إسطنبول/ الأناضول دفع مقتل الفتى الفرنسي من أصول جزائرية نائل مرزوقي، برصاص شرطي فرنسي والاحتجاجات التي شملت الكثير من المدن إلى تسليط الضوء على الضواحي التي طالما عانت من الإهمال والتهميش والعنصرية، وعنف مبالغ فيه للشرطة في التعامل مع فتيان يافعين ومندفعين. كيف تشكلت الضواحي في فرنسا؟ تمثل الضواحي البلديات التي تقع على أطراف مراكز المدن وترتبط بها عمرانيا، ويقطنها في الأغلب مهاجرون عرب وأفارقة قادمون من المستعمرات الفرنسية السابقة.
بدأت تتشكل ظاهرة الضواحي أو الأحياء الشعبية بمفهومها الحالي بعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، حيث استعانت
فرنسا بأبناء مستعمراتها لإعادة بناء ما دمرته الحرب، في ظل نقص عمالتها المحلية وترفعها عن الأعمال الشاقة أو الملوثة. وفي هذا الصدد، يقول الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، إن “المهاجرين لم يأتوا بمفردهم وإنما تم جلبهم بالشاحنات والقوارب، لأن فرنسا كانت بحاجة إلى العمالة في المناجم وصناعة السيارات والأشغال العامة وجميع الصناعات الملوثة التي يرفضها الفرنسيون”. في خمسينات وستينات القرن الماضي تم جلب أعداد كبيرة من المهاجرين إلى فرنسا للعمل في المناجم والمصانع والبناء والأشغال العامة، مقابل أجور زهيدة مقارنة بنظرائهم الفرنسيين. وفي هذا السياق، وقعت فرنسا مع الجزائر اتفاقية 1968، التي بموجبها منحت باريس امتيازات استثنائية للجزائريين لدخول أراضيها والإقامة بها والعمل، وحتى لمّ شمل عائلاتهم. لم يمض حينها على استقلال الجزائر سوى 6 سنوات، لذلك اضطر آلاف الشباب للهجرة إلى فرنسا نظرا لأن فرص العمل بالبلاد كانت محدودة والفقر كان منتشرا، ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي بسبب الصراع المسلح على السلطة، وكثرة التمردات والانقلابات في الفترة ما بين 1962 و1967. وما كان يجري في الجزائر حينها نسخة مصغرة لما جرى في المستعمرات الفرنسية الأخرى في إفريقيا في مرحلة ما بعد التحرر، ما أدى إلى هجرة مئات الآلاف من الشباب الأفارقة إلى فرنسا من أجل العمل والبحث عن حياة أفضل. وتشير التقديرات إلى أن أعداد المهاجرين ارتفعت من 1.7 مليون شخص عام 1946 إلى ما يزيد قليلا على 3.5 ملايين أوائل التسعينات، وفق المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في فرنسا (إنسي). ووفق ذات المصدر، فإن ما يزيد قليلا عن 20 مليون شخص (36.5 بالمئة) يعيشون في الضواحي الموزعة على 3 آلاف و395 بلدية. إلا أن الضواحي الأكثر فقرا وتهميشا لا تتجاوز 1514 منطقة ذات الأولوية، حيث ينتشر المهاجرون وأبناؤهم، ويبلغ عدد سكانها نحو 5.5 ملايين نسمة، وفق دراسة لمعهد “مونتاني”. ما المشاكل التي يعاني منها سكان الضواحي؟ لاستيعاب الأعداد الكبيرة من العمالة العربية والإفريقية في فرنسا في الستينات تم بناء أبراج سكنية مكتظة بالمهاجرين في الضواحي، كثيرٌ منها عبارة عن مراقد وغرف ضيقة يُحشر فيها أكبر عدد ممكن من الأشخاص، في ظروف صعبة. والأوضاع ازدادت سوءا في السبعينات، إذ سمحت الحكومة الفرنسية للمهاجرين في العام 1974 بلمّ شمل أسرهم، دون أن يتم توفير لهم مساكن لائقة. وُلدت أجيال جديدة من المهاجرين كثير منهم لا يحمل سوى الجنسية الفرنسية ولا يتقنون سوى اللغة الفرنسية، ومع ذلك يتهمون بأنهم لم يندمجوا كفاية، مع تعرضهم أكثر للإهمال والتهميش والعنصرية، وفق شهادات ودراسات متخصصة. وما زاد الطينة بلة، إغلاق فرنسا الكثير من المناجم وتحول المصانع نحو استخدام الروبوتات بدلا من اليد العاملة المهاجرة، ما أدى إلى انتشار البطالة والفقر وسط المهاجرين وأبنائهم، في ظل شعورهم بالظلم والتهميش. كما فرّخت عصابات الأحياء وتجار المخدرات والسلاح في الضواحي، ونشط الاقتصاد الموازي للممنوعات، وانتشرت المواجهات المسلحة بين العصابات على مناطق النفوذ التي أصبحت خارجة عن السيطرة الأمنية، وتحولت العائلات إلى رهينة في هذه الأحياء الشعبية البائسة. هذا الوضع جعل سكان الضواحي هدفا لسهام أحزاب اليمين المتطرف، رغم أنهم لعبوا الدور الأبرز في بناء فرنسا الحديثة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويساهمون بالنصيب الأهم في الضمان الاجتماعي، الذي يستفيد منه كل الفرنسيون، وفق دراسة لمعهد مونتاني للبحوث والدراسات. لماذا فشلت فرنسا بمعالجة أزمة الضواحي؟ منذ السبعينات، تفطنت السلطات الفرنسية لمشكلة الضواحي والفروقات الاجتماعية مع بقية المناطق، واتخذت عدة إجراءات على مدى أربعة عقود لتقليص الفوارق، لكنها لم تتخلص من المعالجة الأمنية لمشاكل الضواحي. فقد أنفقت السلطات الفرنسة 10 مليارات يورو سنويا على الضواحي للحد من الفقر والبطالة وتحسين التعليم وتحقيق الرفاهية، وسد الفجوة مع بقية المناطق. ورغم ذلك سجلت الحكومة الفرنسية عجزا سنويا بمليار يورو في الإنفاق على الخدمات في هذه المناطق، وفق دراسة لمعهد مونتاني (الجبل)، أجريت في العام 2020. ووفق هذا المعهد، لدى الضواحي القليل من كل شيء؛ عدد أقل من المعلمين وأقل خبرة، وعدد أقل من ضباط
