وهو قرار يحمل العديد من المفارقات. أولهما أن كاميرون لم يكن دائما على وفاق مع سياسات رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك وسبق أن انتقده في أكثر من مناسبة، وثانيها أن كاميرون سيتعين عليه الإشراف الآن على علاقات بلاده بدول أوروبا بعد الانسحاب الذي عارضه بشدة لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

فلماذا قبل كاميرون العودة للحكومة في هذا الوقت؟ وما سر استدعاء حزب المحافظين لأحد أبرز وجوه حرسه القديم إلى الساحة مُجددا؟

 

نص الترجمة:

سقطت "سويلَّا برافِرمان" في نهاية المطاف بسبب بضع خيمات، أو بسبب غياب الخيمات إن صحَّ القول. في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، تبنَّت وزيرة الداخلية البريطانية فكرة منع الجمعيات الخيرية المعنية بالمُشرَّدين من توزيع الخِيَم عليهم في الشوارع الجانبية. لقد فسدت بريطانيا بسبب الشحَّاذين والصعاليك العدوانيين، "الذين يأتي معظمهم من خارج البلاد، ويعيشون في الشوارع بمحض اختيارهم"، بحسب ما قالته في تغريدة على موقع "إكس"، ومن دون تدابير صارمة، فإن "المدن البريطانية ستتحوَّل إلى أماكن شبيهة بسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس في الولايات المتحدة". ثم علَّقت سويلَّا بعد أيام على احتجاجات المتظاهرين في لندن من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وعددهم 300 ألف متظاهر، قائلة إنهم "متظاهرون من أجل الكراهية" (Hate Marchers).

أُقيلت سويلَّا في الأخير يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني في تغيير وزاري كشف محاولة الحزب المحافظ الحاكم إعادة ضبط مستوى التناحر الثقافي الذي يُمكن للناخب البريطاني قبوله. في خطاب استقالتها، اتَّهمت سويلَّا رئيس الوزراء "ريشي سوناك" بأنه يُجامل "الآراء المُهذَّبة" (تقصد الصوابية السياسية)* ولا يملك "الدافع لفعل ما يجب فعله". لقد كانت سويلَّا واحدة من حاملي مشاعل اليمين المحافظ في بريطانيا، فهي "حازمة" مع المهاجرين، ومتعنِّتة حيال زيادة الإنفاق على الخدمات العامة، وموالية بالكامل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. غير أن تعليقاتها عن المُشرَّدين عُدَّت مؤذية بالنسبة لكثيرين، وكذلك لم يفهمها العديد من الناخبين الذين يستهدفهم الحزب، وقد أظهر استطلاع للرأي بأن سويلَّا وخطابها افتقدا للشعبية مع الناخبين بالفعل.

 

كاميرون والحنين للمحافظ القديم

خرجت سويلَّا من الحكومة، وبالتزامن مع ذلك دخلها رئيس الوزراء المحافظ السابق "ديفيد كاميرون" وزيرا للخارجية. لقد كانت صدمة للجميع تقريبا، حيث ترك الرجل البرلمان عام 2016 بعد أن خسر استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، وها هو الآن يتحوَّل إلى "لورد كاميرون" بمقعده في مجلس اللوردات غير المُنتخب بدلا من مجلس العموم المُنتخب، ويدخل حكومة سوناك. لقد أمضى كاميرون سنواته الأخيرة في كتابة مذكراته وجني الأموال من العمل مع جماعات الضغط ومشاهدة واقع الخروج من الاتحاد الأوروبي وهو يتبلور على الأرض.

