هل الوقوف تحت المطر يغسل الذنوب والجنابة؟.. تعرف على هذا الفعل النبوي
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
هل الوقوف تحت المطر يغسل الذنوب والجنابة؟ واحدة من السنن المهجورة لدى عموم المسلمين هي التعرض للمطر باعتبارها من السنن التي فعلها النبي وأخبرت بها كتب السيرة النبوية، ولكن هل الوقوف تحت المطر يغسل الذنوب والجنابة؟، هذا ما سنوضحه.
هل الوقوف تحت المطر يغسل الذنوب والجنابة؟يستحبّ التَّعرُّض للمطر، بأن يقف الإنسان تحت المطر ويَحسر عن شيءٍ من ملابسه ليصيبه المطر رجاء البركة؛ لما ثبت عن أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه، حتى أصابه من المطر.
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (6/ 195، ط. دار إحياء التراث العربي): [معنى حسر: كشف، أي كشف بعض بدنه، ومعنى: «حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ»، أي: بتكوين ربه إيَّاه، ومعناه أنَّ المطر رحمة، وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها، وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنَّه يُستحبُّ عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر] اهـ.
وعلى ذلك نصَّ فقهاء المذاهب: قال العلامة الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 553، ط. دار الكتب العلمية) عند تعداده الأعمال المستحبة عند نزول المطر: [وأن يكشف عن غير عورته ليصيبه ويتطهر منه] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 95، ط. المكتب الإسلامي): [ويستحب أن يبرز لأول مطر يقع في السَّنة ويكشف من بدنه ما عدا عورته ليصيبه المطر] اهـ.
وقال الإمام البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 337، ط. عالم الكتب): [(وسن وقوف في أول المطر) وتوضؤ (واغتسال منه، وإخراج رحال) أي: ما يستصحب من أثاث، (و)إخراج (ثيابه ليصيبها) المطر؛ لحديث أنس رضي الله عنه..] اهـ. أي: حديث أنس السابق ذِكْره.
وفي جواب مسألة الجنب يصيبه المطر فيقف فيه وينزع ثيابه فيغتسل مما يصيبه من المطر: سئل ابن القاسم عن الجنب يصيبه المطر، فيقف فيه وينزع ثيابه، فيغتسل مما يصيبه من المطر هل يجزيه؟ فقال ابن القاسم: إذا تدلك وأعم بذلك جسده أجزأه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الغسل يجزيه إذا وقف للمطر فوقع عليه منه قدر ما يتأتى له به الغسل، فاغتسل به وتدلك، وعم جميع جسده، وقد مضى القول في هذا المعنى وما يتعلق به مبينا في أول نوازل سحنون.
آراء المذاهب الفقهية في حكم الجمع بين الصلوات بسبب المطرالأصل هو وجوب إقامة الصلاة في وقتها من غير تأخير ولا تقديم؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، والجمع بين الصلوات يكون استثناءً، ولا يكون إلَّا لعذرٍ.
وهو -أي: الجمع- إمَّا أن يكون جمع تقديم بين صلاتي الظهر والعصر في وقت الظهر، وبين صلاة المغرب والعشاء في وقت المغرب، أو يكون جمع تأخير بين صلاتي الظهر والعصر في وقت العصر، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء.
ومن الأعذار التي يُرخَّص الجمع بين الصلاتين بسببها: شدَّة المطر التي تُسبِّب المشقة في الذهاب إلى المسجد مع وجودها، بحيث يصعب العودة إلى الصلاة في العصر وفي العشاء مرة أخرى؛ والفقهاء مختلفون في حكم الجمع ذلك.
فذهب المالكية والحنابلة إلى جواز الجمع بين العشاءين -المغرب والعشاء- جمع تقديم، دون الظهرين (الظهر والعصر) بسبب المطر.
قال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 370، ط. دار الفكر): [(و) رُخِّصَ ندبًا لمزيد المشقة (في جمع العشاءين فقط) جمعَ تقديمٍ، لا الظهرين؛ لعدم المشقة فيهما غالبًا (بكلِّ مسجدٍ) ولو مسجد غير جمعة، خلافًا لمَن خصَّه بمسجد المدينة أو به وبمسجد مكة (لمطرٍ) واقع أو مُتوقَّع (أو طينٍ مع ظلمة) للشَّهرِ لا ظلمة غيمٍ لـ(طين) فقط على المشهور (أو ظلمة) فقط اتفاقًا] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 7، ط. دار الكتب العلمية): [(ويجوز) الجمع (بين العشاءين لا الظهرين لمطرٍ يبل الثياب، زاد جمع: أو) يبل (النعل أو البدن، وتوجد معه مشقّة) روى البخاري بإسناده أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم "جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة"، وفعله أبو بكر وعمر وعثمان، و(لا) يباح الجمع لأجل (الظلّ) ولا لمطر خفيف لا يبلّ الثياب على المذهب؛ لعدم المشقة، (و) يجوز الجمع بين العشاءين دون الظهرين (لثلجٍ وبرد)؛ لأنهما في حكم المطر] اهـ.
