الجزيرة:
2024-07-06@16:11:14 GMT

المسألة الفلسطينية بين سلطة صورية وحركة تحرر وطني

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

المسألة الفلسطينية بين سلطة صورية وحركة تحرر وطني

 

حين اندلعت انتفاضة الأقصى في عام 2000 لم يتمكن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من حضور قمة عربية انعقدت بالقاهرة وقتها لتأييد الفلسطينيين؛ لأنّ إسرائيل لم تسمح لطائرته بالإقلاع من رام الله، التي اتخذها عاصمة "مؤقتة" لدولة فلسطينية، ربما اعتقد أنّ قيامها قد اقترب.

اضطُر عرفات يومها إلى إلقاء كلمة عبر تقنية "الفيديو كونفراس"، كبت فيها دموعه، وهو يشعر بأنه جاء إلى الضفة الغربية ليسجن، وليس ليقيم للفلسطينيين حكومة وطنية ترعى شؤونهم، وتنتزع البلدات واحدة تلو الأخرى في سبيل بلوغ الدولة الفلسطينية المبتغاة، وعاصمتها القدس الشرقية.

بعد أربع سنوات من هذه الواقعة أدرك عرفات وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، أن الإسرائيليين قد خدعوه، فقوّة الدفع الكبرى التي صنعتها الانتفاضة الأولى 1987 – والتي عرفت بـ "انتفاضة الحجارة"- للقضية الفلسطينية لم تنجح اتفاقية أوسلو في ترجمتها إلى ما يكافئ زخمَ الانتفاضة الكبيرَ من ثمار، بعد أن فرغتها تل أبيب من مضمونها تباعًا، عبر تفاوض شاق، صار نوعًا مملًا وممضًا في إدارة التعثر المزمن، أكثر منه وسيلة لإيجاد حل للمشكلة والمسألة الفلسطينية.

"هات وخذ"

وحين جاء محمود عباس "أبو مازن"، خلفًا لعرفات، وجد نفسه مكبلًا بأشياء كثيرة، مع فقدان كاريزما القائد الراحل ورمزيته التاريخية التي كانت تعطي الفلسطينيين بعض العذر له والتعويل عليه. فعبر نصوص سلسلة من الاتفاقيات والتفاهمات والبروتوكولات- وأكثر منها سلطة أمر واقع إسرائيلية قاسية باطشة- تحولت "السلطة الوطنية الفلسطينية" إلى أشبه بشرطي يعمل لحساب الاحتلال، سواء رغب في ذلك أو رغب عنه.

هكذا تحوّلت أوسلو من فرصة في يد الفلسطينيين- كما تصوّرت قيادتهم، وَفق مطلب "خذ وطالب"- إلى فخ سقطت فيه القضية الفلسطينية برمتها، حين نُزعت القدرة على الغضب من عروق كثير من قادتها، بعد أن تحولوا من مناضلين إلى مديرين، وبعضهم صاروا رجال مال وأعمال.

لم تعطِ إسرائيل فرصة لـ "سلطة" أوجدتها أوسلو كي تنتقل من حالة "صورية" إلى حالة "فعلية"، تجعل عموم الشعب الفلسطيني يقتنع بأنّ الطريق إلى نيل حقوقه واسعة ومعبّدة، ويمكنه أن يمضي فيها دون اضطرار إلى حمل السلاح، بل عليه فقط أن يكتسب مهارات التفاوض، ويتكئ وقت اللزوم على كل ما خرج من تحت إبط رعاية دولية تقوم على أكتاف أكبر قوى عالمية.

لم يؤدِ هذا الوضع بالطبع إلى برود أعصاب كل الفلسطينيين، أو استسلامهم، أو إعلان إرهاقهم في نهاية ماراثون طويل مثلما فعل مخاتيرهم، فقد كان المجال العام الفلسطيني يزدحم دون هوادة بوارد جديد من شباب، كانوا قبل سنوات هم أطفال الحجارة، وقد أدركوا أن الحجر سيصنع مشهدًا رمزيًا عظيمًا في وجه الدبابة، لكنه لا يوقفها عن إطلاق النار على الأجساد والبيوت والمزارع حين يريد الجندي الإسرائيلي ذلك، في أي وقت، وهو يعرف أنه في مأمن من العقاب.

أثناء انتفاضة الحجارة- التي تعدّ من أسمى أشكال المقاومة المدنية والرمزية في تاريخ الإنسانية- وُلد السؤال الكبير: أين القوة القادرة على تغيير المعادلة؟ في ذلك الوقت كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد استمرأت الانتقال من الساحات إلى الطاولات، ومن الخنادق إلى الفنادق، ما التهم جزءًا كبيرًا من رمزيتها وجلالها وهيبتها، بل ومشروعيتها، في نظر كثير من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والشتات والمهجر، باعتبارها "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني".