يرتبط كاميرون في الأذهان بفترة مُبكِّرة من الاتجاه المحافظ البريطاني روَّج فيها المحافظون لدرجة من الليبرالية الاجتماعية وكفاءة النُّخبة، حتى وإن رافق ذلك تقليص هائل في الإنفاق العام. وقد وصف "روس دوثات" الكاتب بصحيفة نيويورك تايمز المشهد الحالي قائلا: "تخيَّل عالما خَلَفت فيه النائبة نيكي هالي الرئيس دونالد ترامب في الرئاسة بدون انتخابات، ثم أقالت فيه جيمز فانس وعيَّنت جورج بوش الابن وزيرا للخارجية. هذا تقريبا ما حدث هذا الأسبوع للمحافظين ببريطانيا". يُلخِّص ذلك إلى حدٍّ ما الشعور بأن هنالك منظومة قديمة تسعى لاستعادة موقعها، إذ إن كاميرون، الذي بدا شابا حين تولَّى رئاسة الوزراء وهو ابن 43 عاما، يبدو الآن وكأنه أستاذ عجوز إلى جانب سوناك.

بعودة كاميرون، تصبح المناصب الأربعة الكُبرى في الدولة البريطانية، رئيس الوزراء ووزراء الخزانة والخارجية والداخلية، في قبضة أربعة رجال درسوا في مدارس خاصة، وإن كان اثنان منهم من الأقليات العِرقية، فيما يبدو أنه تجاوب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. يُمكن النظر إلى التغيير الوزاري على أنه "رغبة من سوناك في وجود سياسة عقلانية تحظى بالاحترام لجذب الناخبين الذين ابتعدوا عن الحزب"، وفقا لأحد المحافظين الكِبار، وذلك بالنظر إلى موهبة كاميرون بوصفه رجل دولة ومتحدثا أمام الناس. ولكن يُمكن النظر إليها أيضا بوصفها دليلا على أن الحزب المحافظ حين يكون في مأزق، يستعدي رجلا من الطبقات الراقية.

عودة كاميرون واللجوء إلى الاتجاه المحافظ المُعتدِل تُظهِر أن المحافظين يعتقدون بأنهم خسروا الناخب المحافظ اجتماعيا في بلدات الشمال الإنجليزي. (الصورة: الأناضول)

لا شك في أن الحزب المحافظ يعاني ورطة كبيرة، فهو في السلطة منذ عام 2010، وغيَّر طيلة تلك الفترة خمسة رؤساء وزراء، منهم واحد لم يمكث أكثر من 49 يوما، ومنهم "تريزا ماي" التي استقالت بعد خسارة الانتخابات المحلية، أما البقية فلاحقتهم الفصول الدرامية. فقد استقال كاميرون بعد معركة الخروج من الاتحاد الأوروبي التي وجَّه فيها أقصى يمين الحزب ضربة قاصمة له، في حين خرج "بوريس جونسون" و"ليز تراس" من السلطة بعد أن قررت حكومة كلٍّ منهما أنه أصبح عبئا. هناك تبعات سيئة لهذه الحقائق، وهي أن الزعيم الذي يلفظه الناخبون يصبح فاشلا لا محالة (إلا إذا كان دونالد ترامب بالطبع)، أما الزعيم الذي يُقصيه زملاؤه، فيُخلِّف وراءه خلافات وشروخا جديدة، وأرضا خصبة لنظريات المؤامرة.

قبل التغيير الوزاري، كان النبأ العظيم في السياسة البريطانية هو كتاب مُرتبك لوزيرة الثقافة السابقة "نادين دوريس" التي هاجمت زملاءها في الحزب على إقصاء بوريس جونسون، وأعزت سقوطه إلى جماعة داخل الحزب سمَّتها "الحركة"، تقول حسب مصادرها إنها حركة تأثَّرت بموظفين مشبوهين في البيروقراطية، وبرجال الموساد الإسرائيلي، وبالمثليين جنسيا، وبشخص غامض عرَّفته باسم "مِستر نو".

رغم جهود "مستر نو" المُضنية، فإن المحافظين متأخرون في الاستطلاعات أمام حزب العمال منذ بداية العام، وقد صار جميع أعضاء البرلمان المحافظين يُقرُّون بأنهم يتوقَّعون خسارة الانتخابات المُقبلة، وفي تفصيلة مرَّت مرور الكرام، ترك العديد من الوزراء الصغار مناصبهم طوعا أثناء التغيير الوزاري، وكرَّسوا أنفسهم إما للدفاع عن مقاعدهم البرلمانية وإما للبحث عن وظيفة في القطاع الخاص.