وأجاز الشافعية في الأظهر الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت الأُوْلَى منهما، وهو قول عند الحنابلة، اختاره أبو الخَطَّاب منهم.
قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 399، ط. المكتب الإسلامي): [يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، بعذر المطر.. وسواء عندنا قويُّ المطر وضعيفه إذا بلَّ الثَّوب] اهـ.
ثُمَّ قال بعد ذلك في "روضة الطالبين" (1/ 399-400): [إِنْ أراد الجمع في وقت الأولى، فشروطه كما تقدمت في جمع السفر، وإن أراد تأخير الأولى إلى الثانية كالسفر: لم يجز على الأظهر الجديد، ويجوز على القديم؛ فإذا جوزناه، قال العراقيون: يصلي الأُوْلَى مع الثانية، سواء اتصل المطر أو انقطع، وقال في "التهذيب": إذا انقطع قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع، ويصلّي الأُوْلَى في آخر وقتها كالمسافر إذا أخَّر بنية الجمع ثم أقام قبل دخول وقت الثانية] اهـ.
ومَنَعَ الحنفية الجمع بين الصلوات تقديمًا أو تأخيرًا في المطر والبرد، وقصروا الجمع على موطنين فقط هما: مزدلفة وعرفة.
قال الإمام الحصكفي في "الدر المختار" (ص: 55، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا جمع بين فرضين في وقت بعذر) سفر ومطر.. (إلَّا لحاجٍّ بعرفة ومزدلفة)] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المطر المغرب والعشاء فی قال الإمام الجمع بین جمع بین فی وقت
إقرأ أيضاً:
المثقف بين الفاعلية والتنظير: مأزق الفعل المؤجل
إبراهيم برسي
هناك لحظةٌ فارقة في مسيرة المثقف، لحظةٌ لا تأتي دفعةً واحدة، بل تتسلل عبر الزمن، عبر الهزائم الصغيرة والانتصارات المؤجلة، عبر الصمت الذي يتراكم حوله، حتى يجد نفسه أمام سؤالٍ لا فكاك منه: هل أنا جزءٌ من الفعل، أم مجرد شاهدٍ على أطلاله؟ هل أنا منتجٌ للمعرفة، أم مُجرّد مستهلكٍ لسردياتٍ لا تغيّر من مواضع السلطة شيئًا؟
إن المثقف ليس مجرد حامل أفكار، بل هو حاملٌ لقلقٍ دائم، لوعيٍ مفتوحٍ على الأسئلة التي لا تنتهي. لكنه، في عالمٍ تحكمه الصورة وتعيد إنتاجه القوة، يجد نفسه في مأزقٍ لا يشبه أزماته القديمة. لم يعُد السؤال هو: كيف نُغيّر العالم؟ بل أصبح: هل لا يزال العالم يقبل بالتغيير أصلًا؟
لقد كتب إدغار موران، وهو أحد أكثر العقول النقدية حدّة في عصرنا، أن: “الفكر الذي لا يربط بين الأشياء لا يرى شيئًا.” هنا تنكشف أزمة المثقف المعاصر: إنه يملك القدرة على تفكيك الظواهر، لكنه يعجز عن إعادة تركيبها، يملك المهارة في تحليل الأنساق، لكنه لا يستطيع صياغة رؤية بديلة. إنه عالق في حالةٍ من “الوعي المتشظي”، حيث يُصبح النقد فعلًا مغلقًا، يُعيد إنتاج نفسه بلا أفقٍ للفعل.
وفي ظل هذه الأزمة، يبدو أن المثقف قد تحوّل من كيانٍ مؤثر إلى شاهدٍ مأزوم، يتنقل بين تأمل الواقع وتحليل انسداداته، لكنه نادرًا ما يتجاوز تلك المرحلة إلى إعادة تشكيله. إنه يعيش في مساحةٍ بينية، حيث المعرفة موجودة، لكن الفعل مؤجلٌ إلى أجلٍ غير معلوم.
لم يكن هذا حال المثقف دائمًا. فقد ظلّ، عبر التاريخ، في موضع المسافة الحرجة بين السلطة والجماهير، بين الأفكار وصُنّاع القرار، بين المعرفة وضرورات الفعل.
في العصور القديمة، كان الفيلسوف هو مرآة المدينة، كما في حالة أفلاطون وأرسطو. أما في العصور الحديثة، فقد أصبح المثقف شاهدًا على ولادة الدول القومية، ومهندسًا للأيديولوجيات التي صنعت العالم الحديث.
