طه حسيب (أبوظبي)
لم يعد التغير المناخي خطراً مقبلاً، بل أصبح واقعاً يهدد الحياة اليومية في شتى أرجاء الكوكب. يتفاوت الخطر من منطقة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر حتى داخل البلد الواحد. الدول الجُزرية الصغيرة واحدة من أكثر المناطق عرضة لخطر التغير المناخي، وهي الأكثر انكشافاً أمام تداعياته. فارتفاع مستوى سطح البحر يهدد هذه الدول بالاختفاء، ويعصف بسبل العيش داخلها، سواء الزراعة أو الصيد والسياحة.

جُزر مثل كيريباتي وتوفالو وجزر مارشال تحذر تقارير من اختفائها جراء تداعيات الاحتباس الحراري وذوبان الثلوج وارتفاع مستوى سطح البحر، وهذا ما يبرر حاجة هذه الدول للدعم الدولي لتعزيز قدرتها على التكيف والمرونة في مواجهة الخطر المناخي، وهذا ما جعل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يقدم مطلع عام 2022 دعماً لسبع مناطق في جزر مارشال لتحفيز قدرتها على مواجهة الخطر المناخي.
وأثناء قمة جلاسجو «كوب26» وجّه سايمون كوفي وزير خارجية «توفالو» الدولة الجُزرية الواقعة في المحيط الهادئ كلمة من منصة وسط مياه المحيط ليوجه رسالة ضمنية بحجم المخاطر التي تتعرض لها بلاده جراء التغير المناخي. هذه الدولة في أمسّ الحاجة لبناء قدرتها على المدى الطويل للتصدي لتداعيات التغير المناخي، وضمن هذا الإطار استوعبت جزر المالديف دروس كارثة تسونامي عام 2004 وطورت جاهزيتها في تأمين احتياجاتها من المياه العذبة والطاقة الشمسية وحماية المنشآت من ارتفاع منسوب المياه. 

انبعاثات محدودة وخسائر هائلة
الدول الجُزرية الصغيرة عدد سكانها 65 مليون نَسمة، وهي معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ، وحجم انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري العالمية 1% فقط، لكن خسائرها من التغير المناخي من عام 1970 إلى عام 2020 بلغت حسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة 153 مليار دولار أميركي. هذه الجزر هي الأكثر عرضة للخطر، والأكثر انكشافاً في مواجهة تداعيات التغير المناخي، كونها معزولة جغرافياً، وعلى الرغم من أنها تظهر كنقط صغيرة على الخريطة فإن امتداداتها البحرية يجعلها دولاً محيطية كبيرة، لديها أنظمة بيئية ثرية بالتنوع البيولوجي، وفي الوقت نفسه تتعرض لمخاطر التغير المناخي أكثر من غيرها. 
تشكل الجزر 5% فقط من مساحة سطح الأرض، ومع ذلك فهي موطن لـ 20% من أنواع الطيور والزواحف والنباتات في العالم، بالإضافة إلى أكثر من 40% من الكائنات المهددة بالانقراض. وفي الوقت نفسه، يتعرض سكان الجزر لضغوط مستمرة لتطوير اقتصاداتهم مع بناء القدرة على الصمود في مواجهة قضايا مثل تغير المناخ والكوارث الطبيعية. تُعَّد الدول الجزرية نموذجاً يُحتذَى به في معالجة الأزمات البيئية العالمية، وذلك بسبب وجودها في الخطوط الأمامية لآثار المُناخ. على سبيل المثال، ضغط قادة الدول الجزرية الصغيرة النامية على المجتمع الدولي لوضع هدف للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأكثر طموحاً في إطار اتفاقية باريس. 

الدول الجُزرية ما هي؟
هناك 38 دولة جزرية صغيرة، وهي دول أعضاء في الأمم المتحدة: أنتيغوا وبربودا، جزر البهاما، البحرين، بربادوس، بليز، كابو فيردي، جزر القمر، كوبا، دومينيكا، جمهورية الدومينيكان، فيجي، غرينادا، غينيا بيساو، غيانا، هايتي، جامايكا، كيريباتي، جزر المالديف، جزر مارشال، موريشيوس، ولايات ميكرونيزيا الموحدة، ناورو، بالاو، بابوا غينيا الجديدة، سانت كيتس ونيفيس، سانت لوسيا، سانت فنسنت وجزر غرينادين، ساو تومي وبرينسيبي، ساموا، سيشيل، سنغافورة، جزر سليمان، سورينام، تيمور الشرقية، تونغا، ترينيداد وتوباغو، توفالو، فانواتو. كما توجد 20 دولة جُزرية أخرى ليست أعضاءً في الأمم المتحدة: ساموا الأميركية، أنغيلا، أروبا، برمودا، جزر فيرجن البريطانية، جزر كايمان، كومنولث ماريانا الشمالية، جزر كوك، كوراساو، بولينيزيا الفرنسية، جوادلوب، غوام، مارتينيك، مونتسيرات، كاليدونيا الجديدة، نيوي، بورتوريكو، سينت مارتن، جزر تركس وكايكوس، جزر فيرجن الأميركية.

