كيف تقوّي البيئة مناعتنا النفسية؟
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
شريف عرفة (أبوظبي)
أخبار ذات صلةنعرف أن التواجد في الطبيعة مفيد لصحتنا الجسدية، حيث الهواء الطلق النقي والطعام الطازج الخالي من الكيماويات.. لكن هل تعلم أن التواجد في الطبيعة لمدة تتراوح بين 20 و90 دقيقة مفيد لصحتنا العقلية حتى للذين يعانون من أمراض نفسية؟
هذه إحدى النتائج التي توصلت إليها دراسة بريطانية تحمل عنوان: «الأنشطة الخارجية القائمة على الطبيعة للصحة العقلية والجسدية: مراجعة منهجية وتحليل تلوي» حيث قام الباحثون بتحليل نتائج 50 دراسة شملت آلاف المشاركين، لمعرفة مدى تعرضهم للبيئة الطبيعية بشكل منتظم، ومدى تأثير ذلك على الحالة النفسية متمثلة في أمور مثل: أعراض الاكتئاب والقلق، والحالة المزاجية والمشاعر الإيجابية والسلبية.
تشمل الأنشطة التي قام الباحثون برصدها أموراً مثل ممارسة الزراعة والعناية بالحدائق، أو الاسترخاء وممارسة التأمل في الطبيعة، أو ممارسة الفنون التي تتضمن التواجد في الطبيعة واستخدام المواد الطبيعية لصنع أعمال يدوية، وكذلك ممارسة التمارين الرياضية في الطبيعة، أياً كان نوع الرياضة، معتدلة كانت كالمشي أو مرهقة كالعدو.
خلصت الدراسة التي نشرت في دورية إس إس إم بوبيوليشن هيلث، إلى أن ممارسة كل هذه الأنشطة كان لها تأثير ملحوظ في تحسين الصحة العقلية لدى قطاع كبير من الناس، بمن فيهم كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة، والأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، وكذلك الأصحاء. وتنص الدراسة على أن هذه الأنشطة «فعالة كوسيلة علاجية لمشاكل الصحة العقلية الموجودة مسبقاً، كما يمكن اعتبارها نهجاً وقائياً للحفاظ على الصحة العقلية لعموم الناس». كما وجد الباحثون أن كل نشاط في حد ذاته كان يتميز عن غيره في طبيعة الفوائد.
الانغماس في الطبيعة
سواء كنت تتأمل الأفق في الصحراء أو تشاهد تتابع الموج على شاطئ المحيط، أو تسترخي فوق جبل، فإن كل هذا يندرج تحت فئة الانغماس في الطبيعة، والذي يعني التعرض لأي منظر طبيعي، والاندماج فيه بكل حواسك من دون أن يشغل بالك أي شيء آخر. هذا الانفصال عن مشاكلك اليومية يصفي الذهن، ويساعد في تقليل المزاج الاكتئابي وأعراض القلق والمشاعر السلبية، ويساعد في زيادة المشاعر الإيجابية.
البستنة
الزراعة وتنسيق ورعاية الحدائق، نشاط يمنح المشاركين إحساساً بالهدف والمعنى والسكينة والشعور بالإنجاز، وبالتالي يساعد في تقليل الحالة المزاجية الاكتئابية لدى الأصحاء، وكذلك الذين يعانون مشاكل صحية مزمنة، وأيضاً لمن يعانون مشاكل في الصحة العقلية، كما قللت الزراعة من أعراض القلق وعززت المشاعر الإيجابية.
الرياضة الخضراء
وارتبطت ممارسة التمارين في أماكن طبيعية مفتوحة (كالحدائق والمتنزهات والشواطئ..) بتأثيرات ملحوظة لصالح تقليل أعراض الاكتئاب وتخفيف القلق. وبشكل عام كانت الأنشطة الجماعية أو الفردية التي استمرت ما بين ثمانية إلى 12 أسبوعاً هي الأكثر فعالية. وقد لاحظ الباحثون أن المكاسب النفسية للتمارين الخضراء أكبر نسبياً من النشاط السابق «رعاية الحدائق» لأن النشاط البدني في حد ذاته له تأثير مضاد للاكتئاب والقلق.
