صحيفة أثير:
2025-10-25@22:14:06 GMT

ما المقصود بعولمة الجريمة؟

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

ما المقصود بعولمة الجريمة؟

مسقط-أثير

إعداد:  منار بنت حمد بن سليمان المعمري، باحثة ماجستير، تخصص القانون الجزائي، كلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس

نتيجةً للتقدم التكنولوجي المتسارع والتطور التقني الهائل الذي يعيشه العالم بفضل تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، شهدت الجريمة تحولات كبيرة تمثلت في سرعة وسهولة ارتكابها، وكذلك تغير خصائصها وأنماطها، واختلاف الوسائل المستخدمة في ارتكابها، وبطبيعة الحال اتساع نطاق ونوعية ضحاياها.

[1]

وتعبر العولمة Globalization عن حالة من تجاوز الحدود الراهنة للدول وامتداد العلاقات إلى آفاق أوسع وأرحب لتشمل العالم بأسره، أي إن العولمة تمثّل الانفتاح على العالم والتأثير الثقافي المتبادل بين أقطاره المختلفة بحيث تصبح دول العالم بمثابة قرية واحدة صغيرة، مما يثير التساؤل حول العلاقة والتأثير المتبادل بين العولمة والجريمة ونذكر بالتحديد الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتوضيح كيف استفادت الجريمة من تطورات العولمة.

عولمة الجريمة Globalization of crime هو مصطلح يشير إلى انتشار الأنشطة الإجرامية عبر الحدود الوطنية وزيادة التفاعل والتأثير الدولي للجريمة، ومن الأمثلة على ذلك تجارة المخدرات الدولية، والجرائم المالية الدولية، والهجرة غير الشرعية، والاتجار غير المشروع بالأعضاء البشرية وغيرها.

وأسهمت العولمة في تحديد ملامح الجرائم المعاصرة، فمسرح الجريمة امتدّ إلى خارج الحدود الوطنية للدول، ففي سياق عولمة الاقتصاد والتقدم والانفتاح على الأسواق تحققت عولمة الجريمة، وما يميز الجريمة في العصر الحالي أنها أصبحت أكثر اتقانًا وتنظيمًا وظهرت الجريمة المنظمة العابرة كأحد أبرز الآثار السلبية للعولمة, وحيث نصت المادة (146) من قانون الجزاء العماني “يقصد بالجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية تلك الجريمة ذات الطابع العابر للحدود الوطنية التي ترتكبها جماعة إجرامية منظمة, والمادة (147) من ذات القانون ذكرت الحالات التي تعتبر فيها الجريمة ذات طابع عابر للحدود وهي إذا ارتكبتها في إقليم الدولة جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية في أكثر من دولة, إذا ارتكب جزء منها اتفاقًا أو تحريضًا أو مساعدة أو تنفيذًا داخل حدود البلاد وارتكب جزء آخر خارج حدودها, إذا ارتكبت في أي دولة وكان لها آثار مباشرة وجوهرية على إقليم الدولة, فالجريمة المنظمة ظاهرة عالمية قد تكون حديثة نسبيًا، مما يستدعي التعرف عليها وفهمها ومكافحتها.

واليوم أصبحت الجريمة لا تتقيد بحدود الدولة التي نشأت فيها، وأصبحت الجريمة تنتقل في لحظات فقد يتم الإعداد للجريمة في دولة ثم ترتكب في دولة ثانية، وربما تنفذ في دولة ثالثة، وتظهر آثارها في دولة رابعة، لذلك الجريمة اليوم تعبر الدول إلى العالم.

وقد كثر استخدام مصطلح الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، والتي باتت تهدد الأمن والاستقرار على المستويين المحلي والدولي، وقد شملت النشاطات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية عدّة مجالات أهمها غسل الأموال، جرائم النصب والتزوير، والإتجار بالمخدرات، والإتجار غير المشروع بالأعضاء البشرية وغيرها، والجريمة المنظمة لا تقتصر على نوع محدد من الإجرام، بل تتعدد وتتنوع لتشمل جرائم اقتصادية وجرائم الاحتيال الدولي وجرائم الشركات إلى مجالات الإتجار بالأطفال والنساء والأعضاء البشرية.