إن عودة كاميرون واللجوء إلى الاتجاه المحافظ المُعتدِل تُظهِر أن المحافظين يعتقدون بأنهم خسروا الناخب المحافظ اجتماعيا في بلدات الشمال الإنجليزي، بعد أن حازوا ثقته في الانتخابات الماضية، وأنهم يحاولون تعزيز قاعدتهم التقليدية في المُحافظات الأكثر ثراء وليبرالية حول العاصمة لندن. ولكن حتى إن نجحوا في أن ينجوا بهزيمة معقولة بدلا من تلقي ضربة قاصمة، فإن الانتخابات القادمة ستفتح الباب لانقلاب جيلي على غرار ما شهدناه في السياسة البريطانية حين فازت مارجرت تاتشر عام 1979 وطوني بلير عام 1997، وانتقلت الحكومة حينها إلى جيل جديد.

 

سقوط اليمين غير الحصيف إقالة سويلَّا واستدعاء كاميرون يهدف إلى طمأنة الناخبين إلى أن المحافظين التقليديين يُمسكون الآن بزمام الأمور. (الصورة: الفرنسية)

أمام استطلاعات الرأي المُحبِطة للمحافظين، يبدو أنهم دخلوا بياتا شتويا أصبح معه المرء يتساءل ما إن كانوا راغبين حتى في التمسُّك بالسلطة. لقد كانت مسألة الإسكان واحدة من القضايا المُلِحَّة في السياسة البريطانية بالنظر للارتفاع الصاروخي في أسعار الإيجارات والضغوط المالية على الشباب الراغبين في تأمين منزل لهم والقفزات في قيمة الأقساط بسبب أسعار الفائدة. ورغم ذلك، أقال سوناك مؤخرا وزيرة الإسكان التي نالت شعبية جيدة، ثم عانى لساعات قبل أن يجد بديلا لها. وفي غضون ذلك، يظل الاقتصاد راكدا والتضخم مرتفعا.

إن البريطانيين باتوا أفقر مما يظنون، ويبدو لي من الحديث مع المدافعين عن الحزب المحافظ أنهم يتوقون سِرًّا إلى العودة إلى مقعد المعارضة لعلهم يفهمون تلك المشكلات ويتخذون قرارا حيال طبيعة القاعدة الشعبية التي يريدونها. أما موقعهم العالق في الحكومة، فإنه يسمح لحالة الملل والإحباط أن تُشعِل أجواء التناحر الثقافي. لقد روَّجت سويلَّا لآرائها بأسلوب رأى زملاؤها المحافظون أنفسهم بأنه غير مُوفَّق، وهي ابنة المهاجرين التي جعلت مكافحة الهجرة موضوعها السياسي الأساسي، مُتعهِّدة بأن "توقف القوارب" المليئة باللاجئين من عبور القناة الإنجليزية. ورغم أن تلك السياسة نفسها تحظى بالشعبية، فإن سويلَّا لم تمتلك الحصافة الكافية للتعبير عنها بلغة مناسِبة. لقد باتت تُجسِّد حتى إقالتها ما وصفه سياسي محافظ بأنه "حزب كريه".

إن إقالة سويلَّا واستدعاء كاميرون يهدف إلى طمأنة الناخبين إلى أن المحافظين التقليديين يُمسكون الآن بزمام الأمور، أو كما وصفه إعلان دعائي للحزب هذا هو "الحزب المحافظ الذي عَهِدَته جَدَّتك". لقد أثبت سوناك أنه ضعيف في قدرته على التواصل مع الناس، وعلى عكس كاميرون، فإن خلفيته الثرية حالت دون إمكانية اتصاله الجيد بالناخب العادي. في آخر ظهور له، جلس سوناك في مقابلة مع "إلون ماسك" قائلا إن "الناس يجب أن يتخلُّوا عن الأمان المرتبط بالراتب الشهري، وأن يصبحوا روَّاد أعمال، وأن يرتاحوا لفكرة الفشل".