الجرعة المثالية
في جدول حياتنا المزدحم. ما هي الفترة التي ينبغي أن نخصصها لإحداث هذا الأثر؟ ما هي الجرعة المثلى للتعرض للطبيعة؟
تقول الباحثة «راشيل بيتمان» التي أجرت هذه الدراسة مع فريقها البحثي «من كلية هال يورك الطبية بجامعة يورك، ومركز الرعاية الصحية المستدامة في أكسفورد، ومعهد برادفورد للبحوث»: إنه بشكل عام، كانت مدة الأنشطة الأكثر فعالية تتراوح بين 20 إلى 90 دقيقة بانتظام على مدار بين 8 و12 أسبوعاً.
في الحالات المرضية، لوحظ تحسن في الحالة المزاجية لدى الأشخاص المصابين بالخرف بعد التعرض للحدائق الطبيعية لمدة 20 دقيقة فقط، لكن النتيجة المثلى لهم كانت بين 80 و90 دقيقة.
وعند الأصحاء، تشير دراسات إلى أن قضاء 120 دقيقة أسبوعياً في الطبيعة، كان مرتبطاً بمستويات أعلى من السعادة وتحسن الصحة النفسية عند عموم الناس.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الصحة النفسية البيئة الصحة العقلية الأمراض النفسية الصحة العقلیة فی الطبیعة
إقرأ أيضاً:
العقاب الصهيوني مع قساوة الطبيعة على غزة
مشاهد السيول والأمطار في غزة تجرف خيام النازحين الناجين من جحيم الإبادة الجماعية؛ هي ذروة المأساة التي يواجهها هؤلاء، فلا تكفي جراح أهل غزة ومصائبهم المركبة بفعل العدوان والحصار وانعدام كل مقومات الحياة، ولتُسلط الأضواء على ما تخلفه كوارث افتراش العراء وتحت خيام متهالكة، فتضاف هذه الكارثة لما عايشته هذه الخيام وساكنوها من جولات نزوح واستهداف مباشر من قبل قوات الاحتلال، وهي في معظم الحالات لا تختلف كثيرا بالنسبة للتوقعات إزاء عالم منافق.
ويظهر أن حجم المطالبات والمناشدات من الغزيين لرفع الظلم عنهم ولوقف جرائم الإبادة الجماعية خلال العامين الماضيين، لم تفلح في تحريك وزحزحة العجز العربي والدولي أمام شلال الدم، وكذلك الحال بالنسبة للتوقعات إزاء الكارثة الإنسانية التي يواجهها الغزيون على أعتاب فصل الشتاء.
المجتمع الدولي ومجلس الأمن، المتحمس لتثبيت وقف إطلاق النار، منشغل بأدق التفاصيل التي رسمتها الإدارة الأمريكية وإسرائيل، لهندسة خنق الغزيين، بالغرق في تفاصيل بقية مراحل وقف إطلاق النار. صحيح أنه توقفت الطائرات الإسرائيلية عن قصف خيام النازحين، لكن سلطات الاحتلال تمنع للآن دخول المقومات الأساسية لإعانة المهجرين المنكوبين، فالخيام والكرفانات وبقية القائمة الطويلة التي يحتاجها السكان، غير مدرجة في النقاش الساخن عن القوة الدولية التي ستشرف على وقف إطلاق النار، ولا هي بالقدر الموازي لتفاصيل تدريب عناصر الشرطة والأمن التي ستتولى الإشراف عليه في غزة، فكما كانت حياة البشر في غزة موضوعا ثانويا في نقاش واهتمام المجتمع الدولي والعالم العربي، تعود اليوم مشاهد الوحل والسيول لتغرق عار النفاق الكوني الذي انشغل بجثث وأسرى الاحتلال، واستنفر دبلوماسيته وأمنه ووساطته لإنقاذهم وانتشالهم من تحت ركام سببه العدوان الوحشي للاحتلال.
