صحيفة التغيير السودانية:
2024-07-04@10:42:48 GMT

دموع في صالة السينما

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

دموع في صالة السينما

 

دموع في صالة السينما

حمور زيادة

حتى كتابة هذا المقال، حصد فيلم “وداعاً جوليا” 14 جائزة من مهرجانات سينمائية دولية مختلفة، أولها كان. وتنوعت جوائزه بين جوائز تمثيل وجوائز للإخراج.

لا يستند الفيلم إلى تاريخ ضخم من الإنتاج السينمائي السوداني. بل على العكس، تبدو صناعة السينما في السودان ناشئة، معتمدة على الشغف ومحبّة الفن السابع، أكثر من اعتمادها على خبرة وتراكم إنتاجي كبير.

لذلك تتصدّر الوجوه الجديدة عادة بطولة أفلام الموجة الجديدة من السينما السودانية.

شكّلت ظروف الحرب السودانية التي أجبرت حوالي مليوني سوداني على النزوح خارج البلاد، من جملة ستة ملايين نازح، بيئة جيدة لتسويق الفيلم لمئات الآلاف من المشاهدين السودانيين الذين ما كانوا لولا النزوح عن السودان قادرين على حضور عرض سينمائي، فقبل أعوام فشلت محاولات عرض فيلم “ستموت في العشرين” في الخرطوم، رغم عرضه في دول كثيرة وحصوله على جوائز عالمية. لكن حملة انتقادات على “السوشيال ميديا” لأحد مشاهد الفيلم كانت كافية ليرفض مدير دار العرض السينمائية الأكبر في السودان (واحدة من سينمات تعدّ على أصابع اليد الواحدة) عرض الفيلم، رغم حصوله على تصريح الرقابة، بحجّة أنه فيلم خادش للحياء ولا يناسب العادات السودانية. وهو انتقاد وُجّه بدرجة أخفّ إلى “وداعاً جوليا”. ومن المؤكّد أن الفيلم المقبل سيقابل برفض أقلّ، إذ إن سنوات حكم الحركة الإسلامية للسودان قطعت علاقة الجمهور بفن السينما أكثر من ربع قرن. ويعيد المشاهد السوداني، حاليا، التعرّف إلى صورة مجتمعه الفنية.

كانت مشاهدة “وداعاً جوليا” في صالة عرض سينمائي لكثيرين اللقاء الأول مع تصوّر فنّي للسودان. ولأننا ننتمي إلى بلادٍ أدمنت الحزن، فإن مصادفة تقارب موضوع الفيلم مع الواقع السياسي والاجتماعي السوداني لم تكن مستحيلة، فالسودان يدور في حلقة شيطانية من التعاسة، لا يبدو أنها ستنكسر قريباً.

يعرض فيلم “وداعاً جوليا” اللحظات الأخيرة للسودان القديم الذي وجد بين العامين 1956 و2011، بمساحة مليون ميل مربع، وشهد واحدةً من أطول الحروب الأهلية في القارّة الأفريقية، وانتهى إلى التقسيم إلى بلدين. وبعرضه في 2023 في أثناء الحرب السودانية الحالية، أعاد فتح جراحٍ كثيرة في نفوس السودانيين. إذ لم تشرّدهم الحرب فحسب، لكنها أيضاً تهدّد بلادهم بتقسيم جديد، بل ربما تفكّك كامل، فكأنما جاء الفيلم في لحظة حرجة ليذكّر الجميع أن العقلية المسيطرة على المجتمع السوداني، في أغلبه ومن دون تمييز بين عقلية صاحب الامتيازات وعقلية المهمّش، إقصائية صفرية، تعجز عن إنتاج واقع يسمح بالتعايش المشترك المتساوي لكل المواطنين.

قدّم الفيلم نموذجاً للتلاعب المتبادل بين الجلاد والضحية، والصراع بين التقدّمي والرجعي. بل إنه، في حبكة فنية بارعة، يخلط الأوراق، حتى يحتار المشاهد في “من يتلاعب بمن”، وهل الرجعي رجعي حقاً أم هو مجرّد شخص متصالح مع واقع ورثه، وهل التقدّمي تقدّمي حقيقي أم هو مجرّد رجعي يجيد الادّعاء؟

