بعد 6 سنوات على استعادة الموصل من تنظيم الدولة.. ما وضع المدينة اليوم؟
تاريخ النشر: 10th, July 2023 GMT
الموصل– "الوضع الأمني مستقر بصورة مثالية، عمليات إعادة الإعمار جيدة لكنها بطيئة في مختلف القطاعات باستثناء القطاع الصحي الذي لا يزال متدهورا"، بهذه الكلمات يصف أحمد الزيدي أحد مواطني مدينة الموصل القديمة الوضع في مدينته التي كانت الحكومة العراقية قد أعلنت استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العاشر من يوليو/تموز 2017.
ويؤكد الزيدي في حديثه للجزيرة نت أن الزائر للموصل قد لا يصدق أنها المدينة ذاتها التي خرجت من حرب مدمرة عام 2017، لكن الواقع يؤكد أن عمليات الإعمار ورغم أنها قد توصف بالجيدة فإنها دون الطموح، ولا سيما في ظل تدهور البنى التحتية مثل المستشفيات وقطاع النقل العام والكهرباء وفرص العمل، وفق قوله.
وفي ما يتعلق بالمدينة القديمة التي تعد الأكثر تضررا من الحرب، يؤكد الزيدي أن ملايين الأطنان من الأنقاض قد تم رفعها، لكن عمليات الإعمار الفعلية من قبل الحكومة اقتصرت على شبكات المياه والكهرباء والطرق، لافتا إلى أن ما تم إعماره من البيوت والعمارات التجارية كان على حساب القطاع الخاص، وفق قوله.
مدينة الموصل القديمة تشهد العديد من المشاريع العمرانية (الجزيرة) عمليات الإعماروعلى صعيد عمليات إعادة الإعمار، يقول محافظ نينوى نجم الجبوري إن المحافظة (مركزها مدينة الموصل) شهدت تدميرا شبه كامل خلال سيطرة تنظيم الدولة وخلال عمليات تحريرها، وإن مسلحي التنظيم كانوا قد دمروا أغلبية البنايات الحكومية والمستشفيات، ولا سيما أن التنظيم استهدف المدينة بأكثر من ألف سيارة مفخخة خلال العمليات العسكرية، مبينا أن حجم الخسائر قدر بنحو 15 مليار دولار.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الجبوري -الذي كان يشغل منصب قائد عمليات نينوى العسكرية خلال تحرير المحافظة- أن عمليات الإعمار خلال السنوات الماضية شهدت إعادة بناء أغلبية البنايات الحكومية وتعبيد طرق المدينة مع إعادة إعمار وبناء 7 مستشفيات وعشرات المراكز الصحية، مع العمل على المباشرة بإعادة إعمار بقية المستشفيات،
وقال "بالطبع، هذا الإعمار لا يمثل طموح الحكومة المحلية، لكن استطعنا وضع المدينة على المسار الصحيح، خاصة أن أغلبية الأقضية والنواحي التابعة للمحافظة باتت مثالا جيدا يحتذى به في بقية المحافظات العراقية".
وقد لا يقف الأمر عند ذلك، إذ يشير إلى أن الحكومة المحلية استطاعت إعادة إعمار 345 مدرسة خلال العام الحالي فقط مع وجود عشرات المدارس الأخرى قيد البناء، أما بشأن تعويضات المواطنين عن خسائر الحرب فيعلق الجبوري قائلا "استطعنا صرف تعويضات تقدر بنحو 305 ملايين دولار لآلاف المواطنين، ولا زلنا بحاجة لقرابة 270 مليون دولار أخرى لإتمام ملف التعويضات الخاصة".
وفي ما يتعلق بالمدينة القديمة، أكد الجبوري أن عمليات إعمار الجامع النوري ومنارته الحدباء وكنيسة الساعة التاريخيين لا تزال مستمرة، ومن المؤمل اكتمالهما العام القادم بجهود منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، لافتا إلى أن المدينة القديمة ستشهد إنشاء كورنيش الميدان المطل على الواجهة النهرية لنهر دجلة، إذ إن المشروع قيد الدراسة وسيحال إلى شركات أجنبية قريبا، حسب قوله.
