خلف بن أحمد الحبتور يكتب لـCNN عن الحرب في غزة: أين الضمير العالمي؟
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
هذا المقال بقلم خلف بن أحمد الحبتور، رجل أعمال إماراتي ورئيس مجلس إدارة مجموعة "الحبتور" الإماراتية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تفاجأ العالم يوم السبت، 07 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري، بتصريح الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في مقابلة له مع برنامج "Pod Save America" عن الحرب في غزّة حيث قال: "علينا أن نعترف بأن لا أحد يداه نظيفتان مما يحدث (بين حماس وإسرائيل)، وأننا جميعاً متواطئون إلى حد ما".
تزامن ذلك مع مفاجأة إيجابية أخرى، وهي تسريب أو نشر رسالة من مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي موجهة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن – رغم تأييدهم حق إسرائيل في "الدفاع عن النفس" – يشددون فيها على أهمية إيصال المساعدات الإنسانية الطارئة إلى غزّة، والتزام الحكومة الإسرائيلية بالقوانين الدولية في عملياتها العسكرية لمنع المزيد من العنف، والتمهيد لجهود دبلوماسية مكثفة لإيجاد سلم مستدام.
كلها مواقف طيبة تعكس شعوراً من الأمل، لكن عندما نتأمل فيما يحدث على أرض الواقع، تبقى مجرد كلام غير مقرون بالفعل. وكأن القول الأمريكي الشهير"talk is cheap"، وترجمته للعربية "الكلام رخيص"، يصلح كعنوان مرحلي لما نعيشه من أزمة عنف غير مسبوقة.
الواقع هو أن الأفعال أبلغ من الأقوال “actions speak louder than words"، فمواقف الغرب وأمريكا مدوّية، وانحيازها المطلق لإسرائيل لا خجل فيه ولا تردد.
فعقب عملية "طوفان الأقصى" لحماس في السابع من أكتوبر، وبعد أسبوع واحد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية اثنتين من أكبر حاملات الطائرات في العالم وأكثرها خطورة "جيرالد فورد" و"دوايت أيزنهاور" إلى مياه المتوسط دعماً لحليفها الأول، في خطوة نادرة كما وصفتها وكالة "أسوشيتد برس". انضمت إليها في السادس من نوفمبر غواصة من طراز "أوهايو" التي تعمل بالطاقة النووية وقادرة على حمل رؤوس حربية نووية، حسبما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (U.S. Central Command) على وسائل التواصل الاجتماعي.
تلت هذه الخطوات مواقف دعم غير مسبوقة من قادة الغرب لإسرائيل. ما زالت الصور حيّة في أذهاننا لمقطع فيديو لحظة وصول رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى إسرائيل على متن طائرة عسكرية تحمل أسلحة وعتاد دعماً لها.
وبعد مرور أربعين يوما على انطلاق ما وصفه خبراء في الأمم المتحدة بـ "إبادة جماعية" تقودها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين، يؤكد المستشار الألماني أولاف شولتس، خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب يوم الثلاثاء، أن بلاده "ليس لديها سوى مكان واحد (خلال الأوقات الصعبة التي تجد الدولة اليهودية نفسها فيها) ألا وهو إلى جانب إسرائيل".
لقد كشفت لنا هذه الحرب عن ازدواجية خطيرة في المعايير العالمية، يجوز القول إننا لم نرَ مثيلاً لها من قبل. حتى أنها بيّنت للعالم مدى التعصب الدفين لبعض القادة الغربيين ضد العرب والمسلمين. فقد أضحى سلعة رائجة لكسب الأصوات، بل واستراتيجية انتخابية في أمريكا لا يخجل من الاستعانة بها كل من دونالد ترامب والمرشح الجمهوري رون ديسانتيس وغيرهم. فهم يتوعدون بطرد المسلمين والعرب من الجامعات ومنع دخولهم إلى الولايات المتحدة.
أما الساسة الأوروبيين فلا يقلّون تحجراً، حيث يُواجَه عدد من لاعبي كرة القدم الأوروبيين من أصول عربية بموجات الاضطهاد لتعاطفهم مع الشعب الفلسطيني. فقد قام فريق ماينز الألماني بإنهاء عقد لاعبه أنور الغازي بسبب دعمه لأهل غزة، بينما يُهدد اللاعب كريم بنزيمة بتجريده من جائزة الكرة الذهبية والجنسية الفرنسية للسبب نفسه. أين حرية التعبير "Freedom of Speech" التي ينادي بها الأوروبيون والأمريكيون معاً، ويشجبون كل من يقوم بقمعها على حد زعمهم؟ ألا يدرك الغرب، الذي يقدّس هذا الحق، أن أفعال حكوماته الآن، هي قمّة في ازدواجية المعايير المقززة؟
تزيدُ مرارة الكارثة الإنسانية التي نشهدها يومياً في فلسطين تلك المواقف المؤلمة للغرب، مع أن مدناً وعواصم عالمية شهدت وقفات احتجاجية ضخمة على سياسات حكوماتها ودعمها المطلق لأفعال الحكومة الإسرائيلية. فهل هذا هو "الدفاع عن النفس" الذي يستند أطراف في المجتمع الدولي إلى مشروعيته حين يدعمون الجانب الإسرائيلي؟
لقد لاقى رد وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو على سؤال حول ما إذا كان ينبغي إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، وقتل من فيها بلا استثناء، موجات من الاستنكار في الداخل الإسرائيلي وخارجه. لكن، ما كان إلياهو لينطق بهذه التصريحات المتطرفة والوحشية لولا ثقته بالدعم الغربي المهول لدولته حتى اللحظة.
