بقلم / عصام مريسي
توقفت عقارب الساعة عند الساعة السابعة عندما حضر الرئيس مقر الدولة الذي يجتمع فيه أعضاء الدولة فلم يجد أحد فغادر المكان عائدا إلى قصر الرئاسة وماهي الا لحظات حتى يرن جرس الهاتف يسرع الحارس الشخصي له الذي كان مازال واقف على بوابة غرفة الاستقبال الخارجي للقصر إلى رفع السماعة ..
الوه .. اهلا وسهلا .
يستمع للإجابة وهو في حال من الاستغراب من الطلب..
معك سكرتير مكتب اللجنة الرئاسية ..تغير موعد الاجتماع إلى الساعة التاسعة
كان الرئيس قد خلع ملابسه وارتدى أزاره الذي اعتاد النوم فيه وهو متكىء على قاعدة سريره يسأل الحارس..
من المتكلم
يجيبه حارسه الشخصي وكانت قد نزلت طفلته ابنة العاشرة الذي اعتادت أن تخبره بمسيرة يومها في المدرسة فيدعوها للدخول والدنو من مجلسه ..
اقتربي حبيبة ابيك
من مقدمة الغرفة يتردد صوت الحارس..
اتصل سكرتير المكتب يؤجل موعد الاجتماع إلى التاسعة
يجيب الرئيس بسخرية..
انهم يعبثون .. لا ادري ماذا يريدون . واي لعبة يدبرون.
يجلس الرئيس يداعب ابنته يناقشها في تفصيل سير يومها وهي تجيب وتشرح بتلقائية وهي مستلقية في فراش والدها تضع راسها على حجره حتى تغوص في نومها مطمئنة . يضعها على فراشها يحاول أن ينام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال لكن هناك شيء يؤرقه يسلب النوم من عينيه ينظر إلى عقارب ساعة الحائط فإذا بها تشير إلى الثانية عشر ينهض من الفراش يقف بجانب النافذة كل شيء ساكن لكن هناك في الأفق اضطراب اعصار يحتدم خلف ستار ظلام الليل
تقف سيارة أمام بوابة القصر يترجل منها وفد بقيادة وزير الدفاع يقرع على بوابة القصر يطلب السائق من قائد حرس القصر..
السيد وزير الدفاع مع الوفد الوزاري يطلب مقابلة الرئيس..
بحنكة يجيب..
سابلغ الرئيس واوافيكم بالرد
يسرع متجها إلى الغرفة التي ما زال سيادة الرئيس مستلقيا والى جانبه ابنته..
سيدي .. القوم يدبرون أمر وما حضروا الا لكسب الوقت.
يجيب الرئيس..لا تقلق .. اعلم ما حضروا من أجله انهم يريدون الكرسي وسوف أتنازل لهم عنه
يقطع الحارس حديث الرئيس محاولا التنبيه..
لكنهم لن يكتفوا بهذا . منهم من يشتاظ غضبا يريد الانتقام لاجراءات سابقة اتخذتموها سيادتكم.
الرئيس يطمئن الحارس..
كل ما قمت بها من إجراءات كانت لمصلحة البلد واي تغير كنت ابحث عن الانسب
بصمت وابتسامات باهتة تتبادل التحايا . يجلس القوم ويدار نقاش عبثي بين الحاضرين عن حادثة اغتيال رئيس دولة الجوار .. بهدوء يدفع الرئيس تهمة التدبير للحادث..
تعلمون جميعا اني لم أكن لاخطو مثل هذه الخطوة واني أكثر من يريد تحقيق وحدة الأرض وإعادة لم الشمل .. وتعلمون أن الموفود ليس اختياري بل هو اختيار وزير الداخلية وأكثر المقربين إليه
ينهض وزير الداخلية والغضب يرتسم على ملامحه ..
انت الان تضع التهمة على كاهلي.. تريد أن تتملص من العقاب
مازال الرئيس يمسك برباط جأشه وهو يواصل الحوار..
