سودانايل:
2024-12-26@14:40:25 GMT

ابواللمين … رحلة ابداع قبل الوداع

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

يسرني جدا ان اختتم اسبوع فقيدنا العزيز جدا الموسيقار الفنان محمد الامين بإعادة نشر لمقال توثيقي طويل وكنت قد نشرته بعدة صحف كنت اتعاون معها وهي صحيفة الخرطوم بالقاهرة والشرق القطرية والصحافة بالخرطوم وذلك عندما كنت اعمل بدولة قطر منذ العام ١٩٩٨ الي ٢٠٠٣م ، حيث تم جمع كل تلك الكتابات عن الفن الغنائي السوداني في سلسلة اربع كتب من الحجم المتوسط ولكن صدر منها الجزء الاول فقط من ١٧٦م صفحة وقد اشرف علي طباعته في العام ٢٠٠٠م الراحل الكبير والصديق الحبيب الاستاذ السر قدور والذي كان يتعامل مع مطابع محددة بشارع شريف بالقاهرة والذي لايبتعد عن مكتبه انذاك .

. قبل ان يعود قدور الي السودان بعد هجرة امتدت منذ العام ١٩٧٣م وحتي عودته في العام ٢٠٠١م .
وقد اقمنا احتفالية بالقاهرة بمقر جريدة الخرطوم عند استلامنا للكتاب بعد شحنه الي الدوحة في حفل شاي وتورتة ومرطبات .. ووزعنا نسخ منه الي الزملاء الصحفيين هناك .
ثم تم توزيع الكتاب بدول الخليج بعد ان اقمنا احتفالية له بصالة مركز اصدقاء البيئة بالدوحة وقد كان الاخ الفنان والملحن عادل التجاني يشرف علي ذلك المركز .. وقد جاء اقتراح الاحتفال بصدور الكتاب من صديقي الراحل بروفيسور احمد عبدالله بابكر ودالمتعارض وقد كان رئيس قسم الجغرافيا بكلية الاداب بجامعة قطر.
فكانت ليلة من ذات الليالي وقتذاك .
وبعد رحيل مبدعنا الكبير الموسيقار محمد الامين فانني تذكرت ذلك المقال الطويل فقمت بنسخه من موقع ودمدني علي الانترت .. ذلك الموقع الجميل الذي كنت انشر فيه مقالاتي عن مبدعي ودمدني قبل اكثر من عشرين عام .
في باب شخصيات هامة بعنوان( مبدعون)
wadmadani.com
وذلك لم يرغب في زيارة هذا الموقع .
وإلي نص المقال :