هناك العديد من العوامل التي أسهمت في انتشار الجريمة المنظمة وتجاوزها للحدود الوطنية، فاستغلال التبادل التجاري نتيجة للانفتاح الاقتصادي، وكذلك أسهمت الشركات متعددة الجنسيات في مختلف أرجاء العالم إلى نمو أنشطة الجريمة، وبلا شك أن التقدم التكنولوجي كان له الفضل الكبير في نمو الجريمة واتساعها عالميًا، وبفضل الأنظمة الالكترونية المتطورة أصبح بالإمكان تحويل مبالغ هائلة حول العالم وهذا من شأنه يساعد المنظمات الإجرامية في غسل الأموال وتبييضها.

كذلك قد تستهدف المنظمات الإجرامية الهشاشة السياسية والاقتصادية التي قد تمرّ بها بعض الدول، مما ينتج عنها تزعزع الوضع الأمني والذي بدوره يعيق الأجهزة الأمنية من مكافحة الجريمة، مما يؤدي إلى نشوء حلقة فارغة فالضعف يجذب الجريمة، والجريمة بدورها تعمّق الضعف.

إن تداعيات الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية تساهم في نشر النزاعات وضعف مؤسسات الدولة مما ينعكس سلبًا على مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فخطورة الجريمة المنظمة تكمن في كونها ليست جريمة واحدة ولا جريمة مركبة وإنما كونها منظومة جرائم ضخمة تضم مجموعة من الأنشطة الإجرامية ومن المؤكد أنها تتطلب موارد بشرية ومادية ضخمة.

ونذكر إحدى هذه الجرائم والأكثر شيوعًا جريمة الاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وذكر تقرير المخدرات العالمي لعام 2021، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، “أن حوالي 275 مليون شخص تعاطوا المخدرات في جميع أنحاء العالم في العام الماضي، في حين عانى أكثر من 36 مليون شخص من اضطرابات تعاطي المخدرات”[2] 

كما أن عالمية الإنترنت وانفتاحها وسهولة الوصول إليها شجع الكثيرين على استخدامها كوسيط لتسهيل الاستخدام غير الشرعي للمخدرات، سواءً في مجال الطلب على المخدرات وتسهيل عملية إنتاجها، أو استخدامها، أو بيعها، إضافةً إلى تسهيل الإنتاج وشرح وتفسير للمعدات أو المصادر اللازمة أو العمليات المستخدمة في صناعة المخدرات، مع تسهيل الوصول للمعلومات التي تسهل المبيعات عبر الإنترنت.

وقد بينت بعض التقديرات بأن حجم التجارة العالمية في المخدرات بلغ 500 بليون دولار أي أكثر مما تمثله التجارة العالمية في النفط سنويًا، وتقدّر الأموال المستمدة من المخدرات والجريمة المنظمة عبر الدول بصفة عامة حوالي 5% من الاقتصاد العالمي.[3]

إن تمكّن تأثير الجريمة في المجتمعات المعاصرة والعجز عن التصدي لها ما هو إلا قصور في أدوات حماية المجتمع من الجريمة، فمسايرة التغيرات التي يشهدها العالم هو أمر حتمي لا مفر منه، فلا بد من تعديل التشريعات الجنائية لكي تواجه الجرائم المستحدثة وإعداد كوادر متخصصة لكيفية التعامل مع الجرائم المستحدثة، ومما يزيد هذه الجرائم صعوبة أن النشاط الإجرامي يتم في ظل تشريعات مختلفة ومتنوعة لكل دولة.

وللحد من انتشار الجريمة المنظمة لا بد من تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، وفي ظل استفحال الجريمة المنظمة يجب على الدول تحسين قدرات الأنظمة القضائية وتشارك التكنولوجيا بين الدول، وكذلك رسم استراتيجيات للقضاء على الترابط بين العولمة وانتشار الجريمة المنظمة، واتبّاع سياسات تجريمية صارمة، وتتطلب مكافحة عولة الجريمة جهود دولية تعاونية للتصدّي للجريمة وتعزيز التعاون بين الدول في مجالات مختلفة مثل تبادل المعلومات وتعزيز تشريعات مكافحة الجريمة، فعالمية الإجرام تتطلب عالمية المواجهة.

