الضبط المالي.. أداة الحكومة للسيطرة على ارتفاع العجز الكلي والدين العام اللذين تفاقما في أعقاب ثورة يناير
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
نسقت وزارة المالية مع الوزارات المعنية، وعلى رأسها وزارة التخطيط، التنفيذ العديد من إجراءات الضبط المالى، وتستهدف فى الأساس السيطرة على كل من العجز الكلى والدين العام اللذين تفاقما فى أعقاب ثورة يناير، إذ بلغ العجز الكلى نسبة 12.29% إلى 13% من الناتج المحلى الإجمالى فى عامى «2012- 2013- و2013- 2014»، على التوالى رغم تضمن عام 2013 ما يقرب من 95 مليار جنيه إيرادات من المنح.
وإذا ما تم استبعاد أثر المنح لبيان الوضع الحقيقى للموازنة العامة، يتضح أن العجز الكلى قد بلغ 16.8% تقريباً من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2013/2014، فى حين بلغ العجز الأولى 8.5% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام نفسه، وهو وضع فى غاية الخطورة، مما نتج عنه ارتفاع الدين العام إلى مستويات كبيرة، وتطلب إجراء إصلاحات جذرية لعلاج تلك الأزمة.
وقد طبقت الدولة برنامجاً متكاملاً لإصلاح السياسات المالية، التى استهدفت علاج مشكلة تسرب الدعم داخل الموازنة العامة للدولة لغير المستحقين، وتعظيم الإيرادات من الناحية الأخرى من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة، التى ترتبط بالاستهلاك، وعليه يساهم الأعلى دخلاً والأكثر استهلاكاً فى سداد الجزء الأكبر من هذه الضريبة.
زيادة الإيرادات بإصدار قوانين ضرائب القيمة المضافة و«الأرباح الرأسمالية» والدخل وتطبيق الفاتورة الإلكترونية ومشروع النافذة البيضاء بالجماركوتضمن برنامج الضبط المالى، أولاً: جانب المصروفات، بإعادة هيكلة أسعار المواد البترولية والكهرباء، وإصدار قانون الخدمة المدنية، الذى أسهم فى احتواء فاتورة الأجور وإدخال هياكل الدفع القائمة على الأداء لترشيد الأداء الحكومى، وميكنة الوحدات الحسابية بالجهاز الإدارى وتطبيق منظومة GFMIS بهدف ترشيد الإنفاق الحكومى.
وتفعيل حساب الخزانة الموحد وإقفال 61 ألف حساب بالبنك المركزى، بهدف إحكام الرقابة وترشيد الإنفاق الحكومى، وإلغاء التعامل بالشيكات الورقية بالجهاز الإدارى للدولة وإحلال التعامل الإلكترونى محلها والاعتماد على استراتيجية إدارة الدين العام متوسطة المدى، فنجحت مصر فى إصدار سندات دولارية بالأسواق العالمية للاستفادة من سعر الفائدة المنخفض بالأسواق الدولية بالمقارنة مع السوق المحلية.
بالإضافة إلى تدعيم سيولة بالعملات الأجنبية، مما أسهم فى زيادة الاحتياطيات الأجنبية وكذلك ضح أموال خارجية بالاقتصاد للحد من أثر المزاحمة بين القطاعين العام والخاص، واتخاذ قرار بشأن ترشيد الإنفاق العام بالجهات الداخلة فى الموازنة العامة للدولة والهيئات العامة والاقتصادية، لتخفيف الضغط على المسحوبات من العملات الأجنبية.
ترشيد المصروفات وإصدار قانون الخدمة المدنية وميكنة الوحدات وتأجيل أى مشروعات جديدة لها مكون دولارىويتضمن القرار تأجيل تنفيذ أى مشروعات جديدة لها مكون دولارى، وتأجيل الصرف على أى احتياجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى، وترشيد الإنفاق على أعمال السفر خارج البلاد إلا للضرورة القصوى، والحصول على موافقة وزارة المالية بالترخيص بالصرف بالمكون الأجنبى على أى من أوجه الصرف بعد التنسيق مع البنك المركزى.