كيف إعتلي الفنان محمد الأمين القمة الفنية ؟؟
بقلم: الكاتب والناقد الفني
صلاح الباشا
الدوحه :---
كانت البداية في ودمدني تلك المدينة التي ظلت دوماً تعطي و لكنها لا تقبض ولم تستلم مطلقاً ، ربما لأن الله تعالي قد وهبها خاصية العطاء، وياله من عطاء ، حيث كان ولا يزال عطاءً يسع كل شيء ، السياسة والفكر،الطب والهندسة، الرياضة والفنون بمختلف ضروبها، وأهل الطرق الصوفية وإنشادهم اللامتناهي .. فكان الكاشف وعلي المساح ، ثم عمر أحمد الذي رحل سريعاً في عمر الصبا بعد ان ترك لنا تلك الخالدة(كان بدري عليك تودعني وأنا مشتاق ليك) . وصاحب حنتوب الجميلة الراحل الفنان الخير عثمان ،والبقية كثرٌ، ولم تتوقف ودمدني فكان أبو الأمين هدية ودمدني لكل أهل الإبداع في السودان وكان فضل الله محمد الذي رافق بجديد مفردات أشعاره ميلاد هذا الفنان الذي دخل الساحة وقد كان عملاقاً متسلحاً بما تحتاجه المنافسة من أعمال كانت مبهرة .لذلك إعتلي القمة ولم يتزحزح عنها قيد أنملة حتي الآن .
الفنان محمد الأمين حمد النيل الطاهر الإزيرق، أو كما يحلو لأهل ودمدني أن يطلقوا عليه كلمة(وداللمين) ومعجبيه أيضاً يقولون(أبو اللمين) ، وحسن الباشا وحسن محمد احمد يلقبون بكلمة( الباشكاتب). نشأ محمد الامين منذ صغره متعلقاً بالفن والموسيقي في تحركات طفولته مابين أهله ودار أبيه وأعمامه في ودمدني تارة وفي (ود النعيم) ضاحية ودمدني حيث توجد الجذور الأولي مرات أُخر . كان أعمامه من قادة العمل الوطني في رئاسة إتحاد مزارعي الجزيرة لعدة دورات قبل عقود طويلة من الزمان.
قال لنا صديق عمره الراحل المرحوم (حسن الباشا) مؤسس إتحاد فناني الجزيرة والذي إنتقل إلي رحمة مولاه في مايو 1997م ، أن محمد الأمين ومنذ في فترة صباه كان يهوي العزف علي آلة (المزمار) قبل إنتقاله إلي آلة العود ، وقد قال ابو اللمين انه تعلم عزف العود علي يد الاستاذ السر محمد فضل ان لم تخني الذاكرة. حيث أصبح فيما بعد من أهم عباقرة العزف عليه بتفوق شديد وبعدها تعلم النوتة الموسيقية في فرقة مايسمي بوليس النيل الازرق بودمدني حين كانت تفتح فصلا لتعلم النوتة .
اما البداية
فقد كان لمحمد الأمين خال يعمل رئيس حسابات بالإدارة المركزية للمياه بودمدني وهو الأستاذ(بله يوسف الإزيرق) ، وكان محمد يزور خاله هذا من وقت لآخر في العمل و قد بدأ الغناء وقتذاك وبدأ نجمه يلمع في المدينة حيث إشتهر بأغنية الحقيبة التي وضع كلماتها الشاعر الراحل صالح عبدالسيد(أبو صلاح) وهي أغنية (بدور القلعه وجوهرا) والتي ظلت مرتبطة بمحمد الأمين عندما وضع لها موسيقي راقية . وذات مرة وجد عند خاله هذا بالمكتب الشاعر المراجع(محمد علي جباره) الذي كان يأتي من الخرطوم لمراجعة حسابات هيئة المياه بودمدني وقد علم بموهبة محمد الأمين ، فما كان منه إلاّ ان شجعه للتقديم للاذاعة بام درمان لاجازة صوته وان يبدا ممارسة التلحين بنفسه وقد أهدي له قصيدة ( انا وحبيبي) ومقدمتها يا حاسدين غرامنا .. فألف لحنا بايقاع سريع .. واردفها بقصيدة ( وحياة ابتسامتك ياحبيبي وحياة عينيك) فكانت بمثابة جواز مرور عند سفره للخرطوم لإجازة صوته للتسجيل للإذاعة بأم درمان ، وكان لحنها يأخذ طابع الرومانسية والهدوء الذي يصحبه ايقاع ( تقيل) وبالتالي تعتبر اغنية استماع وليست ذات ايقاع راقص مثل اغنيته الاولي .
وتقول بعض كلماتها:
قبل ما أشوفك كنت فاكر الريد مستحيل
كنت تايه في طريق خالي وطويل
ليلي دون الناس كلو آهات كلو
من يوم ماشفتك قلبي للدنيا إبتسم
اشرقت دنياي
فارق ليلي هم
رحت أرعاك في منامي
وبيك أحلم.
فكانت مفردات تلك الأغنية فعلاً جديدة ، وفيها إنتقاليه من النمط الشعري الذي كان يسود الساحة الغنائية وقتذاك، لذلك كانت تلك البداية موفقة جداً للفنان محمد الأمين ، وجاءت الظروف لكي يتغني بها في فرح شاعرها محمد علي جبارة بالخرطوم.
وداللمين و بمقدرته اللحنية إستطاع أن يخلق لها ذلك اللحن الذي أثني عليه الجمهور والنقاد والمطربون أيضاً ثناءً جميلاً ، لأن اللحن كان في غاية الهدوء مما أتاح لمعاني الكلمات أن تبرز بوضوح للمستمع ويتضح جمالها .. كما لاننسي هنا (الصولة) بالعود التي صاحبت ذلك اللحن حيث أنها قد أعطت الإشارة للناس أن هذا الفنان يمتلك خاصية العزف المميز لتلك الآلة مما قاده إلي إستعمال عزف منفرد في عدة (صولات) لمجموعة من أعماله الغنائية التي ظهرت فيما بعد.
كان إنتقال محمد الأمين للخرطوم في عام ١٩٦٢ م حيث كان المرحوم اللواء محمد طلعت فريد وقتها وزيراً للإستعلامات والعمل( الإعلام حالياً) وقد أشرف الوزير علي قيام مهرجان مسابقات فنون المديريات التسعه المعروفة آنذاك ، بالمسرح القومي بأم درمان لكي تتنافس فيه فرق المديريات ( الولايات بلغة اليوم) في إبراز أعمالها علي المسرح ،وقد شاركت كل مديرية بأحسن مبدعيها في مجال الفنون والرقصات الشعبية ، حيث ظهرت رقصات الكمبلا ورقصات الجنوبيين وظهر العديد من المطربين كالفنان الطيب عبدالله من المديرية الشماليه مثلاً، وام بلينه السنوسي من كردفان .. فكان محمد الأمين من ضمن فرقة مديرية النيل الأزرق بودمدني المشاركة في المهرجان ، حيث كانت تلك المديرية محافظة كبيرة تضم الولايات الاربعه الحالية وهي (الجزيرة والنيل الابيض والنيل الأزرق وسنار ). وفيما بعد عُرفت بالأقليم الأوسط. وبعد إنتهاء ذلك المهرجان إستقر محمد الأمين بالعاصمة وكان يسكن بأم درمان بيت المال ومعه خليل اسماعيل وصالح الضي. والفنان أبو عركي البخيت كانةان إشتهر بأغنية عمر أحمد في البداية(كان بدري عليك) المذكورة سابقاً، ولم يكن الطريق إلي الشهرة ممهداً أمام ود الأمين ، فصبر صبراً شديداً وإجتهد إجتهاداً كبيراً في تقديم أعمال تقنع الجمهور وترسِّخ أقدامه في ميدان الفن حيث كانت الساحة تعج بالعمالقة وقتها وكانت المنافسة ساخنة والأجهزة محدودة والمردود المادي لا يكفي حتي للقمة العيش .
وعنذاك ظهرت أعماله الأولي (أنا وحبيبي) والمشهورة بإسم يا حاسدين غرامنا المذكورة آنفا ، وما أجملك التي كتبها شاعر ودمدني ( بدوي بانقا) ، والأغنية الاخري المختفية(مسيحيه) وبالطبع وحياة إبتسامتك وبدور القلعه.
أما شاعرنا الأستاذ فضل الله محمد فقد ظل إسمه مرتبطاً منذ وقت مبكر بتأليف الأعمال الغنائية للفنان أبو الأمين وهو لايزال طالباً ، حيث كانت فترة إنتقال محمد الأمين إلي العاصمة متقاربة مع فترة إنتقال الأستاذ فضل الله محمد من ودمدني الثانوية إلي كلية الحقوق بجامعة الخرطوم في عام 1963م ، وقد كان إنتاج فضل الله كثيفاً ومتتابعاً ، وقد شهدت حقبة الستينات كذلك إنتقال أعداد من عازفي الموسيقي من ودمدني إلي الخرطوم ، كعازف الكمان الراحل حسين عبداللهِ، ومن قبله بدر التهامي ، وبدر أنجلو، وإسماعيل يحيي (مندكورو) والحبر سليم ، وعازف الإيقاع عبدالله حبه وعلي أكرت.
كانت من أهم ملامح تلك الفترة الخصيبة هي أعمال تمجيد إنتفاضة أكتوبر الشعبية التي كان فضل الله محمد معايشاً لها كطالب نشط باتحاد الطلاب بالجامعة حيث كان للشعر الوطني مكانته في تلك السنوات من حقبة الستينيات ، وكانت الجامعة تذخر بالشباب من الشعراء ، كفضل الله وسبدرات وعلي عبد القيوم ومحمد المكي إبراهيم وكامل عبد الماجد ومحمد عبدالحي ، حيث تنوعت أعمالهم الشعرية الغنائية والوطنية أيضاً . ووقتها تباري الشعراء والفنانون في الأناشيد الأكتوبرية ، فظهر نشيد محمد الأمين الذي صاغ كلماته فضل الله محمد وهو بالجامعة طالباً والذي رافق أداؤه مجموعات من الكورال الجميل ، كانت مقدمته تقول:
أكتوبر واحد وعشرين
ياصحو الشعب الجبار
يالهب الثوره العملاقه
يا مشعل غضب الأحرار .
وهنا نجد أن الشاعر يصف تلك الصحوة التي إنتظمت الشعب وما رافق ذلك من أحداث إلي أن يصل بنا إلي حادثة إطلاق الشرطة للرصاص لفض ندوة الطلاب الشهيرة حول مشكلة الجنوب داخل ساحات داخليات (البركس) بجامعة الخرطوم ، والتي علي إثرها أستشهد طالب العلوم أحمد قرشي طه من قرية (القراصة) بالجزيرة ، كأول شهيد في تلك الأحداث في يوم امسية 21 أكتوبر 1964م .
وهنا يتألق الشاعر في وصف هذا الحدث في المقطع التالي:
من دم القرشي وأخوانه
في الجامعه أرضنا مرويه
من وهج الطلقه الناريه
أشعل نيران الحريه
بارك وحدتنا القوميه
وأعمل من أجل العمران .
وهذا العمل الغنائي قد أسهم في رفع إسم محمد الأمين عالياً كعمل مميز وسريع جداً يتناسب مع تلك الفترة التي كانت نشوة الإنتصار تطغي فيها علي مشاعر الجماهير ، وقد بدأ وقتذاك أيضاً نجم الشاعر فضل الله محمد يصعد إلي عنان السماء وسط الطلاب وفي الشارع السوداني العريض ، كما أننا في ودمدني وقد كنا وقتها في نهاية المرحلة المتوسطة هناك و عشنا أحداث الإنتفاضة في شوارع المدينة ، قد تملكنا الفخر والإبتهاج لأن محمد الأمين وفضل الله قد إمتلكا أحاسيسنا وإزدادت فرحتنا بهما كنتاج طبيعي (للإنحيازالجهوي) لمدينتـنا.