من الصعب وضع تلقّي كل المشاهدين في خانة واحدة، فالفنون تمتاز بإمكانية تأويلها وتلقّيها على أكثر من وجه. في أحد عروض فيلم “أوبنهايمر” الذي يحكي صراع عالم الفيزياء النظرية روبرت أوبنهايمر، الأب الشرعي للقنبلة الذرّية، مع نفسه ومع الحكومة الأميركية، لمحاولة منع انتاج مزيد من أسلحة الفناء، صادفتُ نموذجاً جيداً لاختلاف التلقي الفني. في التصاعد الدرامي الذي صنعه كريستوفر نولان، كانت لحظة تجربة أول قنبلة ذرية في الصحراء مخيفة، قدّمها الفيلم بمشاهد صامتة وشاحبة، لكن بعض المشاهدين صفّقوا فرحاً بنجاح التجربة، بينما وجم أغلب من في صالة العرض. بالنسبة لمن صفّقوا، كان الفيلم مجرّد فيلم لطيف عن عالِم لديه مشروع طموح لإنجاز شيء ما، تصادف أنه قنبلة. وقد نجح العالم في مسعاه، لذلك صفّقوا ابتهاجاً. ولآخرين كان الفيلم يعرض لحظة الكارثة التي لم يعد العالم بعدها كما كان. ولذلك يمكن لمئات الالاف الذين شاهدوا “وداعاً جوليا” أن يقدّموا عشرات القراءات والتأويلات. لكن ما غلب على الجمهور السوداني كان الدموع، لأن الفيلم جاء في لحظة استثنائية ليعيد تذكيرهم بما فقدوه، دولة واحدة متنوّعة وتعددية. وينبههم إلى ما قد يفقدونه الآن، وجود الدولة ذاتها.

الوسومجوائز حمور زيادة دموع فيلم وداعا جوليا

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: جوائز حمور زيادة دموع فيلم وداعا جوليا

إقرأ أيضاً:

المحاور والعوائق في التفاوض السوداني

ناصر السيد النور
بما تسارعت الأحداث على الساحة السودانية في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بأكثر مما يتوقع الطرفان، الجيش وقوات الدعم السريع، في حربهما الضروس، ما أوصل الأزمة المستمرة إلى نقطة تصعب معها العودة إلى ما قبل الحرب، فيما فرضه واقع العمليات العسكرية من سقوط المدن وحصارها والمواقع العسكرية، وارتفاع موجات النزوح، وكل ما يصيب المدنيين ضحايا الصراع -عادة- بما يتجاوز إحصائيات تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، في رصدها لنتائج الصراع.
هذا الموقف بتداعياته الكارثية أصبح لا يحتمل على ما أحدثه من أزمات على المستوى الإنساني، فقد دفع التصاعد في المواجهات بين الطرفين مؤخراً إلى ضرورة إيجاد وسيلة فاعلة لوقف نزيف الحرب، واستئناف جولات التفاوض المعلقة على الصعيد الدولي، بما فيها منظمة الأمم المتحدة الدولية.
فإذا كانت جولات التفاوض قد بدأت مع بداية الحرب، فقد تعددت محاورها وسقف بنودها، واختلاف منابرها من دولية برعاية ثنائية (مفاوضات جدة برعاية أمريكية – سعودية)، وما تلاها من مبادرات، إقليمية كدول منظمة الهيئة الحكومية للتنمية «الإيغاد»، ومحلية مبادرات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، لم تفلح جميعها في تقريب وجهات النظر بين الطرفين في الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق، لأن مسار التفاوض ظل خاضعاً لطبيعة الواقع العملياتي على الأرض، والمواقف المترددة للطرفين، ما يشير إلى تعدد مواقع القرار ودرجة استقلاله.
والحاجة للتفاوض تفرضها ضرورات ترتبط بمسار الحرب، أكثر من تكتيكات الطرفين السياسية من حيث المسافة التي تفصل بين العودة إلى التفاوض، واستمرار العمليات العسكرية على الأرض، في حل عسكري حاسم ينهي الحاجة أو الرغبة في التفاوض. ومع هذا التصور الذي لا يبدو واقعياً إلا في حدود ما يتوفر لدى كل طرف من وسائل للدفع إلى التفاوض أو الحسم بالقوة. وللقوة موازينها التي تؤثر على مجريات التفاوض ومدى قوة الموقف، وهذا ما يغيب على الأقل في الوقت الحاضر عن أجندة الطرفين، ما يجعل من التفاوض خياراً وحيدا، حتى لو أن كلا من الطرفين يتصور أن مضيه في التفاوض من دون نتائج حاسمة على الأرض، انتقاص واعتراف بضعف عسكري لا يليق! وهذا ما عبر عنه موقف الجيش السوداني، الموقف الحكومي الذي صرّح أكثر من مرة عن عدم ذهابه إلى التفاوض، يضاف إليه التقدم الذي أحرزته قوات الدعم السريع بسيطرتها على مدن ومواقع عسكرية وسط البلاد.
إزاء هذا الموقف المعقد والملتبس، كيف ستتم صناعة اتفاق يقرّب وجهات نظر الطرفين، إن لم يكن تهيئة الأجواء، بالمفهوم الاصطلاحي، لإدارة عملية التفاوض، قبل أن يحدد كل طرف شروطه، فالتصريحات الإعلامية الصادرة من الأطراف الدولية بشأن الأزمة السودانية في الأسابيع الماضية شددت في ما بدا، على دفع الطرفين للعودة إلى مائدة التفاوض في منبر جدة، فقد سلمت الأمم المتحدة دعوتها للطرفين لاستئناف التفاوض في العاشر من يوليو/تموز الجاري كما ترافق الحديث عن لقاءات يجري الترتيب لها بين قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، بواسطة الرئيس اليوغندي يوري موسفيني لم تصدر عنه تأكيدات بعد. ولكن تظل هذه المبادرات الدولية إلى الآن لا تمثل ضغطاً كافياً تتطلبه أزمة إنسانية مروعة، لا يستجيب فيها طرفا الحرب لدعوات التوصل للسلام أو المساعدة في تجنب المزيد من نتائجها. وإذا ظل الموقف من التفاوض على ما هو عليه من تناقض وتبدل في المواقف، فسيذهب الطرفان بما يفرضه الواقع المنهار بغير شروط، طالما اعتبرت التفاوض أحد وسائل المناورة السياسية أكثر منها وسيلة للحوار المدني لإيقاف الحرب. ولكن كيف ينظر المجتمع الدولي إلى مسار التفاوض، وعلى ماذا يعتمد من وسائل لتنفيذ ما هو مطلوب منه لتفعيل التفاوض؟ فلأن الموقف الدولي تجاه الأزمة السودانية تتقاسمه وجهتان: الدول المؤثرة في الصراع الدائر من النطاق الافريقي والعربي، والوجهة الثانية المنظمات الدولية والإقليمية، والأخيرة تقيدها البيروقراطية في القرار، وعليه تبدو الدول، أو بالأحرى ذات الأجندة في الصراع تأثيرها أكبر في رسم الحرب أو التفاوض، ويأتي هذا في سياق غياب الدور الوطني المستقل. وبهذا يكون التفاوض السوداني السوداني غائبا، إلا في حدود تبادل الاتهامات بين مكوناتها السياسية ومنها تلك التي أشعلت الحرب، أو تلك التي تسعي لتشكيل وفاق وطني يجمع على وقف الحرب. وما يعيق التفاوض السوداني أيضا الإقصاء الممارس ضد المكونات السياسية المدنية من قبل اندلاع الحرب، تلك التي قادت التغيير وشاركت المجلس العسكري الحكم، أثناء الفترة الانتقالية قصيرة الأجل. ويشير هذا الغياب المدني إلى تفاوض عسكري لا يستصحب العملية السياسية، التي تبدأ بها وتنتهي الحروب. وإذا كانت الأمور ستجري على نحو ما هي عليه، فإن فرض التهديد أو الضغط على الطرفين غير وارد، فكأنما أراد العالم أن يترك المتقاتلين يقررون الذهاب للتفاوض، وفق ارادتهم المحضة، أو نتيجة لإنهاك لم تعد من إمكانيات تسمح بتحمله إلى ما لا نهاية.