وتطبيق آلية التسعير التلقائى للمواد البترولية، بما يسمح بوجود مرونة فى تسعير المنتجات البترولية وحماية الموازنة والهيئة العامة المصرية للبترول من تقلبات تغير أسعار الصرف وأسعار خام برنت العالمية، وإدارة ملف الدين العام وعبء الدين العام بشكل أفضل، من خلال الاتجاه نحو أدوات التمويل الجديدة وغير التقليدية، مثل الصكوك وسندات التنمية المستدامة والسندات والصكوك الخضراء، التى تسمح بمد أجل عمر الدين لفترات أطول، بالإضافة إلى الحصول على سعر فائدة أفضل من أسواق الدين العادية.
وتأتى ثانى نقاط البرنامج فى «جانب الإيرادات»، بإصدار قانون ضريبة القيمة المضافة، بهدف توسيع القاعدة الضريبية وتحسين آليات التحصيل، وتعديل القانون وإصدار لوائح مبسطة فى تعامل الشركات الصغيرة والمتوسطة مع الضرائب لتكون مبالغ مقطوعة على إيرادات تلك الشركات، تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية، الذى سمح برفع كفاءة التحصيل الضريبى والتيسير على المواطنين وتحقيق تكامل الفاتورة الإلكترونية مع الإيصال الإلكترونى، الذى أسهم فى ضم 365 ألف شركة كانت تعمل فى الاقتصاد غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمى.
وتطبيق مشروع النافذة البيضاء لتكون نافذة واحدة قومية للتجارة تقدم خدمات المراكز اللوجيستية فى المنافذ الجمركية، بغرض تيسير الإجراءات الجمركية وتحولها إلى النظام الإلكترونى، مما أسهم فى تحسين سرعة إنهاء الإجراءات اللازمة للإفراج عن الشحنات فى الموانئ دون الحاجة إلى الانتقال إليها.
وقد وصلت نسبة تغطية المشروع لحوالى 95% تقريباً من إجمالى البضائع التى ترد إلى مصر، وتطبيق منظومة ضريبية جديدة على الأرباح الرأسمالية للأسهم والصناديق، وتعديل قانون ضريبة الدخل، والشروع فى إعداد قانون لإنهاء كافة الملفات الضريبية القديمة المتراكمة، التى تأخذ فى اعتبارها التركيز على تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
وتأثير تلك الإجراءات على الأداء المالى للموازنة العامة للدولة، إذ تشير جميع مؤشرات المالية العامة إلى تحسن كبير فى أدائها، فارتفعت الإيرادات بمعدلات أعلى من المصروفات واستطاعت الموازنة العامة تحقيق فائض أولى للسنوات التى تلت برنامج الإصلاح الاقتصادى.
بعدما بلغ العجز الأولى بالموازنة مستويات كبيرة فى السنوات قبل الإصلاح الاقتصادى ليصل إلى 3.5%، فمع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى تحسنت تلك النسبة تدريجياً وانخفض العجز الأولى فى العام المالى 2016/2017 إلى 1.7% ثم تحول إلى فائض أولى بداية من العام المالى 2017/2018 للمرة الأولى بالموازنة ليبلغ 0.1%.
وتحسنت تلك النسبة فى العام التالى ليصل الفائض الأولى إلى 1.8% فى العام المالى 2018/2019 بتحقيق فائض بحوالى 103 مليارات جنيه، واستمرت تلك السياسة بنجاح فى السنوات التالية حتى فى سنوات الأزمات العالمية.
مثل جائحة كورونا، التى تطلبت تطبيق برامج إنفاق لتحفيز الاقتصاد الكلى بلغت حوالى 1.6% من الناتج المحلى الإجمالى بمخصصات تتخطى 100 مليار جنيه، ثم تلتها الضغوط التضخمية التى سببتها الحرب الروسية الأوكرانية بداية من فبراير 2022 والتى ترتب عليها ارتفاع فى فاتورة نصف ما تستورده مصر والمتمثل فى الغذاء والطاقة.
