فتاوى تشغل الأذهان | حقيقة فناء النار بأهلها .. حكم زواج الرجل بشقيقة زوجته بعد رحيلها.. وهل تقبل الصلاة بالوشم القديم الذي تتعذر إزالته؟
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
فتاوى تشغل الأذهانهل النار تفنى بأهلها؟حكم زواج الرجل بشقيقة زوجته بعد رحيلهاهل تقبل الصلاة بالوشم القديم الذي تتعذر إزالته؟
نشر موقع صدى البلد، خلال الساعات الماضية، عددا من الفتاوى الدينية المهمة التي تشغل الأذهان وتهم المسلم في حياته اليومية، نرصد أبرزها في التقرير التالي:
في البداية.. قالت دار الإفتاء إن هناك نصوص شرعية دلت صراحة على خلود النار أو خلود أهلها فيها، والتي تبلغ (37) آية من القرآن الكريم، وهذا بخلاف الآيات التي في معنى الخلود أو تفيده؛ كقوله تعالى: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ [البقرة: 86] وغيرها من الآيات الكريمة كثير في هذا المعنى جدًا، كما أن الآيات الدالة على خلود أهل الجنة بلغت نحو أربعين آية.
وشددت على هذه الكثرة من الآيات المثبتة لبقاء النار وخلود أهلها فيها؛ لأن هذا الحد البالغ من الكثرة -كما يقول شيخ الإسلام التقي السبكي-: يمنع من احتمال التأويل، ويوجب القطع بذلك، كما أن الآيات الدالة على البعث الجسماني لكثرتها يمتنع تأويلها، ومن أولها حكمنا بكفره بمقتضى العلم جملة، وإن كنت لا أطلق لساني بتكفير أحد معين. اهـ. "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" (ص: 46 بتصرف، طبعة خاصة بالمحقق الدكتور طه دسوقي حبيشي).
وقد ورد من السنة ما يدل على خلود الكفار في النار، منها حديث أنس رضي الله عنه -المتفق عليه- الذي روي في شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ»، وكان قتادة يقول عند هذا: أي: وجب عليه الخلود، مبينة أن الحديث فيه دلالة على أن من أهل النار من يخلد في النار، وهم الذين قد أخبر القرآن بأنهم خالدون في النار؛ كما في قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الجن: 23].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ».
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني (11/ 421، ط. دار المعرفة): [قال القرطبي: وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة؛ كما قال تعالى: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: 36]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾ [السجدة: 20]، قال: فمن زعم أنهم يخرجون منها، وأنها تبقى خالية، أو أنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة] اهـ.
كما قالت الإفتاء، إنه يَحِلُّ لهذا الرجل أن يتزوج أخت زوجته المتوفاة بلا انتظارِ مدةٍ؛ فقد جاء في "الحامدية": رجلٌ ماتت زوجته المدخول بها، ولها أخت؛ فهل له تزوج أختها بعد موتها بيوم؟ الجواب: نعم، كما جاء في "الخلاصة" عن الأصل للإمام محمد.
كما أوضحت الإفتاء أن العدة تكون من جانب المرأة وليست من جانب الرجل؛ لأنها شُرِعت لاستبراء الرَّحم من الحمل، أما الرجل فليس عليه عدة إلا في حالات معينة، موضحة أن الحالة محل السؤال ليست ضمن هذه الحالات.
واستدلت دار الإفتاء بما ورد في "الحامدية" (1/ 18، ط. دار المعرفة): [إن رجلًا ماتت زوجته المدخول بها ولها أخت، فهل له تَزَوُّجُ أختها بعد موتها بيوم؟ والجواب: نعم.].
واستطردت الإفتاء: فإذا أراد الزوج أن يتزوج أختَ زوجته المتوفاة فإنه يحِلُّ له ذلك بلا انتظار مدة، وأما قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234]، فهذا أمر صادرٌ من الله تعالى للنساء اللاتي يتوفى عنهنَّ أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشرًا، وهو حكم خاص بالنساء ولا ينطبق على الرجال.
