سودانايل:
2025-03-10@19:11:30 GMT

جنوب السُّودان.. ماضيه وصيرورته (2 من 21)

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

shurkiano@yahoo.co.uk

بادئ ذي بدء، إنَّ التاريخ لا يكتب بهذا الشكل المبتور العاطفي مع إضفاء الذاتيَّة النفسيَّة على تسجيل الأحداث التي خلت، وتجاهل الأخطاء الكثيرة التي مارستها القيادات الشمالية (الوطنيَّة)، وإبعاد الجذور والمنطلقات التاريخيَّة والفروق الثقافيَّة التي تساعد في الفهم، والإلمام بالقضية قيد البحث، وتقشع غبار الأباطيل المتداولة عما أسموه "مشكلة الجنوب" ابتداءً، وذلك قبل أن يتم تصحيح المصطلح إلى مشكل السُّودان في الجنوب.

لعلَّ من أفدح الأخطاء البحثيَّة كتابة التاريخ باستخدام المنهج الديني في التحليل. محاولة أسلمة التاريخ قطعاً يرمي بالمؤرِّخ في المحظورات البحثيَّة، لأنَّ إطار دراسة التاريخ هو إطار دنيوي يخضع للقوانين الكونيَّة والسنن الاجتماعيَّة، ولا علاقة له بالواجبات والتكاليف الشرعيَّة الدينيَّة، ومن ثمَّ فإنَّ وسائل البحث فيه هي الحس والتجربة والعقل. في هذه الأثناء يقتصر دور المؤرِّخ لأحداث التاريخ على المشاهدة والتدوين الأمين والاستفادة من عبرها. أما فرض أفكار وفلسفات مسبقة ومقرَّرة من خارج التاريخ فهي عمليَّة فجة وغريبة عن طبيعة التاريخ، وتؤدِّي في النهاية إلى تشويه حقائقه.
بحثنا في أمر الزبير باشا رحمة ما وسعنا البحث في جميع السجلات التاريخيَّة العديدة باللغتين العربيَّة والإنجليزيَّة، ولم نعثر على معلومة واحدة تشير إلى أنَّ الزبير باشا رحمة ذهب إلى جنوب السُّودان للتبشير بالدين الإسلامي. لعلَّ كل ما يعرفه الداني والقاصي عن الزبير أنَّه كان تاجراً مغامراً، وقد سافر إلى الجنوب في معيَّة كفيله، وأنشأ لاحقاً إمبراطوريَّة ضخمة لتجارة الرِّق، وكوَّن من هؤلاء الأرقاء جنوداً (بازنغر) حارب بها القبائل في الجنوب في سبيل صيد الرقيق، وذلك قبل أن يحارب بها قبيلة الرزيقات التي كانت تعترض قوافل تجارته في البشر والسلع الأخرى. وبعد عدائيات مع الرزيقات فرَّ بعض شيوخهم مستغيثين بسلطان دارفور، ونشبت حربٌ شعواء بين الزبير وسلطنة دارفور في موقعة منواشي العام 1874م، حيث استبسل فيها السلطان إبراهيم بن محمد حسين بن محمد الفضل بن عبد الرحمن الرشيد (المعروف بإبراهيم قرض). بهزيمة السلطان واستشهاده في هذه المعركة استطاع الزبير رحمة السيطرة على سلطنة دارفور، وتسليمها من بعد لوالي مصر محمد علي باشا مقابل منحه لقب الباشا. إذاً، أين جهود نشر الإسلام من قبل الزبير ود رحمة في النشاطات التجاريَّة التي كان يزاولها في بحر الغزال من ريش النعام وسن الفيل (العاج) والعسل وجلود الحيوانات وغيرها، والأسوأ في الأمر تجارة الرِّق. ذاك هو التاريخ في بعده الماضوي الحقيقي إذا ابتغينا إعادة وصله بما دار في ذينك الزمان والمكان. بيد أنَّ الزبير لم يكن وحده لا شريك له في هذه التجارة النحسة، بل كان هناك كثر من التجار ممن وفدوا من الشام ومصر وأوروبا، وانخرطوا في هذا المورد المالي الشنيع البشع، وقد كتبنا عنهم بشيء من الإسهاب شديد في إصداراتنا التي نشرناها، وهي متوفِّرة في المكتبات ومعارض الكتاب، التي تقام في العواصم العربيَّة بين الحين والأخر.
الدكتور العلي لم يكن موفقاً في الادِّعاء بأنَّ سكان السُّودان "ما هم إلا قبائل مهاجرة من مناطق أخرى"، مما يعني أنَّ أرض السُّودان كانت بلقاءً بلا مواطنين! إذا كان الأمر كذلك فضد مَنْ كانت تلك الحروب التي خاضها الغزاة لدخول السُّودان؟ سواء أكانت معركة دنقلا بين العرب المسلمين ومملكة النوبة المسيحيَّة العام 652م وتوقيع معاهدة البقط، أم معارك الأتراك-المصريين ضد مملكة سنار (الفونج) في سنار العام 1821م، أم ضد مملكة المسبَّعات في الأُبيِّض في معركة بارا الشهيرة العام 1821م. في تلك المعارك استبسل سكان البلاد الأصلاء في ساحات الوغي أيما استبسال! قد يكون هناك بعض القبائل الحدوديَّة المتساكنة في دولتين متجاورتين أو أكثر حسب الحدود السياسيَّة التي رسمها الاستعمار. بيد أنَّ هذا ليس بالشيء الغريب، والسُّودان ليس فريداً في هذا الشأن، بل في أغلب دول العالم تشارك مجموعات إثنيَّة أراضي دولها.
أما النسبة المئويَّة التي أوردها الدكتور العلي بأنَّ القبائل العربيَّة تشكِّل 40% من تعداد سكان السُّودان، فنحن إذ نندهش أين له بهذه النسبة التي أوردها دون أن يذكر مصدرها. حسبما ورد في الإحصاء السكاني الأول في السُّودان العام 1955م، وجرى الإعلان عن نتائج العام 1956م، فقد تمَّ تصنيف السكان إلى ثمانٍ مجموعات إثنيَّة رئيسة ومجموعة دون انتماء قبلي
حتى هؤلاء الذين عبَّروا عن أنفسهم بأنَّهم عرب، ولنا في عروبتهم شك مريب، إلا أنَّهم حالما يعبرون الحدود شمالاً أو البحر الأحمر تلقاء الحجاز أو شمالاً في الشمام أو شرقاً في بلاد الرافدين، لوجدوا أنفسهم في تصنيف آخر الذي قد يتبعه النعت القدحي ليس في الشرق الأوسط فحسب، ولكن في الدول الغربيَّة كافة. وفي هذا الأمر تقبع أزمة السُّودان في الهُويَّة القوميَّة كما عبَّر عن ذلك صديقنا الحميم الدكتور الباقر عفيف مختار في ورقة أكاديميَّة ذائعة الصيت والموسومة "متاهة قومٍ سود في ثقافة بيضاء".

