الميراث سيلحقني بركب المطلقات
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
زوجي لا يعير لمصيري أي إهتمام.
الميراث سيلحقني بركب المطلقات.
سيدتي، من الطبيعي أنه كلما كبر الإنسان في السن إلا ويزداد رجاحة وتعقلا،إلا أن حماي سامحه الله غاب عقله. وبات يهدّد بأن يلحقني بركب المطلقات لا لشيء إلا بسبب الميراث الذي تحصلت عليه بعد وفاة أمي.
تزوجت منذ سنوات من رجل أحببته حبا كبيرا. وقد توسمت فيه العوض حيث أنني عشت يتيمة الأب.
الأمر لم يكن على النحو الذي توقعته، حيث أنني ومنذ زواجي لمست من أهل زوجي إهتمامهم وطمعهم في مرتبي. فأنا إطار في شركة محترمة ولي راتب معتبر لم أدخر منه فلسا منذ تزوجت. فعوض أن أكون مسؤولة من زوجي وجدتني أنا من يغطي كل المصاريف والأعباء. ولما كنت أقصد حماي الذي خلته عند وعده أجده ينصحني بضرورة الصبر والتريث. ففي الغد ما من شأنه أن يجبر خاطري مع زوجي الذي أوهمني أنه يدخر ماله من أجل أبنائنا.
كل هذا وأنا أتجرّع طعم الخيبة من زوج وحما خذلاني، لكنني لم أخل يوما أنني سأحيا مثل ما أحياه من مشكلة. هي مربط الفرس في طرحي هذا الذي امنح لك سيدتي من خلاله مفاتيح قلبي حتى تبددي همي. توفيت أمي منذ أشهر، وكما يقتضيه الشرع نلت نصيبي من الميراث. هذا الأخير. الذي وعلى ما يبدو أسال لعاب أهل زوجي بما فيهم والده الذي طلب مني أن أمنحه ما تحصلت عليه. كونه ينوي القيام ببناء منزل كبير يضم أبناؤه المتزوجين ومن يسكنون بيوتا إستأجروها. في البدء سيدتي إعتبرت أن الأمر مجرد دعابة ، لكنني فيما بعد وجدت أن حماي يبعث لي برسائل مع زوجي. مضمونها الإسراع في منحه ما نلته من حق بعد وفاة والدتي حتى تتنعم به أسرته.
صدقيني سيدتيـ، تهاوت أحلامي حينها وأحسست باللا أمان وتيقنت من أن زواجي لم يكن ليبنى على الحب والمودة. والإحتواء، فما يجمعني بأهل زوجي لا يعدو إلا أن يكون المال ولا شيء غيره.إنتفضت لنفسي. ولم أقبل المضي في كذبة عشتها زهاء سنوات، وأخبرت زوجي أنه لن يكون لهم أبدا حق في مال أهلي. فيكفيهم ما أخذوه مني عن طيب خاطر وغباء مني طيلة سنوات مضت. وقتها أبان زوجي ووالده عن نواياهما. حيث أخبراني بصريح العبارة أنني لن أبقى بينهم ،ومن أنني سألحق بركب المطلقات بسبب تهوري وقراري الغبي.
متحسرة أنا سيدتي ومتأسفة على ما المّ بي على يد أب وجد أولادي الذي سيكون مصيرهم التشتت والضياع. فأنا لا أريد أن أفرط في مال لا أعتبره حقا من حقوق أهل زوجي. كما أنني لا أريد الطلاق لأنه ليس لي بيت يحتضنني بعد وفاة والداي . أنا في حيرة من أمري سيدتي، فهل عليّ الخنوع لحماي ومنحه ميراثي حتى لا ألتحق بركب المطلقات؟
أختكم س.إكرام من الغرب الجزائري.