قالت دار الإفتاء في بيانها مفهوم الوشم القديم وحكمه، إن الوشم القديم (التاتو الثابت): هو الذي يتم عن طريق إحداثِ ثُقْب في الجلد باستخدام إبرة معينة، فيخرج الدم ليصنع فجوة، ثم تُملَأ هذه الفجوة بمادة صِبغية، فتُحدِث أشكالًا ورسوماتٍ على الجلد.
وقد اتفق الفقهاء على نجاسته ومن ثَم حكموا بحرمته؛ لما رواه الشيخانِ في "صحيحيهما" عَنْ علقمةَ عن عبد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَال: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ». ففي هذا الحديث دليل على حرمة الوشم بالصورة السابقة؛ لأنَّ اللعن الوارد في الحديث لا يكون إلا على فعل يستوجب فاعلُه الذَّمَّ شرعًا.
قال العلامة ابن عابدين في "الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)" (1/ 330، ط. دار الفكر): [يُستفاد مما مرَّ حكمُ الوشم في نحو اليد، وهو أنه كالاختضاب أو الصبغ بالمتنجِّس؛ لأنه إذا غُرزت اليد أو الشفة مثلًا بإبرة ثم حُشي محلها بكحل أو نيلة ليخضرَّ تنجَّسَ الكحل بالدم، فإذا جمُدَ الدم والْتَأَم الجرح بقي محله أخضرَ، فإذا غُسِل طهُر؛ لأنه أثرٌ يشق زواله؛ لأنه لا يزول إلا بسلخ الجلد أو جرحه] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 70، ط. مكتبة القاهرة) بعد ذكر حديث النهي: [فهذه الخصال محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن فاعلها، ولا يجوز لعن فاعل المباح] اهـ.
قد اتفق الفقهاء على أنَّه لا يجب إزالة الوشم القديم إذا كان في إزالته ضرر على صاحبه، كخوف فوات عضو أو منفعته، وتصحُّ صلاته وإمامته حينئذٍ.
جاء في "رد المحتار" (1/ 330) في بيان حكم الوشم والصلاة به: [وفي "الفتاوى الخيرية" من كتاب الصلاة: سئل في رجل على يده وشم، هل تصح صلاته وإمامته معه أم لا؟ أجاب: نعم، تصح صلاته وإمامته بلا شبهة] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 314، ط. دار الفكر): [الوشم إذا وقع على الوجه الممنوع لا يكلف صاحبه بإزالته بالنار، بل هو من النجس المعفو عنه، فتصح الصلاة به، هذا هو المفهوم من كلام أهل مذهبنا] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 406، ط. دار الكتب العلمية) -بعد ذكر تعريف الوشم وحكمه-: [فتجب إزالته ما لم يخف ضررًا يبيح التيمم، فإن خاف لم تجب إزالته، ولا إثم عليه بعد التوبة، وهذا إذا فعله برضاه كما قال الزركشي: أي: بعد بلوغه، وإلا فلا تلزمه إزالته كما صرح به الماوردي، أي: وتصح صلاته وإمامته، ولا ينجس ما وضع فيه يده مثلًا إذا كان عليها وشم] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: فتاوى تشغل الأذهان الفتاوى الدينية دار الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم
إقرأ أيضاً:
فتاوى.. يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
• امرأة رزقها الله بمولود يعاني من صغر الرأس ونمو الدماغ، مما أفقده بصره، حيث أخبرها الأطباء أنه لا يوجد له علاج، فلجأت إلى أحد المعالجين بالقرآن والطب التقليدي، الذي أعطاها بعض الأوراق، تقوم بتذويبها في الماء، وشربها، والاغتسال بها، فهل يجوز ذلك؟
يعني هنا جملة مسائل أو جملة احتمالات، وفي كل احتمال منها مسألة فقهية، الاحتمال الأول أو لنقل أن المسألة الأولى هي في كتابة آيات من القرآن الكريم، أو في كتابة رقية شرعية ثم شربها، هذه المسألة محل خلاف، فمن أهل العلم من يرى جواز ذلك، وهو أن تكتب آيات بما هو طاهر، وعلى طاهر، ثم تشرب، وهناك من يوسع في هذا النوع من الرقى، ويرى أنها لا تتعارض مع شيء أباحه الشارع، فهي من الاستشفاء بكتاب الله عز وجل، ومن الرقية الشرعية بكتاب الله عز وجل.