بدوره، أكد مدير طرق وجسور نينوى رضوان الشهواني أن جميع جسور مدينة الموصل الخمسة التي تربط شطري المدينة على نهر دجلة قد أعيد إعمارها وافتتاحها بعد أن كانت مدمرة بالكامل، مضيفا أنه قد تم استحداث جسرين اثنين داخل المدينة، وهما الجسر الحديدي التوأم للجسر القديم، مع بدء العمل بالجسر السادس شمال المدينة.
وفي تصريحه للجزيرة نت، أكد الشهواني أن هناك عشرات الجسور في محافظة نينوى التي قد تم تدميرها، وأن جميع هذه الجسور قد أعيد إعمارها، وأهمها جسر بادوش والكيارة ومنيرة والزاب والكوير الذي يعد أطول جسور العراق بطول يناهز ألف متر.
إعمار منقوصوقد لا يتفق الموصليون مع تصريحات المسؤولين الحكوميين، إذ يقول الصحفي الموصلي جمال البدراني إن الوضع في المدينة وعمليات إعادة الإعمار تبدو واضحة، وإن هناك اختلافا جذريا من الناحية العمرانية، لكن القطاع الخاص كان له دور كبير في ذلك.
أما عن جهود الإعمار الحكومية فيشير إلى أنها قد لا ترتقي ولا تقارن بالمبالغ الطائلة التي صرفتها الحكومة الاتحادية، مبينا أن نوابا برلمانيين من مدينة الموصل كانوا قد كشفوا عن تخصيص بغداد أكثر من 4 مليارات دولار لإعمار محافظة نينوى خلال السنوات الست الماضية، الأمر الذي يجعل الموصليين يتساءلون عن حجم الإعمار الحكومي مقارنة بكم هذه الأموال، وفق قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف البدراني أن أغلب عمليات الإعمار "ترقيعية" واقتصرت على إعادة تعبيد الطرق وإنشاء بعض جسور المشاة داخل الموصل، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن جميع الجسور الرئيسية التي تم إعمارها كانت من قبل المنظمات الدولية والحكومة الاتحادية.
كما انتقد البدراني وضع المؤسسات الصحية وعدم اكتمال إعادة إعمار مطار الموصل الدولي والمستشفيات، مشيرا إلى أنه "رغم حجم الانتقادات وعمليات الإعمار التي هي دون الطموح حكوميا فإنه لا أحد ينكر أن الموصل باتت أفضل حالا مما كانت عليه قبل 6 سنوات، وأن وضعها بصورة عامة أفضل من ناحية الإعمار حتى من العاصمة بغداد".
من جهته، يشير أحمد الزيدي إلى أن "عشرات المساجد التاريخية المعروفة أعيد إعمارها من خلال التبرعات، وأن ما يشهده الزائر للمدينة من نهضة عمرانية في مجال مراكز التسوق والعمارات التجارية كان القطاع الخاص هو صاحب اليد الطولى في ذلك".
ناشطون موصليون يرون أن الصراع السياسي لا يزال يؤثر على وتيرة إعادة إعمار الموصل (الجزيرة) دور الصراع السياسيمن جانبه، يرى الناشط الموصلي محمد عباس أن المجتمع المدني والفرق التطوعية كانت هي التي بدأت حملات إعادة الإعمار والإغاثة، مما شجع الحكومة المحلية على البدء بمساعدة الجهد المدني لإعادة الحياة إلى الموصل، ثم ما لبثت المنظمات الدولية وتلك التابعة للأمم المتحدة أن بدأت عملها في المدينة، مما أسهم في تحريك عجلة الإعمار.
ومع ذلك، يرى عباس -في حديثه للجزيرة نت- أنه رغم جهود الإعمار الحكومية الواضحة فإن الصراع السياسي بين الأحزاب أثر على نوع الإعمار وجودته، مبينا أن حركة الإعمار الحقيقية بدأت بعد انتهاء جائحة كورونا عام 2021، وهو ما انعكس إيجابا على الوضع البلدي في الموصل.
