دراسة لحصر وتصنيف مصادر الطين المختلفة فى مصر
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
أعد الفريق البحثى لمشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين برئاسة الدكتور علي عبد العزيز – الاستاذ المساعد بشعبة مصادر المياه والاراضي الصحراوية بمركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، بدراسة وحصر وتصنيف مصادر الطين المختلفة فى مصر وتحليلها لتحديد افضلها علي الاطلاق وترتيب اولويات أستخدامها لاستصلاح الاراضي الصحراوية وذلك لضمان أستدامة المشروع.
و تم تقسيم مصادر الطين فى المشروع الى نوعين : 1- مصادر طين رطبة : وهى تشمل تكريك طمى بحيرة ناصر والأستفادة منه وكذلك نواتج تكريك وتطهير القنوات والترع والمصارف 2- مصادر طين جافة : وهى منتشرة فى الصحارى المصرية بكميات كبيرة جدا.
معوقات أستخدام أهم مصادرالطين الرطبة المتمثلة فى تكريك طمى بحيرة ناصر وأستخدامه فى مشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين :
بحيرة ناصر يبلغ طولها ٥٠٠ كيلو متر طولى ويقع الجزء الاكبر منها داخل الحدود المصرية بحوالى 350 كم وحوالى 150 كم طولى داخل الحدود السودانية كما يلاحظ ان الرواسب الطميية المستهدفة في بحيرة ناصر تبلغ حوالي ٧ مليار متر مكعب ٩٠ % من هذه الكمية تقع داخل الحدود السودانية كما ان اغلب الواسب الطميية تقع أقصى جنوب الأراضى المصرية فى اخر 150 كم بين مصر والسودان والأعلى منها فى اخر 50 كم جميع كميات الرواسب الطميية داخل الأراضى المصرية تقع أسفل منسوب تشغييل السد العالى الأدنى (منسوب 147 م) كما اوضحت دراسات الهيئة الهندسة ان كميات الرواسب الطميية الموجودة داخل الأراضى المصرية والتى منسوبها أعلى من منسوب السد العالى الأدنى لا تتخطى 60 مليون متر مكعب كما ان عمق بحيرة السد 180 م3 وبالتالى ارتفاع التكلفة الأقتصادية لأجراء عمليات التكريك لأستخراج الرواسب الطميية من بحيرة ناصر حيث ان عمق التكريك فيها اضعاف عمليات التكريك فى قناه السويس الجديدة والتى يبلغ عمقها 24م علما بأن الدراسة الأقتصادية التى قمنا بها فى المشروع أثبتت ان عمليات استصلاح الاراضي الصحراوية بأستخدام هذه الرواسب لا يتجاوز ٤٠٠ الف فدان فقط كما ان تكاليف النقل قد تصل الي خمسة اضعاف تكاليف الاستخراج وبالتالى تتوقف جدواها الأقتصادية عند منطقة توشكى فقط ولا يمكن الأستفادة من هذه الرواسب الطميية فى مناطق الأستصلاح الحديثة مثل محافظة الوادى الجديد وهى تمثل حوالى 44% من مساحة مصر أو الأراضى المستصلحة فى شبه جزيرة سيناء وهى تمثل 6% من مساحة مصر اوحتى احد المشروعات التنموية مثل مشروع المليون ونصف فدان او مشروع الدلتا الجديدة كما ان الفريق البحثى للمشروع قام بأخذ حوالى 15عينة من الرواسب الطميية لبحيرة ناصرفى اخر 150 كم فى من الحدود المصرية السودانية (بمعدل عينة /10كم ) وتم تحليلها وتحديد نوع معادن الطين السائدة فيها ونسبة كل معدن الا ان الفريق البحثى توصل الى ان معدن الطين السائد فى هذه العينات هو معدن الكالونيت وهو معدن طين 1:1 ضعيف جدا فى الاحتفاظ بمياه الرى والأسمدة المعدنية عند أضافته الى الأراضى الرملية المستصلحة بهذه الطريقة ويحتاج الى أحقاب جيولوجية ليتحول الى معدن طين المنتومنوريت 1:2 وهو معدن قوى فى مسك مياه الرى والأسمدة الكيميائية كما حدث فى تكوين اراضى الدلتا المصرية الخصبة جيدة الأحتفاظ بالأسمدة بمياه الرى والعناصر الغذائية اللازمة للنبات مما ينعكس على ارتفاع انتاجيتها.
