نساء غزة.. احتياجات يومية تضاعف معاناتها
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
تعيش النساء -تماما كما الرجال- آثار الحروب، وغالبا ما يتغاضين عن آلامهن وحزنهن، ويتحدين أوجاعهن ليصنعن لأسرهن حياة معقولة من لا شيء، ويحافظن على "أمان" الأسرة ولو تحت "القصف الإسرائيلي المتواصل" على غزة.
وفي ظل افتقار أهالي غزة لكل شيء، كيف تتدبر المرأة هناك معيشتها اليومية؟ تسألهن عن حالهن فيقلن "الحمد لله".
تصادف أن أول تواصل لي مع امرأة غزاوية كان مع أم فضّلت عدم ذكر اسمها، وتتلخص معاناتها بأنها عندما بدأت عملية طوفان الأقصى كانت غير موجودة بغزة، حيث سافرت إلى تركيا قبل العملية، ثم نزلت مصر حتى تعود إلى غزة، ولكن تسارعت الأحداث وانطلق العدوان الإسرائيلي على غزة فعلقت في مصر ولم تتمكن من الدخول.
تقول الأم: "لكن أولادي كلهم بغزة.. القلق والتوتر عندي أضعاف.. في كثير ناس ومنهم نساء من غزة عالقات في مصر.. أهل غزة بكرب لا يعلم به إلا الله.. لنا الله".
ولكن ماذا عن شهادات نساء غزة تحت القصف؟
أمّ نزحت للجنوب وابنها في الشمال
"الحمد لله بخير، لحد الآن نحن بخير".. هكذا تقول ألفت الخزندار (ربة بيت) للجزيرة نت، وهي التي نزحت من مدينة غزة إلى الجنوب كما طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد أن قصفهم بالطائرات، واستشهد كثيرون.. "شاهدنا أجسادهم تتطاير حولنا" كما تقول.
ومع ذلك فإن ألفت التي نزحت برفقة زوجها وأحد أولادها وعائلة زوجها، بقي أحد أبنائها في بيتهم في غزة، وهي لا تعرف مكان وجوده حاليا. تقول إن هناك كثيرين نزحوا مشيا على الأقدام لمسافة 22 كيلومترا بين غزة وخان يونس.
وتضيف: "الوضع صعب جدا، نفتقر لكل مقومات الحياة، ولا نمتلك المال الكافي لشراء حاجياتنا، لأن الكل طلع مثل الورقة البيضاء بلا مال، وكل شيء غال وغير متوفر، كيس الطحين بوزن ٢٥ كيلوغراما تقريبا، وصل سعره نحو 45 دولارا، وهو لا يكفي لعائلة مكونة من 30 نفرا للخبز مرتين".
وتصف ألفت وضعهم بـ"الكارثي" وهي تقيم مع 80 شخصا من أهل زوجها في غرفة واحدة مساحتها 4 في 4 بحمام في خان يونس، دون ماء ولا كهرباء ولا طاقة شمسية، وتشحن هاتفها النقال عند آخرين بمقابل مادي. وتضيف أن الوضع بشكل خاص للنساء وكبار السن والأطفال "كارثي جدا، فلا شيء متوفر، لا فوط صحية ولا دواء ولا حليب ولا فوط للأطفال، ومع قدوم برد الشتاء لا يوجد فراش ولا غطاء".
وتختم بالقول: "الحمد لله.. ربنا يرحمنا برحمته".
أما الشيف الغزاوية سمر النباهين فتردد:"الحمد لله ما زلنا بخير"، وتضيف "الوضع مأساوي كارثي"، فهي لا تستطيع التواصل مع أهلها، كل واحد في منطقة، ولا تعلم ما هي ظروفهم بسبب انعدام إشارة الإرسال في معظم الهواتف النقالة، وتقطّع أسلاك الإنترنت في عدد كبير جدا من البيوت، ولا يوجد إمكانية لإعادة وصلها أو صيانتها بسبب القصف الشديد على غزة.
كانت سمر تعيش بمدينة غزة منطقة المينا، قبل أن يأتي اتصال على هواتف كل سكان المنطقة يطالبهم بالإخلاء والاتجاه جنوبا، وحاليا هي تعيش في مدينة دير البلح ما بين غزة والجنوب.
تقول سمر للجزيرة نت: "نحن الآن نعيش ضمن مجموعة من 40 شخصا، ومنهم أناس نختلط معهم لأول مرة نتشارك الطعام وكل شيء. نستيقظ باكرا، ونحاول ترتيب أماكن نومنا المكتظة بجانب بعضنا، ثم نحاول أن نصنع للجميع بعض الطعام المتوفر، ونستخدم الفحم والنار لعمل شاي أو أي طعام".
توضح سمر (44 عاما): أن الوجبات التي نحضرها بسيطة جدا، ولا تتضمن اللحوم، تعتمد على الحبوب الجافة مثل الأرز أو البرغل أو العدس أو الفول نظرا لانعدام الثلاجات. وفي الأثناء يذهب الرجال للاصطفاف يوميا في طوابير للحصول على ماء صالح للشرب، وعلى الخبز من المخبز الوحيد في المنطقة التي نزحوا إليها.
