لجريدة عمان:
2025-04-02@07:37:11 GMT

سعادة المواطنين ورفاهيتهم

تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT

تعد السعادة اليوم واحدة من الأهداف التنموية المرتبطة بالحوكمة والاقتصاد؛ إذ ترتبط بالأهداف الإنمائية الاجتماعية والبيئية والمالية، فهي غاية تلك الأهداف كلها، وهي السبيل الذي ينقذ المجتمعات من الفقر والحاجة، والأمراض بل ومن كافة الأخطار والتحديات التي تواجهها، فهي بديل للقوة والعنف، وهي السبيل لسلامة العالم ونجاته من المعوقات التي قد تعيق نموه وتطوُّره.

تزداد أهمية تحقيق سعادة المجتمعات كلما احتدمت الصراعات حول العالم وزادت الأخطار والمشكلات؛ لأنها مرتبطة بالصالح العام ومصلحة المجتمع كله، ولذلك فإن السعادة تمثِّل أولوية قصوى كونها الغاية النبيلة التي تسعى إليها الحكومات في خططها التنموية وبرامجها وقراراتها، فالرخاء الاقتصادي والصحة، والعدالة والمساواة، والتعليم وغيرها من المجالات التنموية إنما غايتها تحقيق سعادة أفراد المجتمع وقدرتهم على العيش الكريم في إيجابية وتفاؤل.

ولقد حرصت حكومتنا على التنمية والتطوير في كافة المجالات، التي كان لها الأثر البالغ في تخطي العديد من التحديات التي واجهت البلاد؛ فما قدمته من برامج تنموية أسهمت مباشرة في دعم القطاعات الصحية والتعليمية والاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى الكثير من القفزات التنموية والتسارع الذي واكبه اهتمام كبير في القطاع التقني الرقمي وما صاحبه من نتائج فاعلة في تطوير مجالات الابتكار والمعرفة، التي أحدثت نموا ملحوظا في قطاعات الأعمال والصناعة والتجارة بل وحتى القطاعات الاجتماعية والبيئية وغيرها.

إن ارتباط مفهوم السعادة المجتمعية بالمجالات التنموية ينطلق من كونها الغاية التي تنشدها الحكومة ضمن مبادئ الحوكمة، التي تتأسَّس وفق معطيات محلية وعالمية، قادرة على دعم النمو المجتمعي وفقا لمستوى نمو حياة الأفراد، وقدرتهم على العيش بإيجابية وتفاؤل، الأمر الذي يُسهم في دعم تطلعات الدولة، وينعكس على كفاءتهم في المشاركة الفاعلة في التنمية، فتحقيق السعادة يعني تحقيق نجاحات شاملة في كافة القطاعات التنموية التي تخدم شرائح المجتمع كله.

ولهذا فإن جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في كلمته السامية التي ألقاها في افتتاح الدورة الثامنة لمجلس عمان في الرابع عشر من نوفمبر الحالي، استخدم أعزَّه الله اصطلاح (سعادة المواطنين ورفاهيتهم) -الذي نجعله عنوانا لهذا المقال-، وذلك في معرض حديثه عن (الاهتمام بتنمية المحافظات وترسيخ مبدأ اللامركزية)، ودور المجالس البلدية واختصاصاتها، وتوجيهه حفظه الله (أعضاء هذه المجالس لاستغلال ما أُتيح لهم من ممكِّنات، للعمل بطرق مبتكرة وفكر متقدم تنعكس آثاره الإيجابية على سعادة المواطنين ورفاهيتهم).

إن هذا الخطاب السامي يقدِّم منهجًا واضحًا وأدوات فاعلة لتحقيق (سعادة المواطنين)، وهي الغاية الكبرى والهدف الأسمى لذلك المنهج وتلك الأدوات؛ فالعمل بالطرق المبتكرة القادرة على التخطيط والتنفيذ والإسهام الفاعل في التنمية المجتمعية، قادر على تمكين المجتمع المحلي وترسيخ قيم التفكير الجماعي وإشراك أفراده، إضافة إلى استثمار الإمكانات والمقومات الوطنية عموما، أو المحلية الخاصة بالمحافظات، وتقديم ما يمكِّن الطاقات المحلية، ويعزِّز منافعها، ويطوِّر تلك الإمكانات، كل ذلك سيسهم في تنمية قدرة المحافظات على إسعاد المواطنين وسيرفد طاقاتهم الإيجابية.

إن (سعادة المواطنين ورفاهيتهم)، هي غاية الاهتمام السامي بـ(تنمية المحافظات)؛ ذلك لأن (اللامركزية)، تعد من أهم الأدوات التي تمكِّن المجتمع المحلي، وتدعم توجهاته، وتنطلق من احتياجاته وأولوياته؛ فقدرة المحافظات على بناء مجتمعها الحضري المحلي، يرتبط بتلك الإمكانات على التخطيط والتنفيذ والرؤية الواضحة النابعة من أفراد المجتمع أنفسهم، وقدرتهم على المشاركة بإيجابية وتفانٍ، لما يعزِّز تحقيق تلك الغاية و بلوغ أهدافها الوطنية.