تريدون الكرسي .. أنا من هذه اللحظة أتنازل عن الرئاسة واضعها لكم
وزير الدفاع يحاول الظهور بمظهر المصلح وان اهداف الوفد غير الذي فهمه الرئيس..
ما جئنا لهذا .. جئنا للبحث عن مخرج حتى لاتنشب الحرب مع دولة الجوار
يقف الرئيس بثقة محاولا إنهاء اللقاء ويلقي بكلماته الفيصل في الموضوع..
استقالتي سترضي حكومة وشعب الجوار وسترضيكم غدا ساعلن الاستقالة في وسائل الاعلام
غادر الوفد وما هي الا لحظات تنقطع الكهرباء عن محيط القصر الرئاسي وانقطع إمدادات المياه وخطوط الهاتف
هذه الليلة ليست ككل ليلة سكوتها يبعث على الخوف والقلق أنه السكون الذي يسبق العاصفة يعاود الجلوس بالقرب من مكتبه يقلب في بعض الملفات يدقق النظر في بقايا الصحيفة المتواجدة فوق مكتبه يبرز إلى عينيه خبر اغتيال رئيس دولة الجوار الشقيقة بالحقيبة الملغمة بالديناميت التي تسلمها من المبعوث الذي أرسله يعاود ترتيب أفكاره ويتساءل مع نفسه..
من ارسل الحقيبة وغير محتواها
يقطع السكون دوي طلقات من مسدس أطلق في الفضاء ليتبعه دوي الرشاشات والمدافع والصواريخ القادمة من اتجاه الميناء القريب من الحي الرئاسي حتى يصبح القصر هدف لطلبات المدافع القادمة من أكثر من اتجاه .يستنفر الرئيس كل القادة القريبين منه يأمر قائد حراسه بضرورة الخروج بزوجته وأولاده باتجاه قريته في المحافظة القريبة من دار الرئاسة ويتجه مع باقي القادة والجنود لتقصي الأمر والدفاع عن القصر.
من خارج الباب يلقي الحارس التحية..
مساء الخير.. كلفني الرئيس مرافتكم إلى خارج القصر باتجاه منزلكم في القرية
تجيب السيدة زوجة الرئيس بصوت مرتجف ..
لن نترك القصر . ونترك الرئيس
يجيب الحارس..
لكنها تعليمات الرئيس . خالتي إن لم تستجيبي لتنفيذ الأوامر .. ساضطر إلى التنفيذ القهري
ترد بصوتها الأموي على الحارس الذي تربطه بها صلة رحم فهي خالته.
هكذا يجيب الولد على أمه
يجيب الحارس وقد علاه الخجل وهو يبرر..
انها المصلحة والأوامر يا خالة.. ارجوك اسرعي فالأمر خطير جهزي الاولاد ستتحرك مع سيارة الإمداد وسيارة جرف القمامة وسنتفرق بين السيارتين ونخرج في هئية عمال النظافة حتى نغادر الحي الرئاسي ونغادر العاصمة.
تستجيب وتجهز أطفالها ويغاذرون الحي الرئاسي والمدينة باتجاه القرية
يغرق الحي بالظلام الدامس ويشتد الحصار والرئيس ورفاقه يغادرون القصر باتجاه القصر الرئاسي الآخر الأكثر امنا وتحصينا بعد أن أصبح مكانهم مكشوف تتجه صوبه كل القوى التي دبرت المؤامرة للانقضاض على الرئيس
قتلى هنا وهناك على قارعة الطريق ودهاليز الحي الرئاسي وسكان الحي من المدنين تسلل الخوف والرعب إلى نفوسهم قبل منازلهم يحاول الكثير منهم ترك الحي والنزوح نحو الأحياء المجاورة
المنطقة أصبحت في مرمى اهداف الزمرة المتأمر . مدير تدبير القصر الذي يقع بيته بالقرب من القصر يجمع أطفاله ويحاول الفرار بعد اشتداد القصف من بعيد ينطلق صوت يسمع صداه..