سيكون غريبا أن يُشرف كاميرون على علاقة بريطانيا مع أوروبا بعد الخروج من الاتحاد، وهو نفسه الرجل الذي اعتقد سابقا بأن بلاده يجب أن تبقى في الاتحاد الأوروبي. (الصورة: غيتي)

حين يكون أمانك المالي محفوظا بالزواج من ابنة ملياردير، وحين يصبح حزبك متأخرا بعشرين نقطة في الاستطلاعات، فإن تصريحات كهذه تبدو وكأنها نُكتة ليبرالية ثقيلة الظل. على النقيض من سوناك، كان كاميرون معروفا أثناء رئاسته للوزراء بأنه يطلب من فريقه كتابة قائمة بالمنتجات اليومية الشائعة وأسعارها حتى لا يتعرَّض للإحراج إن سأله أحدهم عن سعر لتر اللبن. إن إعادة الاعتبار لقدرة المحافظين على كسب الناس والانتخابات يحتاج إلى هذا النوع من الرؤية والتجاوب مع ما يؤرقهم، وهذا النوع من الانضباط في معالجته.

مع الأسف، تبدو عودة كاميرون علامة بائسة أكثر منها علامة على عودة الأمور إلى طبيعتها داخل الحزب المحافظ. فقبل شهر واحد فقط، انتقد كاميرون قرارات سوناك الكبرى، في حين قال سوناك إنه "يُغيِّر ثلاثين عاما من عُمر النظام السياسي الذي يكافئ القرارات السهلة لا الصائبة". لذا سيكون كاميرون مُضطرا الآن إلى التظاهر بأن سوناك يتخذ القرارات الصائبة، في حين سيفقد سوناك القدرة على الابتعاد عمَّا يعتبرها إخفاقات كاميرون.

إن الاختلافات السياسية بين الرجلين ستؤثر مباشرة على عمل كاميرون في ملف الخارجية، ففي أثناء رئاسته للوزراء، احتفى كاميرون بالعصر الذهبي للتعاون مع الشركات الصينية، وهو عصر انتهى الآن إلى حدٍّ كبير. لقد أجرى مدير الاستخبارات الداخلية البريطانية (MI5) مؤتمرا مشتركا مع نظيره الأميركي من وكالة المباحث الفيدرالية (FBI) للتحذير من الشراكات مع الصين، وأنها عُرضة للوقوع في براثن التجسُّس المرتبط بالشركات.

وفوق كل ذلك، سيكون غريبا أن يُشرف كاميرون على علاقة بريطانيا مع أوروبا بعد الخروج من الاتحاد، وهو نفسه الرجل الذي اعتقد سابقا بأن بلاده يجب أن تبقى في الاتحاد الأوروبي. نحن أمام سياسي يعرف كيف يفوز بانتخابات ويتواصل مع الناس، في مُستهَل محاولته تعليم رجل غير مناسب لمثل هذه المهام، وهو أمر اعترف به سوناك ضِمنيا باستدعائه كاميرون إلى حكومته.

—————————————————————

هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: ماجدة معروف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من الاتحاد الأوروبی السیاسة البریطانیة الحزب المحافظ رئیس الوزراء الذی ی

إقرأ أيضاً:

هل تعيد الانتخابات الأمريكية تشكيل ملامح السياسة الخارجية لواشنطن؟

شدد مراسل صحيفة "التايمز" في واشنطن، أليستير داوبر، على أن مشهد السياسي الخارجي للولايات المتحدة الأمريكية قد يتغير بعد الانتخابات الرئاسية المقررة إجراؤها في مطلع تشرين الثاني /نوفمبر المقبل، مشيرا إلى أن الدور الذي أعلنته أمريكا لنفسها كـ"شرطي" أصبح الآن معلقا بورقة الاقتراع.

وقال داوبر في مقال نشرته الصحيفة المذكورة وترجمته "عربي21"، إن الولايات المتحدة أبقت أوكرانيا على أجهزة الإنعاش من خلال جهد دبلوماسي عالمي وأكثر من 55 مليار دولار من المساعدات العسكرية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي والساحلي، وأكثر من 2000 صاروخ مضاد للطائرات من طراز ستينغر، وآلاف المركبات المدرعة وملايين قذائف المدفعية وقذائف الهاون، منذ هدد الجيش الروسي كييف في شباط/ فبراير 2022. 

