لجريدة عمان:
2024-11-26@05:02:17 GMT

الولايات المتحدة وحدها يمكن أن تصلح ما أفسدته..

تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT

الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -

إن تطور العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين يسير على منحدرٍ يقودنا مباشرة نحو حرب عالمية جديدة. لقد تأثرت هذه العلاقات خلال هذا القرن بثلاث أزمات متتابعة: الأزمة الأمنية المتعلقة بأحداث سبتمبر 2001، والأزمة المالية بسبب القروض العقارية في 2007-2008، والأزمة الصّحية مع جائحة كوفيد في عام 2020.

ترجع الأزمة الأولى إلى إرهاب الجماعات المتشددة (الإسلامية)، والثانية إلى الولايات المتحدة، والثالثة إلى الصين، وهي القوى الثلاث الأكثر نشاطا في هذا العصر.

وقد زادت شدة هذا المنحدر بسبب الصراعات المفتوحة، في أوكرانيا ثم في غزة، وهي صراعات تعدّ حروبا مُعولَمة - وليست عالمية، غير أنها أشبه بحركات الإحماء التي تسبق الرياضة القتالية المتمثلة في المواجهة المباشرة بين القوى العظمى. وليست الذرائع هي ما سوف ينقص: عملية اغتيال مؤسفة، أو عدوان آخر، أو حادث جدير بحرب طروادة. كيف وصلنا إلى هذا الوضع، وهل لا يزال بإمكاننا الحيلولة دون هذه المواجهة؟

«كيف وصلنا إلى هنا؟» كان هذا هو السؤال الذي طرحه المستشار الألماني بيتمان هولفيغ (Bethmann-Hollweg) على سلفه فون بولوف (von Bülow) بعد إعلان الحرب عام 1914. ورفع الآخر ذراعيه الكبيرتين قائلا: «آه، لو كنا نعلم!». لا ريب أن أصول الصراع المرتقب متعددة، لكن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الولايات المتحدة وسلوكها الدولي منذ سقوط جدار برلين، سواء بسبب ما أحجمت عن فعله كما بسبب ما فعلته.

ما أحجمت الولايات المتحدة عن فعله هو إعادة تنظيم النظام الدولي بعد عام 1989، وإصلاح منظمة الأمم المتحدة، وإعادة روسيا إلى اللعبة الدولية، والتفاوض بشأن الأمن الأوروبي. كان الجميع يترقّب المقترحات الأمريكية بهذا الخصوص، لكن أحدا لم يسمع بها. أن تزعم الولايات المتحدة أنها القائدة والأمة التي لا غنى عنها، والدولة التي تحفظ تماسك هذا العالم، كل ذلك يفرض مسؤوليات على عاتقها.

غير أن غياب رؤية دولية لدى الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم أمريكا منذ كلينتون وصولا إلى ترامب ومرورا ببوش الابن وأوباما، كان له آثار تراكميّة. وكانت أفعال هؤلاء الرؤساء تسير على النقيض من الغاية الكامنة وراء تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، وإرساء الديمقراطية في كلّ من ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. ماذا كانت النتيجة ؟ لقد نامت الولايات المتحدة، وبقية الكوكب معها، في عالم فرانسيس فوكوياما (نهاية التاريخ)، واستيقظت في عالم صمويل هنتنغتون (صدام الحضارات).

أما ماذا فعلته الولايات المتحدة فهو رفض التعاون الدولي متعدد الأطراف، وعسكرة العلاقات الدولية على حساب الدبلوماسية (لم نعد نتفاوض حول أي شيء)، وتطوير نوع من مرض التوحّد الأمني باسم المصالح القومية للولايات المتحدة. هذا فضلا عن توسيع حلف الناتو ليصل إلى حدود روسيا، والتعامل معها كدولة معزولة أو كعدو، ودعم سياسة ضم الأراضي والاستيطان التي تنتهجها إسرائيل نتانياهو على الرغم من كونها تتعارض مع اتفاقيات أوسلو التي كان الأمريكيون ضامنين لها. «إنهم يزرعون الريح، وسوف يحصدون العاصفة»، هذا أيضا مذكور في الكتاب المقدس.

لقد اختبرت الولايات المتحدة بنفسها الطريق المسدود الذي وصلت إليه الحلول العسكرية، مؤخرا في كلّ من العراق وأفغانستان. والنتيجة هي إعادة خلق الانقسامات التي اعتقدنا أن الزمن قد طواها وأنها تنتمي إلى الماضي: بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب. لقد حلّت الصين مكان الاتحاد السوفييتي، لكن روسيا لا تريد أن ننساها، كما فعلنا من خلال جذب أوكرانيا إلى المعسكر الغربي. وأصبح الجنوب العالمي، الذي تشغل مجموعة البريكس الموسّعة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) مركزه، أكثر قوة مما كانت عليه مجموعة السبعة والسبعين أو حركة عدم الانحياز.