أنه طباخ القصر وجهوا إليه النار . ربما يحاول تدبير الفرار بالخائن
تتجه طلقات الرشاشات نحوه وصغار فيسقط صريعا أمام أنظار صغاره الذين أصابهم الهلع حتى اجهشوا بالبكاء وهم يتمسحون بجثمان والدهم.
من قريب يسمع ذوي الاصوات..
اخرجوهم .. انقضوا على الغزاة
يتعجب الرفاق المحيطين بالرئيس من تلك العبارات يحاول الرئيس التوضيح لهم..
الجنود مظللون اخبروهم أن القصر تعرض للهجوم والغزو الخارجي عن طريق الإنزال والا لما اشتركوا في الهجوم.
خيم الظلام وليس سوى اصوات الرشاشات ودوي المدافع والوان المرفقات النارية يقطع السكون وليس رائحة الا رائحة الدم وشبح الموت يخيم على الحي الرئاسي والمناطق المحيطة به التي هبت إليها رائحة الموت والقتل.
مازال الرئيس ورفاقه والوحدات العسكرية الموالية له يدافعون عن القصر الذي أصبح يمثل الوطن وانتصار إرادة الشعب المؤيدة للرئيس وخطواته في إدارة البلد لكن الذخيرة أوشكت على الانتهاء والخصوم قد سيطروا على مخازن السلاح وأحاطوا بالمنطقة وازداد فيضان الدماء في التدفق فقرر الرئيس الاستسلام لكن المرافقون يحاولون منعه..
سيادة الرئيس لن يقبلوا بهذا القرار وان تظاهروا بالقبول فسينغضون عهودهم انهم موثورون يريدون الانتقام لا غير.
برباط جأش كعادته يخبر أصحابه..
هذا هو الرأي .لإيقاف نزيف الدم ولعل فيهم رجل رشيد يعي مصلحة الوطن.
وعبر مكبرات الصوت بصوته الجهوري المتماسك الذي طالما كان صواعق تنزل بخصومه ومعارضيه..
حقنا للدماء نعلن الاستسلام
يأتي رد الخصوم الذي كان واضحا عدم قبولهم لاي تنازلات بل هم يريدون النهاية المأساوية الدموية الذي اعتادوا عليها في حل الخلافات..
عليك أن تترجل عبر خنادق أنابيب الصرف الصحي انت ومرافقيك من القادة حتى تصلوا إلى سور الوزارة يحاول الرئيس كتابة رسالة إلى وزير الدفاع عله كان أكثر الخصوم اعتدال يعلن فيه تنحيه عن كرسي الرئاسة وطلب المغادرة خارج البلاد.
في هذا التوقيت العصيب كانت زوجته وأولاده قد وصلوا نحو قريتهم تدخل مسرعة نحو المنزل تفتح المذياع علها تسمع اخبار تطمئنها ومن حولها الاطفال قد تسرب الخوف البادي عليها إلى نفوسهم ..
امي .. كيف هو ابي
تحاول طمأنتهم وإزالة الخوف الذي قد تسلل إلى نفوسهم..
هو بخير .. لا تقلقوا
يجتمع كثير من رجال القرية والمقربون من الرئيس والمحبين له أمام منزله في القرية ليستعلموا الخبر وسرعان ما يتجهز ون للانطلاق نحو العاصمة للمساندة لكنها تمنعهم وهي تحاول حبس دموعها تحت اجفانها..
إرادة الرئيس أن لا يتحول النزاع إلى حرب قبلية فلا يغادر أحد بيته.. التزموا اماكنكم.
ترتفع الاصوات ومن بينها صوت متعصب..
لن نترك الرئيس وحده تنال منه القوى الغاشمة .. نحن قبائل وليس من شيمنا التخلي عن اهلنا.
على غير عادتها ترفع صوتها..
هذا ما لم يرده الرئيس فقد أوصاني .أن لا يترك أحد مكانه
كان الرئس قد وصل نحو سور وزارة الدفاع ومعه مرافقيه وهم عزل من السلاح حتى وصلوا إلى حيث كان يقف مجموعة من المتمردين .يقدم الرئيس الرسالة التي كتبها على ورقة السيجارة وطلب منهم إيصالها إلى وزير الدفاع . فيجيب أحد المتمردين الموثورين ..