كما أن وجود التماسيح فى بحيرة ناصر يمثل خطرا كبيرا على القائمين بعملية التكريك للرواسب الطميية لبحيرة ناصر حيث بلغت اعدادها حسب الدراسات التى اجريت مؤخرا من 6000 – 30 الف تمساح ويقال انها من احد اهم أسباب أنخفاض انتاجية بحيرة ناصر من الثروة السمكية وقد تم تقديم العديد من المشروعات الجيدة لتنمية بحيرة ناصرومنها الصيد المحدود للتماسيح البالغة فى البحيرة دون الأخلال بالتوازن البيئى وتصدير جلودها ولحومها الى الخارج ويعد هذا المشروع ذو جدوى اقتصادية مرتفعة مقارنة بتكريك الرواسب الطميية لبحيرة ناصر كما يجب الأتجاه نحوالأهتمام بتنمية الثروه السمكية فى البحيرة حيث ان بها حوالى اكثر من 50 نوع من الأسماك والتي انخفضت أنتاجيتها من الأسماك تدريجيا لتصل حاليا الي 25 الف طن سنويا فقط بعدما كانت تبلغ انتاجيتها عند انشاؤها حوالى 50 الف طن/سنويا كما يجب الأهتمام بأقامة المشروعات الأخرى مثل أنشاء السدود الركامية عند مداخل الأخواروالتى قد تقلل مسطح البحيرة بأقل تكاليف ممكنة ومن ثم تقليل فواقد البخروغيرها والذى يمكن معه زيادة الضاغط الهيدروليكى على توربينات السد العالى بنفس حجم المياه المخزنة وبالتالى زيادة معدلات توليد الطاقة الكهرومائية من محطة توليد السد العالى كما سيوفر هذا الحل مساحة من الأراضى تقدر بحوالى 300 الف فدان خلف السدود الركامية يسهل ريها بالراحة حال امتلاء بحيرة السد بالمياه ولكن استصلاح هذه الاراضى سيكون له تأثيرا سلبيا على مياه بحيرة ناصر نتيجة لصرف هذه الأراضى الزراعية على مياه البحيرة كما ان وجود مجتمعات سكانية حول البحيرة يلوث مياها فيجب مراعاة ذلك عند اقامة مثل هذه المشروعات .
وأيضا من الأسباب التى حالت دون استخدام الرواسب الطميية لبحيرة ناصر فى هذا المشروع أن نواتج التكريك من الرواسب الطميية تخرج فى صورة مبتلة فيلزم لنقلها للأراضى الصحراوية المستهدف أستصلاحها ان نقوم بنشرها وتجفيفها اولا لسهولة نقلها وبالتالى سوف يتم تبخير كميات كبيرة من المياه العذبة من هذه الرواسب الطميية أو نقلها كماهى وهذا يحتاج الى كونتينرات ضخمة وبالتالى تكاليف النقل تكون مرتفعة جدا ومن ثم ارتفاع التكلفة الأقتصادية لأستصلاح الفدان بهذه الطريقة.
وللأسباب سالفة الذكرقام الفريق البحثى للمشروع بأستبعاد اهم مصادر الطين الرطبة المتمثلة فى تكريك الرواسب الطميية لبحيرة ناصر لصعوبة أستخرجها وأنعدام جدواها الأقتصادية .
كما قام الفريق البحثى بدراسة المصدرالثانى من مصادرالطين الرطبة وهى أستخدام نواتج تكريك وتطهيرالمصارف والترع والقنوات والرياحات وفصل حبيبات السلت والطين منها وحقنها فى الأراضى الصحراوية المستهدف استصلاحها ولكن حال دون ذلك الممارسات الخاطئة مثل القاء مياه صرف المصانع والصرف الصحى والقاء القمامة والحيوانات النافقة بها ومن المعروف ان الطين يتمتع بسعة تبادلية كاتيونية مرتفعة ومساحة سطح معرض كبيرة جدا علاوة على انه سالب الشحنة مما يجعله يدمص العديد من العناصرالثقيلة على أسطح معادن الطين مما يسبب تلوث الأراضى الصحراوية المستهدف استصلاحها بهذه الطريقة بالعناصرالثقيلة التى تؤثرسلبا على صحة الأنسان والحيوان والأصابة بالأمراض والأوبئة الخطيرة.