ولأن تنمية المحافظات وقدرتها على الإدارة المحلية، قد شملته الرعاية السامية في تلك (الجهود الوطنية) المستمرة والتي كان لها الأثر البالغ في (مسيرة تطوير قطاعات الصحة والتعليم والخدمات)، وهي قطاعات تنموية أساسية، تُسهم في تحقيق جودة الحياة من ناحية، والمساواة والعدالة المجتمعية من ناحية أخرى، الأمر الذي يدعم مبادئ الإنتاجية والابتكار، ويهيئ البيئة الخصبة لتمكين القدرات الوطنية الفاعلة، من خلال إشراكها وإقبالها على المساهمة في التنمية.

إن (العمل بطرق مبتكرة وفكر متقدم)، يحتاج من القائمين على تنمية المحافظات والمجالس البلدية، إلى توفير كافة المقومات والبيانات والتحليلات الواقعية، الخاصة بالأولويات والاحتياجات من ناحية، والآفاق التي نريدها للمحافظات، وكذلك معايير جودة الحياة ومقاييسها، إضافة إلى تلك السياسات الداعمة لسعادة أفراد المجتمع، بناء على الخصوصية الثقافية لكل محافظة، ووفقًا لمجموعة من المؤشرات التي تدعم نمو تلك المعايير، وتُظهر التطوُّر والشراكات التنموية في المحافظة.

فـ (الطرق المبتكرة) تُعد من بين أحد أهم الأدوات التي يمكننا من خلالها تقديم حلول جديدة، قادرة على تجاوز العقبات والتحديات التي يمكن أن تواجه المجتمع المحلي، إضافة إلى أنها السبيل إلى التأثير في ظل التطورات الهائلة المتسارعة في كافة مجالات الحياة خاصة المجتمعية منها؛ فمنظور السعادة والرفاه مرتبط بتلك الطرق من ناحية قدرتها على تحقيق معايير الرضا والفاعلية والثقة، التي يحتاجها أفراد المجتمع، والأمر هنا لا يتعلَّق بالحاضر بل أيضا من أجل ضمان استدامة تلك الطرق المبتكرة في المستقبل وقدرتها على جذب فئات المجتمع كلهم خاصة الشباب والناشئة لأنهم مستقبل الوطن.

إضافة إلى ذلك فإن (الفكر المتقدم)، مسؤول عن تحقيق تلك السعادة وذلك الرفاه المجتمعي؛ إذ يرتكز على مجموعة من الأسس التي تقدِّم ما يسمى بـ (المدن السعيدة)، وهي تلك المدن القائمة على التفاعل مع بيئتها وطبيعتها، والمبنية على الثقافة، وقدرة أفراد المجتمع على التفاعل مع طرقها ومساراتها بفاعلية ويسر، والمتميِّزة بجودة خدماتها، إضافة إلى قدرتها على الاستدامة، وهي مدن ترتكز بحسب (التقرير العالمي لسياسات السعادة وجودة الحياة) على عوامل تمكين أساسية هي (الثقة، والسلامة والأمن، والتكلفة الميسورة، والتسامح والإدماج، والصحة والتوازن في الحياة، والانتماء، والاقتصاد والمهارات، والسلوك الاجتماعي الإيجابي).

إن تحقيق مبادئ المدن السعيدة يقوم على طرق حديثة وجديدة مبتكرة، وفكر متقدم قائم على الاستفادة من التنمية البشرية، التي استثمرت فيها الدولة طوال العقود الماضية، وتلك الإمكانات الهائلة التي وفَّرتها التنمية الوطنية الشاملة، ولهذا فإن تمكين عوامل التنمية المحلية، وتفعيل معايير الإدارة الفاعلة، والاستفادة من الكفاءات والقدرات الشابة، وتمكين الطاقات المحلية، سيُسهم في تحقيق تلك المبادئ، وسيقدِّم حلولا مبتكرة للعديد من التحديات المجتمعية، بما يُدعم مقاييس جودة الحياة، ويحقق سعادة أفراد المجتمع.

فالمنهجيات الوطنية القائمة على تحقيق رؤية عمان 2040، تُعد القاعدة الأساسية التي يمكن من خلالها ترسيخ مبادئ جودة الحياة، التي تتطلَّب إيجاد بيئة داعمة للابتكار والإبداع، وتطوير البٌنى التحتية بما يتواءم مع متطلبات تلك الرؤية، ويُسهم في تشجيع المشاركة المجتمعية الفاعلة والإيجابية، والقادرة على التفاعل مع المعطيات والتحديات بمرونة ويسر.

لقد جاء اصطلاح (سعادة المواطنين ورفاهيتهم) في كلمة جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- باعتباره نتيجة وغاية لتلك المساعي التنموية، وذلك التطوير الشامل في كافة الميادين، والاهتمام البالغ بتمكين المحافظات، وتنفيذ الإدارة المحلية القادرة والممكَّنة، من أجل ترسيخ مفاهيم جودة الحياة وبلوغ أهداف السعادة المجتمعية والرفاهية التي تحقِّق المستوى الاجتماعي المتصف بالثقة والسلامة والأمن والمرونة والإيجابية والانتماء.

