الاختبارات الحقيقية للموقف المصري
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
تتمزق قلوبنا حين نستمع كمصريين لصرخات جرحى ومصابين فلسطينيين في مشافي غزة راجية السلطات المصرية التدخل لنقلهم إلى مستشفيات مصرية لإنقاذ حياتهم، بعد تعذر ذلك في مشافي غزة التي أحالها العدو إلى مقابر لدفن الموتى. لم تجد تلك الاستغاثات والصرخات استجابة في الوقت الممكن للإنقاذ، كانت السلطات المصرية تنتظر إذنا من الكيان الصهيوني لقبول دخولهم إلى مصر، صحيح أن مصر قبلت عددا من الحالات ولكنها تركت مئات الحالات الأخرى تنزف حتى الموت على بوابتها الشرقية، وما زاد الطين بلة تصريحات وزير الصحة المصري لمحطة "سي إن إن" التي قال فيها إن قرار دخول المصابين الفلسطينيين إلى مصر ليس بيد مصر ولكنه بيد جهة أخرى لم يسمها!!
لم يكن المطلوب من مصر الشقيقة الكبرى أن تفتح معبر رفح لإدخال المساعدات إلى غزة، وإخراج المصابين للعلاج في مصر أو غيرها من الدول فقط، بل كان المطلوب أن تتصدى للعدوان، فتمنعه، وتمنع وقوع الشهداء والمصابين، أو تقلل منهم إلى أدنى حد ممكن.
كما أن مصر الحالية بغض النظر عن شرعية من يحكمها إلا أنها تمتلك الأدوات الكفيلة بردع العدوان وإيقافه، والأمر لا يحتاج إلى حرب قد لا تكون مستعدة لها أو راغبة فيها، ولكن يكفي إظهار "العين الحمراء" عبر بعض الإجراءات الجادة من قبيل وقف بعض مسارات التعاون، أو حتى سحب السفير كما فعلت دول عربية وغير عربية أخرى، ولم يتسبب ذلك في اندلاع حرب بينها وبين الكيان، فالأردن الملاصق للكيان مثلا سحب سفيره، وألغى القمة التي كان من المفترض أن يشارك فيها بايدن، ولم يتعرض لأذى بل إنه تمكن من إنزال مساعدات جوا إلى غزة (بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي).
تمتلك الأدوات الكفيلة بردع العدوان وإيقافه، والأمر لا يحتاج إلى حرب قد لا تكون مستعدة لها أو راغبة فيها، ولكن يكفي إظهار "العين الحمراء" عبر بعض الإجراءات الجادة من قبيل وقف بعض مسارات التعاون، أو حتى سحب السفير كما فعلت دول عربية وغير عربية أخرى، ولم يتسبب ذلك في اندلاع حرب بينها وبين الكيان
الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في مصر يهلل لما يعتبره دورا كبيرا لمصر لمساعدة غزة، هذا إعلام لا يعرف قدر مصر التي كانت من قبل قائدة لأمتها العربية، وكانت تسارع فورا للدعم والإنقاذ دون رفع شعار "مسافة السكة"، هذا الإعلام يعتبر أن مجرد دخول شاحنات مساعدات بعد الحصول على إذن إسرائيلي هو قمة الدعم والمساندة، ولا يعرف أن دور مصر أكبر كثيرا من ذلك.. الشكوى من قلة المساعدات التي لا تكفي معشار الحد الأدنى من الاحتياجات الحياتية والمعيشية في غزة لا تقتصر على أهل غزة، ولكنها تنطلق أيضا من المنظمات الدولية المعنية بالإغاثة، والتي تتهم مصر بمنع دخول الشاحنات التي ترابض على أرض ميناء العريش أو في باحة المعبر.
