هل سيدفع الأردن الثمن؟
أيّ ثمنٍ أكبر سيدفعه الأردن نتيجة التوافق مع الأجندة الإسرائيلية اليمينية أو الوقوف بوجه أهدافها التي ترى الأردن فقط بوصفه وطناً بديلاً للفلسطينيين؟
تصعيد وتصاعد كبير في التوتر بين عمّان وتل أبيب، بل لا نبالغ، أو نبتعد عن الصواب، إن وصفناهما بالحرب الدبلوماسية الشرسة التي يخوضها الأردن في مواجهة إسرائيل.
أيّاً كانت خلافات الأردن السياسية مع حماس، وأياً كانت انعكاساتها الداخلية في العلاقة مع المعارضة الإسلامية، فإنّ هنالك خطراً وتهديداً أكبر اليوم هو المشروع الإسرائيلي.
إن كانت عمليات إسرائيل تجري في غزّة، فعينها على الضفة الغربية، كما في حرب 1967، عندما كانت تنظر لاحتلال القدس والضفة الغربية بوصفهما الجائزة الكبرى من الحرب.
مع انهيار معسكر السلام وتراجع نفوذ العلمانيين بصورة حادّة بالعقود الأخيرة، ينبغي التفكير في الثمن الذي سيدفعه الأردن، ويفترض أن يتجاوز فقط المخاوف التقليدية، وينظر للإطار العام للمشهد.
* * *
من الواضح أنّ هنالك تصعيداً وتصاعداً كبيراً في التوتر بين عمّان وتل أبيب، بل لا نبالغ، أو نبتعد عن الصواب، إن وصفناهما بالحرب الدبلوماسية الشرسة التي يخوضها الأردن في مواجهة إسرائيل على جبهات عدة، الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية، الاتصالات والتأثير على مواقع الدول الأوروبية عموماً، وفي الضغوط المتبادلة بين الطرفين على أروقة القرار الأميركي.
هذا الموقف الأردني، وإنْ يحظى بتأييد شعبي جارف، وله في أوساط السياسيين والنخب المختلفة رصيد كبير، ويحظى بارتياح ملحوظ لدى الشارعين الأردني والفلسطيني، يثير قلق اتّجاه من السياسيين الأردنيين المحافظين، بدأ يهمس، أخيرا، بهواجسه من خطورة التصعيد والتحدّي الأردني لإسرائيل.
ويرون أنّ على الأردن الحذر والانتباه من الانزلاق إلى مواجهةٍ أكبر من إمكاناته مع إسرائيل والإدارة الأميركية وعدة دول عربية تحمل مواقف مبطّنة (على خلاف ما تعلنه).
وتستحضر هذه "النخبة" العزلة الأردنية بعد حرب الخليج 1991، عندما وجد الأردن نفسه منبوذاً من دول عربية، ودفع ثمن هزيمة صدّام حسين على أكثر من صعيد. بالتالي، من الخطأ، وفقاً لهذا الاتجاه، أن يضع الأردن أوراقه في سلّة الحرب على غزّة، ويكون خارج إطار حسابات "المنتصرين" (على أساس أن الانتصار محسوم للطرف الآخر)، فيدفع أثماناً أخرى عديدة!
عزّز من مخاوف هذه النخبة التصعيد في التصريحات المتبادلة، بداية من خطاب الملك عبد الله الثاني في القاهرة للسلام، ومقابلتي الملكة رانيا مع "سي أن أن"، وبخاصة الحرب الإعلامية - الدبلوماسية المعلنة، التي يقودها وزير الخارجية أيمن الصفدي في مواجهة الحرب الإسرائيلية، والردود التي أصبحت إسرائيل تعلنها ضد الأردن، وجديدها أخيرا ما قاله رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بنيت ردّاَ على الصفدي بخصوص عدم توقيع عمّان اتفاقية الماء والطاقة مع إسرائيل.