ما هو سرّ استمرار أوروبا وأمريكا بدعم إسرائيل المطلق؟ هل يأتي من شعورها بالذنب التاريخي تجاه الإسرائيليين؟ تقود الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة حربا "لا تقل وحشية عن الهولوكوست" الذي تعرض له اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، تحت أنظار وصمت غربي رهيب وغريب. يعلل المستشار شولتس موقف بلده بأن "تاريخ ألمانيا ومسؤوليتها تجاه المحرقة تتطلب منها المساعدة في الحفاظ على أمن ووجود إسرائيل"، ولكن هل يتوجّب على الفلسطينيين دفع ثمن هذه الذنوب؟
ندرك أن إسرائيل هي حليفة أمريكا والغرب الأولى وحامية مصالحها في المنطقة، ونشهد يومياً كيف يهبّ العالم للتحرك ضد أي تهديد لأمنها. لكن لا أحد ينكر وجود الدولة الإسرائيلية، بل تتكاثف الجهود مؤخراً للتعايش مع وجودها بسلام. ألا يحق للشعب الفلسطيني، الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، العيش بأمان واستقرار في دولة ذات كيان مستقل؟
لقد اعترفت 139 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بالأراضي الفلسطينية كدولة، فيما تشدد الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة أنها لن تعترف بالأراضي الفلسطينية كدولة فلسطين حتى يتم حل الصراع مع إسرائيل سلمياً. فهل يمكن التوصل لحل سلميّ بين كيانين بينهما هذا التفاوت الضخم في القوى؟
لن يستقر الوضع أمنياً في فلسطين ما دام شعبها عاجز عن العيش بكرامة واستقلالية وأمن وأمان، وقراره مسلوب منه، وهو يصارع طرفاً عملاقاً لا قدرة له على إجباره حتى على سماع مطالبه.
أمام هذا الخلل بالتوازن بين الأطراف، مطلوب من أمريكا والغرب العمل لوقف هذا النزيف الذي تخطى عدد ضحاياه عشرات الآلاف، والسعي الجدي لوقف هذه الحرب الدامية والاشراف على انتخابات فلسطينية تنتج عنها حكومة من الرجالات الوطنية الصادقة قادرة على التفاوض مع إسرائيل والوصول إلى سلام مستدام.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الجيش الإسرائيلي حركة حماس رأي غزة
إقرأ أيضاً:
مخلفات الإبادة الإسرائيلية.. قنابل موقوتة تهدد حياة الفلسطينيين
في قطاع غزة الذي ارتكب فيه الجيش الإسرائيلي إبادة جماعية، ما تزال المخلفات الحربية والقذائف غير المنفجرة تشكل خطرا داهما على حياة الفلسطينيين، وتهدد بحصاد مزيد من الأرواح و إحداث إعاقات دائمة، وسط غياب أي معدات أو إمكانات للتعامل معها.
ورغم توقف العمليات العسكرية نسبيا، إلا أن آلاف الأطنان من القنابل والمتفجرات التي أسقطت على المدنيين خلال أكثر من خمسة عشر شهراً تحولت إلى قنابل موقوتة مدفونة بين الركام، ما يزيد من معاناة الناس الذين اضطروا لنصب خيامهم بين أنقاض منازلهم المدمرة.
منذ بدء وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، شهد قطاع غزة العديد من حوادث انفجار مخلفات الحرب، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في عدة مناطق، وفق تقارير طبية.
من بين المصابين، كان الضابط بلال المبحوح (37 عامًا)، أحد أفراد إدارة هندسة المتفجرات بشرطة غزة، الذي فقد بصره نتيجة انفجار جسم متفجر أثناء مهمة عمل في جباليا شمال القطاع.
يرقد المبحوح في المستشفى المعمداني بمدينة غزة بعد أن أصيب بشظايا في وجهه وعينيه وجسده، تاركا إياه فاقدا للبصر تماما.
