التشاؤم والتفاؤل بالأرقام والأيام والشهور .. حكمه والحالات التي يجوز فيها
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
ما حكم التشاؤم والتفاؤل بالأرقام والأيام والشهور؟ سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي حيث قالت دار الإفتاء إن التشاؤم هو: حالة نفسيَّة تقوم على اليأس والنَّظر إلى الأمور من الوجهة السَّيِّئة، والاعتقاد أنَّ كلَّ شيء يسير على غير ما يُرام، وهو عكس اليُمْن أو التفاؤل. انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1957، ط.
وأوضحت أن التشاؤم من عادات العرب قديمًا؛ حيث عُرِف عندهم بـ«التَّطيُّر». (النهاية لابن الأثير 3/ 152، ط. دار الكتب العلمية).
يقول الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (14/ 218، ط. دار إحياء التراث العربي): [والتطير: التشاؤم، وأصله الشيء المكروه من قولٍ أو فعلٍ أو مرئي، وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور، فإن أخذت ذات اليمين تَبرَّكوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها، فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم] اهـ.
وقد جاء الإسلام بهدم هذه العادة الجاهلية والتحذير منها؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا عَدْوَى، ولاَ طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الفألُ»، قالوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قال: «كَلِمَةٌ طَّيِّبَةٌ» (متفق عليه).
وروى أبو داود بسنده من حديث عروة بن عامر رضي الله عنه قال: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ».
ومما يدخل في التَّطيُّر المنهي عنه شرعًا: التشاؤم من بعض الأرقام أو الأيام أو الشهور؛ كأن يعتقد المرء بأن رقمًا ما أو يومًا معينًا يوصف بحصول التعب والضغط والصعوبات معه أو أَنَّ التوفيق فيه يكون منعدمًا، ونحو ذلك من خرافات لا أساس لها من الصحة، فيُحْجَم عن قضاء حوائجه أو أي مناسبة في هذا اليوم أو مع حصول هذا الرقم.
ومع ورود النهي الشرعي عن التشاؤم والتطير عمومًا باعتباره عادة جاهلية؛ فقد ورد النهي النبوي عن التشاؤم من بعض الأزمنة والشهور خاصة؛ وذلك كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ». وفي رواية أخرى للبخاري: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَر».
يقول الإمام ابن عبد البر القرطبي في "الاستذكار" (8/ 424، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [وأما قوله "ولا صَفَرَ" فقال: ابن وهب هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقتل الصفار أحدًا. وقال آخرون: هو شهرُ صَفَرَ كانوا يُحلِّونه عامًا ويُحَرِّمونه عامًا، وذكر ابن القاسم عن مالك مثل ذلك] اهـ.
حكم التشاؤم من شهر صفر.. دار الإفتاء تحذر بشدة حكم التشاؤم من صفر والأيام والشهور.. الإفتاء توضحوقال الطيبي في "شرح المشكاة" (9/ 2980، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): ["ولا صفر" قال أبو داود في سننه: قال بقية: سألت محمد بن راشد عنه فقال: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صفر". قال: وسمعت من يقول: هو وجع يأخذ في البطن، يزعمون أنه يعدي. قال أبو داود: قال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفرًا عامًا ويحرمونه عامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صَفَرَ"] اهـ.
وجاء في "شرح سنن ابن ماجه" للسيوطي (ص 259، ط. قديمي كتب خانة): [«قوله: "ولا صَفَر" بفتحتين كانت العرب تزعم أنه حية في البطن واللدغ الذي يجده الإنسان عند الجوع من عضه. وقيل: هو الشهر المعروف كانوا يتشاءمون بدخوله ويزعمون أن فيه يكثر الدواهي والفتن. وقيل: أراد به النسيء فإن أهل الجاهلية يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا ويجعلون المحرم صفرًا ويجعلون صفرًا من أشهر الحرم. قال جل ذكره: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: 37] الآية، فأبطل كل هذه المزعومات ونفاها الشارع] اهـ.
فالتشاؤم بشهر صَفَر الذي هو أحد أشهر السنة الهجرية لزعم أنه شهر يكثر فيه الدواهي والفتن: هو من الأمور التي نهى عنها النص النبوي الشريف.
الحكمة من منع التشاؤم والتطيروالحكمة مِن منع التشاؤم والتطير عمومًا أو بالأزمنة خصوصًا: هو أنَّ في هذا التشاؤم سوء ظن بالله سبحانه وتعالى، وإبطاء الهمم عن العمل، وتشتت القلب بالقلق والأوهام، فيميت في المرء روح الأمل والعمل، ويدبُّ فيه اليأسُ، وتضعف الإرادة والعزيمة لديه، وربما نَزَل بالشخص بسبب هذا التشاؤم المكروه الذي اعتقده بعينه على سبيل العقوبة له على اعتقاده الفاسد.