ويتخوّف التيار المحافظ من أنّ يتمادى الصفدي، الذي أصبح نجماً جماهيرياً في الأوساط الشعبية، في المواجهة مع الإسرائيليين، بالرغم من إقرارهم بأنّه لا يمكن أن يفعل ذلك إذا لم يكن هنالك "ضوءٌ أخضر" من الملك.
سألتُ مسؤولاً رفيعاً في مراكز القرار عن رأيه بهذه الهواجس والخوف من الأثمان المفترضة؛ وعما إذا كان الأردن بالفعل يخوض مغامرة سياسية كبيرة، ويجازف كثيراً بالتورّط في صراع مع إسرائيل، فاستبعد، بدايةً، التشبيه بما حدث في حرب 1991، لأنّ الظروف والشروط والسياقات مختلفة ومتباعدة، ولأنّ الحكومة اليمينية الإسرائيلية اليوم هي التي تواجه تصاعداً في الغضب العالمي، والمواقف الدولية منقسمة، كما أنّ مستقبل نتنياهو نفسه بات شبه محسوم، ولا يوجد موقف دولي- إقليمي شبيه لما حدث في تلك المرحلة.
الأهم من ذلك، وفقاً لمحدّثي، أنّ الموقف الأردن لا ينهض على معايير عاطفيةٍ أو حساباتٍ آنية، بل هو مرتبط بمؤشّرات خطيرة ومقلقة لأجندة إسرائيل تجاه الأردن والهيمنة المطلقة للصهيونية الدينية هناك، التي ترى في "الترانسفير" حلاً وحيداً للمأزق الاستراتيجي الإسرائيلي مع المعضلة السكّانية الفلسطينية، ولتنفيذ أوهامها الدينية المتعلقة بالسيطرة على كامل أرض فلسطين، فالأردن يتعامل مع معطياتٍ جديدةٍ خطيرة وتهديد بدأ يأخذ طابعاً جدّياً واستراتيجياً لأمنه القومي، وحتى للسلم الأهلي الداخلي، في ظل فراغ استراتيجي عربي سافر.
إذاً، أيّاً كانت الخلافات السياسية الأردنية مع حركة حماس، وأياً كانت انعكاساتها الداخلية في العلاقة مع المعارضة الإسلامية، فإنّ هنالك خطراً وتهديداً أكبر، اليوم، يتمثّلان في المشروع الإسرائيلي، الذي وإن كانت عملياته تجري في غزّة، فإنّ عينه على الضفة الغربية، كما كانت الحال في حرب 1967، عندما كانت إسرائيل تنظر إلى احتلال القدس والضفة الغربية بوصفهما الجائزة الكبرى من الحرب، لأنّهما في صلب الوعود التوراتية والاعتبارات القومية والدينية اليهودية، وبالتالي، عاجلاً أم آجلاً، مع انهيار معسكر السلام وتراجع نفوذ العلمانيين بصورة حادّة خلال العقود الأخيرة، التفكير في الثمن الذي سيدفعه الأردن، من المفترض أن يتجاوز فقط المخاوف التقليدية، وينظر إلى الإطار العام للمشهد.
والسؤال هو: أيّ ثمنٍ أكبر سندفعه؛ هل هو بالتوافق مع الأجندة الإسرائيلية اليمينية، أم الوقوف في وجه هذه الأهداف التي ترى الأردن فقط بوصفه وطناً بديلاً للفلسطينيين؟
*د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق.
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الأردن إسرائيل فلسطين وطن بديل جامعة الدول العربية عبدالله الثاني الملكة رانيا أيمن الصفدي
إقرأ أيضاً:
ملك الأردن: وقف الحرب في غزة خطوة فورية لتهدئة شاملة بالمنطقة
قال العاهل الأردني عبدالله الثاني، ملك الأردن، إن وقف الحرب على غزة هو الخطوة الأولى والفورية التي يجب اتخاذها للتوصل إلى تهدئة شاملة بالمنطقة، حسبما نقلت قناة القاهرة الإخبارية في نبأ عاجل لها.