بعد ذلك العمل أصبح الفنان محمد الأمين رقماً في ساحة الغناء العاطفي والوطني لايمكن تجاوزه بسهولة ، وهنا جاءت تلك الأغنية الخالدة حتي اليوم والتي أسماها شاعرها فضل الله محمد(الحب والظروف) وقد إشتهرت شعبياً تحت إسم (قلنا ما ممكن تسافر) فكانت بداية كبيرة جداً في تلك السن المبكرة للشاعر،ووضع لها محمد الأمين ذلك اللحن الهاديء أيضاً الذي إبتدره بمقدمة موسيقية وبمعالجة وإستخدام واضح لآلة العود ، وقد ابرز فيها آلة الكمان أيضاً في (صوله) رائعة، وحتي إيقاع الأغنية كان أيضاً مميزاً، وقد كان الشاعر يخاطب فيهازخ (الجانب الآخر) بطريقة هادئة تشعرنا وكأنه يناقشه (بكل هدوء ورقة شاعرية) لإثنائه عن قراره في السفر حيث تقول المقدمة:
قلنا ما ممكن تسافر
نحن حالفين بالمشاعر
لسه ماصدقنا إنك بجلالك جيتنا زائر
السفر ملحوق ولازم إنت تجبر بالخواطر
لو تسافر دون رضانابنشقي نحن الدهر كلو
مابنضوق في الدنيا متعه
وكل زول غيرك نمِلـّو
ولقد تعمدنا هنا أن نلقي ضؤءاً كثيفاً علي أغنية ( الحب والظروف) هذه لأنها وبكل مقاييس الإبداع الفني والموسيقي تعتبر إضافة كبيرة وموفقة جداً في أعمال محمد الأمين الغنائية ، فساعدت علي تثبيت أقدامه أكثر في الساحة الفنية في فهي اغنية رومانسية بمعني الكلمة .. اي اغنية استماع وذات تطريب عالي .
ثم تأتي الذكري الثانية لإنتفاضة أكتوبر ، وكان يجب علي محمد الأمين أن يواصل إنجازاته في مجال الأغنية الوطنية بعد نجاح نشيده الأول الذي ذكرناه سابقاً، وكان علي الشاعر فضل الله محمد أن يقوم بتأليف إسهام جديد في تلك الفترة ، فأتي اشيد (الإنطلاقه)
ذلك النشيد الذي كانت حماسة كلماته تجبر محمد الأمين أن يواكب لحنياً قوة تلك الكلمات ، فأخرجها في طابع لحني كان قوياً يلهب المشاعر ، وبإيقاع موسيقي يأخذ شكل المارشات العسكرية ، فكانت الكلمات بالفصحي تقول:
المجد للآلاف
تهدر في الشوارع كالسيول
يدك زاحفهاقلاع الكبت
والظلم الطويل
المجد للشهداء
المجد للشرفاء
ثم تتواصل كلمات النشيد بنفس وتيرة الحماس ذاك ، إلي أن يأتي المقطع الذي يتحمل فيه الكورال الشبابي أداء الأبيات التاليه مع الفنان في قوة شديدة أعطت للعمل نكهة حماسية أكثر سخونة عندما يقول:-
الثورة إنطلقت شعاراتِِ ترددها القلوب
الثورة الحرية الحمراءُ شمسُُ لا تغيب
الثورة التحريرُ تـُرجـِعُ هيبة الحكم السليب
الثورة التحريرُ للثوارِ في كلِّ الشعوب
الثورةُ الإيمانُ
قاد الشعبُ في اليوم الرهيب.
ثم تلتها أيضاً أنشودة (شهر عشره حبابو عشره) في الذكري التاليه للإنتفاضه ، وبعدها إلتقي محمد الأمين في عام ١٩٦٨م بذلك العمل الإنتقائي الطويل الضخم الذي أخذ جهداً طويلاً في التلحين والإخراج ، وهو قصة ثورة أو (الملحمه) التي قام بتأليفها الشاعر الفخيم متعدد الابداع (هاشم صديق ) . وللامانة اقول ان صديقنا هاشم صديق قد اخبرني ذات مرة بانه كان قد ذهب مرتين الي نادي الفنانين بموقعه القديم بجوار المسرح القومي لتسليم القصيدة للفنان محمد وردي .. وتشاء الظروف ان يسكن محمد الامين بحي بانت بام درمان وهو نفس حي هاشم الصديق .. فقرأ القصيدة لمحمد الامين الذي فرح بها جدا وتحمس في تلحينها لتلحق بالاحتفال الذي سيقام بالمسرح القومي في الذكري الرابعة لانتفاضة اكتوبر .. واخذت وقتا وجهدا في تلحينها واصطحب معه موسيقار سلاح الموسيقي موسي محمد ابراهيم الذي اشرف علي توزيعها مستعينا بالات النفخ من سلاح الموسيقي كما انجز الموسيقار وعازف الكمان علي ميرغني بتوفير عدد من طلاب ام درمان الاهلية الثانوية وطالبات مدرسة المليك للبنات بالملازمين للمشاركة ككورال للنشيد حيث كانت تقام البروفات في خشبة المسرح القومي يوميا حتي اكتمل العمل تماما .
انها الملحمة تظل محطة هامة جداً من محطات إنجازات الفنان محمد الأمين.
أما إذا عدنا إلي الغناء العاطفي مرة أخري ، فقد أصبح الفنان محمد الأمين يجد الإقبال من عدة شعراء في الساحة الفنية مع نهاية الستينيات حيث رسخت أقدامه بالعاصمة تماماً ، يغني في إحتفالات الجامعات والمعاهد العليا، وأصبح نجم نجوم الحفلات الخاصة والعامة ، يطوف مدن السودان لينشر رسالة الفن الراقي والجميل تلبية لرغبة الجمهور في الحفلات المسرحية العامة. وهنا تأتي مرحلة الشاعر الراحل (خليفه الصادق)الذي الف له أعذب الكلمات ، فظهرت أغنية أسمر ياساحر المنظر ، ثم تأتي أغنية( من شوفتو طوّلنا) بايقاعها السريع الراقص.
وعند إلتقاء الفنان محمد الأمين بذلك الشاعر ، إستطاع أن يواصل معه في ثنائية أخري ، فكانت أشعار خليفه ذات نكهة خاصة أيضاً ، ووجدت إستجابة سريعة من جمهور المستمعين ، فتوالت الأغاني تملأ الساحة الفنية ، وتواصل الابداع في اشعار فضل الله محمد حيث كانت مفردات أغنية (بعد الشر) قد لاقت قبولاً كبيراً لإختلاف موضوعها في ذلك الوقت ، حيث كانت بعض مقاطعها تشارك الطرف الآخر مأساة المرض والتوعك وتتمني عاجل الشفاء ، وتقول كلماتها:
قالوا متألم شويه ياخي بُعد الشر عليك
النضاره الفي شبابك والطفوله الفي عينيك
والقلوب الحايمه حولك
ياحلو بتتمني ليك
بكره تشفي وبكره تبرا
ياحبيبي العمر ليك
ياخي بـُعد الشر عليك
لم يهمل الفنان محمد الأمين أغاني التراث ، فهاهو قد أتي بأغنية (عيال أب جويلي) ،
وهي أغنية تراثية في الفخر وقد رأيناها تمجد (سالم الأرباب ) الذي إستحق الإسم وأصبح ركـّازه للمرقاب .. ولكن تظل أشعار الراحل المقيم خليفه الصادق لها بصماتها الواضحة في عدة أعمال للفنان محمد الأمين فإذا أخذنا مثلاً كلمات ولحن أغنية (أسمر )، نجد أن فيها تنويع جميل في المفردات وفي اللحن الذي خرج رشيقاً بالرغم من أنه ذا وتيرة إيقاعية ولحنية واحدة ومكررة ولكن فيها تطريب جميل عندما يقول فيها:
عيونو نعسانه
فتاكه فتانه
سهامو آسرانا
ولونو ده الأسمر
في صوتو أحلي نغم
يشجيك إذا إتكلم
والحكمه لو يبسم
يشجي الوجود يسحر
أسمر
يا ساحر المنظر
فأشعار خليفه الصادق أضافت إلي محمد الأمين نكهة جديدة في أعماله، لأنها كانت تمتاز برقة شاعرية محببة وجدت قبولاً سريعاً من الجمهور .
كنت أقول دائماً ولا أتعب من القول في كل مرة ، أن شعراؤنا في السودان لديهم قدرات إبداعية هائله في نسج الشعر ، ويمتلكون خيالاً خصباً، ولكننا نواجه دائماً مشكلة المحلية في أعمالنا وإنسداد وسائل النشر أمام إنتاجنا ، حيث يقف هذا الحاجز حائلاً في طريق الإنتشار الإقليمي لتلك الأعمال علي مستوي المنطقة العربية علي الأقل إن لم يكن علي المستوي العالمي وإذا أخذنا أي شاعر عربي سواء كان شعره غنائي أم شعر عام بفصيح اللغه أو بدارجيتها وأجرينا مقارنه مهنية متخصصة له بأشعار شعرائنا السودانيين، لوجدنا التفوق عندنا واضحاً ولا يقلُّ جودة عن الأعمال المنتشرة عربياً حالياً وسابقاً إن لم يكن أحسن درجةً ، وربما كان عدم الإستقرار السياسي الذي ظللنا نعانيه منذ الإستقلال وإلي الآن قد كان له الأثر الواضح في عدم وجود آليات نشر مهنية مؤثرة وقوية ومنتظمه لتسهم في نقل التجربه الشعريه السودانية إلي المصاف العربي أو العالمي.
لم يبتعد فضل الله محمد عن الساحة الشعرية تماماً بعد تخرجه من الجامعة ، إذ ظل بين الحين والآخر تطل أشعاره ، فهاهنا نجده يهدي لمحمد الأمين تلك الأغنية ذات الموضوع الجديد ، فظهرت (أربعه سنين) وقد كانت أغنية الشباب المحببه ، لكي –تتحكر- في قلب الساحة الغنائية وتتوسط أعمال محمد الأمين وهي التي تقول كلماتها:
أربعه سنين
شافم الحب
الليله عيد
ميلادو ياقلب
أربعه سنين
تجربه وزاد
مهرجانات حُب وأعياد
إشتياقات
قلبي ريّاد
إنفعالات
ليها أبعاد
وتمر الأيام سراعاً ، لنجد محمد الأمين يفاجيء الوسط الفني بتجربه أخري من تأليف فضل الله محمد ، ولكنها هذه المره تأتي في إيقاع لحني مميز وهاديء ، وهي تتميز بمفردات أيضاً لم تُستخدم من قبل ،وهي لا تصف المحبوب ، بل تتساءل في دهشه حين تقول كلماتها:
سارحه مالك ياحبيبه؟؟
ساهيه وأفكارك بعيده
بقرأ في عيونك حياتي
وإنتِ مشغوله بجريده
بتقري في إيه كلميني
ياسلام مهتمه عامله
يعني لازم تقري حسه
مقال بحالو أو قصه كامله
كم شهور مرت علينا
فيها بُعد وفـُرقه شامله ...
ثم يختمها بعبارة:
وأمري لله.
وحسناً ان فضل الله قد فوّض أمره لله حين إنعدمت به الحيله ولم يفلح في إثناء الطرف الآخر عن قراءة الجريدة ، مما يُعتبر تهميشاً له ( أو تقله عليه)
وهذا بالطبع نوع جديد في لغة التخاطب الشعرية الرومانسية لم يألفه المستمع السوداني من قبل ، وكانت مقدرة أبو الأمين فائقه في وضع لحن لتلك الكلمات بالرغم من صعوبة تلحينها وكانت(الجريده) . ثم تأتي بعدها أغنية (الموعد) لكي يخترق بها فضل الله (حاجز صوت) الفنان محمد الأمين بحلو كلماتها وجديد موسيقاها الراقصة ، حيث كانت فرصة أخري لكي يبدع أبو الأمين في توظيف آلة العود التي يعشقها في وضع موسيقي المقدمه لتلك الأغنية بخربشات رائعه علي العود . وكانت كلمات الأغنية تقول:
أشوفك بكره في الموعد
تصور روعة المشهد
وعدتك قبل كده مرات
ولسه برؤويتك بحلم
مشاغل الدنيا تجبرني أخالف وعدي وأتلوّم
ولو تعرفني كم بتعب
بعيد عنـّك وبتألم
إلي ان يصل بنا فضل الله لقمة التفاؤل مودعاً ظلام الهم ويصرخ هنا محمد الأمين بصوت عالي مختتماً الأغنية :-
وداعاً يا ظلام الهم علي أبوابنا ماتعتـِّب
ومرحب ياصباح الحب
تعال ما تبتعد قرِّب.
وللشاعر المهاجر (إسحق الحلنقي)أغنية جميلة لا يزال محمد الأمين يترنم بها في كل حفل وهي(شال النوار)وهي من الأغاني التي تمتاز بكلمات جميله ولحن فرائحي تماماً:
ياريت من أول