ولكن عندما يزور الرئيس زيلينسكي البيت الأبيض، فسوف يدرك بشكل غير مريح أن الدعم الاستثنائي الذي قدمته إدارة بايدن لبلاده يدخل الآن أسابيعه الأخيرة. 

وما سيأتي بعد ذلك محجوب بعدم اليقين لأن المرشحين للرئاسة، الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، يقدمان للناخبين رؤيتين متناقضتين تماما للسياسة الخارجية. والانتخابات لديها القدرة على إرباك النظام العالمي، وتنفير الحلفاء وترسيخ عصر من القادة الأقوياء على المسرح العالمي. 


وأشار المقال، إلى أن الدور الذي أعلنته أميركا لنفسها كشرطي، والذي غذته درجات متقلبة من الحماس منذ أربعينيات القرن العشرين، أصبح الآن على ورقة الاقتراع تقريبا. 

وقال إنه من غير المرجح أن يرى الناخبون الأمر بهذه الطريقة. لقد تجنب المرشحان إلى حد كبير الإعلانات التفصيلية عن السياسة الخارجية أثناء تنقلهما في جميع أنحاء البلاد على مسار الحملة. فهما يعرفان أنه لا يوجد عادة الكثير من الأصوات في العلاقات الدولية. 

ولكن بعيدا عن أمريكا، وفي العواصم الأوروبية، وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي بكين وموسكو وطهران، يتم دراسة هذه الانتخابات الأمريكية بشكل مكثف، ربما أكثر من أي انتخابات أخرى في التاريخ الحديث، حسب المقال.

ظلت هاريس، التي لم تمنحها خلفيتها كمدعية عامة في كاليفورنيا وعضوة في مجلس الشيوخ الأمريكي سوى القليل من التعرض للسياسة الخارجية، قريبة حتى الآن من نهج بايدن. من ناحية أخرى، دفع ترامب بنظرة عالمية أكثر انعزالية. 

بالنسبة لكوندوليزا رايس، التي كانت مستشارة الأمن القومي في عهد جورج دبليو بوش عندما خاضت إدارته الجمهورية الحرب في أفغانستان والعراق في عامي 2001 و2003، فإن المخاطر هائلة. 

وقالت في خطاب ألقته هذا الأسبوع في مركز أتلانتك كاونسل للأبحاث: "نحن في فترة الفرسان الأربعة لنهاية العالم، [حيث] يبدو أن الشعبوية والقومية والانعزالية والحمائية تركب مرة أخرى. أعتقد أن هذه الفترة خطيرة للغاية. يتعين على الولايات المتحدة أن تدلي ببيان وواقع حول استعداد أمريكا للبقاء منخرطة في العالم، لأن القوى العظمى لا تغض الطرف عما يدور في العالم". 

وأضافت: "إذا لم نشكل البيئة الدولية، فسوف يفعل الآخرون ذلك، وهم آخرون لا نريد أن نتنازل لهم".
 
لم تؤيد رايس ترامب أو هاريس. ومع ذلك، فإن تعليقاتها، التي تعكس العقيدة الجمهورية في حقبة ما قبل ترامب، تشكل تناقضا صارخا مع موقف الحزب اليوم، مع مرشح يركز رؤيته العالمية "أمريكا أولا" على الجاذبية الجماهيرية، وضوابط الهجرة الأكثر صرامة، والانفصال عن الالتزامات الخارجية المكلفة والإيمان الراسخ بقوة التعريفات الجمركية، وفقا للمقال.

وأشار الكاتب إلى أن ترامب يعرف شيئا أو شيئين عن المبيعات، ولكن عندما وصف زيلينسكي بأنه "أعظم بائع في التاريخ"، لم يكن ذلك مجاملة. بل كانت رسالته إلى الناخبين في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة هذا الأسبوع أن معركة كييف الوجودية تؤذيهم في جيوبهم. قال ترامب: "في كل مرة يأتي فيها إلى البلاد، يرحل بـ 60 مليار دولار.. إنه يريد بشدة أن تفوز [هاريس] بهذه الانتخابات، لكنني سأفعل شيئا مختلفا - سأعمل على تحقيق السلام". 