[1] المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، اتجاهات الجريمة في العالم: تقرير موجز لعام 2022، ص3.

[2] تقرير المخدرات العالمي 2021 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة 25 يونيو 2021

[3] مرجع سابق، تقرير المخدرات العالمي 2021

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: العابرة للحدود فی دولة

إقرأ أيضاً:

بسبب تذبذب السعر العالم.. تأجيل الدورة الخامسة من معرض نبيو لشهر مايو ٢٠٢٦

قررت اللجنة المنظمة لمعرض الذهب والمجوهرات المصري "نبيو" تأجيل موعد انعقاد الدورة الخامسة من المعرض والتي كان من المقرر انعقادها في الفترة من ٢٣- ٢٥ نوفمبر القادم، وذلك في ضوء حالة عدم الاستقرار والارتفاع الحاد في أسعار الذهب العالمي بفعل التوترات الجيوسياسية والصراعات العسكرية في عدة أقاليم وكذلك الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا والتي أثرت بدورها على الاقتصاد العالمي وأدت بشكل مباشر لرفع سعر الذهب باعتباره الملاذ الآمن لحفظ قيمة المدخرات في ظل تراجع قيمة الدولار والخفض المستمر لأسعار الفائدة عليه.
جاء القرار من اللجنة المنظمة التي تضم أعضاء مجلس إدارة شعبة الذهب والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية، والشركة المنظمة للمعرض، بتأجيل موعد إقامة المعرض لشهر مايو ٢٠٢٦، وذلك للحفاظ على المكتسبات التي حققها معرض نبيو خلال الدورات الأربع السابقة، وحفاظا على مكانته كمنصة إقليمية رائدة لصناعة الذهب والمجوهرات ونافذة قوية لتصدير المشغولات المصرية للخارج.

وقد تم اختيار الموعد لعقد المعرض في مايو ٢٠٢٦ بناء على التوقعات الاقتصادية للمحللين والخبراء والتي تشير إلى ارتفاع احتمالية الوصول إلى نهايات وحلول حاسمة للصراعات القائمة على الساحة العالمية، وبدء ظهور انفراجات للأزمات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.
وتؤكد اللجنة المنظمة للمعرض حرصها على تحقيق الأهداف المرجوة من المعرض وكذلك تفهمها للواقع الصعب الذي تعيشه الشركات العاملة في القطاع على مستوى محلي ودولي، وتؤكد استمرار بذل الجهود المطلوبة للإعداد للنسخة القادمة من المعرض خلال مايو ٢٠٢٦  لتخرج بأفضل صورة ممكنة بما يخدم الصناعة المصرية وتحقيق الهدف من المعرض كمنصة عالمية في مجال تجارة الذهب والمجوهرات.

طباعة شارك جهود ذهب ارتفاع الاسعار

مقالات مشابهة

  • وقعتها 65 دولة.. تفاصيل أول اتفاقية عالمية لمكافحة الجريمة السيبرانية
  • أكثر من 60 دولة وقعت على معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة الإلكترونية
  • دولة قطر تؤكد التزامها الراسخ بميثاق الأمم المتحدة
  • دولة قطر توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية
  • "فتح": منظمة التحرير هي البيت الجامع للشعب الفلسطيني ولا بديل عنها لتحقيق الوحدة الوطنية
  • من هي نور أبو ركبة التي حملت مهمة أنس الشريف في غزة؟
  • وزير الدفاع البريطاني: ارتفاع عدد السفن الروسية التي تهدد مياهنا بنسبة 30%
  • أصوات عربية تنتفض لنصرة السعودية.. سموتريتش: أنا آسف للإهانة التي سببتها
  • بسبب تذبذب السعر العالم.. تأجيل الدورة الخامسة من معرض نبيو لشهر مايو ٢٠٢٦
  • فضل من مات يوم الجمعة.. وما المقصود بحسن الخاتمة؟