وريتنا إنك يكمن تتأخر يوم
كان غائب أطمنّا شويه
وبحرك ياليل
ماطفنا نجوم
بيقولوا الغائب
عذرو معاه
في غيابك ياما
نشيل اللوم
العيد الجاب الناس لينا ما جابك
يعني نسيتنا خلاص
مع إنك إنت الخليتنا
نغني الحب
ذكري وإخلاص.
ولازالت الذاكرة تتسع لسرد المزيد من هذه الأعمال الخالدة.
وهنا تستحضرني قصة طريفة حول أغنية( شال النوار) التي تغني بها أبو الأمين من كلمات إسحق الحلنقي كما ذكرنا سابقاً ، والقصة هي أننا كنا مجموعة أصدقاء من الطلاب بجامعة القاهرة بالخرطوم في بداية السبعينات نستأجر منزلاً بأم درمان(حي بيت المال) وقد كنا نعمل وقتذاك بالتدريس نهاراً ونذهب للدراسة بجامعة القاهرة مساءً كشأن الطلاب في ذلك الزمان ، وذات يوم كنا نترنم بالعود في المنزل بأغاني محمد الأمين ، فطلب مني صديقي عباس بابكر أحمد دبوره وقد كان مدرسا وطالباً بالحقوق ، وقد امتهن المحاماة ثم القضاء ، بأن أغني له أغنية محددة لمحمد الأمين ، وكان كعادته لايحفظ أسماء الأغاني، وكان يزورنا دائما جارنا الصديق العزيز الراحل العميد حقوقي عبدالرحمن عبداللطيف زيادة وقد كان طالبا في الحقوق ايضا والذي توفي إلي رحمة مولاه لاحقا ونحن نعمل في قطر في بداية عام 1999 م واخذ عبدالرحمن في جلستنا تلك بالبيت( عزابة) يعدد للأخ عباس أسماء أغاني محمد الأمين لكي نغني له طلبه ، ففشلنا جميعنا في معرفة مقصد ألأخ عباس بابكرو الذي لم يعرف إسم الأغنية ، وأخيراً طلبنا منه أن يذكر لنا أي مقطع (كوبليه) من الأغنية لكي نتعرف عليها لنغنيها له بالعود الذي كان يلازمني منذ المرخلة الثانوية بمدني..
فكان رد عباس:
والله أنا معارف فيها شيء غير أنو محمد الأمين بقول فيها(الناس كلهم جونا في العيد إلاّ إنت ماجيت معاهم) فضحكنا طويلاً لهذه اللخبطة في حفظه للأغاني وظللنا نتذكرها في كل مرة حتي زماننا هذا، وقد عرفنا مقصده فهو كان يقصد (العيد الجاب الناس لينا ماجابك) وظل الراحل مولانا عبدالرحمن زياده يتناول هذه الطرفة كثيراً حتي وفاته(طيب الله ثراه) .
ومن أعمال أبو الأمين الشهيرة ، لا ننسي تلك الأغنية التي فازت بالمرتبة الأولي في مسابقة الإذاعة السودانية بإستفتاء المستمعين في عام 1979م وهي ( بتتعلم من الأيام) وقد إستخدم فيها أبو الأمين أيضاً آلة العود إستخداماً فيه مهارة فائقة في المقطع الأخير من الأغنيةوقد كانت تحتوي علي مفردات فيها الكثير من أسلوب الملامة الرقيق حين تقول بعض أبياتها:
وتعرف كيف يكون الريد
وكيف الناس
بتتألم وتتعلم
وراء البسمات كتمت دموع
بكيت من غير
تحس بيّا
ومصيرك بكره
تتعلم وتتألم . وقد ذكر لي استاذنا الحلنقي ان كلمة ( وتتألم) قد اضافها ابو اللمين من عنده.
ثم تمر الأيام والسنين ليلتقي محمد الأمين مرة أخري بهاشم صديق شاعر الملحمه ذاك وقد كان هاشم خارجاً منتشياً بعد نجاح أعماله الدرامية الفذة في منتصف السبعينات نبته حبيبتي وقطر الهم والحراز والمطر . لكي يجد الطريق أمامه ممهداً فيلقي علي مسامعنا بكلمات أغنية محمد الأمين ويدخل بها أبو الأمين تجربة الغناء بمرافقة آلة (الأورج) فقط في العام ١٩٧٤م حيث كان يعزف معه الموسيقار بدرالدين عجاج بدون أوركسترا اخري ولا حتي إيقاع فكانت (حروف إسمك) هي فعلاً حروف تستحق أن نقف عندها لنري ماذا تقول :
حروف إسمك
جمال الفال
وراحة البال
وهجعة زول
بعد ترحال
وتنية حلوة
للشبال
وغنيتنا
مشاوير
في كلمات حلوات تتقال.
ويذهب هنا الشاعر أكثر لكي يعكس صورة الفرح كتقليد إجتماعي متوارث في الزواج السوداني حين يقول :
أساور في إيدين طفله
بتحفظ في كتاب الدين
زفاف عاشقين
بعد فرقه
بين إتنين
بالعديل والزين
وسط باقات
دعاء الطيبيبن
والليله العديل
وساهله ليك بيضاء..
ثم تأتي الأغنيات الجديده بعدها وقد ظهرت (زورق الألحان) لفضل الله كإضافة لأعمال محمد الأمين في تجربة الغناء بالأورج فقط.
ولكن لم تستمر التجربه بالاورغ فق طويلاً حيث قام محمد الأمين بتكوين فرقة موسيقية مستديمه وكانت تتكون في معظمها من شباب معهد الموسيقي كالفاتح حسين وفايز مليجي من مدني ويرافقهم من المخضرمين الحبر سليم وعز الدين فصل الله ومحمد آدم المنصوري قائد الأوركسترا وآخرون.
نصل الآن مع الفنان محمد الأمين إلي (حفلة لندن) الشهيرة في عام 1981 حيث كان ذلك الحفل الضخم قد أقيم في مسرح (لوقال هول) والذي حضره معظم السودانيين من شتي أنحاء المملكة المتحدة، وقد تم طبعه علي أشرطة فيديو وكاسيت وتم توزيعها في كل دول المهجر التي يتواجد بها السودانيون وبداخل السودان ، وأذكر أن الفنان محمد الأمين قد إبتدر ذلك الحفل بأغنية فضل الله محمد الشهيرة والتي تم تأليفها منذ نهاية الستينيات ولكن محمد الأمين قام بإخفائها لمدة ١٢ سنة. حتيةبداية الثمانينات لكي تظهر وتطغي علي الساحة الفنية ، وقد إمتازت بلحن تطريبي هاديء جداً لا ضجيج فيه ، وهي من النوع الذي يطلق عليه أغنية إستماع مثل أغنيات بتتعلم من الأيام ، والحب والظروف فكانت تلك الأغنية هي
(ذات الشجون)
حيث تقول مقدمتها:
ماهو باين في العيون
وين حنهرب منو وين؟؟
الهوي البعث الليالي
الحالمه في ذات الشجون
وأذكر هنا أن إبن ود سلفاب العازف الماهر الموسيقار (سعد الدين الطيب) قد تفنن في اللعب علي الأورج في عدة صولات وجولات فيها الكثير من الإبداع خلال موسيقي أغنية ذات الشجون.
وقد تغني في حفل لندن ذاك بالأغنية الجديدة وقتها (عويناتك) وهي ذات مفردات رشيقه كتبها الشاعر د. مبارك بشير والذي سبق ان كتب اغنية( نسمه) وهو طالب باداب جامعة الخرطوم وتغني بها وردي ،
وقد أعجبني منها المقطع التالي:
أقول ليها عيونك
زي سواد قدري
مكحِّـله عمري من بدري
ولو أقدر أسافر
في بريق لحظك
وما أرجع
تقول لي خايفاك بكره تتوجّع
آه تتوجع.
هذا (الكوبليه) نري أن أبو الأمين قد أدّاهُ بإحساس عالي جداً وتشعر بأنه يتحرّق حين ينطق بذلك اللحن وبتلك الكلمات.
وميزة محمد الأمين أن لديه إحساساً شفيفاً قد خصّه الله به وهو يعرف كيف ومتي يظهر ذلك الإحساس الشفيف للناس وكيف يترجمه إلي عمل موسيقي متكامل. فالفنان إذا لم يحس بمعني مفردات القصيدة فإنه مهما كان لحنها جميلاً وصوته أجمل ، لا يستطيع أن يقنع المستمع بالعمل.
وهنا لايفوتنا ان نشير إلي إنضمام الشاعر الرقيق الدكتور عمر محمود خالد إلي سجل الأعمال الغنائية الخالدة حين أهدي إلي محمد الأمين أجمل الأغنيات ، وفي مقدمتها تلك التي عاد بها محمد الأمين إلي غناء (السنين ) مرة أخري فكانت (خمسه سنين معاك يا زينة الايام ) والتي يكثر الفنان من ترديدها في معظم حفلاته ، فهي لها معزة خاصة عنده:
خمسه سنين معاك يازينة الأيام
ويانوارة الحلوين مرّت حلوه زي أنسام
وزي أحلام صبيه صغيره زي ياسمين. وردفها باخريات ومن اهمها ( حلم الاماسي).
ثم نأتي إلي السنة الأخيرة من نهاية القرن العشرين حيث قامت شركة(سودانيز ساوند) الشهيرة بالخرطوم بتنظيم إستفتاء في عام 1999م حيث اعلنت فوز ألبوم محمد الأمين (ودمدني واحد) بالجائزة الأولي في التوزيع الجماهيري وقد كانت مقدمة الشريط بصوت المذيعة التلفزيونية اللامعة (منال محمد سعيد)حيث قالت فيها (هذا الفنان أتي من تلك المدينة الرائعه ، من قلب الجزيرة، تلك التي تتوسط السودان الحبيب .. محمد الأمين ،هذا الفنان الرائع والشامخ، كشموخ وطننا الجميل.. محمد الأمين هذا الإنسان ، هذا الفنان، أحب ودمدني حتي الوله) .. وللعلم فإن أغنية( ودمدني ) قد صاغها شعراً الراحل خليل فرح عام 1930م وهو في طريقه بالقطار من الخرطوم إلي ودمدني للمشاركة في زواج الراحل الفنان الحاج محمد أحمد (سرور) الذي توفي ودفن في أسمرا في أربعينات القرن العشرين ، وقد كان سرور هذا من مواطني قرية ( ودالمجذوب) شمال ودمدني ، ووضع محمد الأمين للقصيدة لحناً هادئاً جميلاً ومحبباً كثيراً إلي النفس ، وقام بالتوزيع الموسيقي إبن ودمدني أيضاً الموسيقار دكتور الفاتح حسين مدير الفرقة القومية للموسيقي وعازف الجيتار الشهير.
وتقول:
مالو أعياه النضال بدني روحي ليه مشتهيه ودمدني
كنت أزور أبويا ودمدني
وأشكي ليهو الحضري والمدني
دار أبويا ومتعتي وعجني
يا سعادتي ومنيتي وشجني
ليت حظي يسمح ويسعدني
طوفه فد يوم في ربوع مدني ..
وختاماً نقول ..
ستمر السنون ، وتتجدد الأجيال، وتتبدل الأحوال، وربما تظهر فنون أخري من نتاج أجيال أخري ولكن ستبقي الأعمال الغنائية لهذا الفنان الموهوب والجاد جداً (ابو الأمين) تراثاً إبداعياً متقدماً ومتميزاً ، تتناقله الساحة الفنية لفترة طويلة من الزمان ، لأن تلك الأعمال الموسيقية بمضامين كلماتها وألحانها الشجية ومفردات أشعار مبدعيها : فضل الله محمد والراحل خليفه الصادق والحلنقي ود. محمود خالد وهاشم صديق وكل كواكب الشعراء الذين كتبوا من أجل أبو الأمين عبر مختلف الحقب طوال مسيرته الفنية ، ستصمد في الزمن القادم والذي لا علم لنا بظروف مكوناته الإبداعية .وإلي اللقاء والسلام.
**
الدوحة .. دولة قطر
سنة ٢٠٠٠م  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الفنان محمد الأمین الساحة الفنیة فضل الله محمد تلک الأغنیة محمد الامین أبو الأمین هذا الفنان آلة العود بأم درمان هاشم صدیق حیث کانت الذی کان حیث کان وقد کان فی تلک فی عام قد کان