انت اليوم ليس لك الأمر .
بكبر وتعنت يمزق الرسالة ويوجه السلاح وهو في حالة نشوة هستيرية ضاحكا باصوات متقطعة متحشرجة ..
عشر سنوات تاكلها باردة.
ترتفع قهقرته الساخرة حتى ينكب على ركبتيه في وضع انحناء أمام الرئيس وما زال الرئيس واقفا بثبات وهو يحاول وعظه ..
بتصرفك هذا تقود البلاد نحو الهاوية وزعزعة الأمور.
يرتفع وعينيه الغادرة تتحاشى أن تقع في عيني الرئيس وهو ما زال يصدر فرقعات ضحكات هستيرية ..
قل انك خائف ..
يضحك .. ها ..ها
حتى يقع على ركبتيه مرة أخرى ورأسه منكسا نحو الأرض ..
اليوم ستاكلها حامية
بالقرب من سور الوزارة ومن إحدى الشرفات للمنازل القريبة من السور الواقعة على التلال القريبة كان هناك من يرقب الموقف ويسمع صدى الحوار فيهمس في اذن زوجته..
وبال هذا الموقف سيمتد لسنوات وسيصيب البلاد بالشر والحسرة .
تهمس الزوجة في اذن زوجها..
دعنا ندخل حتى لا يرانا أحد فيطالنا الانتقام وقبل أن يغادر الزوجان شرفة منزلهما يسمع دوي طلقات السلاح الالي
الموجه نحو الرئيس ومرافقيه وهو يوجه كلمات متقطعة لقاتله..
ستنال جزاء خيانتك بنفس الطريقة وستتحمل عبىء ما يحل بالبلد من الويلات.
يسقط الرئيس ورفيقيه غارقين في دماؤهم ويؤمر بحفىر خندق لموارة الجثامين والتخلص من وزر الخيانة والغدر
وترتفع الغربان تحلق في فضاء المدينة تنعق وبال الخيانة ليخيم على المدينة الحزن والسواد وتذرف العيون دموع الحزن على الرئيس المغذور وتدخل المدينة حداد غير معلن
قصة قصيرة
عصام مريسي
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: وزیر الدفاع
إقرأ أيضاً:
تفاصيل جديدة عن الأيام الأخيرة للأسد في سوريا
بينما كان المتمردون يتقدمون في 7 ديسمبر (كانون الأول) نحو العاصمة السورية دمشق، كان الموظفون في القصر الرئاسي على قمة التل يستعدون لخطاب يأملون أن يؤدي إلى نهاية سلمية للحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً.
توسل الأسد مساعدة عسكرية أجنبية من روسيا وإيران والعراق.
وتنقل صحيفة "نيويورك تايمز" عن ثلاثة شاركوا في ترتيبات الساعات الأخيرة للأسد في دمشق أن مساعدي الرئيس بشار الأسد كانوا يتبادلون الأفكار حول الرسائل، ونصب فريق تصوير كاميرات وأضواء في مكان قريب. وكانت قناة التلفزيون السورية الحكومية مستعدة لبث خطاب للأسد يعلن فيه خطة تقاسم السلطة مع المعارضة السياسية.
ووفقا لأحد المطلعين على القصر الرئاسي، مكتبه قرب مكتب الرئيس، فإن الأسد لم يظهر أي شعور بالانزعاج بين موظفيه، وذلك من خلال عمله من القصر.
سافر سراً
وقال المصدر المطلع إن دفاعات العاصمة تعززت، بما في ذلك من قبل الفرقة الرابعة المدرعة القوية في الجيش السوري، بقيادة شقيق الرئيس ماهر الأسد. ولكنهم خُدِعوا جميعاً.
بعد الغسق، تسلل الرئيس خارج العاصمة، وسافر سراً إلى قاعدة عسكرية روسية في شمال سوريا ثم على متن طائرة روسية إلى موسكو، وفقًا لستة مسؤولين حكوميين وأمنيين من الشرق الأوسط.
