أسابيع أخرى.. هل تعمل استراتيجية إسرائيل لتدمير حماس؟
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
سلط تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، السبت، الضوء على الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل في حربها ضد حماس في قطاع غزة ومدى فعاليتها في القضاء على الحركة التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل تحرز تقدما في السيطرة على الأرض في غزة، لكنها لم تتمكن بعد من هزيمة حماس أو إطلاق سراح ما يقرب من 240 رهينة تحتجزهم الحركة منذ السابع من أكتوبر.
وأضافت الصحيفة أن استيلاء الجيش الإسرائيلي على مستشفى الشفاء، وهو أكبر مجمع طبي في غزة، يشكل أهمية مركزية في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الرامية للقضاء على حماس وإطلاق سراح الرهائن.
وبينت الصحيفة أن "هناك أكثر من 40 ألف جندي إسرائيلي يحاصرون غزة، فيما تستهدف القوات الإسرائيلية المخابئ والأنفاق التابعة لحماس منذ أسابيع، لكن حتى الآن ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ناجحة".
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين عسكريين أميركيين القول إن نظراءهم الإسرائيليين أبلغوهم أن يتوقعوا أسابيع أخرى من عمليات "التطهير" في شمال قطاع غزة قبل أن تبدأ إسرائيل بتوسيع الهجوم البري وشن عملية منفصلة في جنوب القطاع.
لكن الصحيفة تشير إلى وجود عدة أسئلة حول الاستراتيجية الإسرائيلية منها: كيف سيتم القضاء على حماس إذا اندمج مسلحوها مع بقية السكان أثناء توجههم جنوبا؟ وإلى متى تستطيع إسرائيل تحمل الضغط الدولي المتزايد من أجل وقف إطلاق النار مع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين في غزة؟ والأهم من ذلك، هل كان مستشفى الشفاء بالفعل هدفا عسكريا مهما بما يكفي لمداهمته؟
وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس فقد سقط أكثر من 12 ألف شخص نتيجة الغارات الإسرائيلية على القطاع منذ السابع من أكتوبر.
وتلقي إسرائيل باللوم في مقتل المدنيين، بشكل جزئي على تمترس حماس وإخفاء تحصيناتها العسكرية ومراكز القيادة في الأحياء السكنية والمستشفيات، ومنها مستشفى الشفاء، حسب تقديرها.
لكن مسؤولين أميركيين قالوا إن قرار إسرائيل السريع بشن عمليات برية في القطاع لم يترك للقادة الإسرائيليين سوى وقت قليل للتخطيط من أجل التخفيف من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون وضمان عدم ارتفاع عدد القتلى في صفوفهم.
وترى الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي لم يقدم بعد أدلة علنية على وجود شبكة أنفاق واسعة النطاق ومركز قيادة تحت مستشفى الشفاء، فيما تتعرض إسرائيل لضغوط دولية متزايدة لإظهار أن المستشفى كان هدفا عسكريا بالغ الأهمية.
وكان مسؤولون عسكريون إسرائيليون قالوا، الجمعة، إن تفتيش المستشفى سيستغرق وقتا بسبب خطر مواجهة أعضاء حماس والأفخاخ المتفجرة، وإنهم سيضطرون إلى استخدام الكلاب والمهندسين العسكريين.
تتقدم القوات الإسرائيلية ببطء ولا تسيطر حاليا إلا على جزء من موقع المستشفى، وفقا لثلاثة ضباط إسرائيليين، الذين أكدوا أن القوات تتجنب أيضا دخول فتحة النفق الذي أعلن الجيش الإسرائيلي العثور عليه هناك.
لكن الجيش الإسرائيلي يؤكد أن لديه بالفعل دليلا على وجود جزء على الأقل من مجمع أنفاق تحت الأرض أسفل المستشفى.
ويشير مقطع فيديو، قال مسؤول إسرائيلي إنه تم تصويره بواسطة كاميرا أنزلتها القوات في النفق الجمعة، واطلعت عليه صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن النفق من صنع الإنسان، به ممر واحد على الأقل واسع، يكفي لمرور الأشخاص.
وتقول الصحيفة إن طول النفق يبلغ 50 قدما أو أكثر على الأرجح، وفي نهايته باب قال المسؤول إنه محصن لمقاومة المتفجرات.
بحسب المسؤول الإسرائيلي يظهر الفيديو أن الباب به فتحة صغيرة تسمح بإطلاق النار في اتجاه واحد من الجانب الآخر من النفق.