لا شك، وفقا للمقال، أن ترامب سيفعل الأشياء بشكل مختلف. قال بعد يوم واحد في تجمع حاشد، هذه المرة في جورجيا: "بايدن وكامالا أدخلانا في هذه الحرب في أوكرانيا، والآن لا يمكنهم إخراجنا". ووعد ترامب بأنه "سأتفاوض على الأمر، وسأخرج. يجب أن نخرج". ويزعم أنه سينهي الحرب في غضون أيام من أدائه القسم. 

وذكر المقال أن هذا النهج يسبب القلق لدى حلف شمال الأطلسي. فقد وعد ترامب بأنه سيجعل أعضاء الحلف يدفعون ثمن دفاعهم الخاص واقترح أن تتحمل الدولة المضيفة تكلفة القوات الأميركية المتمركزة في مختلف أنحاء العالم، من الشرق الأوسط إلى ألمانيا وكوريا الجنوبية. وإذا لم ينفق حليف في حلف شمال الأطلسي على الدفاع ثم تعرض لهجوم من روسيا، فلن يستجيب ترامب، كما يزعم. ويمكن لموسكو أن "تفعل ما تشاء".  

وفي بروكسل، يستعد حلفاء أميركا منذ فترة طويلة بالفعل لرئاسة ترامب. ويناقش حلفاء حلف شمال الأطلسي خطة مدتها خمس سنوات بقيمة 100 مليار دولار "لحماية" الدعم الغربي لأوكرانيا، كما ظهر في نيسان/ أبريل: "للحماية من رياح التغيير السياسي" في واشنطن. وعندما سُئل في المناظرة ضد هاريس مؤخرا عما إذا كان يريد أن تفوز أوكرانيا بالحرب، كان ترامب مراوغا، وعرض إجابة على سؤال مختلف تماما. 

قال ستيفن ويرثيم، زميل أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "أعتقد أننا سنرى نهجا مختلفا للشؤون الخارجية في فترة ولاية ترامب الثانية. في فريقه الأول، ورث أو عين الكثير من البالغين المزعومين في الغرفة، من بقايا الإدارات الجمهورية السابقة الذين لم يشاركوا بالضرورة ميول ترامب وكبحوه". 

هذه المرة خطط مستشارو ترامب بشكل أكثر شمولا لتحقيق النصر. إنهم يعتزمون إفراغ الإدارات الحكومية، بما في ذلك وزارة الخارجية، وملؤها بالموالين، على الرغم من أنه من غير الواضح مدى شمولية قدرتهم على القيام بذلك. 



وقال: "إنه مهتم باستخدام العصا والجزرة، وخاصة مع أوكرانيا وروسيا، من أجل محاولة التوصل إلى تسوية. أظن أنه يرغب في أن يكون في قلب التوسط في أي تسوية في أوكرانيا. خذ دبلوماسيته مع كيم [جونج أون] على الرغم من نفاد صبره، لكنه [مثل المؤسسة الدبلوماسية] لا يزال يريد نزع السلاح النووي الكامل من شبه الجزيرة الكورية". 

يقول مؤيدو ترامب، وفقا للمقال، إن عدم رغبة الرئيس السابق في الاستماع إلى أصوات المؤسسة أدى إلى اختراقات في السياسة الخارجية. ويستشهدون باتفاقيات أبراهام.. وانخراط ترامب غير المسبوق مع كوريا الشمالية (الذي فشل في النهاية في تقليل التوترات في شرق آسيا) وتحوله نحو سياسة أكثر عدائية تجاه الصين، والتي التزمت بها إدارة بايدن إلى حد كبير. 