تضمنت قرارات القمة العربية والإسلامية قرارا بـ"كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل". وقد مر أسبوع على تلك القمة ولم يوضع هذا القرار موضع التنفيذ، وتم ترك أهل غزة يواجهون التهجير القسري، والإبادة التي انتقلت إلى المرضى والمصابين والأطفال الخدج في المستشفيات، صحيح أن بعض شاحنات الوقود دخلت إلى القطاع، لكن من الواضح أنها جزء من اتفاق يجري طبخه لصفقة تبادل الأسرى، وفوق أنها لا تلبي الاحتياجات الأساسية فقد تأخر دخولها حتى خرجت المستشفيات من الخدمة عمليا بسبب توقف المولدات قبل اقتحام تلك المستشفيات من جيش الاحتلال، لقد كان بإمكان مصر أن تدخل شاحنات الوقود وتنقذ ما يمكن إنقاذه.
يتحجج البعض بأن السبب في المنع هو السلطات الإسرائيلية التي تسيطر على الجهة الشرقية للمعبر الواقعة تحت احتلالها، ولكن كان من الممكن لمصر أن تنسق مع الأمم المتحدة، أو المنظمات الإنسانية الدولية الأخرى مثل الصليب الأحمر، أو في الحد الأدنى تسمح بدخول شاحنات الإغاثة لبعض الجهات مع تحمّل تلك الجهات المسئولية عن نفسها بعد عبورها المعبر المصري.
لو كانت السلطات المصرية راغبة في تنفيذ قرار كسر الحصار الذي شاركت في صياغته في القمة العربية لمنحت هذه القافلة الإذن بالتحرك ولوفرت لها كل سبل الحماية والتسويق، لكنها تحرص أن يكون الدعم في حدود دنيا تتحكم بها
في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري أطلقت نقابة الصحفيين على لسان نقيبها خالد البلشي دعوة لتسيير قافلة الضمير العالمي إلى غزة، بهدف كسر الحصار عن القطاع، ودعت إلى أوسع مشاركة عربية وعالمية فيها، وحددت لها موعدا خلال الفترة من 17 إلى 24 تشرين الثاني/ نوفمبر في انتظار الموافقة الرسمية، وقد تجاوب مع الدعوة العديد من النشطاء والساسة عبر العالم، وقدم الكثيرون منهم إلى مصر أملا في اللحاق بهذه القافلة، لكن السلطات المصرية كانت أمام اختبار حقيقي لجديتها، وفشلت في هذه الاختبار حيث رفضت منح القافلة الإذن حتى هذه اللحظة، واعترضت على أسماء عدد من المشاركين المصريين فيها، وطلبت أن تكون مجرد قافلة محدودة لنقابة الصحفيين فقط، بمصاحبة أعضاء مجلس النقابة ورؤساء تحرير الصحف دون مشاركة غير مصرية.
لو كانت السلطات المصرية راغبة في تنفيذ قرار كسر الحصار الذي شاركت في صياغته في القمة العربية لمنحت هذه القافلة الإذن بالتحرك ولوفرت لها كل سبل الحماية والتسويق، لكنها تحرص أن يكون الدعم في حدود دنيا تتحكم بها، ومن ذلك مثلا دعوتها للتظاهر يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ثم منعها التظاهر تماما بعد ذلك وحتى الآن. وهذا اختبار آخر لجدية الدعم لغزة، فتلك المظاهرات هي تعبير عن الصوت الشعبي، وهي تسند ظهر النظام نفسه في مواجهة أي ضغوط لو كان صادقا في نواياه.