وكما قال الغزي من خيمته، العالم لم يكترث لدمنا المسفوك خلال عامين، فلن يكترث للسيول والأمطار التي تجرف حياتنا المتهالكة أصلا، فيمكن للمرء هنا أن يؤمن بأن للطبيعة قوانينها المسيرة بقدرة الخالق سبحانه وتعالى؛ من زلازل وبراكين وأعاصير وجفاف وحرائق، ويمكن أن يحلل ظواهرها الفيزيائية وغيرها، ويمكن أن يهب لنجدة مجتمعات أخرى تصاب بمثل هذه الكوارث.. إلخ، لكنه لا يفهم الطبيعة البشرية والإنسانية التي تفرجت على مشاهد الإبادة الجماعية في غزة، وعجزت عن مد يد العون في وقت المجاعة التي فرضها الاحتلال على السكان، وفشلت في إنقاذ أرواح عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، ولا يفهم الصمت المستمر على مشاهد تمزق وغرق خيام النازحين؛ إلا في التآمر على الغزيين والدفع نحو مخطط التهجير والاقتلاع الذي تريده المؤسسة الصهيونية بدعم من الإدارة الأمريكية، وبدعم من الصمت المريب للنظام الرسمي العربي.
الوضع الإنساني الصعب في غزة يعرفه القاصي والداني، والتلكؤ في إنقاذها ومد يد العون لأهلها وضع غير أخلاقي. ولطالما فشل المطالبون من المجتمع الدولي والنظام العربي لبعضهم البعض في وضع حد لسياسات الاحتلال، وفي مناشدات التحذير من المخاطر الجسيمة التي تحيط بمجتمع يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، فهذه الأوضاع المتهالكة والكارثية التي يواجهها أكثر من مليوني إنسان في غزة، هي بالأصل نتيجة عقاب الطبيعة الصهيونية للغزيين على وجه الخصوص، وللشعب الفلسطيني عموما. فقد كشفت هذه الطبيعة الصهيونية عن أقذر ما في فاشيتها ومكنونها العنصري على مدار عقود النكبة الفلسطينية، وصولا الى عامي الإبادة الجماعية. والحال أن الأمطار والأمراض والجوع والنزوح والتدمير، تجتمع مع بعضها البعض أمام فشل وعجز مقصودين يخدمان في نهاية المطاف المساعي الصهيونية للانتقام من كل الشعب الفلسطيني، وتنفيذ مخططاتها في التهجير والاستيطان وفرض نظام الأبارتايد وقتل مشروع حل "الدولتين والسلام".
لا تزال نداءات الغزيين تطارد الضمير البشري العربي والعالمي، ولا توقظه، لا تمهلهم قساوة الطبيعة وسيولها الجارفة، فمهما كانت الحناجر صادحة، لم تبلغ مستوى خفض تراكم الجثث وحطام المدينة. بقيت الخيام هشة والأعمدة منخورة تستنكر تأجيل الموت المنتظر على طرقات غزة ورفح والمواصي وخان يونس وكل بقعة من أرض فلسطين.
تسعة فصول مرت على الغزيين منذ بدء حرب الإبادة عليهم، خريفهم وشتاؤهم وربيعهم وصيفهم، صارت فصول من الحقد والعنصرية والإبادة التي فرضت عليهم ما يفوق طاقة البشر على تحملها، فصمود الغزيين فوق الركام وتحت الخيام الممزقة وبجانب بقاياها، ليس بطولة، إنما عار أنساني ودليل حسي على أن التخاذل والتخلي عن واجب إنقاذهم ومساندتهم كان وما زال وسيكون عن سبق الإصرار الذي خبره الشعب الفلسطيني في كل مراحل مواجهته مع المؤسسة الصهيونية.
أخيرا، تدفعنا مأساة غزة المركبة بفعل وحشية المحتل، وقساوة الطبيعة وظلم ذوي القربى، لأن نتساءل: من يناشد النظام العربي لتطبيق المجتمع الدولي لقوانينه، أو للقيام بواجباته؟ وهل تقديم خيمة إيواء وحبة دواء وكرفان يقي من نجا من الحطام والتدمير؛ بحاجة لكل هذا الهراء عن التحذير والتنديد؟ الخيمة المثقوبة والغارقة في وحل غزة ستبقى مرعبة مع صور أهلها، لأن الرعب ليس من مشاهد غضب الطبيعة ولا من إجرام وإرهاب المؤسسة الصهيونية، الرعب يكمن في وجود وبقاء شعب فلسطين فوق أرضه وبما تجيش به صدور المتآمرين عليه.
x.com/nizar_sahli