يقول العميد المتقاعد، جيورا إيلاند، المدير السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي والرئيس السابق لإدارة التخطيط في الجيش الإسرائيلي، إن قادة حماس ربما كانوا قبل بدء الحرب يتواجدون في مقر القيادة الذي تعتقد إسرائيل أنه موجود تحت مبنى مستشفى الشفاء.
ويعتقد إيلاند أن "معظم هؤلاء القادة ربما هربوا إلى الجنوب، ونتيجة لذلك، سيتعين على إسرائيل إجلاء المدنيين واستهداف كتائب حماس هناك في الأسابيع والأشهر المقبلة".
وتوقع إيلاند أن "هذا الأمر قد يتعقد بسبب نفاد صبر المجتمع الدولي تجاه إسرائيل".
بالمقابل يعتقد الخبير في شؤون الجيش الإسرائيلي ياجيل ليفي إن مهاجمة مستشفى الشفاء كان "استعراضا للقوة ولم يكن جزءا من استراتيجية واضحة"، مضيفا أن إسرائيل، بفعلها هذا، ربما تكون قد عرّضت حياة الرهائن للخطر.
وأشار ليفي إلى أن "الجيش الإسرائيلي لم يأخذ بعين الاعتبار مستقبل أو سلامة الرهائن من خلال التحرك تجاه مستشفى الشفاء".
وقال إن انتشال جثتين بالقرب من مستشفى الشفاء علامة واضحة على أننا "نفقد الرهائن من خلال تأخير عملية تبادل الأسرى".
بالإضافة لذلك تقول الصحيفة إنه كلما طال أمد الحرب، زاد الضغط على الاقتصاد الإسرائيلي، مع استدعاء 360 ألف جندي احتياطي عسكري من وظائفهم المدنية للقتال.
وتشير إلى أن مسؤولين ومحللين يرون أن هذا الأمر يفرض ضغوطا على الجيش الإسرائيلي لإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بحماس في أسرع وقت ممكن.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی مستشفى الشفاء
إقرأ أيضاً:
النظرية القتالية للمقاومة: استراتيجية جديدة ومفاجئة للعدو الإسرائيلي
بقلم/ محمد الصالحي
في سياق الصراع المستمر بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، تظهر نظرية قتالية جديدة ومتفردة للمقاومة، وهي التي لا تقتصر على التكتيك العسكري التقليدي أو الاعتماد على خطط استراتيجية تُنفذ من قبل القادة في الميدان، بل تقوم على مجموعة من المبادئ التي تُشَكّل بُنية فكرية، إيديولوجية وتنظيمية بالغة التعقيد، هذه النظرية القتالية، التي تُعتبر استجابة طبيعية للضغوط والتحديات التي فرضها الكيان الإسرائيلي، مكّنت المقاومة من الاستمرار في القتال ضد أعتى الجيوش بأقل الإمكانيات، بل وتفرض على العدو مفاجآت تكتيكية يصعب عليه تحليلها أو معالجتها.
فأحد الأبعاد الرئيسية في نظرية القتال لدى المقاومة يكمن في التنظيم العسكري اللامركزي، ففي الوقت الذي تعتمد فيه الجيوش النظامية على هيكل قيادة مركزي، حيث يتحكم القائد في كل خطوة ويتم إقرار الأوامر من أعلى إلى أسفل، تعتمد المقاومة على تكتيك يجعل كل وحدة أو تشكيل عسكري يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، وعلى الرغم من أن القيادة العامة للمقاومة موجودة وتنسق العمليات الكبرى، إلا أن كل مجموعة أو فصيل مُجهز للتعامل مع المواقف القتالية بشكل مستقل، بل ومصمم على اتخاذ القرارات الميدانية بناءً على تقدير الموقف.
هذا التنظيم اللامركزي هو الذي مكن المقاومة من الاستمرار في المعركة حتى بعد اغتيال قادتها أو فقدان الاتصال بينهم وبين الوحدات العسكرية، إذ يمكن لكل مجموعة تنفيذ مهماتها العسكرية بدون الحاجة إلى تعليمات فورية من القيادة. ويُعتبر هذا التوجه من أقوى عناصر الصمود، حيث لا يتوقف العمل العسكري على وجود القائد على الأرض، بل على القدرة على التفاعل الذاتي وفقًا للموقف العسكري.
إن الطبيعة الصارمة للتدريب العسكري الذي يخضع له مقاتلو المقاومة في لبنان وفلسطين تجعلهم جاهزين لأداء المهام في أي ظرف، حيث يتم تدريبهم على القتال في بيئات معقدة للغاية، حتى في حال فقدان الاتصال مع القيادة أو الوحدات الأخرى، وبذلك، يصبح كل مقاتل جزءًا من شبكة قتالية متكاملة، حيث يتحمل كل فرد مسؤولياته بشكل كامل، حتى في حال تعرضه لضغوط شديدة أو مواجهة للعدو بشكل مباشر.