أطاحت النكبة الفلسطينية عام 1948 بالعديد من العروش العربية، التي اتهمتها شعوبها بالتسبب في تلك النكبة رغم أن الدول العربية في ذلك الوقت شكّلت جيشا لمحاربة الصهاينة إلى جانب الفلسطينيين، وهو ما لم تفعله هذه الدول ضد العدوان الحالي الذي قد يتحول إلى نكبة -لا قدر الله- وحينها ستدفع العديد من الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام المصري ثمن هذه النكبة
إعلان الاتحاد الأوروبي اعتزامه تقديم مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار لمصر لمساعدة اقتصادها في مواجهة آثار حرب غزة، وإعلان مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، أن الصندوق "يدرس بجدية" زيادة برنامج القروض لمصر البالغ ثلاثة مليارات دولار نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب؛ يثير شكوكا في الثمن الحقيقي لهذه "الحنيّة المفاجئة" والدعم المفاجئ، صحيح أن السيسي كرر أمام مسئولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين، ولكن هذا الموقف قد ينهار عندما لا يجد الفلسطينيون المكتظون أمام المعبر هربا من القتل بدا من العبور غربا ولو اقتضى الأمر تحطيم الحواجز كما حدث في 2008. كما أن الغرب عموما يحتاج لمصر في تمرير بعض الإجراءات الأخرى غير التهجير معتمدا على نوايا النظام المصري الحقيقية تجاه حركة حماس، وربما كانت تلك المليارات لتمرير بعض تلك السياسات.
أطاحت النكبة الفلسطينية عام 1948 بالعديد من العروش العربية، التي اتهمتها شعوبها بالتسبب في تلك النكبة رغم أن الدول العربية في ذلك الوقت شكّلت جيشا لمحاربة الصهاينة إلى جانب الفلسطينيين، وهو ما لم تفعله هذه الدول ضد العدوان الحالي الذي قد يتحول إلى نكبة -لا قدر الله- وحينها ستدفع العديد من الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام المصري ثمن هذه النكبة.
twitter.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المصرية معبر رفح المساعدات مصر غزة مساعدات معبر رفح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطات المصریة کسر الحصار
إقرأ أيضاً:
48 مدربا في حلقة الاستكشاف الرياضي والمتابعة العلمية
اختتمت دائرة الطب الرياضي بالمديرية العامة للرعاية والتطوير بوزارة الثقافة والرياضة والشباب حلقة عمل الانتقاء والاستكشاف الرياضي والمتابعة العلمية، بمشاركة 48 مدربا من مختلف الاتحادات واللجان الرياضية، والتي استمرت لمدة يومين في قاعة لبان بفندق راديسون بانوراما بوشر. وتخلل حلقة العمل العديد من الجلسات والمحاضرات التي ركزت على منهجيات اختبارات الاستكشاف وأهداف المتابعة العلمية، بالإضافة إلى نقاشات فعّالة تناولت كيفية تعزيز الكفاءات في هذا المجال، كما أتاحت الحلقة للمشاركين فرصة لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات التي تدعم مسيرة تطوير الأداء الرياضي في سلطنة عمان.
وقدم أحمد بن سالم الهاشمي، رئيس قسم الاختبارات والمقاييس بدائرة الطب وعلوم الرياضة، عرضًا شاملاً خلال حلقة الانتقاء والاستكشاف الرياضي حول "دليل القياسات والاختبارات المعتمدة للاستكشاف الرياضي في مراكز إعداد الرياضيين"، وتطرق العرض إلى توضيح أهمية إجراء قياسات أنثروبومترية واختبارات بدنية وحركية للرياضيين الشباب في المراكز والمدارس؛ بهدف استكشاف المواهب الرياضية وتنميتها.
وسلّط عرض الهاشمي الضوء على مجموعة متنوعة من الاختبارات والمعايير التي يعتمدها قسم الطب وعلوم الرياضة لتقييم قدرات الشباب الرياضية، وقد شملت هذه الاختبارات "بطارية القياسات"، التي تتضمن قياسات أنثروبومترية دقيقة، مثل الطول الكلي، طول الذراعين، طول الجذع، بالإضافة إلى الوزن، حيث تساعد هذه القياسات في توفير قاعدة بيانات شاملة تعكس المعايير الجسدية للرياضيين الشباب.