هوني عليك بنيتي، وأطفئي لوعة ما تحيينه من موقف بالدعاء والتضرع إلى الله بأن لن يصيبك مكروه بإذنه تعالى. من المؤسف أن تجدي نفسك في هذه الحال وأنت من أخلصت وأبذلت في العطاء. طيلة سنوات منحت فيها الغالي والنفيس ولم تنالي حتى الشكر والعرفان. أحسّ بشظايا الظلم. وهي تعصف بقلبك الذي بات وحيدا بعد أن فارقتك أمك التي عشت بعد وفاتها تجربة قلبت حياتك، وإلا فكيف نسمي من تنصل لوعده لك. بأن يكون لك الأب والصدر الحنون ولو كان ذلك على حساب إبنه، حماك الذي أخلط عليك الأوراق وقلب موازين حياتك بقرار تعسفي.
إن تصرف حماك بنيتي يدل على طمعه الكبير في المال، كما أنه يدلّ على غطرسته بعد أن سولت له نفسه أن يساوم. إستمرار زواجك من إبنه بما ستمنحينه له من مال هو في الأصل حق لك . أتساءل عن موقف هذا الأب لو وضعت إحدى بناته في ذات الخيار، ترى هل كان سيقبل؟.
من حقك أختاه أن ترفضي رفضا باتا تسليم ما بقي لك من ذكرى والديك لحماك الذي ليس في نيته أن يقترض المال منك. بل أخذه بالمستريح ليحقق به أحلام أبنائه وييسر لهم سبل العيش. وعليك أن تخبريه أنه إن هو حقا دفع بإبنه لتطليقك فإنه سيحيا بذنوب ستخنق مستقبله وتسيء لأخرته. تماسكي ولا تخافي وليكن رفضك قاطعا بأن مال والديك أنت وأبناؤك أولى به ما دمت تحت جلباب زوج لامسؤول. زوج لا يهمه هو الأخر سوى مالك ومرتبك الذي إستنزفه منك طيلة سنوات ولم يسأل عن إحتياجاتك ولا عن طلباتك وكأني بك آلة لضخّ المال.
إن كان نصيبك أختاه أن تبقي على ذمة زوجك بعد هذه المشكلة فذلك أحسن بالنسبة لأبنائك حتى لا يحيوا الشتات. أما إن حدث الطلاق فيمكنك بكل الإنكسار الذي سيكون من نصيبك أن تبني حياة جديدة. أنت وفلذات كبدك حتى تحيي منعّمة مكرّمة بعيدة عن كل إبتزاز وتعسف من أهل زوجك سامحهم الله.
ردت:”س.ب”
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
رحل محمد حسن وهبه، وما الذي تبقى من زيت القناديل؟
صديق عبد الهادي
(1)
للشاعر الألماني "برشت" او "بريخت" كما ينطقه آخرون، قصيدة بليغة، محتواً ونصاً، وخاصة عند الإطلاع على تلك النسخة من ترجمتها البديعة التي بذلها صديقنا ومربينا العزيز دكتور محمد سليمان. ولتلك الدرجة التي يحار فيها المرء في أي لغةٍ أصلٍ كتبها "برشت"؟! وقد جاءت القصيدة تحت عنوان "أسئلةُ عاملٍ قارئ".
إنه لمن الصعب الإقتطاف منها، لأن الإقتطاف يهدمها مبناً ومعناً، أو يكاد! ولكن، لابد مما ليس منه بد. إذ يقول/
"منْ بنى طيبة ذات الأبواب السبع
الكتب لا تحوي غير أسماء الملوك
هل حمل الملوك كتل الصخر يا ترى؟!
وبابل التي حُطِمتْ مرات عديدات
منْ أعاد بناءها كل هذه المرات؟!
وفي أي المنازل كان يسكن عمال ليما
الذهبية المشرقة؟!
وفي المساء - حين إكتمل سور الصين العظيم –
أين ذهب البناؤون؟!
روما الجبارة مليئة بأقواس النصر
منْ شيَّدها؟
وعلى منْ إنتصر القياصرة؟!