«عِقْدُ الأمم المتحدة لإصلاح النظم الإيكولوجية»
واختارت الأمم المتحدة 3 من الدول الجزرية لتكون في طليعة مبادراتها المنضوية في إطار مايعرف بـ «عِقْدُ الأمم المتحدة لإصلاح النظم الإيكولوجية» وهي: فانواتو في المحيط الهادئ، وسانت لوسيا في منطقة البحر الكاريبي، وجزر القمر في المحيط الهندي، علماً بأن هذا «العِقْدُ» يمتد خلال الفترة من 2021 إلى 2030، بهدف حماية النظم البيئية سواء البرية أو المائية، وحشد الدعم المالي والجهود العلمية لمنع تدهور الموائل الطبيعية. 

أخبار ذات صلة رئة العالم.. تحترق أبوظبي.. مشاريع مبتكرة لنظام صحي مستدام مؤتمر الأطراف «COP28» تابع التغطية كاملة

طموحات في «أسبوع نيويورك للمناخ»
وتحت عنوان «نحن نستطيع... نحن نفعل»، كان «أسبوع نيويورك للمناخ»، في الفترة من 17 إلى 24 سبتمبر الماضي، فرصة للدول الجزرية الصغيرة للتعبير عن طموحاتها، آنذاك أفصحت «فيامي نعومي ماتافا»، رئيسة وزراء جزر ساموا عن أن تحالف الدول الجزرية الصغيرة يأمل في أن تكون جميع الدول المشاركة في «كوب28» مستعدة للدخول في مسار جديد من العمل المناخي، ويحدوها الأمل في طموح أكبر بكثير للتخفيف من آثار تغير المناخ، مؤكدة ضرورة تدشين صندوق للخسائر والأضرار - صندوق مناسب للغرض من احتياجاتنا كمجتمعات أكثر عرضة لتغير المناخ. وأكدت أن دعم رئاسة COP28 لا يقدر بثمن. 
وخلال أسبوع نيويورك للمناخ»، قال الأمين العام للأمم المتحدة: «إن الدول الجزرية الصغيرة النامية هي في قلب عاصفة من المشاكل العالمية التي لم تفعل شيئاً تقريباً لخلقها». «نحن بحاجة إلى تحرك عالمي لإنهاء هذه الأزمات. إن الدول الجزرية الصغيرة لا تفتقر إلى الطموح، بل تفتقر إلى التمويل. ويتعين على البلدان المتقدمة أن تفي بما يلي: الوفاء بوعد تخصيص 100 مليار دولار أميركي سنوياً، تجديد موارد صندوق المناخ الأخضر، وتقديم خريطة طريق لمضاعفة تمويل التكيف بحلول عام 2025». ومن المهم أيضاً إجراء مناقشة حول المؤتمر الدولي الرابع للدول الجزرية الصغيرة النامية، الذي سيعقد في مايو 2024 وسيكون بمثابة منصة للمجتمع الدولي للتركيز على الدول الجزرية الصغيرة النامية والعمل مع قادة الدول الجزرية الصغيرة النامية لرسم خطة عمل عشرية جديدة لتحقيق الأهداف الإنمائية..
في جزيرة ساموا انعقد يوم 11 أكتوبر الماضي اجتماع شارك فيه القادة والمسؤولون من دول جزر المحيط الهادئ الصغيرة المعروفة اختصاراً بـ (PSIDS)، وذلك وقبل أقل من شهرين من انعقاد الاجتماع المقبل لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي - لتعزيز مواقفهم قبل مفاوضات المناخ العالمية السنوية. توحيد رؤى الدول الجزرية كان محور اجتماع انعقد يوم 13 أكتوبر الماضي، بجزيرة جرينادا، لمدة يومين شاركت فيه دول جزر منطقة الكاريبي، لصياغة خطوات واستراتيجيات للتكيف مع تداعيات التغير المناخي، واستطلاع أفق الطاقة المتجددة وتعزيز أطر التمويل والتعاون الإقليمي. خلال الاجتماعات أكد رئيس وزراء غرينادا «ديكون ميتشل» أهمية الجبهة الموحدة، قائلاً: «لكي يُسمع صوتنا في أروقة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، نحتاج إلى أن نجتمع معاً للتحدث بصوت واحد». 