وتناول الهاشمي أيضًا اختبارات القدرات البدنية، مثل اختبار مرونة الجذع لقياس المرونة، واختبار رمي الكرة الطبية من وضع الجلوس لقياس القوة العضلية للأطراف العلوية، واختبار الوثب الأفقي لقياس القدرة العضلية للأطراف السفلية، بالإضافة إلى اختبار السرعة على مسافة 30 مترا لقياس القدرة على الجري السريع، واختبار الرشاقة 5x10 لقياس قدرة تغيير الاتجاهات بسرعة، وتكمن أهمية هذه الاختبارات في تحليل قدرة اللاعب على التحمّل البدني، وتحديد مستويات اللياقة الأساسية التي يحتاجها الرياضي لتحقيق الأداء الأمثل.
واستعرض الهاشمي أيضًا اختبارات التحمّل مثل اختبار "المكوك"، الذي يُستخدم لتحديد أقصى معدل لاستهلاك الأكسجين وتقييم قدرة التحمّل الهوائي، واختبار للجهد المتقطع، وهو اختبار يقيس أقصى قدرة على التحمّل الهوائي بالتناوب مع فترات الاسترجاع، وأوضح أن هذه الاختبارات تساعد في توجيه الرياضيين إلى التخصصات الرياضية المناسبة لقدراتهم.
وركز الهاشمي على أن هذه الاختبارات تُعد جزءًا أساسيًّا من استراتيجية وزارة الثقافة والرياضة والشباب لبلوغ الأهداف الوطنية في رؤية عمان 2040، وتشمل الاختبارات قياسات مثل الطول والوزن والمرونة والقوة العضلية والتحمّل، وتستخدم هذه القياسات لتحديد الكفاءات البدنية والحركية التي تسهم في تحديد مجالات التفوق الرياضي المحتملة.
كما أشار الهاشمي إلى أهمية التعاون بين المعلمين والمدربين لضمان دقة تنفيذ هذه الاختبارات، مع ضرورة مراعاة المعايير العلمية المستخدمة عالميًّا، بما يشمل تجارب من دول كفرنسا وكندا، التي تعتمد أدوات قياس متقدمة في برامجها.
واختتم الهاشمي عرضه بالتأكيد على أهمية توحيد هذه الاختبارات بين جميع مراكز إعداد الرياضيين في سلطنة عمان لضمان تطوير قاعدة قوية من الرياضيين الموهوبين، الذين يمكن أن يكونوا رافدًا للمنتخبات الوطنية.
وأوضح أحمد بن سالم الهاشمي بعد ختام حلقة العمل، أن الحلقة الحالية تستهدف المدربين من مختلف محافظات سلطنة عمان والمعنيين بمراكز إعداد الرياضيين، بالإضافة إلى الاتحاد المدرسي، وتهدف إلى تزويدهم بالمعلومات وتدريبهم على كيفية إجراء اختبارات الانتقاء في المدارس ومتابعتها. وأضاف: تأتي هذه الحلقة لتعزيز قدرات المدربين على إجراء اختبارات دورية كل ثلاثة أشهر، تختلف عن تلك المستخدمة في الانتقاء الأولي، لضمان اختيار دقيق للاعبين.
وفيما يتعلق بالاستفادة من الحلقة، أشار الهاشمي إلى أهمية أن يزوّد المدربون الجهات المعنية ببيانات اللاعبين، مؤكدا الحاجة إلى بناء قاعدة بيانات شاملة لجميع الرياضيين من طلاب المدارس ومنتسبي الأندية الرياضية، ما يسهم في فهم وتقييم مستويات الرياضيين العمانيين وتحديد موقعهم على خريطة الإنجاز.
وعن أبرز التحديات، لفت الهاشمي إلى صعوبة إدخال البيانات الإلكترونية، مشيرا إلى أن هناك توجها نحو التحول الرقمي في إطار رؤية عمان 2040، ومن خلال حلقة عمل الاستكشاف الرياضي والمتابعة العلمية، تم توضيح كافة الصعوبات التي يواجهها المدربون في إدخال البيانات الإلكترونية، كما تم التأكيد على أهمية اتباع البروتوكول الصحيح في إجراء الاختبارات لضمان الحصول على نتائج دقيقة وموثوقة، كم تم استعراض عدد من الحلول لمواجهة هذه التحديات.