وفي ما يتعلق بالقطاعات الخدمية والبنى التحتية، يؤكد عباس أنه لا يمكن إنكار الجهود الخدمية للحكومة المحلية واستحداث العديد من المتنزهات والمشاريع الخدمية.
لكنه أشار إلى أن مشاريع أخرى لا تزال تشهد قصورا واضحا، إذ إن المجمع الطبي في الجانب الأيمن (الغربي) للموصل لا يزال مهدما، مع الأخذ بالاعتبار أنه يضم أكثر من 5 مستشفيات عامة وتعليمية وتخصصية لأمراض الدم والأورام والمزمنة، فضلا عن قصور واضح في العديد من مشاريع البنى التحتية، ويعزو ذلك إلى الصراع السياسي الدائر في المحافظة، والذي يخشى أن يستفحل بصورة أكبر مع اقتراب انتخابات المجالس المحلية في ديسمبر/كانون الأول القادم، وفق تعبيره.
ولا يقف عباس عند ذلك، إذ يرى أن الحكومة المحلية ونواب المحافظة في المجلس التشريعي لم يفلحوا حتى الآن في الحد من الصعوبات التي يواجهها الموصليون في ما يتعلق بالإجراءات الأمنية التي تتطلب من المواطنين الحصول على تصريح أمني من جهازي الامن الوطني والاستخبارات عند مراجعة الدوائر الحكومية، الأمر الذي أسهم في تكبدهم أعباء كبيرة رغم تعهدات الحكومة الاتحادية بإنهاء هذا الملف في أكثر من مناسبة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إعادة إعمار إلى أن
إقرأ أيضاً:
بين الركام والأمل.. عربي21 تواكب جروح غزة وصعوبات رحلة إعادة الإعمار
"بعد أن دمّر الاحتلال الإسرائيلي حياتهم بالكامل، أين يذهب الغزّيون؟ وكيف يمكن لهم بناء مساكن جديدة؟" هكذا يتحدّث جُل من هو بقطاع غزة المحاصر، ممّن يعايش واقعا أقل ما يقال عنه: "مأساوي"؛ يواجه تحدّيات لا تُحصى في التفكير بإعادة بناء ما تم تدميره من طرف الاحتلال، منذ أكثر من عام كامل.
غزة، التي كانت تعتبر من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم، وكانت قبل الحرب الجارية، أساسا، تعيش على إيقاع جُملة مشاكل، باتت تعيش الأمرّين، بمجرّد التفكير بإعادة الإعمار، عقب الدمار الهائل إثر العدوان المتتالي عليها.
وفق عدّة تقارير دولية، مُتفرّقة، فإن أكثر من 50 في المئة من السكان بقلب غزة يعانون من البطالة، وحوالي 114 كيلوغراما من الركام تم جمعها بكل متر مربع في القطاع. هذا هو الواقع الملموس الذي تحدّث بخصوصه عدد من الغزّيين لـ"عربي21" خلال الأيام القليلة الماضية.
خلال هذا التقرير، ترصد "عربي21" من قلب القطاع المحاصر، أحاديث الغزّيين، وما يوثّقونه على مواقع التواصل الاجتماعي، من آمال وآلام، طيلة عام 2024، بغية الوصول إلى لحظة البدء في: "إعادة الإعمار".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة ????????Ahmed Majayda | أحمد المجايدة (@ahmed_majaydah)
هنا غزة.. آمال وركام
يوما بعد يوم، يعايش الناس بقلب الحصار ما يصفونه بـ"البؤس الإنساني"، حيث يتم منعهم من مقوّمات الحياة، وأساسها، انطلاقا من المواد الغذائية وصولا لمواد البناء. إذ تشير تقارير الأمم المتحدة لعام 2024 إلى أنّ: "تكلفة إعادة إعمار القطاع قد تصل لـ4.5 مليار دولار أمريكي، فيما لم تلبّ المساعدات الدولية سوى جزء بسيط من هذه الحاجة الماسّة".