وتذكر سمر أن "كل ما تحدثتُ عنه نقوم به في ظل رعب وقصف متواصل، فحتى المنزل الذي نزحت إليه تهشمت كل نوافذه، وتعرضنا للخطر أكثر من مرة داخله بسبب استهداف أماكن محيطة به، ووضعنا النفسي سيئ جدا لشدة الخوف على أبنائنا وأطفالنا. علينا أن نتصنع الثبات أمامهم مع كل ضربة حتى لا نرى الرعب في عيونهم، فأنا أم لابنتين وولد أعمارهم 18 و17 و16عاما، نحن نمر بظروف هي الأصعب في حياتنا، والحمد لله أننا ما زلنا أحياء".
احتياجات المرأة كلها معدومة
تقول امرأة نازحة من غزة للجزيرة نت فضلت أيضا عدم ذكر اسمها: "معاناة المرأة وبخاصة الأم كبيرة، لأنه مطلوب منها محاولة صنع أكل بما تيسر للعائلة، وفوق رعبها وقلقها لا يوجد ماء صالح للشرب، ولا أي طعام أو معلبات أو مواد أساسية، ولا غاز طهي، نستخدم الفحم لطبخ ما تيسر، الطعام لا يكفي للجميع، فقط يقي من الموت".
وتصف الحال بالقول: "لا خصوصية في أي شيء نظرا لتواجدنا في نفس المكان مع عدة عائلات، تخلينا عن الكثير من الأشياء المعتادة مثل فرشاة الأسنان، حتى الوضوء أصبح صعبا على النساء إما لانقطاع الماء، أو عدم القدرة على استخدام الحمام، لا يمكن تخيل الطوابير على استخدام الحمام لقضاء الحاجة، لم نستحم منذ خرجنا من بيوتنا، الاحتياجات النسائية كلها معدومة".
وتختم بأن "الوضع أكبر من أن يوصف، تعجز الكلمات عن وصفه، فقدنا العديد من أبنائنا ودفنوا بلا وداع، وتدمرت المنازل والشوارع، والحمد لله رب العالمين على كل حال".
ممكن حد يهتم يوصل صوتنا بضرورة توصيل فوط صحية للستات في غزة؟ ياريت لو حد من الناس اللي عندها ريتش يقدر يتكلم عن الموضوع ده ويوصل الفكره دي لحد من المسئولين!
— amool (@unwanted288) October 14, 2023
مريضة سرطان تدمر منزلهارائدة الهندي (44 عاما) نازحة غزاوية مريضة بالسرطان، تقول للجزيرة نت: "أنا مريضة بالسرطان، وآخد علاجا هرمونيا، ولدي 3 بنات وولد من بينهم طفلة منغولية عمرها ١٤ عاما، خرجت من بيتي بعد تدميره بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي بيتا بجواره".
تذكر رائدة أنها نزحت من بيتها إلى بيت أهلها، وفي نفس البيت يوجد 47 شخصا بينهم نساء وأطفال ورجال. "نحاول أن نوفر الطعام للأطفال ما أمكن، ولا يوجد ماء ولا أي مستلزمات عناية شخصية، ولهذا لجأت بعض النساء لتناول حبوب منع الحمل لقطع الدورة الشهرية".
الفوط الصحية لنساء غزة من الاساسيات ولا تقل اهمية عن اي شيء تاني ، اتمنى يتم توفيرها
اعملوا ريتويت و وصلوا صوتنا https://t.co/txXvYXbx1f
— BEN0A (@Aywa_anaBen0a) October 14, 2023
توقعتْ الأسوأ فاحتاطت لهوتؤكد نازحة غزاوية -فضلت عدم ذكر اسمها- ما قالته رائدة الهندي، حيث تضطر بعض النساء لأخذ حبوب منع الحمل لتأخير الدورة الشهرية، رغم مخاطر استخدام حبوب منع الحمل بدون استشارة الطبيب.
وتضيف: "كثيرات لجأن لهذا الحل، لكن أنا وبناتي لم نلجأ لذلك، لأنني منذ بداية الحرب توقعت الأسوأ، وجهزت حقيبة بالأوراق المهمة، وملابس وأشياء شخصية مثل الفوط الصحية، عملت حسابي أن تكون موجودة بشكل كاف، وهذا ما أقوم بعمله مع بداية كل حرب على غزة خوفا من النزوح من البيت".
وتقول إنها تحمل حقيبة إسعافات أولية صغيرة من ضمنها مسكنات وخافض حرارة، و"اضطررنا لشراء ملابس أثقل من مكان تواجدنا، فقد اختلف الجو وأصبح أبرد".
????????????????????????????????????
