مسقط-أثير
إعداد: بدرية بنت عبدالله الهنائية، باحثة ماجستير، القانون الجزائي، كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس.

إن ظاهرة الاتجار بالبشر ظاهرة قديمة، وموجودة منذ العصور الأزلية القديمة، حيث كانت تعرف في تلك العصور بما يسمى بــ” الرق” وكانت تشمل العمل الجبري ورق الديون والزواج القسري وغيرها، ثم جاء الدين الإسلامي الحنيف وأوجد لها حلولا، وذلك عن طريق كفارة الذنوب، وفي الوقت الحالي فقد أطلقت عليها التشريعات الحديثة بـ” جريمة الاتجار بالبشر”، وقد سارعت الدول إلى سن التشريعات والقوانين التي تكافح هذه الظاهرة، وتقي المجتمعات من خطرها، وبخاصة مع كثرة انتشارها في الآونة الأخيرة باستغلال الأطفال والنساء والأشخاص العاجزين عن حماية أنفسهم مثل العمالة الوافدة على اعتبار أنهم من أكثر فئات المجتمع ضعفا، وذلك لبيع أعضائهم البشرية، واستغلالهم في الأعمال القسرية، والممارسات الجنسية كالدعارة، وغيرها من التصرفات المحظورة.

وتعد سلطنة عمان من أوائل الدول التي أصدرت تشريعا خاصا لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، فقد جاء المرسوم السلطاني رقم (126/2008) بإصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر، والذي جاء تأكيدا على جهود سلطنة عمان في التصدي لهذه الجريمة، وذلك لكفالة حقوق الأفراد والمساواة بين جميع فئات المجتمع تماشيا مع ما نصت عليه المادة (22) من النظام الأساسي للدولة، والتي جاء في مضمونها المساواة بين جميع فئات المجتمع، وتوفير كافة وسائل الأمن والطمأنينة المطلوبة لكل من المواطنين والمقيمين، كما جاء تماشيا مع مواكبة سلطنة عمان لباقي دول العالم في مكافحة هذه الجريمة، لما لها من خطر يمس أمن واستقرار المجتمع.

وواصلت سلطنة عمان جهودها الحثيثة في تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية من أفراد شرطة عمان السلطانية عن طريق البرامج التدريبية الخاصة لتمكينهم من سرعة التعرف على أفراد المجتمع الهشة والمعرضة بشكل كبير للاستغلال، والذين تقع عليهم جريمة الاتجار بالبشر، وتمكينهم من قراءة مؤشرات الاشتباه، ومعاقبة الجناة، وذلك بعدما أكدت عليه المؤشرات العالمية المنتشرة أن نسبة (41%) فقط من الضحايا يقومون بالإبلاغ، ونسبة تفوق الـ(50%) لا يقومون بذلك، فضلا على ذلك فإن سلطنة عمان من الدول التي تحرص على مشاركة دول العالم بالاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، والذي يصادف يوم الـ30 من يوليو من كل عام تحت شعار ” لنصل لكل ضحايا الاتجار بالبشر، ولا نترك أحدا خلف الركب”، الأمر الذي يؤكد اهتمام وحرص سلطنة عمان بمكافحة هذه الظاهرة. كما استمرت سلطنة عمان في مواصلة جهودها الحثيثة لمكافحة هذه الظاهرة بانضمامها إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي اهتم بمنح الأفراد بمن فيهم العمالة الوافدة حقوقهم، ومنع تعرضهم لأي انتهاك، وذلك وفق المرسوم السلطاني رقم (46/2020)، وسعى قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53/2023) بتاريخ (25/7/2023)، في مضمونه إلى توفير بيئة عمل تضمن حقوق العامل من حيث السلامة والصحة المهنية والقانونية، ويتضح ذلك فيما نصت عليه المادة (5) من القانون حيث جاء فيها: ” يحظر على صاحب العمل فرض أي شكل من اشكال العمل الجبري أو القسري على العامل”.

وبالنسبة لقيام جريمة الاتجار بالبشر فإنها تتحقق بتحقق أركانها القانونية وهي الركن المادي والركن المعنوي، أما بالنسبة للركن المادي فيتحقق بارتكاب أحد الأفعال التي تشكلها، والتي نصت عليها المادة (2) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر، فقد حددت المواد القانونية الأفعال التي تشكل جريمة الاتجار بالبشر، وحددت العقوبات المفروضة على ارتكابها، حيث عرفت المادة (1) جريمة الاتجار بالبشر على أنها: “القيام بأي فعل من الأفعال الواردة في المادة (2) من هذا القانون”، ويستفاد من المادة (2/أ) انه يعد مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر كل من اقترف أحد الأفعال الآتية: ” استخدام شخصا، أو نقله ، أو آواه”؛ إلا أن القيام بأحد من هذه الأفعال لا يكفي لقيام جريمة الاتجار بالبشر كونها أفعالا غير مجرمة لوحدها، بل لابد أن تقترن بوسيلة من الوسائل التي أوردها المشرع في ذات المادة القانونية على سبيل المثال لا الحصر، وهي: ” استخدام الإكراه، والتهديد، والحيلة، واستغلال الوظيفة، أو النفوذ، واستغلال حالة استضعاف، وباستعمال سلطة على ذلك الشخص”، وإن الركن المعنوي للجريمة يتمثل في توافر عناصر القصد الجنائي من علم وإرادة، وينصرف القصد الجنائي في جريمة الاتجار بالبشر إلى الاستغلال.