ما تحدّث عنه الغزّيين لـ"عربي21" يكشف بالملموس أنّ: "إعادة الإعمار ليست مجرد مهمّة هندسية؛ إنها عملية إنسانية تحتاج لتكامل بين الجهود الدولية والمحلية"، حيث حكى العديد من الأفراد عن انعدام الإمكانيات الشخصية لكامل الأهالي، في إشارة إلى أن عدوان الاحتلال الإسرائيلي المُتواصل عليهم جعل الفقير والغني على سفينة بؤس واحدة.
أكرم، ذو 31 عاما، فقد منزله بإحدى الغارات الأخيرة. يقول: "أنا وعائلتي كنا نعيش بخيمة على البحر، لكنّها باتت جد مهترئة؛ كلما حاولنا البدء من جديد، كانت الحرب تأتي لتسلب منا كل شيء". ومثله الآلاف من العائلات، يطمحون بداية في وقف إطلاق النار على كامل القطاع المحاصر، لبدء التفكير بإعادة الإعمار لاحقا، وفقا لأحاديثهم.
وبسحب جُملة من الرّوايات المتتالية فإن: "النظرة المستقبلية لإعادة الإعمار بغزة لا تبدو مشرقة"، فيما يتحدّث عدد من الأفراد عن الدّمار الحاصل بالسّخرية، ويقولون: "إن شاء الله أحفادنا بيلحّقوا على إعادة الإعمار". تكشف عدد من التقارير، عن سيناريوهات عدّة، تتراوح بين إعادة إعمار بطيئة، إلى تحسّن تدريجي بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إذا توسّعت المساعدات.
رغم ذلك، هناك أمل في أن تُحدث بعض التطورات السياسية بعضا من التغييرات الإيجابية، خاصة إذا ما نجحت عدد من الدول في الضغط لرفع الحصار وتعزيز الدعم الدولي.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة ????????Ahmed Majayda | أحمد المجايدة (@ahmed_majaydah)
جرائم حرب
فيما تغرق غزة ببحر من الدمار، يظل سؤل إعادة الإعمار، أكثر تداولا بين الأهالي في قلب قطاع غزة المحاصر، وكأنّه يُشعل شيئ من الأمل الخفي٬ بأن التفكير في المستقبل ممكن جدا؛ إذ أن كل حجر سيُبنى يمثل حياة جديدة، وكل بيت سيعاد بناؤه هو علامة على الصمود.
رصدت "عربي21" طيلة الأشهر الماضية، جُملة من الصور ومقاطع الفيديو، ملئت حسابات الغزّيين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، توثّق لما دمّره الاحتلال الإسرائيلي لمقومات الحياة من: مساكن وطرق وصرف صحي ومصادر للمياه والطاقة، كما يرجّحون منع محاولات إعادة الإعمار ضمن ما يوصف بـ"العقاب الجماعي وتهجير السكان الأصليين".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة ايمان لولو | eman lulu (@eman.h.lulu1)
أيضا، استهدف الاحتلال الخلايا الشمسية، التي تعدّ المصدر الوحيد للطاقة المتبقي في غزة، فيما منع كذلك إدخال الوقود للقطاع، على الرغم من المناشدات المستمرة، وهو ما نتج عنه توقّف للخدمات الأساسية القائمة على الوقود، خاصة في كل من: المشافي ومحطات ضخ وتحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي.
ووفق دراسة بعنوان "استهداف البنية التحتية وسبل العيش في الضفة الغربية وقطاع غزة"، نشرت في العدد 95 من مجلة العلاقات الدولية في آذار/ مارس 2019، فإنه: "لا يرتبط استهداف مقومات البنية التحتية بحالات شنّ عدوان معلن فقط، بل هو شكل من أشكال العنف البطيء الذي تمارسه إسرائيل طوال الوقت".
