القدس المحتلة-سانا

وحشية لم تشهد لها البشرية مثيلاً يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر منذ بدء عدوانه في السابع من تشرين الأول الماضي، مجازر وجرائم إبادة جماعية لم يكن هدفها فقط القتل والتدمير ومسح عائلات بأكملها من السجل المدني وأحياء سكنية من على وجه الأرض، بل إفراغ مدينة غزة وشمال القطاع من الوجود الفلسطيني، وتهجير مئات الآلاف قسرياً إلى جنوب القطاع، ضمن حرب التطهير العرقي التي لم تتوقف يوماً.

رغم قصف الاحتلال الشديد للأحياء السكنية في غزة وشمالها، إلا أن تهديداته للأهالي بالخروج من منازلهم قوبلت بالرفض، لعدم تكرار مأساة النكبة عام 1948 ومعاناة الأجداد والآباء جراء التهجير واللجوء، غير أن مجازر الاحتلال المستمرة، واتباع قواته المتوغلة في القطاع سياسة الأرض المحروقة، أجبرت أعداداً كبيرة من الأهالي على الخروج من منازلهم، بحثاً عن أمان لن يجدوه في كل القطاع.

الصحفية سلمى القدومي النازحة من غزة إلى جنوب القطاع تلخص في تصريح لوكالة وفا رحلة العذاب والقتل والموت التي أجبرها الاحتلال على خوضها مع الآلاف عبر طريق صلاح الدين الذي يربط شمال القطاع بجنوبه، مكذبة ادعاءات الاحتلال بأن هذه الممرات “آمنة”، ومبينة أنها بعد قصف الاحتلال منزلها في غزة، اضطرت مع عائلتها المكونة من 10 أشخاص للنزوح 7 مرات آخرها إلى مستشفى القدس في غزة أملاً بالنجاة، باعتباره أكثر أمناً لكن لا مكان آمناً في القطاع، فالاحتلال يقصف كل شيء.

وتقول القدومي: لم يكن من خيار أمامنا سوى تنفيذ أوامر الاحتلال بالخروج من منازلنا في غزة وشمالها وإلا سيكون مصيرنا تحت أنقاضها.. حمل البعض أطفاله وما يلزم من ملابسهم، أمام فوهات الدبابات التي تحيط بالنازحين من كل جانب إلى ما بعد وادي غزة، وهي مسافة طويلة تقدر بنحو 14 كيلومتراً، وتحتاج أكثر من 10 ساعات لقطعها سيراً على الأقدام، وتتفاوت المدة حسب الوجهة التي يذهب إليها النازح وظروف الطريق، فالسير مع المرضى والجرحى وكبار السن والأطفال يستغرق وقتاً أطول من السير برفقة الشباب”.

وتضيف: صباح الثاني عشر من الشهر الجاري، خرجنا مع عدد من المصابين والنازحين قسراً من مستشفى القدس نتيجة قصف الاحتلال له وحصاره، وعلى طريق صلاح الدين الذي تنتشر على طوله قوات الاحتلال ودباباته، يمنع الاحتلال مرور السيارات ويجبر النازحين على متابعة الطريق سيراً على الأقدام، فضلاً عن المرور على أكثر من حاجز لقواته، حيث تم احتجازي على أحدها أكثر من ساعة ونصف.. كانوا يسلبوننا مقتنياتنا، ويجبرون نازحين على خلع ملابسهم بالكامل، ويعتقلون من يشاؤون.

محمود عودة النازح ضمن آخر دفعة غادرت مستشفى القدس يروي معاناته قائلاً: “الأحد الماضي قصف الاحتلال محيط المستشفى بشكل جنوني، وطال قصفه الطابق الذي يتواجد فيه النازحون، واستشهد أحدهم، كما أصيب 28 آخرون، وبعد ساعات فوجئنا بتقدم آليات الاحتلال إلى بوابة المستشفى، وحاولنا التواصل مع الصليب الأحمر لتنسيق إجلائنا، لكن ذلك تعذر بسبب الحصار والقصف وقطع الاتصالات، وخدمات الانترنت”.