وهل كانت بيزنطة الجميلة تحوي قصوراً
لكل ساكنيها؟!".
كلما أطلَّتْ هذه القصيدة أمامي ساءلتُ نفسي، ألا تنطبق تلك التساؤلات، الثرة والغارقة في الجدل، على النشاطات الإنسانية والنضالية في حقول الحياة الأخرى؟، وبالطبع، دائماً في البال أولئك "الفعلة" "المجهولين" "تحت الأرض"، الذين كلما تحطمت "بابلنا"، أو كادت، أعادوها لنا في كامل عافيتها وبهائها!
كان الراحل محمد حسن وهبه، وعن جدارة، أحد أولئك الــــــــ"تحت الأرض"، ولشطرٍ كبيرٍ من حياته.
(2)
تعرفت على رفيقنا الراحل في تقاطعات "العمل العام"، بعد عودة الحياة الديمقرطية إثر إنتفاضة مارس/أبريل في العام 1985. فمن الوهلة الأولى لا يعطيك الإنطباع بحبه للعمل العام وحسب وإنما، وفي يسر، بأنه إنسانٌ صُمم لذلك. رجلٌ سهل وودودٌ وذو تجربة صلدة، تتقمصه روحٌ آسرة ومتأصلة لا فكاك للمرء من إيحائها، بأنك تعرفه ومنذ زمن طويل. كان يتوسل المزحة ودونما تكلف في تجاوز المواقف المربكة، وكم هي غاصةٌ بها الحياة ومسروفةٌ بها غضون العمل العام ومطارفه!
عملت في صحبته وصحبة صديقنا المناضل الراحل محمد بابكر. والأثنان كانا يمثلان مورداً ثراً في التصدي لقضايا العمل العام، وخاصةً النقابي. طاقات مدهشه يحفها تواضع جم، أكثر إدهاشٍ هو الآخر. تعرفت على الراحل محمد بابكر في قسم المديرية بسجن كوبر إبان نظام المخلوع نميري ولفترة امتدت لأكثر من عام. وهو الذي قدمني للراحل "محمد حسن وهبه"، ومنذها كانت صداقة ثلاثتنا.
جرتْ انتخابات النقابات الفرعية منها والعامة في العام 1988، وفازت "قوى الإنتفاضة"، التي كانت تضم كل الإتجاهات، ما عدا الإسلاميين الذين كانوا يمثلون او بالأحرى يطلق عليهم "سدنة مايو". فازت "قوى الإنتفاضة" بما مجموعه 48 من عدد 52 نقابة عامة لاجل تكوين الإتحاد العام للموظفين في السودان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما تمّ بعد إنتفاضة مارس/ ابريل 1985 في شأن إستعادة النقابات وفرض شرعيتها من خلال الإنتخاب الحر والديمقراطي هو ما لم تنجح في فعله قوى الثورة عقب ثورة ديسمبر 2018 مما كان له الأثر الكبير في كشف ضعف الثورة وفي وتأكيد غفلتها. فلقد ظلت كل القوانين كما هي وكأن ثورة لم تكن!
كان "محمد حسن وهبه" أحد الذين كانوا من وراء إنجاز قيام الإتحاد العام للموظفين، والذي تمً على إثره إنتخاب الراحل محمد بابكر وبشكل ديمقراطي أميناً عاماً له. كان "محمد حسن وهبه" مسؤولنا الأول عن إدارة تلك الحملة وقيادة ذلك العمل. كان أحد المعنيين بإعادة "بناء بابل"، وقد فعل ذلك على أكمل وجه. والآن جاء يوم شكره المستحق.
(3)
لم يجمع بيننا العمل العام لوحده وإنما جمعت بيننا "البراري" بكل تفردها وزخم "قواها الإشتراكية" التليدة إن كان في ترشيحها لـ"فاطمة" أو في تكريمها لـ"سكينة عالم"، والذي كان وبعقودٍ طويلة قبل تجشم "هيلاري" و"كاميلا" لمصاعب المعاظلة مع عتاة الرأسمال!.