أما عن التفاؤل ببعض الأرقام أو الأيام: فهو من الأمور الحسنة التي لا مانع منها شرعًا؛ فهي من الفأل المندوب إليه والذي يبعث في النفس الرجاء في عطاء الله عز وجل، وحسن الظن به وتيسيره، فيتجدَّد به أمل الشخص في نجاح مقصوده، ويُقَوِّي عزمه، ويحمله تفاؤله على صدق الاستعانة بالله والتوكل عليه، وهو القائل في الحديث القدسي «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» رواه البخاري، وقد روى أبو داود عروة بن عامر رضي الله عنه قال: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
وعند البيهقي من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما: «مَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الطِّيَرَةِ شَيْءٌ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَة يسْمعهَا أحدكُم» متفق عليه.
يقول الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (14/ 219): [وأما الفأل: فقد فَسَّره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالكلمة الصالحة والحسنة والطيبة. قال العلماء: "يكون الفأل: فيما يسر وفيما يسوء والغالب في السرور] اهـ.
وشددت بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ التشاؤم بالأرقام والأيام وغيرها منهي عنه شرعًا؛ لأن الأمور تجري بقدرة الله تعالى، ولا ارتباط لهذه الأشياء بخير يناله الإنسان أو شرٍّ يصيبه، أما التفاؤل بنحو رقمٍ أو يومٍ معينٍ على وجه من الاستحسان له؛ فلا مانع منه شرعًا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التشاؤم دار الإفتاء التشاؤم في شهر صفر النبی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه حکم التشاؤم التشاؤم من ن التشاؤم ا ال ف أ ل أبو داود
إقرأ أيضاً:
حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم.. الإفتاء توضح
قالت دار الإفتاء المصرية لا يوجد مانع شرعًا من تهنئة غير المسلمين في أعيادهم ومناسباتهم، وليس في ذلك خروج عن الدين كما يدَّعي بعض المتشددين غير العارفين بتكامل النصوص الشرعية ومراعاة سياقاتها وأنها كالجملة الواحدة.
وقد قَبِلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدية من غير المسلمين، وزار مرضاهم، وعاملهم، واستعان بهم في سلمه وحربه حيث لم يرَ منهم كيدًا، كل ذلك في ضوء تسامح المسلمين مع مخالفيهم في الاعتقاد، ولم يفرق المولى عز وجل بين من المسلم وغير المسلم في المجاملة وإلقاء التحية وردها؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]، والتهنئة في الأعياد والمناسبات ما هي إلا نوع من التحية.
أما ما استشهد به هؤلاء من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72] على عدم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم من نصارى ويهود: فإنما هي نظرة قاصرة للنص القرآني؛ حيث لم يرد ذلك صريحًا في الآية، بل هو اجتهاد في تفسيرها، وقد نقل فيه عدة آراء، فما بالهم يأخذون منها ما يوافق أهواءهم ويكفرون بغيرها.
شمولية الرسالات الإسلامية وتكاملها فيما بينها
وأوضحت الإفتاء أن الله تعالى خلق الإنسان على اختلاف ملله وأشكاله وأجناسه من أبٍ واحد وأم واحدة «إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ»، كما جاء في "مسند الإمام أحمد" في خطبة الوداع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟» قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم.
ولم يفرق المولى عز وجل في الخلق ولا في الرزق بين مسلم وغير مسلم.
ولقد جاءت الرسالات السماوية من لدن آدم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكلُّها يكمل بعضها بعضًا؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ»، قَالَ: «فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ» رواه البخاري.
كما أن الرسالات السماوية كلها تدعو إلى هدف واحد، وهو توحيد الله وعبادته، وترجو نتيجة واحدة هي الفوز بالجنة في الدار الآخرة، وإن اختلفوا في الأسلوب والطريقة الموصلة إلى ذلك.
تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم
ومن المقرر شرعًا أن الإسلام لم يمنعنا من مجالسة أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن؛ فقال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: 46]، وأن نأكل من طعامهم وشرابهم، بل أكثر من ذلك أباح لنا الزواج منهم؛ فقال تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: 5].
والزواج كما هو مقرر شرعًا ما هو إلا مودة ورحمة؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، ومن غير المعقول أن يتزوج المسلم بامرأة من أهل الكتاب، ويطلب عندها المودة والرحمة، وتهنئه في عيده ولا يرد التهنئة في عيدها، ألم يكن ذلك مخالفة صريحة لنص القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]، حيث إنه لم يفرق بين من يلقي التحية مسلم أو غير مسلم، والتهنئة في الأعياد ما هي إلا نوع من التحية.
ولقد أوصانا الإسلام بالجار خيرًا سواء أكان مسلمًا أم غير مسلم؛ فلقد ورد عن مجاهد أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ذُبِحَتْ له شاة في أهله، فلما جاء قال: أَهْدَيْتُم لجارنا اليهودي؟ أَهْدَيْتُم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، ولقد أكدت السنة النبوية الإحسان بالجار وعدم التطاول عليه وإيذائه؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «من آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الخطيب البغدادي، وفي حديث آخر: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود في "سننه".