وفر ماهر الأسد بشكل منفصل في ذلك المساء مع ضباط عسكريين كبار آخرين عبر الصحراء إلى العراق، وفق مسؤولين عراقيين. ولا يزال مكانه الحالي مجهولاً.
غادر بشار الأسد بلاده بسرية شديدة لدرجة أن بعض مساعديه ظلوا في القصر بعد ساعات من مغادرته، في انتظار خطاب لم يأت أبداً، وفق المصدر المطلع. وبعد منتصف الليل، وردت أنباء تفيد بأن الرئيس رحل، ففروا في ذعر، تاركين أبواب القصر مفتوحة على مصراعيها للمتمردين الذين اقتحموه بعد ذلك ببضع ساعات.
أدى سقوط الأسد إلى إنهاء مفاجئ لقبضة عائلته التي استمرت 50 عاماً على سوريا، ما تسبب في ابتهاج ضحاياه وأعدائه، وخلط الخريطة الاستراتيجية للشرق الأوسط ووضع سوريا على مسار جديد غير مؤكد.
Assad left without so much as a whisper to the people who had pledged fealty to him for decades. He didn’t even bother warning relatives, including cousins, siblings, nieces & nephews, who were left to fend for themselves as the rebels marched on Damascus: https://t.co/jSknaaOMlA
— Raya Jalabi | رايه الجلبي (@rayajalabi) December 21, 2024
خلال أيامه الأخيرة في السلطة، توسل الأسد مساعدة عسكرية أجنبية من روسيا، وإيران، والعراق دون جدوى حيث وثقت أجهزة الاستخبارات العسكرية لجيشه انهيار قواته، وفقًا لتقارير سرية استعرضتها صحيفة "نيويورك تايمز".
تجنيب دمشق معركة
سعى دبلوماسيون من أكثر من ستة بلدان إلى إيجاد طرق لإخراجه من السلطة سلماً لتجنيب مدينة دمشق القديمة معركة دامية، وفق أربعة مسؤولين إقليميين شاركوا في المحادثات. وأوضح أحد المسؤولين أن أحد المقترحات كان أن يسلم السلطة إلى قائد عسكري، ما يعني فعلياً انقلاباً.
وتستند رواية سقوط الأسد، والتي لم يعرف الكثير عنها سابقًا، إلى مقابلات مع مسؤولين سوريين وإيرانيين وعراقيين وأتراك، ودبلوماسيين مقيمين في دمشق، بالإضافة إلى شركاء للرئيس المخلوع والمتمردين الذين شاركوا في الإطاحة به. وتحدث عدد منهم شرط حجب هوياتهم، مشيرين إلى البروتوكولات الدبلوماسية أو الخوف من الانتقام من بقايا النظام السابق، أو من المتمردين الذين أطاحوا به.
ويحرس المتمردون القصر الرئاسي، ونهب لصوص منزل الأسد بالكامل. والسوريون الذين ظلوا موالين له خلال سنوات الحرب الأهلية غاضبون لأنه غادر دون أن يقول كلمة، وتركهم لمصيرهم.
قال المطلع على القصر، الذي نجا بصعوبة قبل وصول المتمردين: "من أجل سلامتك الشخصية، ضحيت بكل شعبك؟".
ويحاول الرجل التعامل مع هروب الأسد المفاجئ، مختبئًا من سادة سوريا الجدد بعيدًا عن دمشق. وقال: "إنها خيانة لا أستطيع تصديقها".
في أواخر نوفمبر(تشرين الثاني) عندما شن المتمردون من شمال غرب سوريا هجوماً لصد قوات الأسد، كان الرئيس بعيداً في مناسبة عائلية سعيدة. كان ابنه الأكبر، حافظ الأسد، يقدم أطروحته للدكتوراه في جامعة موسكو الحكومية.
في قاعة ضخمة مغطاة بالألواح الخشبية على تلة تطل على العاصمة الروسية، اجتمعت زوجة الأسد، أسماء الأسد، مع جدين لحافظ.
