«الهايكو».. شِعرية المبهج والمدهش
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
محمد نجيم (الرباط)
أخبار ذات صلةدخل شعر الهايكو الياباني إلى بيت القصيد والشعر من بابه الواسع، من خلال أسماء مارسته كتابة وبحثاً وتلقياً ودراسة، سواء على مستوى الأفراد أو الجامعات، وقد أصبح هذا الشعر معترفاً به في الثقافة العربية والمغربية، ولدى عدد من مراكز البحث والجامعات ومن خلال «بيان الهايكو» الذي ألقِي في ختام فعاليات ندوة الهايكو الثانية التي نظمت بمدينة وجدة المغربية، وقد عرّفه كظاهرة لافتة للنظر في مشهدنا الشعري العربي اليوم، إذ بات يكتب في مداره، أو على منواله، العديد من شعراء القصيدة المعاصرة منذ ستينيات القرن العشرين على أقل تقدير، فيما يتناوله اليوم، بالكتابة والدرس، مبدعون ومترجمون ونقاد بمستويات متفاوتة من الاهتمام والعمق.
كما عُرف «الهايكو» الياباني الكلاسيكي بوصفه قصيدة بيت واحد من دون وزن ولا قافية. فهو قصيدة نثر تتألف من ثلاثة سطور شعرية وجيزة، ذات إيقاع ونفَس مضبوطين. تترجم أحاسيس الإنسان ومشاعره من خلال استلهام المشاهد الطبيعية ورصد المواقف الإنسانية في لحظة حدوثها، أو استحضارها من خزين الذاكرة وانزياحات الخيال إلى بوتقة اللحظة الآنية. ومع انفتاح اليابان الحديث على العالم، منذ عهد «ميجي»، طور شعراء الهايكو اليابانيون قصيدتهم ودأبوا على التجريب والاستلهام أيضاً من منجزات مدارس الغرب الأدبية من رومانسية وواقعية وسريالية وغيرها. وهذا ما أفضى إلى ظهور قصيدة هايكو حديثة معاصرة وقصيدة «هايكو العالم» متحررة من لوازم الشعر الياباني التقليدي، ومنفتحة على خبرات العالم وتجارب الذات وأحلامها.
وعن تجربة هذا النوع الشعري في المغرب صدر كتاب «الهايكو المغربي: السياق والحقل» للكاتب عبدالقادر الجموسي، الذي يؤكد فيه أن قصيدة الهايكو تحتفي بالحضور الحسي للأشياء والموجودات، ولا تحتاج «ميتافيزيقا» كي تكتسي جدارة الانتماء لدائرة الجميل وتحقيق الأثر المنشود من كل أدب رفيع. كما تعمل قصيدة الهايكو، وذاك أيضاً من عناصر قوتها، على توظيف طاقات اللغة الإيحائية لاستشارة خيال القارئ وإشراكه في تمثيل الصور الشعرية وصوغ المعنى وتشخيص المواقف الإنسانية.
ويمنح الهايكو شاعره هبة التفاعل المرح مع كائنات الوجود، دون حشد استعارات أو مجازات موغلة في التجريد والغموض، وهذا ما يجعله شعر البساطة العميق أو شكل العمق البسيط ضد دعوى كتابة «الشعر الكلي» و«القصيدة الكلية» التي شغلت بعض شعراء الحداثة، حيث يبتهج شاعر الهايكو باللحظة المتفردة وبجمالية الجزئي والعابر والهامشي. وبعيداً عن بلاغة «الرؤيا» و«الكشف» يحتفي شاعر الهايكو بنعمة الحواس وذكاء القلب واستنارة العقل التي تفضي إلى الانتباه للمألوف والمبهج والمدهش من مشاهد الطبيعة والمواقف الإنسانية لاكتشافها من جديد.