الشرطة وأقل خبرة، وعدد أقل من القضاة وأقل خبرة، وعدد أقل من المرافق الرياضية والثقافية.. إلخ. ومع الحديث عن قلة خبرة أفراد الشرطة العاملين بالضواحي، يقول عالم الاجتماع الفرنسي سباستيان روشي: “على مدى السنوات العشرين الماضية، قتلت الشرطة الفرنسية أكبر عدد من المواطنين في أوروبا” إذا أخذنا في الاعتبار نسبة عدد الوفيات إلى عدد السكان، وفق ما نقلته عنه وسائل إعلام محلية بينها موقع “20 دقيقة”. ويقول روشي: “قتلت الشرطة والدرك في فرنسا بإطلاق النار 50 بالمئة أكثر من الشرطة الألمانية، و377 بالمئة أكثر من بريطانيا”. حيث قتل عناصر الشرطة والدرك الفرنسيين 444 شخصا، بينهم 26 يصفونهم بـ”الإرهابيين” بين عامي 1977 و2020، حسب تقرير سنوي للمفتشية العامة للشرطة والمفتشية العامة للدرك الوطني. شباب الضواحي كانوا الأكثر عرضة لعنف الشرطة، إذ قتل منهم 13 شخصا في العام 2022، بسبب رفضهم الامتثال لعمليات تدقيق مرورية. وجاء مقتل الفتى نائل (17 عاما) برصاص شرطي بسبب مخالفة مرورية، ليفجر غضب شباب الضواحي، متهمين الشرطة بالعنصرية وقتل الأطفال، وفق شعارات رفعت خلال مظاهرات منددة بالواقعة.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
فی فرنسا
إقرأ أيضاً:
زعماء أوروبيون يناقشون نشر قوات حفظ سلام في أوكرانيا
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن فكرة نشر قوات حفظ سلام أجنبية في أوكرانيا قد تطرح في اجتماع لزعماء أوروبيين في بروكسل غداً الأربعاء.
وقالت مصادر إن الاجتماع الذي سيناقش الدعم لأوكرانيا، بعد مرور ما يقرب من 3 أعوام على الغزو الروسي الشامل، سيضم زعماء ألمانيا، وفرنسا، وبولندا، وحلف شمال الأطلسي إلى جانب دول أخرى.
وطرح الرئيس الأوكراني علناً في اجتماع مع سياسي ألماني في 9 ديسمبر (كانون الأول) فكرة نشر قوات أجنبية إلى أن تتمكن أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
خبير: هناك حاجة إلى 150 ألف جندي لحفظ السلام في أوكرانيا - موقع 24يرى الخبير العسكري النمساوي، الكولونيل ماركوس رايسنر، أنه لا يمكن ضمان تحقيق سلام محتمل في أوكرانيا إلا من خلال قوات قوية لحفظ سلام. وأثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه الفكرة لأول مرة في فبراير (شباط) الماضي، دون إجماع الزعماء الأوروبيين في هذه المسألة.
وفي رده على أسئلة الصحافيين عن مناقشة الفكرة في بروكسل، قال زيلينسكي: "كل من سيحضر الاجتماع له الحق في إثارة هذه القضية أو تلك".
وقال في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك في لفيف: "لن تكون هناك أسئلة عن القوات الأجنبية فحسب، بل أيضاً أسئلة ستطرحها أوكرانيا".
وقال
زيلينسكي إن التعزيز العاجل لقوة أوكرانيا سيكون الموضوع الرئيسي للنقاش. ونوه إلى قدرات الدفاع بعيدة المدى، واستثمارات الحلفاء في إنتاج الأسلحة الأوكرانية، وضمانات الأمن من بين قضايا أخرى.
ويأتي الاجتماع في وقت حاسم حيث تحث أوكرانيا حلفاءها على دعمها عسكرياً ودبلوماسياً قبل أي محادثات محتملة مع روسيا.
ودأب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي سيعود إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) على الدعوة إلى وقف إطلاق النار،
وقال إن على زيلينسكي أن يكون مستعداً لإبرام صفقة لإنهاء الحرب.
وأكد توسك أن بولندا لا تفكر في إرسال قوات لكنه قال إن بلاده، وهي واحدة من أقوى المؤيدين لأوكرانيا، ستبذل كل ما في وسعها لجعل عضوية كييف في حلف شمال الأطلسي، احتمالاً حقيقياً.
وقال توسك: "علينا جميعا التركيز على ضمان منع أي محادثات لوقف إطلاق النار من موقف قوة في الجانب الروسي، ما يعني أن أوكرانيا يمكن أن تكون واثقة من الدعم الكامل من كل البلدان المشاركة في مساعدتها".