لكن أين يقف اليوم؟
غير أن المثقف، في هذا الزمن المُعلّق بين ما بعد الحداثة وما بعد الحقيقة، لم يعد حتى ذلك الفاعل المتردد بين الفكرة والممارسة، بل أصبح ذاته كيانًا مأزومًا، مُستهلكًا داخل دوائر التنظير، مهووسًا بتفكيك كل شيء حتى لم يَعُد يملك شيئًا يقف عليه.
إن ما بعد الحداثة، وهي مشروعٌ هائلٌ من الشك، لم تُنتج سوى تفكيكٍ لا بناء بعده، تفكيرٍ لا ينتهي إلى الفعل، ووعيٍ يتآكل تحت وطأة احتمالاتٍ لا تُحسم.
لقد صار المثقف، في عصر الاستعراض الدائم، كيانًا مفتوحًا للفرجة أكثر منه فاعلًا في التغيير. تحوّل إلى مُحلّلٍ للأحداث لا صانع لها، إلى ناقدٍ مستهلكٍ في محافل الأكاديميا، إلى شاهدٍ يُفكّك السرديات لكنه لا يجرؤ على صناعة سردية بديلة.
لقد تم تدجينه داخل آليات صناعة الرأي، داخل مؤسساتٍ تُعيد إنتاج النقد كسلعة، داخل شبكاتٍ يُصبح فيها الخطاب ذاته جزءًا من السوق، من آليات الامتصاص التي تُفرغ الفكرة من قدرتها على الصدمة.
وهكذا، يبدو المثقف محاصرًا بين خيارين متناقضين: إما أن يصبح جزءًا من المؤسسة، فيفقد استقلاله، أو أن يبقى على الهامش، فيفقد تأثيره.
فالسلطة لم تَعُد تكتفي بإسكات المثقف، بل امتصت دوره، جعلته جزءًا من بنيتها الرمزية، قدّمت له منابر يظن أنها مساحاتٌ حرة، لكنها في الحقيقة ليست سوى غرفٍ مُغلقة، تُعيد تدوير الخطاب في دوائر لا تنتهي.
ولكن، في عصرٍ يختزل كل شيء إلى صورة، إلى جملةٍ قصيرة، إلى رأيٍ عابر على منصةٍ افتراضية، هل لا يزال هناك متسعٌ للعمق؟ هل لا يزال المثقف قادرًا على ممارسة دوره خارج الاستعراض، خارج الشبكات التي تُعيد إنتاج كل شيءٍ في قالبٍ يمكن استهلاكه سريعًا؟
أم أن الفكر النقدي قد أصبح بدوره أسيرًا لهذا التدفق السريع، عاجزًا عن التوقف طويلًا أمام أي شيء؟
إن الفاعلية لا تعني فقط الانخراط المباشر في الصراع، بل تعني أيضًا إعادة تشكيل الخيال السياسي، إعادة إنتاج الأفق الذي يجعل من التغيير ممكنًا.
ولكن، إذا كان المثقف قد تخلى عن هذه المهمة، إذا كان قد انزلق إلى موقع “المُفسّر” لا “المُحرّك”، فمن الذي سيتولى إعادة تشكيل العالم؟
هل ستكون الجماهير وحدها قادرةً على ذلك؟
أم أن الجماهير، التي تستهلك الشعارات بدورها، ليست إلا انعكاسًا لعجز المثقف عن إنتاج رؤيةٍ واضحة؟
إن العالم لا ينتظر المثقف، ولا يتوقف عند تنظيراته. إن لم يُنتج أدواته الخاصة للتفاعل مع الواقع، فإن قوى أخرى ستملأ الفراغ، وستُعيد صياغة المشهد دون أن تأخذ رأيه بالحسبان.
إن المثقف، إن لم يكن فاعلًا، فهو ليس سوى ظلٍّ يتلاشى عند أول اختبارٍ للقوة.
في النهاية، ليس السؤال: هل يجب على المثقف أن يكون فاعلًا؟
بل السؤال الأهم: هل بقي للمثقف شيءٌ ليقوله لم يُستهلك بعد؟
وهل بقي للفكر النقدي قدرةٌ على تجاوز الصدى ليُصبح صرخة؟
أم أن الزمن قد تجاوز المُفكرين ليُصبح لعبةً تُحسم في الشارع، في السوق، في الإعلام، حيث لا مكان لمن يتردّد أو يفكّر طويلًا؟
إن الفارق بين الفاعلية والتنظير لم يَعُد مجرد خيار، بل أصبح معضلةً تخصّ وجود الفكر ذاته:
هل لا يزال الفكر قادرًا على التأثير، أم أن دوره قد انتهى ليُصبح فقط تعقيبًا هامشيًا على الأحداث؟
وهل انتهى زمن الأسئلة العميقة، ليبدأ عصرُ الإجابات السريعة؟
أم أن المثقف، حتى في عجزه، لا يزال يملك قوةً لم تُستنفد بعد، قوة السؤال الذي لم يجد جوابه بعد؟
Sent from Yahoo Mail for iPhone
zoolsaay@yahoo.com