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
محمد أبوزيد: أعتبر ديواني فوات الأوان بداية شعرية جديدة لي
أكد الشاعر المصري محمد أبوزيد لـ"عمان" أن ديوانه الجديد "فوات الأوان" شديد الأهمية بالنسبة له وبالنسبة لتجربته، إذ أنه أول ديوان له منذ ست سنوات، فقد صدر ديوانه السابق "جحيم" عام 2019، وهي أطول فترة يتوقف فيها عن إصدار الشعر، إذ كان يصدر ديوانًا كل عام أو عامين، لكنه لم يصم عن الكتابة بشكل عام، فقد أصدر، خلال هذه الفترة، كتابًا للأطفال بعنوان "قاموس الحقيبة"، ورواية "ملحمة رأس الكلب"، لكن ظل الشعر غائبًا.
يعلق: "سبب غياب شيطان الشعر أنني لم أكتب ما أرضى عنه بعد. صحيح أنني كتبت قصائد كثيرة، لكن رأيت أنها لا ترقى للنشر، فهي لا تعبِّر عما أريده. أريد أن أشير أيضًا إلى حصول ديواني السابق "جحيم" على جائزة الدولة التشجيعية المصرية، باعتباره أول ديوان نثر يحصل على هذه الجائزة الرسمية، فاعتبرت أن هذا عبء إضافي؛ لأنني لا أريد أن أكرر ما قلته في الدواوين السابقة، ليس من أجل القراء أو النقاد، بل من أجل نفسي. أردت أن أضيف شيئًا لتجربتي، خاصة وأنني أعتبر كل ديوان تجربة متكاملة، منفصلة ومتصلة في الوقت ذاته بالأعمال السابقة. أعتقد أن ديوان "فوات الأوان" يحمل بعض الاختلاف عن دواويني السابقة، ربما لن يعجب هذا البعض، لكني أشعر أنني استطعت أن أسير خطوة للأمام".
وفي نقطة جديدة يفسر سبب اختياره "فوات الأوان" عنوانًا للديوان. يقول: "آخر قصيدة في ديواني "سوداء وجميلة" الذي صدر عام 2015 كان اسمها "فوات الأوان"، وقد وضعتها في مدخل الديوان الجديد، وكنت أقول فيها إنني أنوي كتابة ديوان بهذا الاسم، أي يمكنك أن تقول إن هذا الديوان مشروع مؤجل منذ عشر سنوات. لقد كتبت دواويني الثلاثة خارج مصر، وأنا لا أفعل شيئًا سوى أن أراقب عمري يتناقص أمامي مثل كوب شاي، كما أقول في إحدى القصائد. أنا مهموم بالزمن، بمروره على أعمارنا كشفرة موسى. زاد هذا الانشغال مع التقدُّم في العمر، ومع زيادة سنوات الاغتراب وتأجيل أشياء شخصية وعائلية وحتى إبداعية لا أعرف متى يمكنني أن أفعلها. لكن طوال الوقت يساورني شك أنني لن أفعلها. وإذا فعلتها فسيكون الأوان قد فات. لهذا أقسِّم الديوان إلى قسمين "بعد" و"قبل". وفي منتصفه قصيدة تحمل اسم "الأوان"، لا يعبِّر الديوان بالضرورة عن حالتي الشخصية، لكنه يطرح أسئلتي الراهنة للحياة وللزمن، هذه الأسئلة التي أفتش عن إجابتها تارة في الشعر، وتارة في الفيزياء، وتارة في علوم الرياضيات، وأنا أعرف أنني لن أصل إلى إجابة".
ماذا أردت أن تقول من خلال "فوات الأوان"؟ أسأل ويجيب: "نحن في حاجة ماسة إلى إعادة الاشتباك مع الشعر، شعراء وقراء ونقادًا. والاشتباك هنا أعني به إعادة النظر إليه من زوايا مختلفة. الشعراء يكررون ما قال أسلافهم، والنقاد يعيدون ما هو معروف من النقد بالضرورة والقراء اعتادوا قراءة ما اعتادوا على شكله، وهجروا أي محاولات أخرى خارج السياق الذي تعلموه في المدرسة. لا ألقي باللوم هنا على أحد، فكلنا مذنبون في حق الشعر؛ لأنَّ كلاً منا اطمأن إلى نظرته الثابتة. والشعر ضد الثبات والاعتياد. الشعر أن تجد كل يوم معنى جديدًا في الشيء ذاته. ومن هنا كان همُّ الديوان الأول البحث في "ماهية الشعر"، ليس من أجل أحد، بل من أجل نفسي بالأساس. أريد أن أفهم وأتعلم، وهذا الفهم لن يأتي إلا بالتجربة، وبمفارقة الاعتيادي. ويخطئ الشعراء والنقاد والقراء إذا ظنوا أنهم وصلوا إلى نهاية المطاف مع قصيدة النثر. فما أعيه تمامًا أن هناك تحولًا قادمًا في الشعر سيستفيد من الفنون كافة ومن معطيات ومتغيرات العصر الحديث".
