البرمجة التفاعلية فـي السياسة العالمية
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
كان للولايات المُتَّحدة ماضٍ مضطرب مع اليونسكو، منظَّمة الأُمم المُتَّحدة للتربية والعلم والثقافة، بعد أن انسحبت مِنْها مرَّتَيْنِ بسبب اختلافهما حَوْلَ موقف الدَّولة الأيديولوجي في عام 1984 أثناء الحرب الباردة ضدَّ روسيا، ومؤخرًا انحيازها المعيب للمُعتدي الصهيوني ضدَّ فلسطين في عام 2019 تحت رئاسة ترامب.
ومن المثير للاهتمام أنَّه مع احتدام التوتُّر بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والصين وتزايد حدَّة المعركة بَيْنَهما للسيطرة على العالَم، عادت الولايات المُتَّحدة إلى عضويَّة اليونسكو اعتبارًا من يوليو 2023، مع موافقتها على دفع مستحقَّاتها السَّابقة للمنظَّمة بقِيمة (600) مليون دولار أميركي، ورسوم إعادة القَبول البالغة (150) مليون دولار أميركي. ومع أنَّ هذا أمْرٌ جيِّد لِتَحقيقِ تعدديَّة الأطراف، إلَّا أنَّه يجِبُ فهمه في المُخطَّط الأوسع للأشياء ومعركة أميركا التكنولوجيَّة المستمرَّة مع الصين.
خلال تركها عضويَّة اليونسكو، وجدت الولايات المُتَّحدة نَْسَها معزولة بشكلٍ متزايد عن عمليَّة التخطيط لتقنيَّة بالغة الأهمِّية في جميع أنحاء العالَم، ألَا وهي (البرمجة التفاعليَّة). لقَدْ شهدت كيف تمارس الصين، الَّتي تُعدُّ أكبر تهديد لها، نفوذها على اليونسكو باعتبارها أكبر مساهم فيها، لِتَشكيلِ جدول الأعمال بشأن الذَّكاء الاصطناعي بَيْنَما كانت الولايات المُتَّحدة تراقب بلا حَوْلٍ ولا قوَّة ومهمَّشة.
في مارس من هذا العام، صرَّح وزير الخارجيَّة الأميركي، أنتوني بلينكن، أنَّه يعتقد أنَّ الولايات المُتَّحدة يجِبُ أن تَعُودَ إلى اليونسكو؛ لأنَّ ما يحدُث هناك مُهمٌّ للغاية.
كما صرَّح للكونجرس الأميركي: «إنَّهم يعملون على قواعد ومعايير البرمجة التفاعليَّة. نريد أن نكُونَ هناك. الصين الآن هي أكبر مساهم منفرد لليونسكو. هذا يحمل الكثير من الوزن. نحن لَسْنا حتَّى على طاولة النِّقاش».
اليونسكو مُهمَّة لوضع المعايير في التعليم والعلوم والتكنولوجيا، وهي مجالات رئيسة للعصر الرَّقمي. ومن الواضح أنَّ الولايات المُتَّحدة تشعر بالإهمال، وتريد أن تكُونَ أكثر نشاطًا في تعزيز رؤيتها للحُريَّة والديمقراطيَّة في العالَم، وأنَّ غيابها عن اليونسكو يضرُّ بقدرتها على القيام بذلك، وكذلك يضرُّ بتأثيرها في عالَم البرمجة التفاعليَّة.
ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنَّ الصين قالت إنَّها لَنْ تعارضَ عودة الولايات المُتَّحدة، وإنَّها مستعدَّة للعمل مع جميع الدوَل، وأنَّ اليونسكو تحتاج إلى أن يتكاتفَ جميع أعضائها للوفاء بمهامها.