وتابعت الدراسة نفسها: "رصدت 685 حادثة تدمير للبنية التحتية في الضفة بين عامي 2006 و2017، منها 75 في المئة استهدفت القطاع الزراعي، و20 في المئة استهدفت المياه، و4 في المئة استهدفت البنية التحتية للطاقة، ولم تتوقف تلك الاعتداءات يوما".
"جريمة حرب يجب أن تحاسب عليها دولة الاحتلال" هكذا وصف عدد من المتحدّثين لـ"عربي21" ما يحصل على أرض القطاع المحاصر، في إشارة إلى أن القانون الدولي الإنساني يلزم أطراف النزاع بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، إذ يجب الحفاظ عليها، كي لا يتضرر المدنيون بسبب انقطاع الإمداد بالخدمات الحيوية مثل: الغذاء والتعليم والمياه والكهرباء، وكذا الصرف الصحي والرعاية الطبية..
تجدر الإشارة إلى أنه تاريخيا، قد شهد القطاع المحاصر أربع فترات من العدوان الأهوج، في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2017، حيث تمّ استهداف البنية التحتية المدنية على بشكل واسع، كما تم تقييد عملية إعادة الإعمار بشكل وصف بـ"الخطير".
أيضا، بين عامي 2006 و2017 حيث استهدف الاحتلال قطاع الزراعة وصيد الأسماك بنسبة 49 في المئة، وقطاع المياه 43 في المئة، فيما كانت 8 في المئة متعلقة بقطاع الطاقة. و70 في المئة بالزراعة وصيد الأسماك. ما يعني أن جروح غزّة كلما حاولت الشفاء والصمود كان الاحتلال يعيد النّبش فيها، فباتت اليوم أكثر دمارا، وأكثر حاجة لإعمار كلّي.
أضرار بالجُملة.. والحرب مستمرة
"74 في المئة من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام و100 ألف خيمة من أصل 135 ألفا بحاجة إلى تغير فوري وعاجل نتيجة اهترائها"، هكذا حذّر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، من كارثة إنسانية باتت تواجه مليوني نازح فلسطيني في مناطق مختلفة بالقطاع مع حلول فصل الشتاء.
وأبرز المكتب الحكومي، في الوقت نفسه، أنّ: "إغلاق إسرائيل للمعابر منع إدخال قرابة ربع مليون خيمة وكرفان". وهو ما اتّفق معه فيه المتحدث باسم منظمة العفو الدولية، رامي حيدر، بالقول: "إعادة إعمار القطاع في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب ستأخذ 10 سنوات على الأقل".
وأكّد عبر تصريحاتٍ صحافية: "بحسب ما رأيناه من أبراج سكنية وأحياء بالكامل تمت تسويتها بالأرض، هذا إن كانت الحالة طبيعية، وما لم تفرض إسرائيل الحصار وتضع قيوداً على إدخال مواد البناء والوقود".
من جهتها، أوضحت منظمة الصحة العالمية، أنّ: "الحرب المستمرة تسبّبت في دمار غير مسبوق يحتاج إصلاحه عقودا من الزمن، والقصف المكثف أدى لتدمير ما بين 70 و80 في المئة من البنية التحتية المدنية، بما فيها المنازل والمستشفيات والمدارس ومرافق المياه التي تهدمت أو تعرضت لأضرار جسيمة".
بحسب وكالة "بلومبيرغ" نقلا عن عدّة خبراء، فإن: "عملية إعادة إعمار قطاع غزة ربما تكلف أكثر من 80 مليار دولار، إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض خلفتها الحرب الدائرة منذ أكثر من 10 أشهر".
وقال كبير الاقتصاديين بمؤسسة "راند" البحثية، دانييل إيغل، إنّ: "إعادة بناء غزة قد تكلف أكثر من 80 مليار دولار؛ إذا أخذنا في الاعتبار النفقات المخفية مثل التأثير الطويل الأجل لسوق العمل المدمر بسبب الموت والإصابة والصدمات".