ليس عنوان أطروحة الدكتوراه في 98 صفحة "الأسئلة الحسابية لمتعددات الحدود في حقول الأعداد الجبرية" شعبياً، لكنها حملت إهداءً فريدًا "إلى شهداء الجيش العربي السوري، الذين لولا تضحياتهم غير الأنانية لما كان أحد منا موجوداً".
أطروحة حافظ
كان بشار الأسد في موسكو أيضاً، رغم أنه لم يحضر أطروحة ابنه. في الوطن، كان الجيش الذي أشاد به ابنه باعتباره بطلاً ينهار أمام تقدم المتمردين. طيلة 13 عاماً، خاض الأسد حرباً أهلية وحشية ضد الجماعات المسلحة التي تسعى إلى الإطاحة به. ودمر الصراع البلاد، وقتل أكثر من نصف مليون شخص وخلف ملايين اللاجئين. ودعمت إيران وحليفها حزب الله قواته، وأرسلت روسيا طائرات مقاتلة دمرت غاراتها الجوية مناطق المتمردين.
في 2020 تقريباً، بدا أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود. لقد دمر اقتصاد سوريا، وخرجت أجزاء كبيرة من أراضيها عن سيطرة الأسد. ومع ذلك، ظل في السلطة وكان يعمل مؤخرًا على الخروج من عزلته الدولية.
يتذكر أحد المطلعين على القصر، الذي عمل في نفس الردهة من منزل الأسد لسنوات عديدة "كانت الحياة طبيعية، وكان الجميع يتطلع إلى المستقبل".
في 30 نوفمبر(تشرين الثاني)، استولى تحالف متمردين بقيادة هيئة تحرير الشام، على مدينة حلب الشمالية، وهي مركز اقتصادي رئيسي، ما أثار صدمة في كامل الشرق الأوسط. وهرع الأسد إلى دمشق ووجد موظفيه غير مرتاحين، كما يتذكر أحد المطلعين على القصر، رغم أن لا أحد يعتقد أن العاصمة معرضة للخطر.
وإدراكًا منه أن جيشه تعرض للهزيمة بسبب سنوات من المعارك، سعى الأسد إلى طلب المساعدة من القوى الأجنبية التي ساعدته من قبل.
في طهران، عقد كبار القادة في الحرس الثوري، اجتماعات طارئة لاستكشاف سبل مساعدة الأسد، وفقًا لثلاثة مسؤولين إيرانيين، بينهم عضوان في الحرس الثوري. بعد يومين من سقوط حلب، سافر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى هناك، مؤكدًا علناً أن دمشق مستقرة. وصورته كاميرات التلفزيون يتظاهر بالتقاط الصور مع عائلات في الشارع ويتناول الطعام في مطعم شاورما شهير. وتعهد لوسائل الإعلام الإيرانية بأن تقف إيران مع الأسد حتى النهاية.
Deception and Betrayal: Inside the Final Days of the Assad Regime. Read our detailed tale of Assad's last days, the panic in Iran and Russia and the behind scenes shenanigans that finally led to him fleeing at night. w/ @NYTBen @cegoldbaum @hwaida_saad https://t.co/WOCtDmZCqu
— Farnaz Fassihi (@farnazfassihi) December 21, 2024
ولكن خيارات إيران كانت محدودة. لقد قدمت إيران طيلة الحرب السورية مساعدات عسكرية كبيرة لمساعدة الأسد، حيث أرسلت قادتها ومقاتليها من الحرس الثوري، فضلاً عن قوات كوماندوز من حزب الله، ومقاتلين من العديد من البلدان الأخرى.
لكن حزب الله كان قد خرج للتو من حربه ضد إسرائيل، وقد أصيب بأضرار بالغة. وقتلت إسرائيل أو جرحت الآلاف من مقاتليه، ودمرت العديد من ذخائره وقتلت معظم كبار قادته. كما هددت إسرائيل الطائرات الإيرانية المتجهة إلى سوريا وأي تعبئة للقوات البرية هناك، الأمر الذي لم يترك لإيران أي وسيلة عملية لدعم الأسد.