وهذا يدعم وجهة نظري الرَّاسخة حَوْلَ الأهمِّية العالَميَّة للبرمجة التفاعليَّة، فقَدْ أصبحت مُهمَّة للغاية ومؤثِّرة في السِّياسة العالَميَّة والسَّلام والتقدُّم العالَمي الَّذي سيُشكِّل مستقبلنا المشترك. لا تستطيع الولايات المُتَّحدة أن تقفَ مكتوفة الأيدي لِتراقبَ الصين وهي تَقُودُ الطريق في ما قَدْ يكُونُ أهمَّ تكنولوجيا في العصر الحديث.
بحكم علاقتي القديمة والمستمرَّة مع اليونيسكو بصفاتي المُتعدِّدة، أبارك لليونيسكو هذا الحدث.
طلال أبو غزالة
كاتب عربي
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الولایات الم ت العال م
إقرأ أيضاً:
المعادلة الطردية في الحرب و السياسة
المعادلة الطردية في علم الرياضيات هي المعادلة بين متغرين إذا زاد متغير بكمية معلوم يزيد الأخر بكمية تتناسب مع زيادة الأول.. و الحرب قسمت المجتمع لمجموعتين ، المجموعة الأولى الجيش و يقف معه أغلبية الشعب السوداني و المجموعة الثانية الميليشيا التي تقف معها قوى سياسية بعينها.. و القوى السياسية الداعمة للميليشيا أيضا تنقسم إلي شقين يرفعان شعار " لا للحرب" الأولى تقف مع الميليشيا و تدير الها العملية السياسية بشكل واضح لا لبس فيه.. و الثانية تتدثر بالحيادية و لكنها تظهر بشكل واضح في المعادلة الطردية، في المعركة العسكرية و السياسية..
عندما كانت الميليشيا تسيطر على أجزاء واسعة من العاصمة و اربعة ولايات في دارفور و ولايتي الجزيرة و سنار و أجزاء كبيرة من ولايات كردفان.. كانت القوى السياسية منقسمة بين التي تؤيد الجيش و أخرى تؤيد الميليشيا، و ليست كانت في حاجة إلي زيادة في المعادلة.. رغم أن هناك قوى أخرى كانت تدعي الوقوف في الحياد.. أن الذين يؤيدون الميليشيا كانوا على قناعة كاملة أن الميليشيا قادرة على تحقيق انتصار يجبر الجيش على الجلوس من أجل التفاوض.. باعتبار أن التفاوض يعني عودة ذات السيناريو الذي كان قبل الحرب بكل رموزه.. و كانوا يراهنون على الوقت باعتباره سوف يضعف قدرات الجيش القتالية، و في نفس الوقت يقلب الموازين في الشارع أن يضعف ثقة المواطن في الجيش، الأمر الذي يجعل المفاوضات هي المخرج الوحيد للجيش من حالة الضغط التي يعاني منها.. هذا الجانب كان مدعوما بدول لها وضعها في العلاقات الدولية " أمريكا – الاتحاد الأوروبي – بعض من دول الخليج و خاصة الأمارات إلي جانب أسرائيل" و أيضا كانت ذأت أثر في عدد من المنظمات " الاتحاد الأفريقي – الإيغاد _ حالة صمت في جامعة الدول العربية" و رغم سطوة الميليشيا كان يعادلها التأييد القوي من قبل الجماهير لمتحركات الجيش.. و رغم ذلك ظلت بعض القوى التي تتدثر بالحيادية، تظهر التعاطف مع الميليشيا لكي تكون قريبة من خيار التفاوض، و رغبتها كانت أن يهزم الجيش..