وبحسب الوكالة نفسها، إنّ: "الأنقاض في تكفي لملء خط من شاحنات القمامة يمتد من نيويورك إلى سنغافورة، وقد يستغرق إزالة كل تلك الأنقاض سنوات بتكلفة تصل إلى 700 مليون دولار"، فيما يرجّح أن تكون عملية إزالة الأنقاض معقّدة جرّاء القنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة والبقايا البشرية تحت الأنقاض".
بدوره، اعتبر متحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أنّ: "الدمار الذي خلّفته الحرب على غزة، يفوق ما نتج عن الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وأنه يحتاج أكثر من 20 عاما لمحوه وإعادة إعمار القطاع الفلسطيني".
مساعي الاحتلال لتهجير الغزّيين
الاستيطان هو أكثر من مفهوم بالنسبة إلى الأهالي بقلب القطاع، حيث قال عدد من الغزيين لـ"عربي21" إنه: "حجر الأساس للمشروع الصهيوني الطامح لإقامة وطن قومي لليهود بفلسطين. مشروع قائم على الإحلال، أي طرد السكان الأصليين من خلال التهجير القسري، وجلب اليهود إليها".
وأقامت دولة الاحتلال الإسرائيلي أول مستوطنة في قطاع غزة خلال عام 1973؛ وخلال عام 2004، قدّم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي آنذاك، أريئيل شارون، ما أسماها بـ"خطة فك الارتباط"، تتضمّن إخلاء المستوطنات من القطاع والانسحاب الكامل منه. وهذا ما تحقق في 12 أيلول/ سبتمبر 2005.
غير أنه، خلال نفس العام 2005 وصلت عدد المستوطنات بالقطاع إلى 25 وحدة، ضمّت 8500 مستوطن. وعقب السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023، عادت دعوات إعادة الاستيطان بغزة تتخذ شكلا آخرا، بدعوة مجموعات من المستوطنين.
في تاريخ 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، اجتمعت 11 منظمة يمينية وشكّلت ائتلافا بغية المطالبة بعودة الاستيطان لغزة. حيث دعت الإسرائيليين للانضمام إليها وتشكيل مجموعات من المستوطنين، للاستيطان في: "غوش قطيف" وهي المنطقة التي انسحبت منها دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 2005.
وفي السياق نفسه، كانت صحيفة "هآرتس" العبرية، قد قالت عبر تقرير لها، إن: "الجيش يعمل على بناء بؤرتين استيطانيتين في ممر "نتساريم" وتطويرهما". بينما كشفت صور الأقمار الصناعية، بحسب عدد من التقارير الإعلامية، إلى: وجود وحدات سكنية في تلك المنطقة، وأيضا نقاط تفتيش، وبنية تحتية لهذه البؤر، وخلايا شمسية وبيوت متنقلة وحركة أشغال وبناء مكثفة.
#دمار_غزة.. فاق سوريا وأوكرانيا
• الأمم المتحدة: إعادة الإعمار قد تستغرق 80 عاماً
• نسبة التدمير بشمال القطاع اقتربت من 100%https://t.co/CvEHsk3l7Q pic.twitter.com/8KK5hoY6Se — القبس (@alqabas) October 19, 2024
"خطة الجنرالات"
إثر ما سبق، وضع المستشار السابق للأمن القومي للاحتلال الإسرائيلي، غيورا آيلاند، ما بات يعرف بـ"خطة الجنرالات"؛ بموجبها تدعوا دولة الاحتلال الإسرائيلي، كافة المدنيين الغزّيين، إلى مغادرة شمال غزة، نحو مناطق أخرى بقلب القطاع المحاصر، لإعلان الشمال منطقة عسكرية مغلقة.
وبحسب الخطّة، الذي عبّر عدد من الغزّيين في حديثهم لـ"عربي21" عن التصدّي لها بالمقاومة والبقاء؛ فإن: "الذين لم يغادروا، سوف يُعتبرون، أهدافا عسكرية، وسيتم قطع إمدادات الغذاء والمياه والأدوية عنهم تماما" بحسب الخطة التي يرفضها الغزّيين.