وقام الفريق البحثى لمشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين بتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع بعمل خريطة الكترونية لحصروتصنيف ودراسة مصادرالطين الجافة المنتشرة فى الصحارى المصرية وترتيب أولويات أستخدامها في حقن التربة الرملية بها لرفع خصوبتها وتحسين خواصها المائية ولكن الاستصلاح بهذه التقنية لابد أن يكون قائم على دراسة مستفيضة لمصادر الطين الجافة في مصر من حيث أماكن تواجدها بكميات اقتصادية وتحليل خواصها الطبيعية والكيميائية والمنرالوجية وتحديد معدن الطين السائد بها ونسبته ويتم توقيع كل هذه المعلومات لكل منطقة دراسة بإحداثياتها على خريطة إلكترونية يتم تحديثها بشكل دوري عند دراسة منطقة جديدة ويتم ترتيب أولويات إضافة مصادر الطين الجافة المدروسة للظهير الصحراوى القريب من كل منطقة دراسة لتحسين الخواص الطبيعية والكيميائية والمائية للتربة الرملية ورفع خصوبتها و بناءا على هذه الخريطة سيتم تحديد أماكن وضع خطوط الإنتاج لفصل حبيبات السلت والطين في الأماكن المدروسة بحيث تكون قريبة من المناطق المستهدف أستصلاحها بهذه التقنية لتوفيرتكاليف النقل وذلك لضمان استدامة المشروع وجدواه الاقتصادية. لذا تم تقسيم مصر إلى 4 نطاقات (المنطقة الغربية التي تمتد من الضبعة إلى السلوم) - (محافظة الوادى الجديد والواحات) - (شبه جزيرة سيناء وتشمل شمال ووسط وجنوب سيناء) – (المنطقة الجنوبية (صعيد مصر) ويمتد من الجيزة إلى أسوان) من أجل استصلاح الظهير الصحراوى لهذه المناطق الأربع.
كما قام الفريق البحثى لمشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين بتنفيذ المرحلة الثانية من المشروع من خلال أنشاء خط الأنتاج (قادر1) لتكسير وطحن وفصل حبيبات السلت والطين من المصدر ويخدم هذا الخط الأراضى الصحراوية المستهدف أستصلاحها فى نطاق الساحل الشمالى الغربى (من الضبعة وحتى السلوم) وتم وضعه فى مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح بمنطقة القصر ويتم تغذيته بخامات الطين التى تم دراستها فى المنطقة الغربية ويقوم بفصل حبيبات السلت والطين منها تمهيدا لحقنها فى التربة الرملية المستصلحة حديثًا لتحسين خواصها الطبيعية والكيميائية والمائية ومن ثم توفير50 -60% من كميات مياه الري المضافة وتوفير35 – 50% من معدلات الأسمدة الكيميائية وكذلك توفير أكثر من 70% من الأسمدة العضوية المضافة بالأضافة الى زيادة أنتاجية الفدان المنزرع بالمحاصيل الحقلية والخضروالمستصلح بأستخدام هذه التقنية من 15 – 35%. والجدير بالذكر أنه لا توجد تربة طينية تحتوى على نسبة 100% من حبيبات السلت والطين فأخصب أنواع الأراضي الطينية فى مصر لاتزيد نسبة حبيبات السلت والطين فيها عن 50% والباقى رمل وشوائب لذا فأن خطوط فصل حبيبات السلت والطين من المصدرتوفر اكثر من 50% من تكاليف النقل من خلال فصلها لحبيبات السلت والطين وهو المكون الأقتصادى للمشروع وليس الرمل والشوائب.
ثم قام الفريق البحثى بتنفيذ المرحلة الثالثة للمشروع باستخدام تقنية حديثة لمعالجة الأراضي الرملية والرملية الجيرية المتدهورة بالملوحة والقلوية ورفع خصوبتها من خلال حقنها بحيبات السلت والطين المعالج ويحتاج الفدان المحقون كليا من 20 -25 طن فقط من خام السلت والطين المعالج وذلك على حسب قوام التربة الرملية وذلك لعمق حقن 40 – 50 سم وهى منطقة أنتشار الجذورالفعالة للخضر والمحاصيل الحقلية يتم ذلك من خلال معدات مبتكرة خاصة بذلك. كما تحتاج الشجرة من 70 - 100 كجم فقط من خام السلت والطين المعالج وذلك على حسب قوام التربة الرملية وذلك لعمق حقن 1 - 1,5م ويتم ذلك من خلال حاقن خاص بالشجر.
