على طريق عظماء عُمان وأمجادها
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
يحتفي العمانيون بالعسكرية ويحبونها بالفطرة، إنها جزء من تاريخهم العريق الذي تسلل مع الوقت إلى جيناتهم، فلا فخر ولا اعتزاز إلا كانا مقرونين بها، ولا أمن ولا أمان بعيدا عن قوتها وصلابتها ومنعتها.. وهذا مفهوم في ظل الدور الكبير الذي اضطلعت به العسكرية العمانية عبر التاريخ في ترسيخ الدولة العمانية وحمايتها وفرض هيبتها في البر والبحر، بل وحماية الإقليم كله من المخاطر الناتجة عن أطماع حركات الاستعمار الغربية في الزمن الذي سمي بزمن الكشوفات الجغرافية.
وكان يوم أمس يوما وطنيا مليئا بالرموز والدلالات التي تنطق بالكثير والكثير. فرغم أن سلطنة عمان علّقت احتفالاتها بمناسبة عيدها الوطني تضامنا وحزنا مع ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين وبشكل خاص في قطاع غزة إلا أنها لم تعلق العرض العسكري، واستعرض جلالة السلطان المعظم القائد الأعلى قواته المسلحة في عرض مهيب في إشارة لا تخفى رمزيتها، ولا يخفى ما بها من احتفاء عماني واحتفال بالعسكرية التي عبرها تُكرّم عُمان تاريخا طويلا من المنجزات التي سطرها الآباء والأجداد.
لكن رمزية يوم أمس لا تنتهي عند هذه النقطة التي ترتبط بالزمن الذي أمسكت به الإرادة العمانية فطوعته لصالح مشروعها، فالمكان الذي أقيم فيه الاستعراض العسكري له دلالته ورمزيته في التاريخ العماني يعيدنا إلى قرون بعيدة مضت.. وأسماء عمانية عظيمة مرت في المكان فملأت الدنيا وشغلت الناس، أئمة كبار، وقادة طووا الأرض أمامهم وقيدوها ببأسهم وعدلهم فدانت لهم.. ليس بدءا بمالك بن فهم الأزدي وليس انتهاء بالسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- .. وفي عمق ولاية أدم حيث كان المكان أمس يختزل تاريخا عمانيا عظيما أصولا وجذورا للقائد العظيم المهلب بن أبي صفرة وأصولا وجذورا للإمام أحمد بن سعيد الذي تمتد جذوره إلى شموخ اللحظة الآنية في عُمان وعظمتها.
كان جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وهو يقف شامخا في المكان أمس بكل دلالاته وتاريخه ورموزه ويحيي الطوابير العسكرية ويستعرضها بكل امتداداتها ورمزيتها التاريخية يطاول عظماء عُمان عبر الزمن، ويكمل مشروعهم في بناء كيان عُمان الحضاري.. ولعله وهو يمر أمام متحف «عُمان عبر الزمان» في مسيره المبارك إلى ولاية أدم قد اختزل كل شموخ عُمان وعظمة أرضها التي تمتد إلى أكثر من 800 مليون سنة فكان أن عانق السماء شموخا وأمسك بتلابيب المجد العماني التليد وهو يقف أمام قواته المسلحة الباسلة.. وحق له ذلك فهو وريث كل ذلك المجد الذي سطرته هذه الأرض بسواعد إنسانها الصلب.
لا عجب أو غرابة إذن في كل الرموز التي يقرأها العمانيون في مشهد سلطانهم المعظم، فسلاطين عُمان ليسوا منبتين عن تاريخها، إنهم جزء منه، ودورهم أن يضيفوا إلى عظمته عظمة جديدة، وهم يتصرفون بناء على ذلك، فشموخهم شموخ عُمان وعظمتهم عظمتها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
محمد رضا «معلم السينما» الذي أضحك الأجيال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحل اليوم الجمعة، ذكرى وفاة الفنان محمد رضا، الذي يعد أحد أبرز نجوم الكوميديا في تاريخ السينما والمسرح المصري، والذي استطاع أن يضفي على الشاشة روحًا فريدة تجمع بين الدعابة والإنسانية، تاركًا بصمة خالدة في قلوب الجماهير بأدواره المميزة وشخصيته المحبوبة.