وحافظت السياسات الفعالة للإصلاحات المالية على مستويات الفائض الأولى بالموازنة عند متوسط 1.7% خلال الفترة بين 2019 وحتى 2023 بمتوسط فائض سنوى بحوالى 111 مليار جنيه. ومن المتوقع أن تستمر تلك السياسات الناجعة فى تعزيز الفائض الأولى بالموازنة ليصل إلى 2.5% وفقاً لمستهدفات الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2023/2024 بفائض مستهدف حوالى 300 مليار جنيه.
نجاح إدارة ملف الدين العام خلال فترة الإصلاح الاقتصادى بخفضه للناتج المحلى الإجمالى إلى أدنى مستوى فى 2020 - 2021 بنسبة 81%وثالث نقاط البرنامج فى «إدارة ملف الدين العام»، وعلى الرغم من التوسع فى بنود المصروفات الخاصة بالأجور ودعم الغذاء، فإن ذلك تم وفقاً لآلية علمية محسوبة حافظت على معدلات الدين العام دون توسع، بل استطاعت الدولة خلال فترة الإصلاح الاقتصادى خفض الدين العام للناتج المحلى الإجمالى.
وكانت مستويات الدين العام قد تفاقمت إلى ما يتجاوز نسبة 100%، إلا أن ذلك البرنامج الإصلاحى أسهم فى خفضها لتصل إلى أدنى مستوى لها فى عام 2020/2021 بنسبة 81% تقريباً، قبل أن تعود إلى الارتفاع مرة أخرى فى أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية التى رفعت من فاتورة واردات مصر بشكل كبير، وهو ما أعاق استكمال الاتجاه الهابط لنسبة الدين العام للناتج المحلى الإجمالى.
ويعود ارتفاع الدين العام المحلى والأجنبى بالأساس إلى وجود عجز فى الحساب المالى بالدولة يتم تمويله بالاستدانة الداخلية والخارجية، وإنفاقها فى أوجه صرف لا تتوافق مع نوع العملة (تمويل دولار وإيراد بالجنيه) ولا تتوافق مع المدى الزمنى (تمويل قصير الأجل ينفق على مشروع طويل الأجل)، الأمر الذى يترتب عليه تراكم الديون بمرور الزمن وارتفاع تكلفتها إلى إجمالى الدين العام كنسبة من الموازنة العامة للدولة، والتى قد تصل إلى التهام إجمالى إيرادات الموازنة العامة للدولة وتترك خياراً وحيداً أمام تمويل تلك المصروفات من خلال التوسع فى الاستدانة.
وبدأت الدولة بالفعل فى خطواتها تجاه علاج العجز المالى الذى تواجهه الموازنة العامة للدولة، وقد وضعت خطة للوصول بالعجز الأولى بالمالية العامة إلى نسبة 2% ثم 2.5% وهو ما سيكون له نتائج إيجابية بمرور الوقت فى خفض العجز الكلى بالمالية العامة وإمكانية التحول إلى فائض وخفض نسبة الدين من الناتج المحلى الإجمالى.
ولكن فى تلك الظروف الاستثنائية عالمياً استطاع الاقتصاد تحقيق معدلات نمو اقتصادى بمعدلات كبيرة وصلت إلى 5.3% فى عام 2017/2018 5.69% فى عام 2018/2019، وانخفضت معدلات التضخم إلى مستويات متدنية لتصل إلى 7.3% فى 2020 وتستكمل انخفاضها لتصل إلى 7% وفقاً لبيانات العام المالى 2022/2023.