كنت أغشاه كثيراً، وليس لماماً، للتزود من معارفه الحياتية ومن فيض روحه السمح، ومن لطائفه كذلك. كنت أسكن "كوريا" ويقطن هو في "إمتداد ناصر". ذات مساء وجدت في معيته المناضل الراحل "يوسف حسين"، وكما هو معلوم فهو رجل صارم القسمات وللذي يراه لأول مرة لا شك أنه سيظن أن هذا الرجل بينه والإبتسام ما تصنعه القطيعة البائنة!. أنهما صديقان، ولكن للمرء أن يعجب كيف تسنى ذلك، فــ"وهبه" سيلٌ متدفق من "الحكاوي" و"المِلَح" والضحك المجلجل؟!
إن لوهبه قدرة فائقة على صناعة الأصدقاء، إن جاز القول.
وهبه حكاءٌ بإمتياز، لا يدانيه أحد. كان يبدع حين يحكي عن طُرَفِ زميله الراحل الأستاذ "أبو بكر أبو الريش" المحامي، الذي تميز هو الآخر بالحس الفكه والروح اللطيف، والطيب. كانت طرفته الأثيرة لوهبه، وهما طلاب في المدرسة الثانوية في مدينة بورتسودان، حين سأل أحد الأساتذة "ابوبكر" عن إسمه بالكامل فقال له :إسمي أبو بكر أبو الريش. فأردف الأستاذ: هل فعلاً اسم أبيك أبو الريش؟، فرد عليه أبو بكر: "بالمناسبة يا أستاذ أمي ذاتها إسمها أبو الريش!"، فإنفجر الطلاب بالضحك. حينما يحكي وهبة هذه الطرفة يحكيها وكأنها حدثت بالأمس، وحتى حينما يعيد "حكوتها" يعيدها بشكلٍ مختلف، في كل مرة، عن سابقتها. فتلك موهبة لا يتوفر عليها الكثيرون!
إن في مرافقة رواد العمل العام من أمثال وهبه، والذين يجمعون كل تلك المواهب، يصير العمل العام وبكل صعوباته وتعقيداته متعة، فضلاً عن كونه في معيتهم يمثل مدرسة حياتية نوعية ترقى إلى مستوى الرسالة المقدسة، التي يكون المرء على إستعدادٍ كاملٍ للتضحية بحياته من أجلها.
(4)
إن رفيقنا الراحل "محمد حسن وهبه" هو أحد الذين قدموا التضحيات الجسام بدون منٍ او سعيٍ مبغوضٍ للشهرة. عاش بسيطاً بين الناس وكريماً ذا "يدٍ خرقاء" حينما يطلب الناس بيته. إنه أحد أولئك الذين هم "زيت القناديل"، الذين تساكنوا، " تحت الأرض "، وتآلفوا مع الحرمان من طيب العيش والأهل، ولردحٍ طويلٍ من حيواتهم! إنه أحدُ منْ عناهم "برشت" أيضاً، حين قال/
"والعظمة تبرز من داخل أكواخٍ بالية
تتقدم في ثقة
تزحم كل الآماد
والشهرة تسأل حائرة - دون جواب –
عمنْ أقْدَمَ، أفْلَحَ، أنْجَزَ هاتيك الأمجاد!
فلتتقدم للضوء وجوهكم، لحظات
فلتتقدم هاتيك المغمورة مستورة
فلتتقدم كي تتقبل من أيدينا
كل الشكر
وكل الحب" (*)
فلك كل الشكر، رفيقنا "محمد حسن وهبه"، ولك كل الحب.
ولتخلد روحك في عليين.
___________________.
(*) من قصيدة "تقريظ العمل السري".
نقلا من صفحة الاستاذ صديق عبد الهادي على الفيس بوك