الخليج الجديد:
2025-05-01@02:49:56 GMT

على الغرب استيعاب هجرة الإسرائيليين

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

على الغرب استيعاب هجرة الإسرائيليين

على الغرب استيعاب هجرة الإسرائيليين

إذا كان ثلث الإسرائيليين قد فكّروا في الهجرة قبل شنّ الحرب على غزّة، فكم تبلغ النسبة بعد وقوع الحرب؟

لأبناء قطاع غزة أمكنة قريبة منهم ينتسبون إليها، وقد أُخرج آباؤهم وأجدادهم قسراً منها قبل 75 عاماً، وما زالوا على ارتباط روحيٍّ وثيق بها.

تتكبّد إسرائيل خسائر يومية في الأرواح ونزفاً اقتصادياً، وهو لا يُقارن، بطبيعة الحال، بحرب الإبادة التي يتعرّض لها أكثر من مليونين من أبناء غزّة.

من الواجب أن لا تتلكأ دول الغرب وبقية الدول في استيعاب مزيد من الهجرة الطوعية المتنامية للمهاجرين الإسرائيليين، وحتى التشجيع عليها من منظور إنساني.

دعوات الاحتياطي للالتحاق بالجيش الإسرائيلي، والتي تشمل من هم في سن الخمسين من أجل خوض حرب طويلة، فليست من التطوّرات التي تثير الطمأنينة.

تتوفر البلاد على ملاذ لأكثرية أبناء قطاع غزّة، وعودتهم الواجبة الى البلدات التي تم تهجيرهم منها في 1948، وبعضها يقع في لواء اللد، وأكثرها في "غلاف غزّة "، أو بئر السبع.

بدل مخاوف اندلاع حرب أهلية إسرائيلية على خلفية الانقسام بشأن التعديلات القضائية، هناك حرب حقيقية ناشبة، وصافرات الإنذار تنطلق في أي وقت وأي مكان.

* * *

تتساءل الإسرائيلية ساعر شموئيل: "إلى أين يمكن الهجرة من دون تأشيرة وإلى مكان قريب، ليس لدي مشكلة مع الدخل، لديّ مشكلة مع التأشيرة، هل من توصيات؟".

وتكتب كريمن روسو "أريد مغادرة البلاد، وكنت أفكّر في الهجرة إلى السويد أو النرويج، ولا أحمل الجنسية الأوروبية، ماذا عليّ أن أفعل؟". وفي الاتجاه نفسه، كتبت آيه رعايا "نمتلك جوازات سفر إسرائيلية فقط، ومدّخرات قدرها 300 ألف، وطفلتي تبلغ ثلاث سنوات، وزوجي في قلق حقيقي، يقول إنها ستتحول إلى حرب عالمية، وعلينا الهروب أطول فترة ممكنة".

تتوجه التساؤلات السابقة إلى حملة "لنغادر معاً"، كما ورد في تقرير لمحمد وتد على موقع الجزيرة نت. وتضم مجموعة الحملة في تطبيق "واتساب" 676 مشاركاً، غالبيّتهم العظمى من الإسرائيليين، وبعضهم من اليهود المقيمين في دول مختلفة، وبخاصة في أوروبا وكندا وأميركا. ويرد في التقرير أن أكثر من 230 ألف إسرائيلي غادروا منذ عملية طوفان الأقصى حتى 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.

ومنذ "7 أكتوبر"، تأتي الأخبار شبه اليومية عن تدافع حشود من الإسرائيليين للمغادرة، لكن الحرص على عدم تكرار نشر الأخبار نفسها يؤدّي إلى تقطع المتابعة الإعلامية لهذا الحدث. وقد أدّى خروج مطار بن غوريون عن الخدمة مؤقتاً إلى تحفيز إسرائيليين على المسارعة في المغادرة ما إن أُعيد افتتاح المطار.

وبالنظر إلى امتلاك إسرائيليين كثيرين جوازات سفر أجنبية فقد سهّل لهم هذا فرصة المغادرة، بيد أن كثيرين لا يمتلكون مثل هذه الوثائق، وهم ممن يتلقّون العون والإرشاد من حمْلة "لنغادر معاً". وبينما يقصد إسرائيليون كثر بلدين قريبين؛ اليونان وقبرص، فإن آخرين يسعون إلى الهجرة إلى البرتغال وفيتنام وغيرهما.

ترتبط موجة الهجرة الحالية بعملية اقتحام مستوطنات غلاف غزّة، غير أن الهجرة بدأت قبل ذلك، في حمى التوتّرات الاجتماعية التي رافقت التعديلات القضائية التي أطلقتها حكومة بنيامين نتنياهو، واشتداد وتيرة التظاهرات الاحتجاجية على تلك التعديلات.

ولو لم يتم فرض حالة الطوارئ التي تحِدّ من مظاهر الحياة الطبيعية، لكانت التظاهرات قد تواصلت بعد أن أوقفتها حالة الطوارئ عند أسبوعها الأربعين.

وفي استطلاع للرأي أجرته القناة 13 الإسرائيلية، في يوليو/ تموز الماضي، تبين أنّ نحو ثلث الإسرائيليين يفكّرون في مغادرة البلاد، مع إصرار حكومة نتنياهو على تمرير التعديلات القضائية، غير أن الوضع حالياً بات أسوأ، فإضافة إلى شبح الديكتاتورية، وشبح تراجع الوضع الاقتصادي، هناك واقع اضطراب حبل الأمن بصورة شديدة.

وبدلاً من المخاوف من اندلاع حرب أهلية على خلفية الانقسام بشأن التعديلات القضائية، هناك حالياً حرب حقيقية ناشبة، وصافرات الإنذار تنطلق في أي وقت وأي مكان.