إقرأ أيضاً:

التغيرات المناخية وتأثيرها على زراعة الطماطم في مأرب… تحديات وفرص

من علي العقيلي

في وادي حريب بمحافظة مأرب، يواجه المزارعون تحديات جديدة وغير مسبوقة بسبب التأثيرات القاسية للتغيرات المناخية. هذه الظروف أدت إلى تراجع كبير في إنتاج الطماطم، مما ساهم بشكل مباشر في ارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية.

صالح أحمد سالم، شاب في الخامسة والعشرين من عمره. ورث الزراعة عن والده، الذي كان يعرف كيف يقاوم حرّ الشمس وقسوة الأرض.

هذا العام، كان المناخ قاسيًا، درجات الحرارة مرتفعة بشكل لم يسبق له مثيل. فقرر أن يشتري غراس طماطم من ذمار، منطقة جبلية باردة، لعلها تساعده في التغلب على الحرارة.

زرعها في أرضه، لكن الفشل كان حاضرًا.

فقد أربعة آلاف غرسة من عشرة آلاف. كانت الحرارة تفوق قدرة النبات على التحمل، وكان الموسم أقصر من المعتاد. كأن الأرض تتنفس بحرارة لا يطيقها أحد.

تأثير التغيرات المناخية على زراعة الطماطم في اليمن

في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، ارتفع سعر الطماطم في أسواق اليمن إلى 4 آلاف ريال للكيلو، ما يعادل 2 دولار أمريكي.

السبب كان تراجع الإنتاج المحلي، ما دفع التجار لاستيراد الطماطم من الأردن. بحلول نوفمبر، انخفض السعر إلى 2000 ريال بفضل هذه الكميات المستوردة.

انخفاض الإنتاج المحلي بسبب ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات التي اجتاحت البلاد هذا العام. تضررت الأراضي الزراعية بشكل كبير، حيث قدرت وكالة التنمية الأمريكية أن 85% من الأراضي الزراعية تضررت.

2024 كان العام الأكثر حرارة خلال العشر سنوات الماضية، وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. الفيضانات في بعض المناطق، والجفاف في مناطق أخرى، أضرَّا بالزراعة بشكل كبير.

على الرغم من ذلك، هناك حلول بديلة تساعد المزارعين في اليمن وعبر العالم في مواجهة هذه التحديات.

لكن قبل أن نتحدث عن الحلول، دعونا نلقي نظرة على أبرز المشكلات التي أضرت بزراعة الطماطم.

 

ولكن، ماهي المشكلة؟

في صيف 2023، اجتاحت ظاهرة “النينا” المحيط الهادئ. كانت هذه الظاهرة قاسية. زادت حرارة المياه السطحية في المحيط، وتبخرت المياه بشكل أكبر. السحب الركامية ظهرت بكثرة، وزادت الأعاصير والعواصف الرعدية، وكل هذا أدى إلى فيضانات.

ورغم أن اليمن بعيد عن المحيط الهادئ جغرافياً، لكن عندما تحدث الظاهرة، يؤثر ذلك على أنماط الرياح والمطر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط.

في بعض الحالات، قد يؤدي تأثير “النينيا” إلى انخفاض في كمية الأمطار في اليمن، مما يساهم في تفاقم جفاف مناطق واسعة من البلاد. ما قد يزيد من حدة مشكلة شح المياه في اليمن، خصوصاً في المناطق التي تعتمد على الأمطار كمصدر رئيسي للمياه.

تحتاج زراعة الطماطم إلى كميات كبيرة من المياه. وتحتاج زراعتها إلى حوالي 400 – 600 ملم من المياه الأمطار في الظروف المثلى.

كما أن الطقس الجاف يمكن أن يزيد من تكاثر الآفات والأمراض، ما يضر المحصول. إضافة ألى أن تغييرات الرياح قد ترفع درجات الحرارة، مما يسبب إجهادًا للنبات ويقلل من الإنتاج.

وكذلك، يصبح توقيت الزراعة غير ثابت، ما يضاعف التحديات. وإذا استمر تأثير “النينيا”، سيضطر المزارعون إلى زيادة الري الصناعي، مما يرفع التكاليف.

في يونيو/حزيران 2024، سجلت درجات الحرارة أعلى رقم على الإطلاق. حطمت الأرقام القياسية. كان أحر من يوليو 2023. كانت حرارة الأرض، كما قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في الحادي عشر من نوفمبر 2024، هي الأعلى منذ بداية القياسات.