ولا يستثني الموقف الدولي الدور الأمريكي في التفاوض كأحدى الدول الراعية للمفاوضات (منبر جدة) ومن المؤكد أن لها دورا لا يمكن تجاهله في الضغط سلبا وإيجابا على مجريات سياسة المنطقة وحروبها. ولكن الإدارة الأمريكية الحالية لم تول الشأن السوداني اهتماما كافياً ضمن أولوياتها، وكذا الشأن بالنسبة لمؤسساتها التشريعية والتنفيذية كالكونغرس ولجانه وجماعات الضغط (اللوبيات)، وتأثيرها على قرارات مجلس الأمن الدولي. فلم يكن تدخلها في الأزمة السودانية ذا تأثير، رغم تعيينها توم بيرييلو المبعوث الخاص للسلام الدبلوماسي. ومما يرصده المراقبون أن تلكؤ إدارة بايدن بشأن الصراع السوداني يأتي من أهمية الصراع ومدى تهديده للمصالح الأمريكية، وهي رؤية ظلت تستند إليها السياسة الخارجية الأمريكية لعقود. وركزت الإدارة الأمريكية مؤخراً على ضرورة فتح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية وهو أمر على ضرورته، لا يعفيها من دور أكبر ينتظر منها في شأن الصراع. إذا فشلت مساعي التفاوض أو تأجلت كما هو الحال، فإن التدخل لفرض سلام تحت غطاء التدخل الدولي يكون ملزما وضروريا لإيقاف الاقتتال. والراجح أن ترفض الحكومة السودانية ذلك، على أساس انتقاص السيادة والتدخل في الشأن الداخلي، وهي ذريعة لا تؤيدها وقائع الأحوال بشأن تدخل الدول بالوساطة والرعاية في تاريخ البلاد واتفاقياتها التاريخية منذ أمد بعيد. لذا فالاعتماد على الدور الدولي (الخارجي) لمعالجة الأزمة السودانية، كما تبدو عليه، سيكون الدور الأوحد وربما الأخير. وما بين جولات التفاوض والاقتراحات بالتدخل الدولي، تتقلص فرص الأزمة السودانية في الحل العاجل، وفي حال أصبحت المفاوضات وسيلة من وسائل الحرب في المناورة، بدلا من أن تكون مدخلاً لحل المشكل، فمن المتوقع أن تستمر الحرب بعيداً عن المنحنيات السياسية التي تمثل عوائق دائمة نحو الاعتراف بالحقائق، التي يفرضها الواقع، وتستدعيها الحاجة الملحة للسلام. ومها يكن من استراتيجيات الطرفين في تصورهما لمواصلة عملياتهما العسكرية، والمضي مهما بلغت الخسائر الإنسانية، فلا يكون ذلك بشكل مطلق.
والأمر الثاني أو الخيار الأخير الذي من المرجح أن يلجأ إليه في إطار الحل الدولي للأزمة، هو التدخل بالقوة، وكما أشرنا سابقا، أن الأطراف المتقاتلة بكل فصائلها وميلشياتها المدنية والقبلية المسلحة، لا تمتلك تصوراً لطبيعة هذا التدخل، كما لا تدرك حجم الكارثة التي تسببت فيها، ومدى المسؤولية الجنائية والقانونية والأخلاقية والتاريخية، التي تتحملها الأطراف، وإن لم تكن في صراعها المحموم على السلطة، أو ما ترفع من شعارات، تقدر حساباتها التي لا يسندها منطق بمقاييس السياسة أو القانون. ومع ذلك تصر على حسم الصراع عسكرياً، مهما أدى ذلك من أهوال لم يعد السودانيون قادرين على احتمالها، ما يجعل من التدخل الدولي المباشر لإنهاء الحرب أمراً عاجلاً، يحتمل كل ذرائع التدخل. فتعدد المحاور وظروفها المحيطة بها غير المواتية إقليميا ودوليا في المفاوضات السودانية قد تجعل منها أحد معيقات الحل.
كاتب سوداني
نشر بحصيفة القدس العربي اللندنية: الخميس 04/07/2024م

nassyid@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • المحاور والعوائق في التفاوض السوداني
  • غدا.. عرض ومناقشة الفيلم الفرنسي "صالة المدرسين" بمكتبة مصر الجديدة
  • مهرجان الفيلم العربي في تورنتو.. نافذة المهاجر على السينما العربية
  • أفضل أفلام السينما المصرية على مر التاريخ: «تركت بصمة لا تنسى»
  • الممثل الأمريكي مارك والبيرج يعود إلى السينما بـ«Balls Up» و«The Union»
  • أفضل عشرة أفلام على مر تاريخ السينما العالمية.. يجب أن تشاهدها
  • بـ 200 مليون جنيه.. أولاد رزق يحقق اعلى ايراد بتاريخ السينما المصرية
  • أحمد داود عن فيلم «الهوى سلطان»: قصته كتير مننا عاشها وغير مألوف في السينما
  • الأفلام التاريخية تغري نجوم السينما في مصر
  • "Inside Out 2" يتخطى حاجز المليار دولار