أما دعوات الاحتياطي للالتحاق بالجيش، والتي تشمل من هم في سن الخمسين من أجل خوض حرب طويلة، فليست من التطوّرات التي تثير الطمأنينة. وإذا كان ثلث الإسرائيليين قد فكّروا في الهجرة قبل شنّ الحرب على غزّة، فكم تبلغ النسبة بعد وقوع الحرب؟

لا يُقارَن وضع الإسرائيليين بما يعانيه الفلسطينيون الذين يتعرّضون لحرب وحشية مباشرة على بيوتهم وعائلاتهم وأجسادهم، ومع ذلك يشعر الإسرائيليون بأن دولتهم لم تعد مكاناً آمناً للعيش، وبأن من حقّهم تغيير مكان إقامتهم. وقد توقع تقرير في صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار الحرب وتصاعد التوترات على الجبهة الشمالية مع لبنان، والمواجهات المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة.

ورغم أن أرقاماً محدثة لم ترشح عن أعداد المهاجرين الإسرائيليين، إلا أن هناك أرقاماً تتعلق بفئة أخرى أضرت بها التطورات ضرراً شديداً، فقد أفاد مركز دراسات إسرائيلي يوم 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي بأن أكثر من ربع مليون إسرائيلي نزحوا من منازلهم في جنوبي البلاد وشماليها، منذ بداية الحرب على قطاع غزّة، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وأفاد مركز دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب على موقعه الإلكتروني أنه "منذ بداية الحرب تم إخلاء 64 بلدة إسرائيلية في شمالي البلاد وجنوبيها". وهذه ظاهرة لا سابق لها في تاريخ المواجهات.

وبما أن الحرب على غزّة وأبنائها مرشّحة لأن تمتدّ شهوراً، كما بشّر وزير الحرب يوآف غالانت، سوف يبقى النازحون الإسرائيليون على نزوحهم، ومن الطبيعي، في هذه الظروف، أن تسعى نسبة من هؤلاء إلى اللجوء والهجرة إلى الخارج.

ليست موجة الهجرة الحالية الوحيدة والأولى من "أرض اللبن والعسل"، فقد شهدت الدولة الإسرائيلية موجاتٍ من الهجرة على إيقاع التصعيد الأمني (التعبير الملطف عن التنكيل الجماعي بالفلسطينيين) منذ عام 1987، غير أن الوضع هذه المرّة يختلف.

إذ تتكبّد الدولة خسائر يومية في الأرواح ونزفاً اقتصادياً، وهو لا يُقارن، بطبيعة الحال، بحرب الإبادة التي يتعرّض لها أكثر من مليونين من أبناء غزّة، غير أن الإسرائيليين لم ينذروا أنفسهم للمعاناة وبذل التضحيات كما هو حال الفلسطينيين الذين يدركون أن اقتلاعهم من أرضهم التاريخية هو في قلب المشروع الصهيوني، وهو هدف رئيس لهذه الحرب الوحشية.

وبما أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين هم من ذوي الجذور الأوروبية والغربية عموماً، بما يشمل أميركا وكندا وأستراليا، وبما أن نسبة أخرى فشلت في الاندماج، كما هو حال يهود روس ظل انتماؤهم معلقاً ما بين روسيا وإسرائيل، فإن من الواجب أن لا تتلكأ دول الغرب وبقية الدول في استيعاب مزيد من الهجرة الطوعية المتنامية للمهاجرين الإسرائيليين، وحتى التشجيع عليها من منظور إنساني، فسوف يكون لذلك انعكاسات إيجابية على بؤرة التوتر والصراع.

فالمنحدرون من أبناء الجيل الثالث أو الرابع أو الخامس لقدامى المهاجرين اليهود لن يسوءهم ولن يصادفوا صعوبة في العودة إلى مواطن أجدادهم في بولندا وفرنسا وألمانيا وجمهوريات البلطيق ورومانيا وبلغاريا على سبيل المثال.

فيما تتوفر البلاد على ملاذ لأكثرية أبناء قطاع غزّة، وذلك بعودة هؤلاء الواجبة الى البلدات التي تم تهجيرهم منها في 1948، وبعضها يقع في لواء اللد، وأكثرها في "غلاف غزّة "، أو غير بعيد عنه في قضاء بئر السبع، فلهؤلاء أمكنة قريبة منهم ينتسبون إليها، وقد أُخرج آباؤهم وأجدادهم قسراً منها قبل 75 عاماً، وما زالوا على ارتباط روحيٍّ وثيق بها.

*محمود الريماوي كاتب صحفي وروائي من الأردن

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل غزة الغرب حماس طوفان الأقصى الهجرة الطوعية التصعيد الأمني التعدیلات القضائیة الحرب على أکثر من قطاع غز غیر أن

إقرأ أيضاً:

الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية

يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.

اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.

مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.

مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.

مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.

الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.

فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.

مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.

فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.

فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.

سماء عيسى شاعر عُماني

مقالات مشابهة

  • سلاح المدارس الصيفية يفسد مكائد العدو
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • الدولار يحافظ على قوته وسط استيعاب المستثمرين لبيانات التعريفة الجمركية
  • أوروبا ومخاطر الحرب المستعرة ضد المهاجرين
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • اجتماع للجنة دراسة ظاهرة هجرة العقول والكفاءات اليمنية برئاسة الوزير باجعالة
  • البلد دي ماشة وين
  • الشرع يحذر من دعوات “قسد” التي تهدد وحدة البلاد وسلامة التراب السوري
  • سوليفان يكشف تجاهل نتنياهو مسألة الأسرى الإسرائيليين لأشهر خلال مفاوضات عهد بايدن