تعد اليمن من أفقر الدول في مصادر المياه، وحسب تقرير الجهاز المركزي للاحصاء 2024، لا تتجاوز نسبة الفرد من المياه هم 135 مترمكعب، وهي تمثل 12% من نسبة الاحتياج الانساني للمياه، بينما لا تتجاوز المتوسط السنوي للأمطار عن 400 ملم.

وبلغت مساحة زراعة الطماطم في اليمن في 2021، نحو 8.4 آلاف هكتار، بإنتاجية وصلت إلى قرابة 163 ألف طن، وفق كتاب الإحصاء الزراعي السنوي لوزارة الزراعة والري في صنعاء.

 

محل لبيع الفواكه والخضار في مأرب- علي العقيلي

موسم2024 تراجع الإنتاج وزيادة الأسعار

في هذا العام، مع الارتفاع القياسي في درجات الحرارة، اجتاحت الفيضانات العديد من الأماكن حول العالم، وكان اليمن من بين البلدان الأكثر تأثراً. في المناطق الغربية والشمالية من البلاد، تسببت الأمطار الغزيرة والسيول في تدمير مزارع الطماطم، مما انعكس على الأسواق المحلية.

يقول هارون محفوظ الزارعي، الذي يبيع الخضروات في سوق مدينة حريب، إن أسعار الطماطم شهدت ارتفاعًا كبيرًا هذا العام بسبب الأضرار التي لحقت بمزارع الطماطم في محافظة صعدة نتيجة الفيضانات.

منذ سنوات، كان يعتمد على الطماطم القادمة من هناك، لكن هذا العام، كغيره من الأعوام، لم يكن الوضع كما المعتاد. الأمطار والسيول دمرت العديد من المزروعات في صعدة، وألحقت أضرارًا جسيمة بالقطاع الزراعي في هذه المحافظة.

وأشار هارون إلى أنه، على الرغم من الاعتماد الكبير على الطماطم القادمة من صعدة، إلا أن مزارع وادي حريب تعاني من محدودية الإنتاج، حيث يقتصر الموسم عادة على نهاية العام وبداية السنة الجديدة، ما يضطره لاستيراد الطماطم من مناطق أخرى.

أما المزارع صالح، فقد قرر هذا العام أن يزرع الطماطم في أغسطس، قبل الموعد المعتاد في نوفمبر. لكنه واجه صعوبات جمة بسبب حرارة الجو المرتفعة، وكذلك الرياح الشمالية الجافة التي أضرت بالمحصول، إلى جانب تكاثر الحشرات التي كانت تشكل تحديًا كبيرًا في تلك الفترة من العام.

 

الأسباب الكامنة وراء تراجع الإنتاج المحلي للطماطم

في تصريحات خاصة لهذا التقرير، يقول المهندس علي قاسم بحيبح، مدير عام مكتب الزراعة في محافظة مأرب، إن المساحة المخصصة لزراعة الطماطم في المحافظة تراجعت بنسبة تتراوح بين 20% و30% خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.

وأضاف بحيبح أن زراعة الطماطم كانت تستهلك نحو 40% من المساحة الزراعية الكلية، خاصة في مديريتي الوادي والمدينة، خلال الموسم الزراعي الذي يبدأ في سبتمبر ويستمر حتى مارس أو أبريل.

وأشار إلى أن الإنتاج الحالي للطماطم في مأرب لا يتجاوز 10-12 طنًا للهكتار الواحد، بينما كان المعدل في الماضي يصل إلى 15 طنًا في المتوسط. ويُعتبر حوالي 60% من مزارعي مأرب الطماطم مصدرًا رئيسيًا لدخلهم.

تعد الأودية الزراعية في المناطق الصحراوية من أكثر الأماكن تضررًا من التغيرات المناخية، سواء بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو الصقيع القارس أو الرياح الشمالية الجافة المحملة بالغبار، التي تعيق هطول الأمطار.

الطماطم، كونها من النباتات الحساسة للحرارة والبرودة والجفاف، تعد من أكثر المحاصيل تضررًا في هذه الظروف القاسية، مما يسبب تراجع الإنتاج.

كما أسهمت هذه التغيرات المناخية في تقليص موسم زراعة الطماطم إلى فترة قصيرة للغاية، ما يهدد بتكدس المحصول وكساده، مما دفع العديد من المزارعين في تلك المناطق إلى التخلي عن زراعة الطماطم تمامًا.

يقول المزارع الكبير محمد بن سالم أحمد، الذي يعمل منذ 25 عامًا في زراعة البرتقال في منطقة “العرقين” بمديرية مأرب الوادي، إنه بدأ في زراعة الطماطم منذ بداية ممارسته لمهنة الزراعة في عام 1970 في وادي حريب.

كان يزرع الطماطم في أي وقت من السنة، وكان المناخ آنذاك مناسبًا لها. الطماطم كانت تنمو بسهولة، ولم تكن تحتاج إلى الكثير من الأسمدة، وكانت ثمارها تُقطف وتُباع في صنعاء، وتظل صالحة لأسابيع دون أن تفقد جودتها.

وأشار محمد إلى أن التلوث وصعوبة الزراعة بدون أسمدة جعلت الطماطم اليوم لا تنمو كما كانت من قبل. الثمار أصبحت فاقدة لجودتها، وتفقد صلاحيتها بسرعة بعد القطف.

مزارع في مزرعة للطماطم في مأرب- علي العقيلي

ويضيف أنه كان من الممكن في الماضي أن تتمتع الطماطم بغلاف سميك ولون موحد، بينما أصبحت اليوم ذات قشرة رقيقة ومليئة بالمياه السائلة، مما يجعلها أقل فائدة وغير مقاومة للظروف البيئية الصعبة.

في حديثه عن تراجع زراعة الطماطم في أودية صحراء اليمن، يقول صالح أحمد: “تراجعت زراعة الطماطم في حريب بسبب عدم القدرة على زراعتها من البذور في حقول مفتوحة دون وجود بيوت محمية، في ظل التغيرات المناخية.

لجأ المزارعون في حريب إلى الاعتماد على الغرس الجاهز، الذي يتم شراؤه من مشاتل في ذمار أو المناطق الباردة، لكن الأسعار ارتفعت بسبب الإقبال الكبير عليه بعد فشل زراعة الطماطم من البذور في المناطق الحارة، وزيادة تكاليف النقل نتيجة إغلاق الطرقات.”

ويضيف صالح: “إقدام المزارع في حريب، وفي المناطق الصحراوية الحارة، على زراعة الطماطم في ظل غلاء الشتل يعني أن المزارع يدخل في مغامرة قد تكون عواقبها وخيمة، خصوصًا إذا فشلت الزراعة، وعليه تحمل تبعات فشله بمفرده.”

أصبح قرار المزارع اليمني في أودية المحافظات الصحراوية بزراعة الطماطم مغامرة محفوفة بالمخاطر.

ففي حال فشلت الزراعة، قد يتكبد المزارع خسارة مالية كبيرة، ما يثقل كاهله بالديون. فزراعة الطماطم تحتاج إلى بيئة وطقس ملائمين، بمعايير دقيقة يصعب توفرها في الأودية الصحراوية في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.

وتحتاج الحقول الزراعية في هذه الأودية إلى كميات كبيرة من المياه بسبب تصحر التربة، ما يجعل زراعة الطماطم عرضة للعطش، وبالتالي تؤثر سلبًا على جودة الثمار وكميتها.

كما أن مناخ الأودية الصحراوية حار وجاف في الصيف وبارد في الشتاء، ما يقلل فرص نجاح زراعة الطماطم في هذه المناطق.

 

تأثير العواصف

تأثير الرياح على زراعة الطماطم كان واضحًا بالنسبة للمزارع صالح أحمد، الذي زرع 10 آلاف غرسة طماطم في وادي حريب في أغسطس/آب هذا العام. يقول صالح إن الرياح الصحراوية الشمالية الجافة أثرت بشكل كبير على الطماطم.

الرياح الجافة تؤثر سلبًا على زراعة الطماطم، هذا يؤدي إلى خسائر مالية للمزارعين الذين يتحملون تكاليف إضافية للري وشراء غراس جديدة، وقد يصل الأمر إلى القروض أو بيع ممتلكاتهم لتغطية هذه التكاليف.

وأضاف أنه ارتكب بعض الأخطاء في تصميم المسارات التي زرع فيها الطماطم، حيث صمم بعض الأسلاك أو الجداول من الشرق إلى الغرب، مما تسبب في تضرر الطماطم التي كانت في مسارات تتقاطع مع اتجاه الرياح.

في المقابل، لم تتضرر الجداول التي كانت مصممة باتجاه شمال-جنوب لأنها كانت في مسار الرياح، مما سمح للرياح بالتسلل بين غرسات الطماطم دون التأثير الكبير على النباتات.

أما بالنسبة لحشرة “توتا ابسلوتا”، فيحدثنا عبدالغني بن عوض، مزارع في وادي حريب، عن تجربته مع هذه الحشرة التي دفعته للتوقف عن زراعة الطماطم في 2020.