أن أنتصارات الجيش التي بدأت في مدينة أمدرمان، ثم سياسة تلاقي الجيوش في القطاعات المختلفة التي بدأت في جبل موية و تحريره، ثم تحرير ولاية سنار و ولاية الجزيرة و الزحف للخرطوم من عدة اتجاهات، الأمر الذي أضعف الميليشيا عسكريا، و بدأت تفقد العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها.. لذلك جاءت فكرة تعدد تيارات الضغط على الجيش، أن ينقسم تحالف " تقدم" إلي فريقين - فريق يعلن أنه بصدد تكوين حكومة موازية، و أخر " صمود" الذي تقع عليه عملية الدعم العمل السياسي، و كل الخيوط تحركها الأمارت.. بدأ الأول " صمود" بالمشاركة في المؤتمر الذي أقامته الأمارات في أديس أبابا موازيا لمؤتمر الاتحاد الأفريقي بهدف مساعدة السودان.. و كان الهدف من المؤتمر أن يساعد الأمارات في تبرئتها من الحرب الدائرة في السودان، و شاركت فيه قيادات من " صمود" ثم عقد مؤتمر نيروبي و تم إرسال كل من " برمة رئيس حزب الأمة لكي يعطى المؤتمر قوة ثم أختيار إبراهيم الميرغني للمشاركة فقط لأنه يحمل أسم الميرغني لكي يقال أنه يمثل " الحزب الاتحاد الديمقراطي الأصل إلي جانب عبد العزيز الحلو حتى تصبح العملية السياسية في نيروبي في حالة إطراد مع انتصارات الجيش و الجماهير المؤيدة له " تخطف عنها الأضواء"..
أن دعم الأمارات للميليشيا اتخذ عدة جوانب عسكرية و إعلامية و سياسية، و حتى اقناع عدد من دول الإقليم لكي تسهل عليهم أنجاز أجندتهم.. مليارات مئات الملايين من الدولارات بهدف تركيع الجيش، و تمرير أجندة التفاوض.. و ليس المقصود بالتفاوض وقف الحرب و ارجاع المواطنين إلي منازلهم بل الهدف منه " إرجاع مجموعة بعينها إلي السلطة" و هي المرحلة التي تجاوزتها الأحداث.. و كل مرة يرفع عبد الله حمدوك مذكرات إلي الأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي و غيره من المنظمات حسب توجيهات الكفيل.. بهدف وقف عملية زحف الجيش و انتصاراته.. و لكن لم يجدوا أذنا صاغية خاصة بعد خطاب البرهان في "القمة العربية" التي جعل وضع شرطين لوقف الحرب هزيمة الميليشيا أو استسلامها و خروجها من كل المواقع و تجميعها في معسكرات و سحب سلاحها و أجراء محاكمات عسكرية..
أن البيان الذي أصدره مجلس الأمم بعدم الموافقة على تشكيل حكومة موازية للحكومة في بورسودان.. إلي جانب الشكوى التي قدمها السودان إلي " محكمة العدل الدولية" ضد الأمارات سوف تجعلها تمارس ضغطا أكبر على تحالف " صمود" بهدف تحريك قطاع كبير من المؤيدين لها، و الذين يؤيدون الميليشيا لإرسال مذكرات و بيانات للمنظمات العالمية، في سعي حثيث من أجل عمل كوابح لانتصارات الجيش ضد الميليشيا و أعوانها، و الشكوى سوف تجعل الأمارات تخفف من مسعاها الفاشل، و لكنها سوف تزيد الضغط على المجموعات التي تدور في فلكها و توظفهم على أن يمارسوا ضغوطا بطرق شتى على قيادة الجيش..
الغريب في الأمر؛ أن القوى السياسية التي تؤيد الجيش تبيت في حالة من السكون، تتحرك فقط عندما يتم استدعائها لعمل ما، و ترجع لحالة البيات الشتوى، فشلت أن تجاري القوى المدعومة من الأمارات.. فشلت تماما في دورها المدني في إدارة الصراع إلا بتوجيهات مطلوبة منها.. أن القوى السياسية جميعا فقدت القدرة على العطاء و عجزت عن تقديم مبادرات أو أفكار تستطيع أن تحرك بها عجلتها إلي الأمام.. أن انتصارات الجيش على الميليشيا هي التي سوف تخلق واقعا سياسيا جديدا في الساحة، و الذي سوف يطيح بكل القوى العاجزة و التي ادمنت الفشل.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com