ومن العلماء من يشدد ويقول: لم يرد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم، لم يكن ذلك معهودًا عندهم، وإنما وردت القراءة والتلاوة، ومن شاء أن يكتب، فليكتب لنفسه، أي أن يكتب الآيات، أما أن يشربها، أي أن يشرب هذه الآيات، فذلك عندهم مما لم يرد، ولذلك شددوا فيه، ومن أهل العلم من توقف في هذا النوع، والخلاف في المسألة قديم، قديم جديد أيضًا، لم يحسم لشح الأدلة فيه، كما قلت، بين موسع ومشدد ومتوقف.
وأنا أقرب إلى هذا الصنف الذين يتوقفون في مثل هذا النوع، من المسائل، من عمل به تعويلًا على ما يراه المجوز، فعسى أن يسعه ذلك، وأن لا يكون عليه حرج فيه، لكن السلامة في اجتناب ذلك، والاختصار على الرقية الشرعية بالتلاوة والقراءة، وأن يقرأ المرء بنفسه الآيات، أو أن يقرأها على ولده، أو أن يعوذهم بالمعوذات أو بالرقى الشرعية التي إما أن تكون من كتاب الله عز وجل، أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو مما يتناسب مع هذه الأصول الكلية الواردة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لا تتعارض مع شيء من عقائد الإيمان بالله واليوم الآخر، مما لا حرج فيه، فهذه كلها أولى وأدعى للخروج من الخلاف، وأبعد من الوقوع في الشبهة.
وليس من يدعي الرقية بالقرآن الكريم أو الرقية الشرعية أو العلاج بالقرآن أو بغيرها من الوسائل الشرعية سواء، حتى نعمم القول، ومخطئون من ظن أن كثيرًا مما يفعله بعض من يقوم بالرقى الشرعية، من الرقاة أو من المعالجين، أنه يأتي بأشياء مبتدعة لم يتعرض لها الفقهاء، الصحيح أن الفقهاء تعرضوا لها قديمًا، وأنهم ناقشوها.
لكن لا يصح أن يكون ذلك إلا من أهل العلم والتقوى، ومعرفة أنه من أهل العلم لا تخفى على أحد، أما أن يدعي ذلك جاهل، فيصدق فيما بعد، فهذا لا وجه له في شرع الله تبارك وتعالى، أو هو شر مما يتعلق بالشرط الثاني، أن يكون من أهل الصلاح والتقوى، أي أن يكون ظاهر الصلاح، معروفًا بحسن السيرة في الناس، محافظًا على شعائر هذا الدين، حريصًا على الصراط المستقيم، حريصًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يكون معروفًا بصلابته في دينه، لا أن يكون من أهل الادعاء والكذب والدجل والشعوذة، فهذا في كل الأحوال لا يصح أن يلجأ إليه، وحكمه حكم أي حكم إتيانه، حكم إتيان الكهنة والعرافين، والعياذ بالله، وفي إتيانهم، وعيد شديد كما لا يخفى، والله تعالى أعلم.
• ما صحة الحديث: "ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا"؟
نعم، الحديث صحيح، وقد ورد بروايات عديدة متقاربة، كلها تدل على نفس هذا المعنى: "ومن لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا،" وفي هذا الحديث، كما لا يخفى، معان أخلاقية سامية تدعو إلى العطف على الصغير، ومراعاة صغر سنه، وتعهده بالكلمة الطيبة، وبالرعاية والتنشئة الحسنة، وبالعطف والرحمة في عموم أحواله من كل أفراد المجتمع.