بداياته متواضعة لكنها مشبعة بالحماسفي الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1921 ولد محمد رضا في بيئة بسيطة بمدينة أسيوط، حيث نما في أجواء تنضح بالثقافة الشعبية والتراث المصري، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهها في طفولته، حملته شغفه بالفن إلى السعي وراء تحقيق أحلامه، فكانت بداياته متواضعة لكنها مشبعة بالحماس والتصميم على الوصول إلى القمة.
درس محمد رضا الهندسة في البداية قبل أن يتحول إلى عالم التمثيل، فلم يكن الطريق إلى الشهرة مفروشًا بالورود، فقد بدأ مسيرته بتجارب فنية متعددة قبل أن يتجه رسميًا إلى عالم المسرح والسينما، التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية كان خطوة فاصلة، حيث تدرب وتعلم أصول الأداء المسرحي الذي مهد له الفرصة لتطوير أسلوبه الفريد، فقد استغل كل فرصة صغيرة ليثبت موهبته، ما أكسبه ثقة مخرجي الأفلام والمسارح في تلك الحقبة الذهبية للفن المصري.
فيلم 30 يوم في السجنانتقل محمد رضا إلى الشاشة الكبيرة في فترة ازدهار السينما المصرية، وسرعان ما أصبح رمزًا للكوميديا الراقية، فقد شارك في أكثر من 300 عمل فني، منها أفلام أصبحت من كلاسيكيات السينما مثل: «30 يوم في السجن»، الذي جمعه مع كبار نجوم عصره أمثال فريد شوقي، أبو بكر عزت، نوال أبو الفتوح، مديحة كامل، ميمي شكيب، وثلاثي أضواء المسرح سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد، والعمل من إخراج نيازي مصطفى، «حكاية بنت اسمها محمود»، «سفاح النساء»، «البحث عن فضيحة»، «رضا بوند» و«السكرية»، حيث برع في تقديم الأدوار التي جمعت بين الفكاهة والدراما، كما أبدع على خشبة المسرح في أعمال مثل «زقاق المدق» التي خلدت صورة الممثل الماهر والمرح.
اشتهر محمد رضا بأداء شخصية «المعلم» في العديد من الأفلام والمسرحيات، حتى أصبحت أيقونة راسخة في ذاكرة الجمهور، فلم يكن مجرد ممثل كوميدي، بل امتلك قدرة على تقديم الكوميديا الراقية الممزوجة بالعمق الإنساني، ما جعله واحدًا من أكثر الممثلين شعبية في السينما المصرية.
لم يكن محمد رضا فقط فنانًا على الشاشة، بل كان شخصية ذات حضور كاريزمي استثنائي، فقد امتلك حسًا فكاهيًا يعتمد على السخرية الراقية والذكاء في المواقف، مما جعله محبوبًا من قبل جماهير واسعة، إضافة إلى قدرته على التفاعل مع المواقف الاجتماعية والسياسية في عصره، دون المساس بجوهر الكوميديا، أكسبته احترام وإعجاب مختلف فئات المجتمع، فكان يتميز بإيماءاته المميزة، وتوقيته الكوميدي الذي خلق له مكانة خاصة بين زملائه وفي قلوب محبيه.
فيلم البحث عن فضيحةتجاوز تقدير محمد رضا كونه مجرد ممثل، فقد أصبح رمزًا ثقافيًا يمثل روح الدعابة المصرية وقدرتها على تخطي صعوبات الحياة بابتسامة، وقد عبر الكثير من الفنانين والمثقفين عن امتنانهم لمساهماته التي فتحت آفاقًا جديدة في تقديم الفن الكوميدي بطريقة راقية وإنسانية، فكانت لمساته الفنية تعكس حالة اجتماعية واجتماعية مر عليها المجتمع المصري، مما جعل أعماله وثائق ثقافية تعبر عن روح عصرها.
على الرغم من رحيل الفنان محمد رضا في 21 فبراير عام 1995، إلا أن إرثه الفني لا يزال حيًا، فقد ترك خلفه مجموعة ضخمة من الأعمال التي تدرس في معاهد الفنون ويستشهد بها في حلقات النقاش السينمائي، لذا يعد دوره في تشكيل الوجدان الجماهيري وابتكار صيغة الكوميديا المصرية من العوامل التي أسهمت في استمرار تأثيره على الأجيال الجديدة، وتعاد عرض أعماله القديمة في قنوات التلفزيون السينمائي والمهرجانات الفنية، ما يؤكد مكانته كواحد من أعمدة الكوميديا في مصر والعالم العربي.