لم تشفِ السلطات المنقوصة، والصلاحيات المحدودة، صدورَ أولئك الذين يؤمنون بضرورة تحرير فلسطين من "النهر إلى البحر" أو حتى الذين يقتنعون بحل الدولتين، ويريدون للدولة الفلسطينية أن تكون كاملة السيادة على الأرض التي كان عليها الفلسطينيون في الرابع من يونيو 1967. أما الذين يقتنعون بأن الصيرورة التاريخية ستأخذ الجميع في نهاية الصراع إلى الدولة الواحدة متعددة الأديان والأعراق، فإنهم يرون قيام سلطة شكلية في رام الله يؤخر بلوغ هذا الهدف.

مع توالي الممارسات الإسرائيلية القسرية، المتراوحة بين سجن الفلسطينيين إلى ارتكاب حروب إبادة ضدهم، مرورًا بالاستيلاء على الأرض والبيوت وتضييق الرزق، ظل الشعور بأن المسار الوحيد الذي يجب أن يسلكه الشعب الفلسطيني هو المقاومة، بشتى أشكالها: المسلحة، والمدنية، وحتى بالحيلة والصبر.

راح هذا الشعور يكبر مع إفشال السلطة الفلسطينية المتعمد، بل الحطّ من مكانتها، وترسيخ صورة لها في أذهان الشباب الفلسطيني على أنها سلطة شكلية تابعة مأمورة، وضعتها إسرائيل على رؤوس الفلسطينيين لتراقبهم وتضبط إيقاعهم على ما تريده تل أبيب، بل وصل الأمر إلى حد اتهامها بالعمالة، فضلًا- بالطبع- عن الفساد والترهل.

ولم يكن أغلب الجيل الجديد الذي التحق بهذه السلطة- سواء في الدبلوماسية والسياسة أو في المفاصل الإدارية- بعيدًا عن هذه الرؤية، فالكل اقتنع بمرور الوقت أن إسرائيل ليست جادة في أن تكون للفلسطينيين إدارة مستقلة. وقد ظهر هذا خصوصًا منذ وصول المفاوضات التي أطلقتها أوسلو إلى المرحلة النهائية التي تخص وضع مدينة القدس والمياه والسيادة. لكن هؤلاء لم يكن بوسعهم التمرّد على الوضع السائد، لاسيما أن مصالحهم الشخصية ارتبطت بهذه السلطة الشكلية.

دور حركة التحرر الوطني

على التوازي، أخذ الاتجاه المقتنع بضرورة العودة إلى حمل السلاح زخمًا شديدًا، وراح يترجم هذا ميدانيًا عبر "حركات تحرر وطني" مختلفة الأيديولوجيات، ومتفاوتة الإمكانات والحضور الجماهيري، وصار بين الفلسطينيين من يؤمنون بشعارات من قبيل "للحرية ثمن"، و" ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".

وكلما حدّثت أيًا من هؤلاء عن النضال السلمي أو العودة إلى التفاوض، قال لك دون مواربة: إسرائيل لن تعطينا شيئًا أبدًا إلا مجبرة. وهناك من يضحك ملء فيه إن سمع حديثك، ثم يسألك في ثقة: كيف لمن يعتقد في أن هناك وعدًا له بدولة تمتد من النيل إلى الفرات أن يعطي الفلسطينيين حقوقهم في الأرض والثروة والسيادة؟

يضع هؤلاء نصب عيونهم ثلاثة أشياء تمكنهم من استعادة دور"حركة التحرر الوطني" التي تنتهج الكفاح المسلح؛ الأول: هو بناء قدرات ذاتية رمزية ومعنوية ومادية، بما فيها حيازة السلاح والتدرب عليه. والثاني: هو الرهان على حكمة التاريخ التي صنعها كفاح شعوب أخرى محتلة حتى نالت استقلالها. والثالث: هو القدرة على تجنيد راغبين في العودة من الرهان على سلطة مقموعة إلى رفع راية التحرر، وإبداء الاستعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقق هذه الغاية النبيلة.

لقد رأينا خلال الأزمة الأخيرة، بعض الفاهمين في إسرائيل نفسها، يتحدثون عن أن تعويق إقامة سلطة حقيقية معترف بها دوليًا في الضفة الغربية وغزة، جعل الشعب الفلسطيني، يفقد الثقة في أن يؤدي المسار الذي نبت فوق طاولات التفاوض، أو حتى تحتها، إلى شيء ملموس.

وإذا كان الأمر كذلك في عيون هؤلاء، فما بالنا بفلسطينيين عانوا من خيبات أمل متلاحقة أصابتهم حين وضعوا جزءًا كبيرًا من رهاناتهم في سلة سلطة، اعتقدوا أنها ستنمو وتتجذر وتتمكن بمرور الأيام، وتوظف الشرعية التي نالتها دوليًا، في قيادة المقاومة، بجميع أشكالها، من أجل نيل الحقوق المهضومة، فإذا بهم يرونها تضمر وتتداعى، ويصير جزءٌ كبيرٌ من جهدها عليهم وليس لهم.

إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هي واحدة من ذُرى النتائج التي ترتبت على إهانة الاحتلال للسلطة الفلسطينية، وانكشاف حقيقة تهرب إسرائيل من النزول، ولو عن جزء بسيط، من حقوق الفلسطينيين، لذا لم يعد أمام أصحاب البذل منهم سوى العودة إلى حمل السلاح، جنبًا إلى جنب مع أشكال عديدة من المقاومة السلمية المدنية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الهلال الأحمر الفلسطيني: النازحون مهددون بالإصابة بوباء الكوليرا

أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" في نبأ عاجل عن "الهلال الأحمر الفلسطيني"، أن النازحين مهددون بالإصابة بوباء الكوليرا جراء تلوث مياه الشرب.

الأمم المتحدة: نحو 1.9 مليون شخص نزحوا في قطاع غزة الأمم المتحدة: نحو 1.9 مليون شخص يُعتقد أنهم نزحوا في غزة السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بشكل كامل

جدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي، أعلن سابقًا، "السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بشكل كامل"، مؤكدا أن قواته تقوم بعمليات تمشيط واسعة بالمنطقة.

وحسب وكالة سبوتنيك، قال الجيش الإسرائيلي، في بيان له، إنه "قتل 20 مسلحا وعثر على 3 أنفاق خلال عملية السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح"، مؤكدا أن "معبر كرم أبو سالم مغلق وسيعاد فتحه عندما تسمح الظروف الأمنية بذلك".

من جهتها، أعلنت هيئة المعابر في غزة، "توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات إلى القطاع من خلال معبري رفح وكرم أبو سالم"، مؤكدة إغلاق معبر رفح بسبب وجود الدبابات الإسرائيلية داخل المعبر.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، مهاجمة أهداف تابعة لحركة حماس شرقي مدينة رفح الفلسطينية. يأتي ذلك بعدما قرر "مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار العملية العسكرية في رفح للضغط على حماس لتحرير الأسرى وتحقيق أهداف الحرب، مع إرسال وفد للقاء الوسطاء في القاهرة لبحث التوصل إلى صفقة مقبولة".

وكان اللواء سيد الجابري الخبير الاستراتيجي ورئيس حزب المصري، قال إن الطرف الثاني في حرب غزة هو شعب قُهر وطُرد من أرضه ومُحتل منذ 75 عامًا، ولديه رغبة أكيدة في التحرر.

كل القرارات التي صدرت لصالح القضية الفلسطينية الطرف الآخر لا يحترمها

وأضاف "الجابري" خلال حواره مع الإعلامي الدكتور محمد الباز ببرنامج "الشاهد" المُذاع على قناة "إكسترا نيوز": "كل القرارات التي صدرت لصالح القضية الفلسطينية الطرف الآخر لا يحترمها".

وتابع: "لكي تتحرر الشعب تحتاج أن تدفع الثمن لأن مفيش حاجة هتتحرر ببلاش، في المنطقة العربية لدينا تجربة الجزائر التي ممكن أن يقتضي بها شعوب أخرى".

وأوضح أن تجربة الجزائر دفعت الثمن مليون شهيد، متابعًا: "أعتقد أن هذا هو الموجود والمترسخ اليوم في الإنسان الفلسطيني، رغم كل المآسي لكنه لديه رغبة دفينة قوية في تحرير نفسه، وهذه هي المرة هي الفرصة التاريخية للشعب الفلسطيني لتحرير نفسه والوصول إلى حل الدولتين ولكي يصل إلى ذلك يجب أن يقدم الفاتورة وتم تقديم الفاتورة بأرواح الشهداء والجرحى والأطفال والدمار البربري الذي نراه"، مؤكدًا أن الفاتورة غالية لكن يجب دفعها.

مقالات مشابهة

  • البرلمان العربي يواصل تحركاته لإيقاف حرب الإبادة في غزة
  • الصحراوي قمعون: القضية الفلسطينية وحروب التضليل
  • الاحتلال ومنهجية الترهيب والقمع.. تدمير الصحة النفسية وعواقبه
  • حماس ترفض أي خطط لإدخال قوات أجنبية إلى غزة
  • حماس تؤكد رفضها أي خطط تتجاوز الإرادة الفلسطينية بشأن مستقبل غزة
  • محلل إسرائيلي: السعودية تريد التحالف معنا.. ضمن حل مسألة غزة
  • تجريم الهوية الفلسطينية في أميركا.. شباب يتحدى سياسة قمع الأفواه
  • إجتماع للقادة الفلسطينيين: ما يُجرى في مخيم عين الحلوة أعمال مجرمة للنيل من حق العودة
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: النازحون مهددون بالإصابة بوباء الكوليرا
  • الفنزويليون يشاركون في انتخابات صورية قبل الانتخابات الرسمية