وقد وضح المشرع العماني معنى الاستغلال في المادة (1) من القانون، على أنه الاستخدام غير المشروع للشخص، ويشمل هذا الاستخدام أفعالا مثل الدعارة والاستغلال الجنسي، العمل القسري أو الجبري، والذي يتم ممارسته على العمالة الوافدة بشكل أكبر، والنزع غير المشروع للأعضاء، واستغلال الأطفال في التسول، وغيرها.

ومما ذكر يتضح لدينا أن ركن الاستغلال من الأركان الخاصة بجريمة الاتجار بالبشر، والتي يجب توافرها لقيام الجريمة، ولتوضيح ذلك بشكل يسير سوف نتطرق لمثال يبسط المعنى، وهو أنه في حالة قيام شخص ما بنزع عضو (من أعضاء جسم الإنسان) بغية الحصول على مقابل مادي، فهنا تقوم جريمة الاتجار بالبشر كونه تحقق ركن الاستغلال؛ إلا أنه إذا تضح من خلال التحقيقات أن ذلك الشخص تبرع بالعضو برضاه ومن تلقاء نفسه، فهنا لا تقوم جريمة الاتجار بالبشر، كونه لم يتحقق ركن الاستغلال، وتوافر عنصر الرضا من قبل الشخص المتبرع، فهنا يعد النشاط القائم هو التبرع لا النزع.
وفي تحديد المسؤولية الجزائية لجريمة الاتجار بالبشر، فقد نص المشرع العماني في المادة (8) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر على أنه: ” يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال عماني ولا تزيد على مائة ألف ريال عماني”، وتشدد العقوبة إلى أن تصل عقوبة السجن فيها إلى (15 سنة) في حالات معينة ذكرها المشرع في المادة (9) من القانون، ومن بينها ” إذا كان المجني عليه حدثا أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وإذا كان الجاني يحمل سلاحا، وإذا ارتكبت الجريمة من أكثر من شخص… وغيرها”، ومن هنا يتضح حرص المشرع على تشديد العقوبة على الجناة الذين يستغلون ضعف المجني عليه أو عدم قدرته على المقاومة والدفاع عن نفسه، كما أن جريمة الاتجار بالبشر تعد ” جريمة عبر الوطنية” أي إنها كما عرفتها المادة (1) من القانون يمكن ترتكب في أكثر من دولة، أو ترتكب في دولة واحدة، ولكن تم الإعداد والتخطيط والتوجيه والإشراف عليها من دولة أخرى، أو من الممكن ان ترتكب في دولة واحدة ولكن عن طريق جماعة إجرامية تمارس أنشطة إجرامية في أكثر من دولة، وكذلك من الممكن أن ترتكب في دولة واحدة فقط، لكن تمتد آثارها إلى دول أخرى.

وختاما وجب إعطاء مثل هذه الظواهر الأهمية الكبيرة لمكافحتها والحد من خطرها، لما تشكله من خطر على أمن واستقرار المجتمعات، وسلامة الإنسان الحي والحفاظ على كرامته، وهذا فعلا ما تسعى إليه سلطنة عمان متمثلة في جهودها المستمرة للحد من هذه الظاهرة، لذا وجب إعطاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر التي أنشئت بموجب قانون عام (2008) الدور الأهم، وتعزيز مهامها بشكل مستمر في تثقيف المجتمع ونشر الوعي اللازم بين أفراده، واقتراح تعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر وغيره من القوانين ذات الصلة لتحقيق مزيد من الدعم لمكافحة الاتجار بالبشر. كما وجب التنسيق مع الجهات المختصة بالسلطنة والهيئات والمنظمات الدولية المختصة لوضع الضوابط اللازمة، والإجراءات التي تكفل مكافحة جريمة الاتجار بالبشر عبر الوطنية (العابرة للحدود).

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: جریمة الاتجار بالبشر هذه الظاهرة سلطنة عمان من القانون فی المادة ترتکب فی

إقرأ أيضاً:

عاجل.. قرار جديد بخصوص الفحص الفني للمركبات في سلطنة عمان

مسقط - الرؤية

أصدر المفتش العام للشرطة والجمارك قرارًا بشأن ضوابط تقديم خدمة الفحص الفني للمركبات، حيث أطلقت الشرطة مبادرة لاتاحة خدمة الفحص الفني للمركبات بإشراك المنشآت الخاصة.



 

مقالات مشابهة

  • عاجل.. قرار جديد بخصوص الفحص الفني للمركبات في سلطنة عمان
  • مسؤول حكومي يحذر من ‘‘جريمة’’ تحدث اليوم في سلطنة عمان
  • سلطنة عمان.. سلام ووئام واحترام لحقــــوق الــدول والشعوب في الحياة الكريمة
  • قفزة عمانية في التحول الرقمي
  • ختامُ البرنامج الثقافي العُماني في معرض سول الدولي للكتاب بكوريا الجنوبية
  • دول مجلس التعاون تؤكد التزامها الثابت بمكافحة الاتجار بالأشخاص بجميع أشكاله
  • تقرير للخارجية الأمريكية يرصد جهود الحكومة المغربية لمحاربة الإتجار بالبشر
  • بعد اكتشاف نيزك نادر في سلطنة عمان: هل تساءلت يومًا عن مصادر النيازك؟
  • للمستثمرين داخل وخارج عُمان.. 100 مليون ريال سندات تنمية حكومية
  • الوطنية للقضاء على ختان الإناث تدين ترويج أحد الوافدين لجريمة الختان