ووجد الأستاذ الدكتور / علي عبد العزيز – رئيس مشروع حقن التربة الرملية بالطين أن خامات الطين الجافة تتوافر بمليارات الأمتار المكعبة فى شتى ربوع الصحارى المصرية مما يحقق الاستدامة لمشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين وتمكنه من التوسع الأفقى فى مشروعات أستصلاح الأراضى الصحراوية الحديثة من خلال مياه الرى التى يتم توفيرها بأستخدام هذه التقنية كما ان تواجد هذه الخامات يفتح آفاق التصديرلتميز هذه الخامات بجودتها العالية مقارنة بالدول الأخري. لذا أوصي بضرورة التوسع في إنشاء خطوط إنتاج للسلت والطين في مختلف المناطق المستهدفة بسعة أنتاجية كبيرة لتحقيق المردود الاقتصادي للمشروع وضمان استدامة المشروعات القومية الزراعية الحالية والمستقبلية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: بحيرة ناصر الرواسب الطين الوادي الجديد تکالیف النقل السد العالى هذه التقنیة بحیرة ناصر میاه الرى من خلال کما ان
إقرأ أيضاً:
ناصر عبدالرحمن يكتب: التواطؤ والعشم.. الشخصية المصرية (15)
من ملامح الشخصية المصرية التعقيد، وامتزاج التناقضات فيها، تجد الألوان تتداخل وتخلق إعجازاً لونياً، هكذا الشخصية المصرية تتعاطى المتناقضات، وتستسيغ المتنافر، وتجذب الحر وتمطر فى الجدب، وتروى السراب وتستحضر الغيابات، لذلك تجمع الرضا بالشكوى والمرونة بالنفاق، والعبقرية بالجهل والأمل بالإحباط.
وهنا نستحضر تفاعلاً جديداً، مزيجاً آخر، وتلويناً بالرمال، وجمعاً بين التواطؤ وبين العشم.
قدَر الشخصية المصرية أن تكون وسط المتناقضات، وسط الأطراف، وبين طمع وغل، بين خيال ووهم، المركّب الحاصل بين التواطؤ وبين العشم، مركّب مصرى بامتياز، تتعايش معه الشخصية المصرية بسلاسة واعتياد.
التواطؤ تفصيلة مصرية قديمة من ملامح الشخصية المصرية القديمة، ظهرت بجلاء وسُجلت فى القرآن، ففى قصة سيدنا «يوسف» تتجلى ملامح الشخصية المصرية، فى صفة قديمة تسمى بالتواطؤ، والتواطؤ هو ما جعل الملوك على مر الأزمان يستفيدون منه، ويجعل حكمهم على الشعب بتغذية التواطؤ بين الناس، ففى قصة سيدنا «يوسف» تأكد الحكم ببراءته، لكن تواطأ الجميع مع زوجة العزيز التى فضحت المدينة كلها بنسائها ورجالها وحكامها بأن أشهدتهم وجه الجمال فى سيدنا يوسف، ليشهد الكل فى تواطؤ علنى بالبراءة، ورغم ذلك يُسجن بالتواطؤ.
التواطؤ جعل الكل يقرأ الخرطوش المزور ويصمت، عندما يمحو ملك إنجاز غيره ويكتب اسمه بدلاً من الملك الذى سبقه فهذا تواطؤ من الكهنة ومن المهندسين ومن الكُتاب ومن كل قارئ للاسم المزور. التواطؤ يتجلى فى حفر قناة السويس بأيدى الفلاحين، يُقتلون فى رمال الحفر، والعمال حول المقتول، تواطؤ بفعل الخوف.
التواطؤ تتوارثه الأجيال على مر الأزمان، وصل إلى المواصلات والأوتوبيسات، وصل داخل الأوتوبيس، حيث يتحرش رجل بامرأة والجميع فى تواطؤ، ليس الخوف وحده من يفرز التواطؤ، بدليل أنه فى كل مكان وزمن وفى كل تفصيلة وحالة، التواطؤ يغلب على الطابع، بسبب رغبته فى العيش، تجد السائق يقود «ميكروباص» وهو يتحرش بمن تجلس جانبه، تجد السائق يدخن المخدر والناس فى سوبيا التواطؤ لأجل وصولهم للموقف.