وبحث ملك الأردن عبدالله الثاني هاتفيا مع المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف جهود التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
بن غفير يهدد نتنياهو: إما نحن وإما صفقة غزة شولتس: التوصل إلى اتفاق بشأن الصراع في غزة بات قريباتعرف على بنود الاتفاق المحتمل لوقف الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس
يترقب العالم في الساعات المقبلة نتائج المفاوضات الجارية بين قوات الاحتلال الإسرائيلية وحركة حماس، بهدف إنهاء الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تحقيق تقدم في محادثات التهدئة وإمكانية إبرام صفقة لتبادل الأسرى والرهائن، في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي حربه على غزة، مرتكبًا مجازر بحق المدنيين، وذلك لليوم الـ466 على التوالي من العدوان.
وذكر موقع أكسيوس الأمريكي أن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أبلغ الرئيس الأمريكي بايدن برغبته في إتمام الصفقة بصيغتها الحالية وإنهاء المفاوضات بسرعة. وأكد أن نتنياهو وافق على تقديم تنازلات جديدة بشأن الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم، بما في ذلك الانسحاب من محوري فيلادلفيا ونتساريم.
وقد نشرت وسائل الإعلام الدولية والإقليمية تفاصيل الاتفاق المتوقع، والذي يتضمن ثلاث مراحل كما يلي:
**المرحلة الأولى (42 يوماً):**
1. تعليق مؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة، وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا بعيدًا عن المناطق المأهولة بالسكان إلى منطقة على طول الحدود في جميع مناطق قطاع غزة، بما في ذلك وادي غزة (محور نتساريم وميدان الكويت).
2. تعليق مؤقت للنشاط الجوي العسكري في قطاع غزة لمدة 10 ساعات يوميًا، و12 ساعة في أيام إطلاق سراح المختطفين والأسرى.
3. عودة النازحين إلى مناطق سكنهم، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من وادي غزة:
- في اليوم السابع، بعد إطلاق سراح 7 معتقلين، تنسحب القوات الإسرائيلية من شارع الرشيد شرقًا إلى شارع صلاح الدين، وتفكك المواقع العسكرية، مما يسمح بعودة النازحين دون حمل السلاح.
- في اليوم الثاني والعشرين، تنسحب القوات الإسرائيلية من وسط القطاع، وتستمر عودة النازحين مع حرية التنقل.
- بدءًا من اليوم الأول، يتم إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية.
4. تبادل الرهائن والأسرى:
- خلال المرحلة الأولى، تطلق حماس سراح 33 معتقلاً إسرائيليًا، بما في ذلك النساء والأطفال، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين.
- يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين الإسرائيليين الأحياء، مع تبادل متفق عليه للأسرى الفلسطينيين.
5. جدولة تبادل المختطفين والأسرى، مع إطلاق سراح عدد محدد من الرهائن والأسرى في تواريخ محددة.
6. المفاوضات غير المباشرة بشأن المرحلة الثانية تبدأ في اليوم السادس عشر.
7. استمرار تقديم الخدمات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة.
8. بدء إعادة تأهيل البنية التحتية في جميع مناطق غزة.
9. إدخال المستلزمات اللازمة لإنشاء ملاجئ للنازحين.
10. زيادة عدد الجرحى العسكريين الذين سيتم نقلهم للعلاج.
11. تنفيذ خطط إعادة إعمار المنازل والبنية التحتية تحت إشراف دول ومنظمات دولية.
**المرحلة الثانية (42 يوماً):**
12. الإعلان عن العودة إلى الهدوء المستدام، مع تبادل جميع الرجال الإسرائيليين الأحياء مقابل عدد متفق عليه من الأسرى.
**المرحلة الثالثة (42 يوماً):**
13. تبادل الجثث وبقايا القتلى بعد تحديد هويتها.
14. تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة على مدى 3 إلى 5 سنوات، مع فتح المعابر والسماح بحركة الأشخاص والبضائع.