ونقل المقال عن هيربيرت ريموند ماكماستر، مستشار الأمن القومي للرئيس السابق، قوله إن ترامب حقق "تصحيحات طال انتظارها لعدد من السياسات غير الحكيمة". ويزعم خليفته روبرت أوبراين أن أربع سنوات أخرى ستجلب "استعادة ترامب للسلام من خلال القوة". 

قال كريس مورفي، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي من ولاية كونيتيكت وحليف هاريس، والذي تم ذكره كوزير خارجية محتمل في المستقبل: "إذا فازت كامالا هاريس، فسوف يرى العالم أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم أوكرانيا والدفاع عنها". 

لم تقدم هاريس تفصيلا دقيقا لنهجها تجاه أولويات السياسة الخارجية الحالية. لذلك من الصعب التنبؤ بما إذا كانت ستكون أكثر أو أقل تدخلا من بايدن في بعض الأزمات الأقل شهرة حيث تشارك الولايات المتحدة، مثل الحرب الأهلية في السودان، حيث قُتل أكثر من 150 ألف شخص، ودُمرت العاصمة، وأُجبر أكثر من 20% من السكان على النزوح من منازلهم في العام ونصف العام الماضيين. 

يبدو أن هاريس، وفقا للمقال، أكثر استعدادا لانتقاد إسرائيل، في حين لا تزال تصف التزام واشنطن بأمن البلاد بأنه "مضمون". ففي تموز/ يوليو، عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قالت: "إلى كل من دعا إلى وقف إطلاق النار وإلى كل من يتوق إلى السلام، أراك وأسمعك". وقال ترامب الأسبوع الماضي إن إسرائيل ستنتهي في غضون عامين أو ثلاثة أعوام إذا أصبحت هاريس رئيسة. 

وذكر المقال أن قضية إسرائيل وغزة ولبنان هي أيضا القضية الوحيدة في السياسة الخارجية التي يتردد صداها بقوة في الانتخابات بسبب أهمية كل من الناخبين اليهود والناخبين العرب الأميركيين أو المسلمين في التحالف الذي سيحتاج الديمقراطيون إلى تجميعه للفوز. ويتركز عدد كافٍ من هؤلاء الناخبين في الولايات المتأرجحة كي تثبت ولاءاتهم أنها حاسمة في تشرين الثاني/ نوفمبر. 

وأشار إلى أن حملة ترامب سعت إلى ربط إدارة بايدن-هاريس ودعمها للمساعدات للفلسطينيين بهجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. حيث تقول الحملة: "لقد ضحت كامالا بأعظم حليف لأمريكا تماما لمجرد الحفاظ على دعم قاعدتها المعادية للسامية، بينما تقاتل إسرائيل من أجل وجودها. بعد ما يقرب من عام، كل ما استطاعت كامالا إظهاره هو التزام عديم الفائدة بوقف إطلاق النار الذي لا يمكنها تحقيقه". كما تواصل الحملة تذكير الناخبين بالانسحاب "الفاشل" للقوات الأمريكية من أفغانستان في عهد بايدن، ووصفوه بأنه "من بين أكبر كوارث السياسة الخارجية في التاريخ الحديث".
 
يقول ريك ويلسون، المؤسس المشارك لمشروع لينكولن، وهي مجموعة من الجمهوريين المعتدلين، إن هاريس كانت فعالة في ربط ترامب بأوربان وغيره من الزعماء الشعبويين في الخارج، لرسم تمييز واضح.

وأضاف "إنها تترشح كنوع من الوسطية في الأمن القومي والتي قد تكون مألوفة من الثمانينيات والتسعينيات لكثير من الجمهوريين". 

واتفق ليون بانيتا، وزير الدفاع الجمهوري السابق، مع هذا الرأي، حيث قال لصحيفة "يو إس إيه توداي" إنها أظهرت بنجاح "مدى عزلة دونالد ترامب عن هذا التقليد العظيم للرؤساء الجمهوريين". 
وذهب بعض قدامى المحاربين في إدارة ترامب الأولى إلى أبعد من ذلك، حسب المقال.