التواطؤ يجعل الموظف يتواطأ فى وظيفته وهو يعلم أن المدير مع سكرتيرته، التواطؤ يجعل المواطن يدفع ويدفع ويدفع، تواطؤ الناس رغبة منهم للفوز بمرادهم.. تواطؤ الطلبة مع المدرس حتى لا يُنقص درجاتهم، التواطؤ يجعل الدائرة تدور بغضّ النظر عن الثور، الزوجة تتواطأ على زوجها وتتواطأ من أجل بيتها، كل من فى مطبخ المطعم يتواطأ وهو يعلم بأن الطعام فاسد وأن الصلاحية انتهت وأن وأن وأن.
وكأن التواطؤ سمة لازمة، تدير ترس الحياة فى الشخصية المصرية، فى الفن تواطؤ، عندما يصبح النجم صاحب الأمر والنهى وسبب تنفيذ العمل، عندما يصبح من حق النجم أن يغير فى النص ويغير المخرج ويغير حتى ملابس الشخصية، عندما يصبح العمل يبتغى النجم ولا يبتغى المعنى، عندما يصبح النجم بشعره وبالبوتكس وبعمليات التجميل، عندما يصبح النجم فقاعة فارغة مصنوعة، عندما يصبح النجم آخر همه الشخصية، عندما يصبح الفن ينفر من الحقيقة ومن المصداقية، ومن ملامح مجتمعة ومن هموم الناس، عندما يصبح النجم يهوى والناس تصعد به، عندما يصبح الممثل لا يجسد غير رفعة حاجبه.
عندما يُنقش التواطؤ على القلب ويخفق بأعلى صوت: تواطؤ تواطؤ تواطؤ، عندما تأكل وتشرب الشخصية المصرية بالتواطؤ، تقبض مصارفها وتمر أيامها بالتواطؤ، يصبح التواطؤ جبلاً مسيطراً، وهواء يتنفسه الناس ونهراً يروى الشخصية ويطرح بعشم تفاصيل غير مفهومة.
كيف تنسى الشخصية المصرية حادثة فتاة العتبة، التى تواطأ الناس فى صمت وهى تُغتصب؟ كيف تنسى الشخصية المصرية خلع كوبرى أبوالعلا فى التسعينات ودفنه فى طين الشاطئ؟ كيف تنسى الشخصية المصرية هدم ركام الأوبرا المصرية الآثارية فى الثمانينات، وبناء جراج أقل ما يوصف أنه دميم؟ كل ما يحدث بما فيه طمس أسوار القاهرة الفاطمية، وطمس معالمها التاريخية فى الثمانينات؟
كل ما سبق فى كل تفصيلة حياتية يؤكد أن التواطؤ يسكن فى أعماق الشخصية المصرية، ليتجلى العشم، أبوعشم، عشم لم يمت، عشم يتكاثر وينتعش، عشم تفصيلة مصرية صنع تفاصيلها ونقش ملامحها، وأنبت ثمارها الجو العام المصرى، العشم سلاح ودواء الشخصية المصرية، العشم مرض مستوطن فى تلابيب الشخصية المصرية، العشم قديم قديم من قدم الصخر فى أسوان، العشم سلاح الأم المصرية، تتزوج مَن دونها بالعشم، تتزوج مَن لا يصلح لها بالعشم، الفتاة الصغيرة تتعشم بزوج غنى ولو كان عجوزاً، والأم تتعشم بأبنائها الخير وهى غير قادرة على تعليمهم، الزوج يذهب لعمله بالعشم، يُكمل الموظف شهره بالعشم، تُخلق أبواق الأفراح بالعشم، يصنع الأطفال ألعابهم بالأوراق والنوى والكازوز بالعشم، يركب المواصلات بالعشم، يُكمل طريقه بالعشم، يزيد دخله بالعشم، يقفز فوق البرك والمستنقعات ويمسك أسلاك الكهربة، ويستمع إلى خطبة الجمعة ويشاهد مذيع التوك شو بالعشم، حتى فريقه يشجعه بالعشم.
يتحد التواطؤ مع العشم فى أنهما دعاة للأمل، وفى أنهما من مشكاة الوهم، وفى أنهما إرادة وترصد وقصدية، هكذا الوهم يخلق متناقضات، وهكذا الشخصية المصرية تتبنى المستحيلات، بالعشم وحده يبتسم وجه الشخصية المصرية، وبالتواطؤ وحده يؤجل الألم.. اللهم فاشهد.