للمقال بقايا باقيات،،،  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ة التی

إقرأ أيضاً:

سانا تستطلع آراء عدد من طلاب وأساتذة جامعة دمشق حول عمليات وزارة الدفاع والأمن العام التي تستهدف فلول النظام البائد.



جامعة دمشق 2025-03-10kamelسابق الاتحاد الأوروبي يدين هجمات فلول النظام البائد في الساحل ويدعو لاحترام سيادة سوريا ووحدتها انظر ايضاً جامعة دمشق تدعو طلاب التعليم المفتوح المنقطعين بسبب الثورة المتقدمين بطلبات إعادة الارتباط ‏لاستكمال تسجيلهم

دمشق-سانا‏ دعت جامعة دمشق الطلاب في نظام التعليم المفتوح المنقطعين بسبب الثورة، المتقدمين ‏بطلبات

آخر الأخبار 2025-03-10الاتحاد الأوروبي يدين هجمات فلول النظام البائد في الساحل ويدعو لاحترام سيادة سوريا ووحدتها 2025-03-10تشييع 5 شهداء في حماة من عناصر وزارة الدفاع والأمن العام ارتقوا بكمائن غادرة لفلول النظام البائد 2025-03-10مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام لـ سانا: ننفي الشائعات التي تنشرها وسائل إعلام إيرانية حول هروب أبناء الطائفة العلوية في دمشق إلى السويداء، ونؤكد أن الخبر ضمن سياق الحرب الإعلامية التي تستهدف سوريا الجديدة ووحدتها 2025-03-10استمرار عمليات إيصال الدقيق التمويني إلى المخابز في اللاذقية وطرطوس 2025-03-10الحياة الطبيعية تعود إلى معظم أحياء مدينة اللاذقية 2025-03-10الهلال الأحمر السوري يؤكد استمرار تقديم خدماته في اللاذقية وطرطوس وحماة 2025-03-10مركز الاختبارات والأبحاث الصناعية: جهوزية عالية لضمان جودة ‏المنتج الوطني 2025-03-10نائب الرئيس التركي: فلول النظام البائد لن تتمكن من عرقلة التحول التاريخي في سوريا 2025-03-10انطلاق المرحلة الأولى من مسابقة القارئ الصغير بموسمها الرابع بالسويداء 2025-03-10شركة الأسمدة بحمص تعيد معمل سماد الكالنترو للإنتاج بطاقة 350 طناً يومياً

صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • في الجنوب.. رصاصٌ إسرائيلي يستهدف مدرسة!
  • سانا تستطلع آراء عدد من طلاب وأساتذة جامعة دمشق حول عمليات وزارة الدفاع والأمن العام التي تستهدف فلول النظام البائد.
  • الموانئ: تجليس القطعة الأولى للنفق المغمور تحت قناة خور الزبير الملاحية
  • ايها الجنوبيون اتحدوا واتركوا الحروب خلفكم.. ولكم محبة لا تغيب ولا تنطفئ
  • الجيش اللبناني يعلن تفكيك جهاز تجسس إسرائيلي بإحدى قرى الجنوب
  • النائب العام يؤكد على سرعة التصرف بالقضايا خصوصا التي على ذمتها مساجين
  • إليك أغرب أشكال الاحتجاج التي شهدها العالم على مر التاريخ (صور)
  • شيخ الأزهر: التاريخ سيقف طويلًا وهو يحني الرأس للمرأة الفلسطينية التي تشبثت بوطنها
  • بالفيديو.. طوابير أمام محطات المحروقات بعد غارات الجنوب!
  • بعد غارات الجنوب.. خبر مفبرك يثير بلبلة وهذه حقيقته