تصدَّر الديوان مبيعات الكتب في دار ديوان خلال معرض القاهرة للكتاب الماضي، وحول ذلك يقول: "إن يتصدر ديوان شعر المبيعات هي فكرة غريبة بالنسبة لي، فنحن قد اعتدنا في جميع قوائم "الأكثر مبيعًا" أن تتصدَّرها الروايات أو كتب التنمية البشرية، لكن لم يحدث هذا في الشعر حسبما أعرف، خاصة أن هناك ترويجًا كبيرًا في جميع دور النشر للرواية، فضلًا عن الترويج النقدي لها باعتبار أننا ما زلنا في زمن الرواية، بالإضافة إلى أنها الأسهل بالنسبة للنقاد في التلقي، وأقرب إلى ذائقة القراء وأكثر سلاسة وبساطة كونها "حكاية"، وإن كان هذا تعريفًا مبتسرًا ومخلًا للرواية، ولا أملك تفسيرًا لما حدث لديواني سوى أن هناك من اشتراه وأعجبه ونصح آخرين به".
لا يهتم أبوزيد بفكرة المبيعات بقدر اهتمامه بالوصول إلى القارئ. فالكاتب ليس تاجرًا على أية حال. ومهما تواضع الكاتب وقال إنه لا يهتم بالقارئ فإنه يكتب لكي يقرأه أحد، وإلا ما نشر أعماله. يعلق: "كلنا نكتب من أجل ذلك الكيان الخفي غير محدد الملامح الذي اسمه القارئ. كلنا نسعى لنيل رضاه، قد تتغير طبيعته من كاتب لآخر، وقد تتغير اهتماماته من كاتب لآخر، لكن داخل كل كاتب تمثال لقارئ مجهول يتضرع إليه، ويقدم إليه كتابه قربانًا. مشكلة الكتب الأكثر مبيعًا أنها سيئة السمعة، أي أن معظمها يتوجه للمراهقين وقراء الكتب الخفيفة، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا صحيحًا، فهناك روايات وكتب جادة دخلت هذه القوائم؛ لأنها استطاعت أن تصل للقارئ، وهو ما يحدث بالفعل في الروايات التي ترشح أو تفوز بجوائز على سبيل المثال".
هل يشوِّش الروائي على الشاعر أو العكس بالنسبة له؟ يجيب: "كلاهما يستفيد من الآخر، وهذا ما أشعر به شخصيًا، فأفضل دواويني هي التي أكتبها بعد الانتهاء من رواية، وأكون مرتاحاً في كتابة الرواية حين أشرع فيها بعد الانتهاء من كتابة ديوان شعر. في كل الأحوال فإن الطريقة التي يعمل بها عقلي في التعامل مع كلٍّ منهما مختلفة عن الآخر، وهذا يريحني إلى حد كبير، رغم أني أرى أحدهما يتلصص على الآخر أثناء كتابته وكأنه يطمح أن يجلس مكانه، وأنا من مكاني أحاول أن أهدئه بكتاب قادم".
وحول خطوته المقبلة يقول: "أعمل على رواية جديدة، لكن غالبًا تحتاج إلى وقت طويل. كتبت روايتي الأولى في 7 سنوات، وكذلك الثانية، أما الثالثة فكانت أكثر حظًا إذ أنهيتها في ثلاث سنوات. أما في الشعر فأريد أن أكمل ما بدأته في ديوان "فوات الأوان" الذي أعتبره بداية شعرية جديدة لي".