** إشارات يومية
المبحوح قال للأناضول إن إدارته تتلقى يوميا عشرات البلاغات حول وجود قذائف وأجسام غير منفجرة في الشوارع والمنازل والمنشآت التي تعرضت للقصف.
وأضاف أنه في 5 مارس/آذار الجاري، خرج على رأس فريق من هندسة المتفجرات لمعاينة مكان انفجار سابق في شارع "مزايا" شرق جباليا، تسبب في إصابة ثلاثة أطفال.
وأردف المبحوح: "بينما كنا نستمع لشهادات المواطنين ونعاين الموقع، وقع انفجار جديد باغتني وألقى بي على الأرض مضرجا بدمائي".
وأشار إلى أن قوات الاحتلال استخدمت أنواعا مختلفة من الذخائر الإسرائيلية والأمريكية، بعضها لم يكن مألوفا لدى خبراء المتفجرات في غزة، مضيفا: "لم يتوقف عملنا طوال شهور الحرب، رغم القصف والاستهداف المتكرر".
وأوضح أنهم عملوا على تجميع تلك المخلفات في مخزن خاص شمال غزة، إلا أنه تعرض للهدم والتجريف من الجيش الإسرائيلي خلال العملية البرية في جباليا.
وأردف بالقول: "تم تدمير مقار عملنا جميعها، والمكان الذي كنا نجمع فيه بقايا ومخلفات الصواريخ غير المنفجرة، بما يحتويه من معدات بسيطة كنا نستعين بها في عملنا".
** غياب معدات السلامة
وأكد الخبير الفلسطيني أن عناصر هندسة المتفجرات يعملون بصدور عارية مع انعدام معدات السلامة، حيث تمنع إسرائيل إدخال أي تجهيزات أو معدات متخصصة.
وقال بصوت خافت: "نغادر منازلنا للعمل مدركين أننا قد لا نعود، لكننا نتحمل مسؤوليتنا لحماية المدنيين".
وعن طبيعة حالته الصحية، لفت المبحوح إلى أنه فقد بصره بشكل كامل، ويأمل في السفر للعلاج خارج قطاع غزة.
** 30 ألف قنبلة موقوتة
من جانبه، كشف العقيد محمد الزرقة، المتحدث باسم الشرطة بغزة، أن هناك تقديرات بوجود أكثر من 30 ألف جسم متفجر من مخلفات الحرب منتشرة في القطاع، تشكل خطرًا كارثيًا على حياة المدنيين.
وقال الزرقة في حديث للأناضول إن تلك الأجسام تشكل قنابل موقوتة تهدد حياة المواطنين، وتحتاج إلى إمكانيات كبيرة لإزالتها وتحييد خطرها.
وأضاف أن طواقم هندسة المتفجرات بالشرطة يعملون بإمكانات بسيطة للغاية، ومع انعدام تام لإجراءات ومعدات السلامة، وحتى للمركبات لنقل الأجسام الخطرة من أماكنها.
وأوضح أنه "مع هذا الواقع الصعب، يضطر عناصر الهندسة إلى التعامل جزئياً مع تلك المخلفات عبر نزع الصواعق ونقل الأجسام إلى مكان بعيد عن تواجد السكان"، مضيفاً أنها بحاجة للفحص ثم الإتلاف إلا أن ذلك متعذر حالياً لنقص الإمكانات.
وتابع: "يتم إزالة الأجسام صغيرة الحجم، أما القنابل ذات الأوزان الثقيلة فيتم الاكتفاء بتأمين محيطها ومنع اقتراب المدنيين منها، لحين توفر إمكانية إخلائها من المكان".
** صعوبة التعامل
ولفت الزرقة إلى أن آلاف الأطنان من الذخيرة والقنابل الملقاة على غزة خلال شهور الحرب تتطلب إمكانات هائلة في التعامل معها، من خلال عمليات المسح الهندسي لجميع المناطق في قطاع غزة.
وبين أن "هذا الأمر متعذر في ظل الظروف الحالية، فإمكاناتنا المتواضعة لا تسمح بذلك، كما أننا بحاجة إلى أعداد كبيرة من الطواقم العاملة المدربة لهذه المهام، ناهيك عن الاحتياج إلى إزالة الركام قبل بدء العمل".
وطالب متحدث الشرطة المجتمع الدولي والمؤسسات ذات العلاقة إلى التدخل العاجل من أجل إمداد قطاع غزة بالمعدات الخاصة لعمل هندسة المتفجرات؛ لتحييد خطر الأجسام والمخلفات غير المنفجرة على حياة السكان.
وأشار إلى أن "الضابط المصاب (المبحوح) ليس الضحية الأولى لانفجار مخلفات الحرب، ولن يكون الأخير في ظل استمرار منع الاحتلال إدخال الآليات الثقيلة لإزالة الركام، والمعدات اللازمة لعمل هندسة المتفجرات".
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.