ويضيف عودة: في صباح اليوم التالي، أخبرونا أن الصليب الأحمر نسق لنا “ممراً آمناً” للخروج باتجاه الجنوب، وعلى بعد نحو 50 متراً من المستشفى، أطلق الاحتلال الرصاص علينا بشكل مباشر، ما أجبرنا على العودة إلى المستشفى، وفي وقت لاحق أخبرونا أنه جرى تنسيق خروجنا بالتوجه هذه المرة من خلف أبراج تل الهوا، ثم إلى شارع صلاح الدين، سيراً على الأقدام، وكان برفقتنا مصابون وكبار سن وأطفال.

ويتابع عودة: قطعنا مسافة ساعتين، ثم بدأ قناصة الاحتلال باستهداف النازحين، وعند وصولنا إلى شارع صلاح الدين، وتحديداً في محيط الدبابات المتمركزة على جوانب الطرق، عشنا أقسى أنواع العذاب، حيث أرغمت قوات الاحتلال عدداً من الشباب على خلع ملابسهم بالكامل أمام الجميع، وأجبروني مع بعض النازحين على النزول في حفرة، واستجوبونا مع عدد من الأطباء وموظفي الهلال الأحمر، واعتقلوا طبيبا وعدداً من النازحين، وأطلقوا الرصاص على آخرين لا يعرف أحد مصيرهم حتى الآن، وشاهدنا مئات جثامين الشهداء ملقاة على طول الطريق وممنوع على أي كان الاقتراب منها.

حسين أبو حبل نازح من جباليا شمال القطاع أوضح أن النزوح نحو الجنوب يتطلب قطع أكثر من 30 كيلومتراً سيراً على الأقدام ويستغرق ذلك 20 ساعة يضطر فيها النازح للسير فوق ركام المنازل المدمرة وبين جثامين الشهداء، وقال: شاهدنا أطفالاً يصرخون وقد تمددت جثامين ذويهم على جانبي طريق صلاح الدين، وآخرين فقدوا عائلاتهم بالكامل خلال نزوحهم الجماعي، وجثامين أطفال ملقاة وسط الطريق، وعندما حاول أحد النازحين إزاحتها إلى جانب الطريق، أطلق جنود الاحتلال الرصاص عليه وعلى من حوله ليرتقوا شهداء.

وأضاف أبو حبل بمرارة: المشهد يشبه نهاية العالم، ارتقى نازحون بفعل التدافع، وقضوا تحت الأقدام، فيما بقي أطفال دون عائلاتهم، يصارعون الخوف والتشرد، يعيش الفلسطينيون شكلاً جديداً من الفقدان كل لحظة، جراء إصرار الاحتلال على تهجيرهم، تحت القصف بالصواريخ وبشتى أنواع الأسلحة.

شهادات حية يرويها نازحون ذاقوا مرارة التهجير القسري ومشاهد تغرق وسائل الإعلام على مدار الساعة، لم يكن أحد يتخيل أن يشاهد صوراً مروعة مثلها، حيث يقوم من احتل الأرض للمرة الثانية بعد النكبة بتهجير مئات الآلاف من أصحابها وتخييرهم بين الموت في منازلهم أو في مراكز الإيواء أو المستشفيات أو على ممرات الموت، ما يؤكد من جديد أن دفاع المجتمع الدولي عن حقوق الإنسان ليس إلا وهماً وكذبة كبيرة، عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي الذي يتفنن بقتل الشعب الفلسطيني والتنكيل به بدعم غربي وأمريكي مطلق، معتبراً نفسه فوق القوانين الدولية التي يبدو أن مكانها الوحيد أدراج وأرشيف الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية.