ومن المتوقع أن يصل الدين الحكومى إلى الناتج المحلى الإجمالى فى مصر إلى 85% من الناتج المحلى الإجمالى بنهاية عام 2023، وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يصل الدين الحكومى المصرى إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى حوالى 80% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2024 و75% من الناتج المحلى الإجمالى فى 2025، وذلك مع الاستمرار فى جهود الحفاظ على الاستقرار المالى المتوازن فى ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وجهود مساندة النشاط الاقتصادى وتحفيزه دون الإخلال باستدامة مؤشرات الموازنة والدين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الاقتصاد المصري الإصلاح النقدي القطاع الخاص الموازنة العامة للدولة الإصلاح الاقتصادى العام المالى الدین العام ملیار جنیه فى العام فى عام
إقرأ أيضاً:
وزير المالية: 732 مليار جنيه بالموازنة الجديدة للحماية الاجتماعية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد أحمد كجوك وزير المالية، أن مشروع موازنة العام المالى الجديد ٢٠٢٥/ ٢٠٢٦، الذي وافق عليه مجلس الوزراء و أحاله إلى مجلس النواب، يشهد اهتمامًا كبيرًا بتعزيز أوجه الإنفاق على تخفيف الأعباء عن المواطنين من محدودي الدخل والشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجًا، من خلال تبني مبادرات وبرامج فعَّالة تتسم بكفاءة الاستهداف، في إطار رؤية متكاملة و متسقة لتحسين مستوى المعيشة، وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتيسير سبل العيش الكريم، موضحًا أنه تم تخصيص ٧٣٢,٦ مليار جنيه بالموازنة الجديدة من أجل حماية اجتماعية أكثر استهدافًا للمستحقين للدعم.
قال وزير المالية، إن الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي تعمل على تخفيف الأعباء عن الفئات الأولى بالرعاية بزيادة مخصصات دعم السلع التموينية ورغيف الخبز خلال العام المالى المقبل لتصل إلى ١٦٠ مليار جنيه، مع زيادة المخصصات المالية المقررة لمعاش الضمان الاجتماعي «تكافل وكرامة» أيضًا بنسبة ٣٥٪ عن موازنة السنة الماضية، لتصل إلى ٥٤ مليار جنيه فى العام المالي الجديد، مؤكدًا أننا ملتزمون بزيادة المساندة النقدية الشهرية للمواطنين المستفيدين من «تكافل وكرامة» بنسبة ٢٥٪ اعتبارًا من أبريل ٢٠٢٥
وأضاف الوزير، أنه تم تخصيص ٧٥ مليار جنيه بمشروع موازنة العام المالى الجديد ٢٠٢٥/ ٢٠٢٦ لدعم الكهرباء في إطار توجيهات الحكومة بتأمين قطاع الطاقة، وتخصيص ٧٥ مليار جنيه لدعم المواد البترولية، و٣,٥ مليار جنيه لدعم توصيل الغاز الطبيعي للمنازل، على نحو يسهم فى زيادة أعداد المواطنين المستفيدين من هذه الخدمة الحضارية بالمدن والقرى، ضمن جهود الدولة الهادفة لتحقيق التنمية بشتى المحافظات.
أشار “كجوك”، إلى أن مشروع الموازنة الجديدة يتضمن أيضًا تخصيص ٥,٢ مليار جنيه لدعم السكة الحديد و١,٨ مليار جنيه لدعم اشتراكات الطلبة بالقطارات ومترو الأنفاق، و٢,٥ مليار جنيه لدعم نقل الركاب بالقاهرة والإسكندرية أيضًا.
كان مجلس الوزراء، في اجتماعه برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، قد وافق على مشروع موازنة العام المالى الجديد ٢٠٢٥/ ٢٠٢٦ وقرر إحالته إلى مجلس النواب متضمنًا إيرادات تُقدَّر بنحو ٣,١ تريليون جنيه بمعدل نمو سنوي ١٩٪، ومصروفات تُقدَّر بنحو ٤,٦ تريليون جنيه بزيادة ١٨٪ مع استهداف تحقيق فائض أولى ٧٩٥ مليار جنيه بنسبة ٤٪ من الناتج المحلي وخفض دين أجهزة الموازنة العامة إلى ٨٢,٩٪.