كتب جون سوليفان، الذي شغل منصب نائب وزير خارجيته ثم سفير الولايات المتحدة في روسيا من عام 2019 إلى ما بعد الغزو الكامل لأوكرانيا، في مذكرات نُشرت حديثا أن ترامب، بصفته رئيسا، "لن يفرق أو لا يستطيع التمييز بين مصالحه الخاصة ومصالح البلد الذي يقوده". 


في مقال له في مجلة بوليتيكو، كتب مايكل ماكينلي، السفير الأميركي السابق في بيرو وكولومبيا وأفغانستان والبرازيل، والمستشار الأول لوزير خارجية ترمب مايكل بومبيو، أن "ترامب في نهاية سنواته الأربع في منصبه أضعف تحالفات أميركا" إلى الحد الذي "رأى فيه خصوم أميركا الاستراتيجيون فرصا يمكنهم استغلالها الآن".  

وحذر من أنه "في مشهد عالمي أكثر تعقيدا بكثير مما كان عليه عندما تولى الرئاسة أول مرة، فإن ولاية ترمب الثانية قد تلحق ضررا حقيقيا بالمصالح الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية الدولية لأميركا". 
أشار المقال إلى أنه في مثل هذه الانتخابات الضيقة، كل صوت له قيمته، ويجب أن يتم وزن كل إعلان عام بعناية. وجد استطلاع أجراه معهد الشؤون العالمية في مجموعة أوراسيا أن الناخبين في الولايات المتأرجحة الرئيسية يثقون في ترمب أكثر في السياسة الخارجية. في حين أن الأغلبية، 53%، من الأميركيين على المستوى الوطني يثقون في هاريس أكثر في متابعة سياسة خارجية تعود بالنفع عليهم، فإن أولئك في الولايات المتأرجحة يثقون في ترمب أكثر – 53%. 

ويعتقد 58% أنه أكثر احتمالا من هاريس لإنهاء الحروب في أوكرانيا وغزة، مع توقع نفس النسبة أن يستجيب بشكل أكثر فعالية إذا هاجمت الصين تايوان. وقال مارك هانا، وهو زميل بارز في المعهد: "يمر الطريق إلى البيت الأبيض عبر ولايات حيث يشعر الناخبون بتشكك عميق في الوضع الراهن للسياسة الخارجية والبصمة العالمية لأمريكا. تُظهر بياناتنا أن كامالا هاريس تتمتع بميزة على دونالد ترامب في موضوعات السياسة الخارجية على المستوى الوطني، ولكن في الولايات الست المتأرجحة التي استطلعنا آراءها، يتمتع ترامب بالميزة".  

وبينما يجلس في البيت الأبيض اليوم، قد يتساءل زيلينسكي عن الأحداث الملتوية التي تركت مصير أمته معلقا على كيفية تفكير الناخبين الأمريكيين من أصل عربي في ميشيغان في حرب مختلفة تماما عن تلك التي أمضى عامين في خوضها، حسب التقرير.

مقالات مشابهة

  • «حزب الله» يعلن قصف قاعدة ومطار «رامات ديفيد» بصواريخ «فادي 3»
  • حزب الله اللبناني يقصف مستعمرة "كابري" وقاعدة ومطار "رامات ديفيد" ‏بصواريخ "فادي 1" و"فادي 3‏"
  • حزب الله: قصفنا قاعدة ومطار رامات ديفيد ‏بصلية من صواريخ فادي 3‏
  • عودة المستوطنين أم عودة إلى الشريط؟
  • باحث: السياسة الدولية لا تبشر بالخير في منع إسرائيل من وقف إطلاق النار
  • وارسي تستقيل من حزب المحافظين البريطاني.. اتهمته بـالنفاق
  • هل تعيد الانتخابات الأمريكية تشكيل ملامح السياسة الخارجية لواشنطن؟
  • الشرق الأوسط يشوّه إرث بايدن في السياسة الخارجية
  • أول عملية من نوعها في لبنان.. ديفيد لاستبدال الشريان الأبهري مع الحفاظ على الصمام الأبهري الطبيعي
  • الدبلوماسية العراقية حول لبنان: مسار مزدوج بين السياسة والسلاح