وكذلك أيضًا، يشير الحديث إلى عظيم حق المسن الكبير، وأن من حقه الإجلال والاحترام، وأن يقام بشأنه، وأن يرعى عندما يحتاج إلى رعاية، وأن يُعتنى به عند حاجته إلى العناية، وأن يقدم ويؤثر، وأن تبين منزلته، ولذلك، هناك تطبيقات كثيرة لابد للناس اليوم أن ينتبهوا إليها، أن يتعلموها، وأن ينقلوها أيضًا إلى ناشئتهم، حتى ينشأ مجتمعنا كما أراده الله تبارك وتعالى، الكبير فيه يرحم الصغير، والصغير يوقر الكبير، فيكون المجتمع من بعد كما أراده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، "ترى المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
• ما حكم بيع الهزل؟ وهل يترتب عليه آثار من حيث اللزوم؟
في بيع الهزل خلاف عند أهل العلم، فقول يرى أن بيعه جائز، وقول يرى أن بيعه لا يُعتد به، وقول آخر يفصل، وسنأتي إلى التفصيل، أما الذين يرون أن بيعه جائز، فإنهم يعولون على ظاهر هذا العقد، ولأن ظاهر هذا العقد حصول الإيجاب والقبول من طرفي العقد، فإن ذلك كافٍ لإمضاء العقود، ولنفاذها وجوازها، وترتب آثارها عليها، واستندوا كذلك إلى القياس على ما دل الدليل الشرعي عليه من نحو النكاح والطلاق والعتق، فهذه الأحكام ورد فيها دليل شرعي، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق والنكاح" وفي رواية: "والعتق"، وفي رواية أيضًا: "الرجعة"، وفي رواية بدل العتق "العتاق"، فهذه أحكام تتعلق بالأوضاع وهي أهم شأنًا وأعظم خطرًا، وقد أمضت الشريعة ما يصدر منها من جهة الهزل فيها، فاستند هذا القول إلى هذه الأدلة وإلى أدلة أخرى.
وأما الذين يرون أن بيع الهزل لا يقع، فلأنهم قالوا: إن مدار الأمر على حصول الرضا، والرضا هو العلامة الدالة على الإيجاب، وهي تعبير عما في القصد والنية، فإن كان غير قاصد ولا ناوٍ لإبرام هذا العقد في صفقة البيع، فإن الإجابة هنا منتفية لعدم حصول الرضا بسبب عدم جده في إبرام الصفقة، فإذا كانت العقول إنما تقوم على الإيجاب والقبول، وهذا الإيجاب يكون بالتعبير عن الرضا، فإن ذلك يستلزم أن يكون عن نية، فإذا كانت النية نية هزل لا يقصد حقيقة البيع ولا ينويه، فإنه لا يُعتد بما يصدر عنه.
ومنهم من قال إن هذا التفصيل: من قال إن البيعة جائزة، ولكن لا يترتب عليها أثرها إلا بإجازته، أي بعد إتمامه، ويبقى وكأنه معلق أو موقوف حتى يجيزه الطرف الهازل، هذا كله يجب أن يُفهم في وضعه الصحيح، إذ ليس محل البحث أن يدعي طرف أنه كان هازلًا، وإنما كلام الفقهاء في حالة ثبوت الهزل بأمارات وعلامات أو باتفاق الطرفين، وإلا فالأصل في العقود أنها صحيحة ظاهرة، أي أنها في الأحكام الظاهرة جائزة منتجة لآثارها، وأنه من ادعى الهزل فيها، فإن عليه إثبات ذلك.
لكن كلام الفقهاء إنما هو في حالة ثبوت الهزل من أحد الطرفين في عقود البيع على وجه الخصوص، وإلا فإن كلمة عامة الفقهاء فيما يتعلق بالنكاح والطلاق والعتق، أن ما يبرمه الهازل فيها نافذ جائز شرعًا، وإنما الخلاف دائر في البيع على الصفة المتقدمة، وهذه هي أشهر الأقوال في المسألة، وأشهر ما يستند إليه القائلون بها، وهذه الأقوال توجد في أغلب المذاهب الإسلامية، بمعنى أن كلمة المذاهب الإسلامية على جهة الانفراد لم تستقر على قول يصبغ ذلك المذهب، بل الخلاف داخل كل مذهب، ولذلك حكيت الأقوال دون نسبة إلى قائليها، لأن الخلافات موجودة في كل المذاهب الإسلامية، وتدور على ما تقدم بيانه من الأدلة والملاحظ التي يلحظها كل فريق، والله تعالى أعلم.