وكان آيلاند، قد قال: "الخطة، التي قدمت للجنة الدفاع في الكنيست، الشهر الماضي، تهدف لزيادة الضغط على حماس، للإفراج عن 101 أسير إسرائيلي لا يزالون في غزة"، بينما تقول منظمات حقوق الإنسان، إنّ: "الخطة ستؤدي إلى محاصرة المدنيين، وإن تنفيذها هو: انتهاك للقانون الدولي".
في السياق ذاته، يواصل الاحتلال الإسرائيلي، إصدار أوامر الإخلاء، لمطالبة الأهالي في شمال غزة، بالتوجه جنوبا، نحو منطقة يصفها بـ"منطقة إنسانية" في المواصي على الساحل الجنوبي لغزة، غير أنه سرعان ما يقصفها من جديد، في جُملة انتهاكات متتالية للقانون الدولي الإنساني وكافة المواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان.
وكان مدير وكالة العمارة الجنائية البحثية في لندن، إيال وايزمان، قد أبرز مفهوم: "العمارة الجنائية" بغية إيضاح: "الصراعات المعاصرة التي تحدث بالمدن حيث تصبح المباني والبيئة المحيطة بها دليلا على الجرائم التي يرتكبها الجيوش". مستشهدا بما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأبرز أن: "الطريقة التي صممت بها إسرائيل المساحات تعد استمرارا لسياستها في تهجير الفلسطينيين، واحتواء حركتهم، واستعمار مساحاتهم، كما أنًّ بناء المستوطنات، والقواعد العسكرية والطرق، وكذلك البنية التحتية تتم بطريقة غير عادلة".
أي جهود دولية؟
قال الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري، إنّ: "إعادة الإعمار في قطاع غزة قضية مكلفة للغاية، وسوف تستغرق وقتا طويلا"، مشيرا إلى أن "كلفتها تبلغ حوالى 18 مليار دولار بحسب ما التقطته الأقمار الصناعية من دمار، لكن هذه ليست القيمة النهائية على الأرض".
وأضاف الدردري، خلال مؤتمر صحفي انعقد بعمّان، أن: "تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأولية لإعادة بناء كلّ ما دمّر في غزة تتجاوز 30 مليار دولار وتصل حتى إلى 40 مليار دولار"، فيما اعتبر أنّ: "تلك مهمة لم يسبق للمجتمع الدولي أن تعامل معها، منذ الحرب العالمية الثانية".
مجلس النواب الأمريكي يمرر قانونًا يرفض تخصيص أي تمويل لجهود إعادة الإعمار في غزة بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة التي يشهدها القطاع منذ 9 أشهر pic.twitter.com/GQSNdFKfhV — د. عثمان عثمان (@DrOthmano) June 14, 2024
وفي الوقت نفسه، أشار إلى أنه: "جرى بحث تمويل إعادة الإعمار مع دول عربية وهناك إشارات إيجابية للغاية حتى الآن"، وذلك دون تقديم أي تفاصيل أخرى.
كذلك، أوضحت الأمم المتحدة، أنّ: "إزالة 40 مليون طن من الركام الذي خلّفه القصف الإسرائيلي قد تستغرق 15 عاما وتكلف ما بين 500 إلى 600 مليون دولار"؛ فيما قدّرت وزارة الصحة الفلسطينية في مايو أن هناك نحو 10 آلاف جثة مفقودة تحت الركام.
وقال تقرير مشترك، للأمم المتحدة والبنك الدولي، أنّ: الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 18.5 مليار دولار، وأثّرت على المباني السكنية وأماكن التجارة والصناعة والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والطاقة.
وأبرز تقرير آخر، للأمم المتحدة، في آيار/ مايو الماضي أنّ: إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة قد يستمر حتى عام 2040 على الأقل، وقد يطول الأمر لعدة عقود. ليظل السؤال: هل ستعمل الدول على تكثيف جهودها لتسريع الإعمار بقلب القطاع المحاصر، مباشرة، عقب الإعلان عن توقّف إطلاق النار، أم سيظلّ الحال على ما هو عليه، لأجل غير مسمّى؟.