محتاجين فوط صحية لنساء غزة
محتاجين فوط صحية لنساء غزة
محتاجين فوط صحية لنساء غزة
محتاجين فوط صحية لنساء غزة
محتاجين فوط صحية لنساء غزة
محتاجين فوط صحية لنساء غزة
— ديدو (@Dorktya) November 13, 2023
حوامل تحت القصففي ظل استحالة وصول الحوامل للمشافي، صرن يلجأن للولادة حيث هن في أماكن اللجوء، ومنهن من فقدت جنينها، ومنهن ولادات متعسرة أودت بوفاة الأم والطفل معا.
تقول نسرينا سليمان، الناشطة من غزة، على صفحتها في فيسبوك: "لفظ الداية كان مرتبطا بمسلسلات البيئة الشامية، لكن من يوم الحرب على غزة، وخاصة في ليالي القصف والاشتباكات، صار البحث عنها بشكل جدي، أو عن قابلة أو عن ممرضة أو عن بيت طبيب ليكونوا سببا في إنقاذ حياة من حياتين في أحلك الظروف".
تضيف نسرينا: "الولادة بغزة في وقت الحرب أصبحت نقمة النساء الحوامل، يتبعها الإجهاض، والنزيف والإجهاد والحمى، وما يحدث من بعدها آثار صحية من ضمنها استئصال رحم أكثر من سيدة، لعدم القدرة على إجراء أي عمل جراحي من شأنه إنقاذ الموقف".
وتصف الوضع فتقول: "حياتنا كنساء في قطاع غزة تحت صليات الحرب وتراكماتها من قلة تغذية وفقر وتشرد وبرد، معاناة لا توصف.. إضافة للمأساة النفسية أمام احتياجات الفتيات في مدارس ومخيمات اللجوء مع عدم توفر الماء وسُبل الرعاية الشخصية..".
وكشف صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين أن الحوامل في قطاع غزة لا يتمكنّ من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
وأضاف الصندوق في بيان على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، أن "50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة لا يستطعن الحصول على الخدمات الصحية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت الحمد لله قطاع غزة على غزة لا یوجد من غزة
إقرأ أيضاً:
ما أشبه فيتنام قبل 50 عاما بغزة اليوم.. الصورة تقول ما لا يقوله كتاب
في مقارنة بين حرب فيتنام (1955-1975) وحرب غزة المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتشابه المعاناة في تفاصيلها الدقيقة: دمار شامل، حصار خانق، نزوح جماعي، وجوع يفتك بالأرواح، رغم اختلاف الزمان والسياقات.
وفي مشهد يعيد إلى الأذهان أهوال التاريخ، تتقاطع مآسي حرب فيتنام مع الكارثة الإنسانية التي تعصف بقطاع غزة.
وعلى فيتنام، حيث شنت الولايات المتحدة حربها، رمت الطائرات آلاف الأطنان من القنابل، لتحوّل المدن والقرى إلى أطلال. ولم يكن الهدف فقط كسب معركة، بل ترك أثر لا يُمحى في ذاكرة المكان.
واليوم، في غزة المحاصرة، تبدو المشاهد مألوفة حدّ الوجع، أكثر من 60% من مباني القطاع سويت بالأرض، بما فيها مستشفيات ومدارس ومخابز، وكل ما في غزة بات هدفا مشروعا.
ما بين فيتنام التي دفعت ثمنا باهظا بحوالي مليونَي قتيل خلال عقدين، وغزة التي فقدت أكثر من 50 ألف شهيد حتى الآن، تبرز حقيقة واحدة: الإنسان هو الخاسر الأكبر في كل حرب.
ففي غزة، تحت كل الركام هناك عائلات كاملة دفنت حيّة، معظمهم من النساء والأطفال، بينما لا تزال آلاف الجثث مفقودة تحت الأنقاض تنتظر أن تعرف أسماء ذويها.
وعرفت فيتنام وجه النزوح مبكرا، حيث اضطر 12 مليونا لترك بيوتهم، تحت ضغط النيران والرصاص.
وغزة اليوم تُكرّر القصة، لكن على رقعة أصغر، وأكثر اختناقا، حيث نزح أكثر من 90% من سكانها داخل القطاع نفسه، يفترشون الأرض، بعد تدمير أكثر من 150 ألف منزل بالكامل، ليُصبح السكن حلما، والمأوى ذكرى.
ولم تكن القنابل في فيتنام وحدها وسيلة الحرب؛ بل أيضا تدمير المحاصيل وتجويع السكان.
أما في غزة، فقد أُغلقت المعابر، ومنعت الإمدادات، حتى بات الطعام دواء مفقودا، والماء قطرة ثمينة.
إعلانوحذرت الأمم المتحدة من أن جميع سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليونين يواجهون مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي، مع خطر متزايد لحدوث مجاعة، نتيجة الحصار المفروض ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
وتُظهر المقارنة بين حرب فيتنام وحرب غزة المستمرة أن معاناة المدنيين في النزاعات المسلحة تتكرر بشكل مأساوي، حيث يتعرضون للدمار، النزوح، الجوع، والحصار.
وهذه المآسي تستدعي من المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات فعالة لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والعمل على إنهاء النزاعات بطرق سلمية تحترم حقوق الإنسان.