وقال إنه بعد خسارته للمحصول بسبب الحشرة التي انتشرت بكثافة، والتي كانت تهاجم أغصان وثمار الطماطم، اضطر لوقف زراعتها.

حشرة “توتا ابسلوتا” تقوم بحفر ثقوب صغيرة في الثمار، وتتكاثر بداخلها، ما يؤدي إلى تلف وتعفن الثمار. في بعض الأحيان، لا يمكن ملاحظة الثقوب إلا بعد تكاثر الحشرة وانتشارها في الثمرة.

وقد أشار تقرير حكومي نشرته صحيفة “الثورة” في مايو/أيار 2013 إلى أن حشرة “توتا ابسلوتا” تسببت في تدمير 70% من محاصيل الطماطم في اليمن، مما أدى إلى أزمة في قدرة الإنتاج المحلي على تغطية احتياجات السوق المحلي، ما دفع الحكومة إلى استيراد الطماطم من الخارج.

يبدو أن الأمطار كانت تلعب دورًا في انتشار هذه الحشرة، حيث شهدت اليمن في عامي 2013 و2020 أمطارًا غزيرة استمرت طوال أشهر الصيف، ما ساعد على تكاثر حشرة “توتا ابسلوتا”.

في عام 2013 بدأت الأمطار في منتصف فبراير/شباط، قبل نهاية موسم الطماطم في مارس/آذار، واستمرت حتى أغسطس/آب. وفي 2020، استمرت الأمطار من مارس/آذار حتى سبتمبر/أيلول، ما ساهم في انتشار الحشرة بشكل أكبر.

إلا أن البيوت المحمية قد تكون الحل المحتمل لحماية المحاصيل من هذه الحشرة، حيث توفر المزارعين بيئة محمية تقي الطماطم من أضرار “توتا ابسلوتا”، وبالتالي يمكن تحسين الإنتاجية وزيادة الفرص لنجاح المحاصيل.

مزارع في محافظة مأرب- علي العقيلي

التأثير على المستهلك

تأثير تراجع زراعة الطماطم في اليمن على المستهلكين أصبح ملموسًا في حياة العديد من الأسر، خاصة في المناطق الريفية مثل وادي حريب. تقول “أم عبدالله”، وهي ربة منزل من هذه المنطقة، إن الارتفاع الجنوني في أسعار الطماطم جعلها نادرة في الوجبات اليومية، وأصبحت شبيهة باللحوم التي لا تدخل موائد العديد من الأسر اليمنية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد. يشير هذا الوضع إلى تزايد الفقر وانعدام الدخل لدى الأفراد والعائلات، مما يعكس تدهور الوضع الاقتصادي العام في اليمن.

تعتقد أم عبدالله أن دعم زراعة الطماطم في منطقتها من خلال توفير بيئة ملائمة للإنتاج المستمر طوال العام سيخفف من عبء تكلفة الطماطم على الأسر اليمنية، مما يمكنها من شراء حاجتها اليومية من هذه المادة الأساسية بأسعار مناسبة. الطماطم كانت تعد حلاً مثالياً للأسر ذات الدخل المحدود، التي لم تكن قادرة على شراء العديد من الخضروات أو المعلبات الأخرى مثل الفاصوليا والفول والبيض والجبن.

قبل تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار، كانت الطماطم عنصراً رئيسياً في الوجبات اليومية، خاصة للأسر التي لا تستطيع تحمل تكاليف الخضروات الأخرى. ولكن مع ارتفاع أسعارها، اضطر الكثير من الأسر إلى البحث عن بدائل رخيصة مثل زيوت السمسم أو الشاي مع الأكل. هذا التحول يعكس الواقع الصعب الذي يعيشه المواطن اليمني في ظل تراجع الإنتاج الزراعي وتزايد الأسعار، مما يجعل الطماطم عنصرًا بعيدًا عن متناول الكثيرين.

 

التحديات

يواجه المزارع “صالح أحمد سالم” تحديات كبيرة في زراعة الطماطم في ظل التغيرات المناخية القاسية، التي تتجلى في تقلبات درجات الحرارة الشديدة وزيادة كثافة الحشرات، مما أثر بشكل مباشر على جودة المحصول. يقول صالح إن المغامرة بزراعة الطماطم في أغسطس كانت بسبب ارتفاع أسعارها في أشهر معينة مثل أكتوبر ونوفمبر، وهي فترة يصعب فيها على المزارعين في المناطق الحارة زراعة الخضروات بسبب حرارة الطقس الشديدة في يونيو ويوليو.

ويوضح صالح أنه رغم محاولاته، إلا أن الظروف المناخية القاسية أضعفت الغرسة، حيث لم تنمو الثمار بالشكل المطلوب. وعلى الرغم من أنه عند زراعة الطماطم باستخدام شتل جاهز، فإن نوعية الغرسة تكون أفضل وتتحمل الإجهاد المناخي، إلا أن هذه المحاصيل تكون بحاجة إلى محميات خاصة لضمان نجاح الزراعة.

ويؤكد أن زراعة الطماطم من البذور أصبحت شبه مستحيلة في منطقة حريب دون وجود محميات، خاصة في الأشهر الحارة التي تسبق أكتوبر ونوفمبر، وذلك نتيجة لتغير المناخ الذي جعل الظروف الزراعية أكثر صعوبة.

 

لكن ماهي احتياجات المزارعين

في وادي حريب، حيث تلتقي الرمال بحرارة الشمس، كان المزارع صالح أحمد يقف متأملاً أراضيه الجافة. كان يعلم أن الزمان لا يرحم، وأن الرياح التي تعصف بالمكان لن تترك له سوى الرمال وعوامل الطقس القاسية. في قلب هذه الصحراء، كان الطماطم هو الأمل، لكنه كان يعرف تماماً أنه لا يستطيع أن يزرع حلمه دون أن يمتلك الوسائل التي تحميه.

“البيوت المحمية”، قالها بصوت منخفض، وكأنها مفتاح سري. كان يعرف أن تلك البيوت ليست مجرد هياكل بلاستيكية، بل هي الحصن الوحيد الذي يحمي غرساته من لعنة الرياح الصحراوية. كان يعرف أن في داخلها، وبين جدرانها البلاستيكية، ستكون الطماطم في أمان من الحرارة والبرد ومن الحشرات.

ولكن، كما في كل قصة، كانت العوائق أكثر من الفرص. “إنني لا أستطيع تحمل تكاليفها”، قالها بصوت هادئ.

أضاف وهو يراقب الحقل الميت: “إذا كان لدينا شبكة ري بالتنقيط، يمكننا أن نروي الأرض بكفاءة، نحمي الغرسة من الجفاف، ونمنع العفن من التسلل إلى الثمار. لكننا لا نملك شيئاً من هذا. لا الدعم، ولا المال، ولا المساعدة. فقط الأرض، والسماء، والرياح”.

أخوه، سلطان أحمد، كان يعمل بجانبه في الصمت. قال بحزن: “لو كان لدينا تلك البيوت المحمية، لو كانت لدينا تلك الشبكات، لكانت الطماطم تملأ الأسواق طيلة السنة. لكننا نزرعها خارج موسمها. نغامر في الحرارة التي تقتل، في البرد الذي ينهكها. ونواجه السوق المزدحم الذي يبلع المحصول في وقت قصير، لتصبح الطماطم سلعة بلا قيمة.”

كل يوم، كان صالح يقف في تلك الأرض الجافة، يخطط كيف يزرع الطماطم. كان يعرف أن النجاح لن يأتي بسهولة. كان يتخيل الطماطم تنمو في الظل، تحت سقف من البلاستيك، يحميها من العوامل القاسية. لكن الأحلام وحدها لا تكفي. يحتاج إلى الدعم، إلى المساعدة، إلى الأمل.

وفي تلك اللحظة، لم يكن صالح يفكر في زراعة الطماطم فقط، بل في زراعة شيء أعظم: الأمل في مستقبل أفضل.

تجربة ناجحة: مغامرة زراعة الطماطم في وادي حريب

في قلب وادي حريب، حيث الشمس الحارقة والرياح الجافة لا ترحم، قرر “صالح أحمد سالم” أن يخوض مغامرة زراعية غير مألوفة في المنطقة.

على مساحة 4800 متر مربع، زرع صالح 10 آلاف غرسة طماطم، متحدياً التغيرات المناخية القاسية في منطقة تشهد درجات حرارة مرتفعة طوال العام.

لم يكن هذا التحدي سهلاً، لكنه اختار طريقة مبتكرة: الري بالتنقيط. شبكة ري طويلة امتدت لمسافة 2000 متر، مع أنبوب توزيع بلغ تكلفته نحو 3000 ريال سعودي.

كان صالح يعلم أن الأمر يتطلب تخطيطاً دقيقاً لضمان نجاح الزراعة في غير موسمها المعتاد.