وقال عراقجي لوسائل الإعلام الرسمية إنه وجد الأسد مرتبكاً وغاضباً لأن جيشه فشل في الاحتفاظ بحلب، قائلاً إن الرئيس السوري "لم تكن لديه قراءة دقيقة للوضع". وأخبره الأسد على انفراد، وفق لسؤولين إيرانيين، بأن جنرالاته وصفوا انسحاب قواته بخطوة تكتيكية لتعزيز دفاع دمشق.
وكان البطل الرئيسي الآخر للأسد هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي هرع لإنقاذ الأسد أثناء الحرب السورية في 2015، وحاول التوسط في المصالحة بين الأسد والمعارضة.
في الأيام الأولى من تقدم المتمردين بعد سقوط حلب، شعر الأسد ببرودة مفاجئة في علاقته بالسيد بوتين، وقال أحد المقربين من القصر ومسؤول تركي: "توقف الزعيم الروسي عن تلقي مكالماته".
لا خطة للقتالبعد الاستيلاء على حلب، واصل المتمردون التقدم جنوباً واستولوا على معقل الأسد في حماة، في صدمة مفاجئة أخرى للنظام.
كشف زحف المتمردين السريع العفن العميق داخل جيش السيد الأسد. لقد أدت الضائقة الاقتصادية والعقوبات العقابية إلى إنهاك العملة السورية، ما أدى إلى خفض رواتب الجنود إلى أقل من 30 دولاراً في الشهر. قُتل الكثيرون لدرجة أن الجيش اعتمد بشكل كبير على المجندين، الذين كانوا يتغذون بشكل سيئ، ومجهزين بمعدات قديمة.
كان المتمردون أيضاً يحملون أسلحة خفيفة في الغالب. لكن لديهم ميزة كبيرة واحدة، وهي الطائرات دون طيار، التي استخدموها لضرب مراكز القيادة، وتشتيت جنود النظام. وصفت تقارير الاستخبارات العسكرية السورية، التي راجعتها صحيفة تايمز، هجمات الطائرات دون طيار بلا هوادة في جميع أنحاء البلاد والتي لم يكن لدى قوات الأسد أي وسيلة لمواجهتها. وذكر أحد التقارير أن العديد من الطائرات انطلق من حقل في محافظة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون في الشمال الغربي، بجوار مستودع يضم ما لا يقل عن 200 منها.
وفي طهران، أبلغ القادة العسكريون المرشد الأعلى علي خامنئي بأن المتمردين يتقدمون بسرعة أكبر من أن تتمكن إيران من مساعدتهم، وفقاً لأربعة مسؤولين إيرانيين.
وأرسل خامنئي مستشاره الكبير علي لاريجاني في رحلة سرية إلى دمشق لمطالبة الأسد بكسب الوقت من خلال الوعد بإصلاحات سياسية وتشكيل حكومة جديدة تضم أعضاء من المعارضة، وفق أربعة مسؤولين إيرانيين. كما ناقش لاريجاني موضوع الانشقاق، وأثار احتمال تدخل طهران أو موسكو.
وبعد أن أدرك الأسد أن روسيا لن تنقذه وأن إيران لن تستطيع ذلك، أرسل وزير خارجيته إلى بغداد. وأخبر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأن سقوط الأسد من شأنه أن يعرض العراق للخطر، وفق ثلاثة مسؤولين إقليميين على دراية بالمحادثات. وناشد الدعم العسكري العراقي، لكن كبار قادة البلاد،ـ رئيس الوزراء، والرئيس، ورئيس البرلمان، رفضوا جميعاً.
ودعا المسؤولون الإيرانيون علناً إلى حل دبلوماسي. ولكن المسؤولين في طهران خلصوا إلى أن الأسد لن ينجو، وفق ستة مسؤولين إيرانيين، وبدأت إيران سحب موظفيها الدبلوماسيين والعسكريين من دمشق بهدوء.