ولهذا فإن المساهمة الفاعلة لبلوغ تلك السعادة وذلك الرفاه، إنما هو مطلب وطني راسخ، ترسخه الرؤية السامية الثاقبة، التي تجعل من سعادة المواطنين هدفا تنمويا أصيلا، وأساسا يقوم عليه التطوير والتقدم.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تنمیة المحافظات أفراد المجتمع جودة الحیاة إضافة إلى من ناحیة فی کافة سهم فی

إقرأ أيضاً:

لماذا يجعلنا البحث عن السعادة أكثر تعاسة؟

شمسان بوست / متابعات:

حذر باحثون من أن السعي وراء السعادة يجعلنا أكثر تعاسة. فمن خلال محاولتنا الدائمة لتحسين مزاجنا، نستنزف مواردنا العقلية، ما يجعلنا أكثر عرضة لاتخاذ قرارات تزيد بؤسنا بدلا أن تخففه.

وكشف فريق من جامعة تورنتو عن الآلية المثيرة التي تجعل محاولاتنا اليائسة لتحسين المزاج تحولنا إلى أشخاص منهكين، أقل تحكما، ما يدفعنا لاتخاذ قرارات تزيد بؤسنا بدلا من تخفيفه.

ويطلق على هذه الظاهرة اسم “مفارقة السعادة”، حيث وجدوا أن محاولات تعزيز السعادة تستهلك الموارد العقلية وتؤدي إلى تراجع القدرة على ممارسة الأنشطة التي تسبب السعادة فعلا وتزيد الميل للسلوكيات الهدامة، مثل الإفراط في تناول الطعام.


وقال البروفيسور سام ماجليو، المشارك في الدراسة: “السعي وراء السعادة أشبه بتأثير كرة الثلج، فحين تحاول تحسين مزاجك، يستنزف هذا الجهد طاقتك اللازمة للقيام بالأشياء التي تمنحك السعادة فعلا”.


وخلص البروفيسور إلى أن كلما زاد إرهاقنا الذهني، أصبحنا أكثر عرضة للإغراء والسلوكيات الهدامة، ما يعزز الشعور بالتعاسة الذي نحاول تجنبه أصلا. وضرب مثالا بالعودة إلى المنزل بعد يوم عمل طويل ومتعب، حيث نشعر بالإرهاق الذهني فتتضاءل قدرتنا على تحمل المسؤوليات (مثل تنظيف المنزل) لصالح أنشطة أقل فائدة (مثل التمرير عبر وسائل التواصل الاجتماعي).

وفي إحدى التجارب، كان المشاركون الذين عرضت عليهم إعلانات تحمل كلمة “سعادة” أكثر ميلا للانغماس في سلوكيات غير صحية (مثل تناول المزيد من الشوكولاتة) مقارنة بمن لم يتعرضوا لهذه المحفزات.

وفي تجربة أخرى، خضع المشاركون لمهمة ذهنية لقياس قدرتهم على ضبط النفس. توقف المجموعة التي كانت تسعى للسعادة مبكرا، ما يشير إلى استنفاد مواردهم العقلية بعد محاولات تحسين المزاج.

ويختتم البروفيسور ماجليو من جامعة تورنتو سكاربورو بالقول: “المغزى هو أن السعي وراء السعادة يكلفك طاقتك الذهنية. بدلا من محاولة الشعور بشكل مختلف طوال الوقت، توقف وحاول تقدير ما لديك بالفعل”. ويضيف ناصحا: “لا تحاول أن تكون سعيدا بشكل مبالغ فيه دائما، فالقبول قد يكون طريقك الأفضل”.

المصدر: ديلي ميل

الوسومالبحث عن السعادة

مقالات مشابهة

  • لماذا يجعلنا البحث عن السعادة أكثر تعاسة؟
  • مدير مبادرة «مديم» في «تنمية المجتمع» لـ«الاتحاد»: هدفنا تحقيق استراتيجية جودة حياة الأسرة
  • «ذخر».. استباق لرفاه كبار المواطنين
  • ما حقيقة ارتباط السعادة والاكتئاب بدخل الفرد؟
  • الصناعة: من المقرر وصول عدد المحاور التنموية على النيل إلى 73 بحلول 2030
  • كيف يجعلنا السعي وراء السعادة أكثر بؤسا؟
  • محافظ الداخلية يؤدي صلاة عيد الفطر في ولاية أدم ويستقبل المهنئين
  • جموع من المواطنين والمقيمين يؤدون صلاة العيد بالمحافظات
  • أستاذة أرفود التي تعرضت لهجوم همجي بين الحياة والموت
  • سعادة وتفاؤل.. اللاجئون السوريون في دهوك يحيون أول عيد بعد سقوط الأسد (صور)