جمعة الجاسم وعاليا عيسى

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: قصف الاحتلال على الأقدام صلاح الدین أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

السودان: وصول أكثر من «400» أسرة نازحة لولاية كسلا

زار حاكم الولاية (المُكلف) الصادق محمد الأزرق الخميس، مركز إيواء النازحين بالمدرسة الصناعية بكسلا، حيث استمع لتنوير من القائمين على توفيق أوضاع النازحين.

كسلا: التغيير

أعلنت ولاية كسلا شرقي السودان عن وصول 403 أسرة نازحة من ولايتي سنار والنيل الأبيض بحسب آخر إحصائية.

وزار حاكم الولاية (المُكلف) الصادق محمد الأزرق الخميس، مركز إيواء النازحين بالمدرسة الصناعية بكسلا، حيث استمع لتنوير من القائمين على توفيق أوضاع النازحين بالمركز  وشكل الخدمات والاحتياجات المقدمة لهم، فضلا عن دور المبادرات المجتمعية في دعم النازحين.

كما وقف حاكم الولاية والوفد المرافق له على المطبخ المركزي لتقديم الوجبات للنازحين والدعم المقدم للمركز من مجتمع كسلا بصورة عامة.

من جانبه استعرض مفوض العون الإنساني بالولاية إدريس علي، حجم العمل المُنفذ لمقابلة أعداد الاسر الوافدة وترتيبات ايوائهم بصورة مستقرة، مشيدا بكافة الخيرين واصحاب المبادرات في تقديم الدعم اللازم للاسر الوافدة.

فيما أعرب حاكم الولاية عن ترحيبهم بالأسر الوافدة إلى كسلا، وقال إن ولاية كسلا عبر اللجنة العليا للطؤاريء ستبذل قصارى جهدها لتقديم كل مايلزم تقديمه للاسر الوافدة.

فيما وجّه بانشاء (جملونات) بالمدرسة الصناعية للرجال والنساء في إطار ترتيب الأوضاع داخل المدرسة، مبينا المساعي المبذولة الخاصة بالمركز البديل لترحيل النازحين بمصنع البصل لتفريغ المدارس بمحلية كسلا بنسبة 60٪ حتى تشرع  المحلية في الانتظام في العام الدراسي.

وكانت منسقية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية قد ذكرت بأن أكثر من 55 ألف شخص فرّوا خلال اليومين الماضيين إلى ولايات القضارف وكسلا شرقي البلاد، والنيل الأبيض والنيل الأزرق جنوبي البلاد.

وتأتي موجة النزوح الجديدة بعد امتداد القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مدينة سِنجة عاصمة ولاية سنّار، جنوب شرقي السودان.

 

الوسومآثار الحرب في السودان أوضاع النازحين حرب الجيش والدعم السريع ولاية سنار ولاية كسلا

مقالات مشابهة

  • حماس تكذب مزاعم إسرائيل بوجود مقاومين بمدرسة الجاعوني
  • حماس: استهداف الاحتلال المتكرر لمدارس النازحين إصرار على تحدي كافة القوانين الدولية
  • حماس: استهداف مدرسة الجاعوني مجزرة وجريمة جديدة ضمن حرب الإبادة
  • أكثر من 16 شهيدًا و75 جريحًا بمجزرة للاحتلال في مخيم النصيرات وسط القطاع
  • أكبر ملعب لكرة القدم في غزة يتحول إلى مأوى لآلاف النازحين الفلسطينيين
  • رفح الفلسطينية تشهد تمركز للآليات العسكرية بطول محور صلاح الدين
  • تضم ذكرى من كل الحضارات.. صلاح الدين تكشف حجم الدمار الأثري من أحداث 2014 - عاجل
  • السودان: وصول أكثر من «400» أسرة نازحة لولاية كسلا
  • محي الدين جمعة: على حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد نور فتح ممرات إنسانية
  • غزة.. بين الموت قصفاً والموت جوعاً..!