فقد ترك مسافات بين الأنابيب بلغت حوالي 170 إلى 200 سم، وزرع 100 غرسة على كل أنبوب ري، مع ترك 40 سم بين كل نقطة وأخرى. بدأ في زراعة الطماطم في 20 أغسطس 2024، بعدما قام بشراء الشتلات الجاهزة من مشاتل في ذمار، بتكلفة 4000 ريال سعودي.

لكن، كما كان يتوقع، كانت الظروف المناخية قاسية بشكل غير عادي هذا العام. الرياح الشديدة وارتفاع درجات الحرارة أثرت بشكل كبير على نمو الغرس.

وقال صالح وهو يصف معاناته: “خسرت حوالي 4000 غرسة بسبب الرياح والحرارة، لكنني تمكنت من الحفاظ على 6000 غرسة، وهي التي نمت وأثمرت”.

لم يكن صالح قادراً على زراعة الطماطم من البذور في أغسطس بسبب الحرارة المرتفعة، فكان الحل هو شراء الغرس الجاهز من مناطق باردة مثل ذمار وزراعته في أراضي حريب الحارة. هذه الطريقة سمحت له بزراعة الطماطم في غير موسمها التقليدي، وهو ما منحه فرصة التميز في السوق.

وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأ صالح في جني ثمار المحصول، حيث كان يحصل على ما يتراوح بين 20 إلى 30 سلة من الطماطم يومياً. هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتيجة لتخطيطه الدقيق وابتكاره في استخدام شبكة الري بالتنقيط التي قللت من المخاطر الناتجة عن الري بالغمر.

ويرى صالح أن الحلول المستقبلية تكمن في حماية الحقول من الرياح بواسطة أشجار كثيفة تحمي الزراعة من التعرية والجفاف، بالإضافة إلى أهمية اتجاه زراعة الأنابيب بشكل يتجنب الرياح الشمالية. مع هذه الحلول، يؤمن صالح بأن زراعة الطماطم في وادي حريب يمكن أن تصبح مصدر دخل مستداماً، حتى في ظل الظروف المناخية الصعبة.

 

ماذا عن حلول الدولة؟

في مأرب، قال المهندس علي قاسم بحيبح، مدير عام مكتب الزراعة، إن الحلول التي يقترحها لدعم زراعة الطماطم تتلخص في خطوات بسيطة ولكنها حاسمة.

أولاً، ضرورة تحسين إدارة المياه عبر استخدام أنظمة الري بالتنقيط، مما يقلل من استهلاك المياه ويزيد من كفاءة الري. ثم، يوفر الدعم المالي والتقني للمزارعين، بتزويدهم بالبذور المقاومة للأمراض، والأسمدة والمبيدات بأسعار مدعومة، وتأسيس برامج تمويل ميسرة لدعم صغار المزارعين وبرامج توعية.

ولا يمكن أن يكتمل هذا إلا بتوفير بنية تحتية تسويقية، من خلال بناء مراكز تخزين وتبريد لتحسين طرق تصدير المحاصيل وفتح أسواق جديدة.

وأخيرًا، يتعين تشجيع الزراعة المحمية، حيث تتيح البيوت المحمية المكيفة حماية الطماطم من تقلبات الطقس والآفات.

في عام 2023 قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن بانشاء مشروع إنشاء حواجز للسيول بطول 800 متر لحماية المَزارع من الفيضانات الجارفة، هذه الحواجز، التي تم إنشاؤها باستخدام أحجار تم رصَّها ولفها بالأسلاك بعناية، تسمح بتخلل المياه عبرها عند مرورها بمحاذاة الأراضي الزراعية – فتنظم عملية ريّ المحاصيل دون الإضرار بالتربة أو النباتات.

على الرغم من التحديات التي يواجهها المزارعون في اليمن بسبب التغيرات المناخية، فإن الحلول المستدامة والابتكار في طرق الزراعة يمكن أن تكون مفتاحًا للتغلب على هذه الأزمات وحماية الأمن الغذائي في المستقبل.

تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية “عُشة”.

يمن مونيتور25 ديسمبر، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام إعلام عبري: إسرائيل تستعد لهجوم واسع النطاق في اليمن مقالات ذات صلة إعلام عبري: إسرائيل تستعد لهجوم واسع النطاق في اليمن 24 ديسمبر، 2024 منتخب اليمن للشباب يختتم معسكره الداخلي في صنعاء استعدادا للسفر إلى العراق 24 ديسمبر، 2024 الكويت تهزم الإمارات في كأس الخليج 24 ديسمبر، 2024 إيران ترفع الحظر عن واتساب وجوجل بلاي 24 ديسمبر، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق أخبار محلية “الرئاسي اليمني” يوجه بإعادة هيكلة المركزي للرقابة وتشكيل لجنة عليا للمناقصات 24 ديسمبر، 2024 الأخبار الرئيسية التغيرات المناخية وتأثيرها على زراعة الطماطم في مأرب… تحديات وفرص 25 ديسمبر، 2024 إعلام عبري: إسرائيل تستعد لهجوم واسع النطاق في اليمن 24 ديسمبر، 2024 منتخب اليمن للشباب يختتم معسكره الداخلي في صنعاء استعدادا للسفر إلى العراق 24 ديسمبر، 2024 الكويت تهزم الإمارات في كأس الخليج 24 ديسمبر، 2024 إيران ترفع الحظر عن واتساب وجوجل بلاي 24 ديسمبر، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك إعلام عبري: إسرائيل تستعد لهجوم واسع النطاق في اليمن 24 ديسمبر، 2024 “الرئاسي اليمني” يوجه بإعادة هيكلة المركزي للرقابة وتشكيل لجنة عليا للمناقصات 24 ديسمبر، 2024 “إسرائيل” تطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لإدانة “هجمات الحوثيين” 24 ديسمبر، 2024 الحوثيون يعلنون قصف هدف إسرائيلي في يافا المحتلة 24 ديسمبر، 2024 مسؤول عراقي يؤكد ما نشره “يمن مونيتور” بشأن تلقي بلاده طلباً أميركياً بوقف أنشطة الحوثيين على أراضيها 24 ديسمبر، 2024 الطقس صنعاء سماء صافية 13 ℃ 22º - 11º 38% 1.68 كيلومتر/ساعة 22℃ الأربعاء 22℃ الخميس 21℃ الجمعة 23℃ السبت 23℃ الأحد تصفح إيضاً التغيرات المناخية وتأثيرها على زراعة الطماطم في مأرب… تحديات وفرص 25 ديسمبر، 2024 إعلام عبري: إسرائيل تستعد لهجوم واسع النطاق في اليمن 24 ديسمبر، 2024 الأقسام أخبار محلية 28٬803 غير مصنف 24٬199 الأخبار الرئيسية 15٬318 عربي ودولي 7٬170 غزة 6 اخترنا لكم 7٬136 رياضة 2٬410 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬280 كتابات خاصة 2٬106 منوعات 2٬039 مجتمع 1٬858 تراجم وتحليلات 1٬838 ترجمة خاصة 107 تحليل 14 تقارير 1٬637 آراء ومواقف 1٬561 صحافة 1٬487 ميديا 1٬448 حقوق وحريات 1٬345 فكر وثقافة 919 تفاعل 821 فنون 487 الأرصاد 362 بورتريه 66 صورة وخبر 37 كاريكاتير 32 حصري 24 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 29 نوفمبر، 2024 الأسطورة البرازيلي رونالدينيو يوافق على افتتاح أكاديميات رياضية في اليمن 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية أخر التعليقات محمد شاكر العكبري

أريد دخول الأكاديمية عمري 15 سنة...

عبدالله محمد علي محمد الحاج

انا في محافظة المهرة...

سمية مقبل

نحن لن نستقل ما دام هناك احتلال داخلي في الشمال وفي الجنوب أ...

عبدالله محمد عبدالله

شجرة الغريب هي شجرة كبيرة يناهز عمرها الألفي عام، تقع على بع...

خالد غالب الشجاع

الله لا يلحقه خير من كان السبب في تدهور اليمن...

مقالات مشابهة

  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … ونحن أيضا
  • “مضمار اللبسة” يستقبل ماراثون رحلة الهجن ضمن مهرجان محمد بن زايد لسباق الهجن ومزاينة الأبل
  • نتنياهو: الحوثيون سيتعلمون الدرس الذي تعلمته حماس وحزب الله
  • أبو العينين يشارك في عزاء والدة المستشار أحمد مناع الأمين العام لمجلس النواب
  • التغيرات المناخية وتأثيرها على زراعة الطماطم في مأرب… تحديات وفرص
  • محمد التابعي.. أمير الصحافة المصرية الذي أسقطت مقالاته الظلم
  • تعرف على نوع الصاروخ الفرط صوتي اليمني الذي استهدف منطقة يافا اليوم ؟
  • إيران …بدء محادثات لإعادة السفارة في سوريا
  • مخاطبة الشرع للشعب السوري… مؤجّلة
  • هل يؤثر القصف الأمريكي الذي استهدف صنعاء على قدرات أنصار الله؟