مخاطر 
مخاطر مشتركة تتعاظم يوماً بعد يوم وتضع الدول الجزرية الصغيرة أمام استحقاقات حتمية تدفعها نحو التكيف مع الخطر المناخي والتحول السريع في مجال الطاقة وتطوير بناها التحتية في أسرع وقت ممكن بما يستوجب حشد الدعم الدولي لتعزيز قدرتها على الصمود سواء في مجال التمويل المناخي أو نقل التكنولوجيا وبناء استثمارات خضراء في الطاقة المتجددة.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: التغيرات المناخية الاحترار المناخي مؤتمر الأطراف المناخ التغير المناخي تغير المناخ أزمة المناخ التغیر المناخی الأمم المتحدة تغیر المناخ قدرتها على

إقرأ أيضاً:

الإمارات تنقل التحريض ضد المقاومة الفلسطينية إلى ساحة الأمم المتحدة

الثورة /

عمدت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى نقل التحريض الممنهج الذي تمارسه ضد فصائل المقاومة الفلسطينية إلى ساحة الأمم المتحدة عبر تحريك أدواتها في أوروبا.

إذ حركت أبوظبي أحد مرتزقتها رمضان أبو جزر التابع للقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان من أجل مخاطبة الأمم المتحدة للتحريض ضد حركة “حماس” وفصائل المقاومة في غزة.

ووجه أبو جزر رسالة باسم “مركز بروكسل الدولي للبحوث” الممول من الإمارات، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش محاولا استغلال تظاهرات متفرقة في قطاع غزة للتحريض على حماس.

وزعم أبو جزر أن سكان غزة “يعانون من وحشية وهجمات الميليشيات المسلحة التابعة لحماس، التي تقمع المواطنين وتمنع أي محاولة للتعبير عن الاستياء أو الرأي السياسي”.

كما تماهي أبو جزر مع التحريض الإسرائيلي بالادعاء بأن فصائل المقاومة تسيطر على معظم المساعدات الإنسانية وتعيق إيصالها إلى المحتاجين من السكان والنازحين في غزة.

وينسجم هذا الموقف من أبو جزر ومن ورائه دحلان والإمارات مع التبرير الإسرائيلي المعلن بشأن نهج التجويع الممارس في غزة ووقف إيصال كافة أنواع المساعدات إلى القطاع المدمر.

وذهب أبو جزر حد دعوة الأمم المتحدة إلى “فتح قنوات تواصل مع النشطاء وممثلي الحراك الشعبي المعارض لحكم حماس والحرب الجارية، على أن تكون منفصلة عن ممثلي الفصائل السياسية الفلسطينية التي لا تشارك في هذا الحراك الشرعي”.

ويشار إلى أن رمضان أبو جزر الذي يقيم في بلجيكا يكرس نفسه بوقا مرتزقا لدول التطبيع العربي لا سيما الإمارات ويتبني الترويج لمخططاتها القائمة على التطبيع والتحالف العلني مع إسرائيل ومعاداة فصائل المقاومة الفلسطينية.

ويعد رمضان أبو حزر الذي يعمل كمنسق ما يسمى حملة الحرية لفلسطين في بروكسل، أحد أبرز رجالات محمد دحلان في أوروبا.

ويتورط أبو جزر في عمليات تجنيد الشباب الفلسطيني في أوروبا للعمل في تيار دحلان، ويسوق نفسه زورا على أنه خبير في القانون الدولي.

وقد دأب أبو جزر على الظهور في وسائل الإعلام الممولة من دولة الإمارات للهجوم على حركة حماس وفصائل المقاومة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة قبل نحو 18 شهرا والدفاع عن موقف دول التطبيع العربي.

مقالات مشابهة

  • إعادة هيكلة الهيئات والمنظمات الدولية
  • دراسة: قدرة الأرض على تخزين المياه تتراجع بفعل تغير المناخ
  • هل تهدد رسوم ترامب الجمركية جهود مكافحة التغير المناخي؟
  • "التعريفات الجمركية".. سقوط العولمة أم تدشين نظام عالمي جديد بمعطيات مختلفة
  • تغير المناخ يهدد زراعة الموز في أميركا اللاتينية
  • الإمارات تنقل التحريض ضد المقاومة الفلسطينية إلى ساحة الأمم المتحدة
  • الأمم المتحدة: الدول الضعيفة الأكثر تضررًا من التعريفات الأمريكية
  • الأمم المتحدة: الذكاء الاصطناعي يهدد 40% من الوظائف ويزيد الفجوة بين الدول
  • الخطة الوطنية للتكيف.. البيئة: نستهدف رفع الوعي.. خبراء: خارطة طريق للعمل المناخي تحدد أولويات المشروعات والتركيز على قطاعات الأمن الغذائي والمياه والطاقة
  • الأمم المتحدة: الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 40% من الوظائف