أضف إلى ذلك أن هذه الوحدة القتالية المستقلة تجعل أي عمليات اغتيال أو استهداف للقادة غير فعّالة في تقويض القدرات العسكرية للمقاومة. فهي ليست معتمدة فقط على القادة الكبار، بل على الإرادة الجماعية والانضباط الذاتي لكل فرد في صفوف المقاومة.
الركيزة الأساسية التي تُميز نظرية القتال لدى المقاومة هي البنية الثقافية والإيديولوجية التي تترسخ في نفوس المقاتلين، فالإيمان العميق بالقضية، سواء كانت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين أو الدفاع عن السيادة اللبنانية ضد التهديدات الإسرائيلية، يُعطي المقاتلين قدرة غير تقليدية على الاستمرار في المعركة، هذا الإيمان يتجاوز الجوانب العسكرية البحتة ويعتمد على قيم مثل التضحية، الشهادة، والانتصار بالقضية، وتحرير الارض، وانهاء الاحتلال، ما يجعل من الصعب على العدو الإسرائيلي اختراق هذا العنصر النفسي.
فالمقاتلون في المقاومة لا يرون أنفسهم مجرد جنود في معركة عسكرية، بل أصحاب قضية وطنية ودينية، وهذا الوعي العميق يُشكل درعًا عقائديًا يصعب على أي قوى خارجية، بما فيها الكيان الإسرائيلي، اختراقه أو التأثير عليه.
وعليه، يتجسد في قتالهم نوع من “الحرب غير التقليدية” التي لا تقاس فقط بالخسائر والإنجازات الميدانية، بل بالقدرة على الاستمرار في الصمود وتقديم التضحيات.
كما تتميز التكتيكات القتالية للمقاومة بمرونة عالية، حيث لا تقتصر على مواجهة العدو بأسلوب ثابت، بل تتغير حسب الموقف، من الهجمات المباغتة والكرّ والفرّ إلى استهداف نقاط الضعف في خطط العدو، تعمل المقاومة على تنفيذ عمليات متنوعة تُجبر العدو على تعديل استراتيجياته باستمرار، إن هذا التعدد والتنوع التكتيكي يساهم في أرباك العدو ويدفعه إلى إعادة تقييم قدراته على مواجهة المقاومة.
فيما يخص المواجهات المباشرة، فإن المقاومة تجيد استخدام تكتيك حرب العصابات، إذ يتم الاعتماد على الهجمات السريعة ثم الاختفاء، وتدمير المعدات العسكرية لجيش الاحتلال بشكل منهجي. كما أن التفوق الجوي أو البرّي للعدو لم يُحسم لصالحه، بل يُجبر على التكيف مع الظروف المتغيرة في ساحة المعركة.
أحد أهم أبعاد النظرية القتالية للمقاومة هو رفضها للاحتكام إلى الحروب التقليدية، بل التوجه نحو “حروب الاستنزاف”. فالمقاومة، أثبتت أن لديها قدرة على استنزاف العدو في المدى الطويل.
فالعمليات الصغيرة والمحدودة التي تؤثر على معنويات العدو وتؤدي إلى إطالة أمد الحرب تُعتبر جزءًا من استراتيجية متكاملة تهدف إلى تدمير قدرة العدو على الاستمرار في الحرب.
ومن خلال هذه الاستراتيجية، أصبح الكيان الإسرائيلي في وضع لا يُحسد عليه، حيث تتوالى الضغوط عليه من الداخل والخارج، وأصبح بحاجة إلى تبرير تدخلاته العسكرية أمام المجتمع الدولي.
فمن خلال النظرية القتالية للمقاومة، يتضح أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية قد نجحت في بناء استراتيجية عسكرية غير تقليدية تقوم على تنظيم عسكري لامركزي، وتدريب استثنائي، وتوظيف ثقافة عقائدية تُعزز من قوة المقاتلين وتماسكهم في مواجهة العدو، هذه النظرية القتالية التي يُعجز العدو عن تحليلها أو تكييفها مع استراتيجياته التقليدية، قد غيّرت موازين المعركة، وأثبتت أن القوة العسكرية لا تأتي فقط من التكنولوجيا المتقدمة أو الجيوش الضخمة، بل من الإرادة الراسخة والقدرة على التكيف مع مختلف الظروف القتالية.