هل السير في هذا المنحدر الذي يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الدول الكبرى أمر محتوم؟ أم هل يمكننا الحيلولة دون هذه المواجهة؟ إن أول ما يأتي على بالنا في هذا السياق هو مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، لكنه يبدو مشلولا. البعض يستنكر هذا الوضع، غير أنه ينبغي لنا أن نهنّئ أنفسنا لأننا بذلك نحول دون التعجيل بالصراع بين الأعضاء الدائمين. إذا ما صدر قرار من المجلس يدين الصين أو الولايات المتحدة أو روسيا، فإما أن يغادروا المنظمة الأممية أو أن يدخلوا في حرب مع الآخرين. لقد أُنشئ المجلس في الأساس من أجل منع الحروب العالمية، وقد نجح في ذلك حتى الآن. وهو غير قادر على منع الحروب الإقليمية التي ينبغي، وفقا لميثاق التأسيس، أن تكون من مسؤولية المنظمات الإقليمية. إن ضعف الأمم المتحدة هو مؤشر على ضعف التعاون الإقليمي أكثر من كونه ضعفا لمجلس الأمن.

ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟ إنه موجّه بشكل أنطولوجي نحو السلام، وتلك كانت الغاية أصلا من تأسيسه. الرسالة التي يرسلها الاتحاد إلى العالم هي أن الخلاص في المصالحة وليس في المواجهة، لكن هذه الرسالة لم تجد أذنا صاغية في أي مكان. إن الاتحاد الأوروبي هو حيوان عاشب في عالم تسكنه حيوانات لاحمة. ولقد قام الاتحاد بتشجيع أعضائه على نزع أسلحتهم دون أن يقوم بتسليح نفسه، ولا وزن له أمام التهديدات الأمنية. لقد سلّم الاتحاد نفسه للناتو، وهو الآن أقرب إلى محمية من كونه قوة مستقلة، بينما أن الناتو كلب «بودل» أمريكي.

كما أن الاتحاد الأوروبي عاجز بشكل كليّ وبنيويّ على تحديد سياسة خارجية مشتركة، ناهيك عن نهج سياسة دفاعية مستقلة. وحتى عندما يتّفق أعضاء الاتحاد داخليا على موقف واحد، فإن أصواتهم تتشتت أثناء التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لم يبق سوى الولايات المتحدة. إذ لا يمكننا في الواقع أن نتوقّع رؤية سلمية للعلاقات الدولية من روسيا أو الصين أو مجموعة البريكس. فكلهم، وبدرجات متفاوتة، في مواجهة مع ما يسمى بالعالم «الغربي»، المنبثق عن التحالف الكبير بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية عام 1945، وهو اليوم عبارة عن تحالف أنجلوأمريكي. أما عن التعارض بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة السلطوية، فلابد من إضفاء بعض النّسبية عليه، فالدول الغربية بعيدة كل البعد عن كونها ديمقراطيات مثالية.

إن تجنب الحرب هو مسألة قوة وليس مسألة أيديولوجية. ووحدها الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، تملك القدرة على تصحيح أخطائها التي ارتكبتها، وهو ما نجحت في القيام به في الماضي، وبإمكانها أن توقف هذا الانحدار. لا يفتقر الرئيس بايدن، الذي كان قريبا من دواليب الحكم إبّان الحرب الباردة التي لم تتحوّل قطّ إلى حرب ساخنة، إلى المزايا اللازمة لتحقيق ذلك.

ما من شك أنه بإمكاننا أن نقدّم لهم أفكارا، لأن الولايات المتحدة، كما كان ونستون تشرشل سيقول، تختار دائما الحل الأفضل بعد تجربة جميع الحلول الأخرى. أبواب الحرب لم تفتح بعد، والولايات المتحدة هي الحارس الذي بيديه مفاتيح أبواب السلام.

سيرج سور أستاذ القانون الدولي بجامعة باريس الثانية، وعضو الأكاديمية الفرنسية للعلوم الأخلاقية والسياسية

عن لوموند الفرنسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمم المتحدة

إقرأ أيضاً:

كم من الأرواح البريئة كان يمكن إنقاذها لو وافق الجيش على حضور مباحثات جنيف؟

أحمد الملك

معلوم أن الجيش واقع تحت اسر الحركة الإسلامية، يقوده رجل يحترف المراوغة، حين قفز الى المنصب في غفلة زمان، ذهب الى مصر وأدى التحية العسكرية أمام رئيسها، لم يكن تصرفه نابعا فقط من فرحه بوصوله للمنصب الذي حلم به والده، لكنه كان يعي تماما أنه يفتقد لأية شرعية وأنه يجب عليه وهو سيواجه حتما الثورة التي ركب على ظهرها، يجب عليه البحث عن ما يدعم شرعيته من خارج الحدود، فذهب والتقي نتنياهو، أملا في رضاء أمريكا، فالتنظيم الذي يدعمه لم يشأ تكرار تجربة عداء أمريكا له، أمريكا التي سعى التنظيم لاسترضائها طوال ثلاثة عقود دون جدوى رغم انبطاحهم وتسليمهم كل ملفات الحركات الإسلامية التي ربطتهم بها أواصر علاقات قوية في بادئ عهدهم.
ولاحقا حين يئسوا من استمالة قلب الامريكان أعلن رئيس نظامهم انّ الأمريكان خدعونا، ففصلنا الجنوب ولم نحصل منهم على شيء ولم يلتزموا حتى بوعدهم في رفع العقوبات! إن لم تكن تلك الخيانة فكيف تكون؟ ورغم ذلك يوزعون اتهامات الخيانة على كل المدنيين المحسوبين على الثورة ويعلنون في الوقت نفسه استعدادهم للصلح مع المليشيا التي صنعوها لإرهاب شعبنا، وصنعوا منها عدوا في حربهم على شعبنا وثورته.
كم من الأرواح كان يمكن انقاذها لو تنازل الرجل وأعلن لتنظيمه (مخالف يا شيخنا) وأرسل وفدا الى جنيف! يحترف الرجل اهدار كل الفرص التي تنفتح له لدخول التاريخ، يركلها بقدمه ويثابر على رفض كل اتجاه لحقن دماء الابرياء، والغريب انه رغم الخراب ورغم هروبه من عاصمته الى البحر، لكنه لا يزال يعيش وهم تحقُق حلم والده، يترك مواطنيه غرقى في السيول ويطير لحضور احتفالات تنصيب الرؤساء، يترك المواطنين موتى ومرضى تحصدهم الانتهاكات والدانات وقنابل الطائرات والكوليرا، ويطير لحضور قمة المناخ! وكل ذلك لإثبات شرعية مستحيلة سقطت يوم بدأ تآمره على الثورة من لحظة وصوله للمنصب، بدعمه لكل جهود دولة الكيزان العميقة لإفشال جهود الحكومة الانتقالية، مرورا بإغلاقه للميناء (في واقعة لم يشهد لها التاريخ مثلا) تمهيدا لانقلابه مع شريكه قائد الدعم السريع وشركائه في الحركة اسلامية.
الحرب التي يدفع اثمان تكلفتها الباهظة مواطن برئ، هي حرب الحركة الإسلامية للعودة الى السلطة. حزب حكم ثلاثة عقود ارتكب فيها من الجرائم ما يندي له جبين البشرية، قتل الناس وعذبهم في بيوت اشباحه، شن الحرب في الجنوب ودفع أهلنا هناك دفعا لخيار الانفصال، حرم المواطن من حقوقه في دعم الدولة للصحة والتعليم في بلد غالب اهله من الفقراء ووجه الدعم لجيوب منسوبيه ولمجهوده في إشاعة الحروب والفتن، أيقظ نعرات القبيلة، رغم علمه ان اللعب بنار العصبيات لن يقود الا الى تفتيت الوطن! (من قال ان بقاء ووحدة الوطن تقع ضمن اهتمامات التنظيم الاسلاموي) نهب المال العام وباع كل مؤسسات الدولة الى منسوبيه، حتى الهواء قاموا ببيعه، حين أقدموا على بيع خط هيثرو الذي كانت تمتلكه الدولة، ودمروا معه الناقل الوطني، وباعوا ممتلكات وطننا في لندن وغيرها ووضعوا الأموال في جيوبهم، مؤسسات الدولة التي ضحى شعبنا لإنشائها وتأهيل العاملين فيها، باعوها الى أنفسهم بتراب المال وحولوها الى شركات محسوبة على منسوبي الحزب اللصوصي. وحين جاءت لجنة التفكيك بعد الثورة لتكشف الغطاء عن جرائم نهب ونصب واحتيال لم يشهد لها التاريخ مثيلا، اوعزوا الى لجنتهم الأمنية للقيام بالانقلاب!
ما لم تتكاتف الجهود لوقف الحرب ومحاسبة من سعى لشنها، ومن ارتكب الجرائم ضد المدنيين اثناء هذه الحرب، وإعادة هيكلة الجيش وحل جميع المليشيات والقوات الموازية، ووقف نزيف تماسك نسيج هذه البلاد المجتمعي. فإن مصير هذه البلاد سيكون الفوضى الشاملة وتنفرط وحدتها وتصبح نهبا لكل طامع في مواردها وثرواتها.
#لا_للحرب

ortoot@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة: حددنا الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها بصواريخ أتاكمز
  • أمير حائل يستقبل سفير الولايات المتحدة لدى المملكة
  • 5 مبعوثين في أسبوع.. حراك دولي مكثف لاحتواء أزمة السودان
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • كم من الأرواح البريئة كان يمكن إنقاذها لو وافق الجيش على حضور مباحثات جنيف؟
  • هذا ما نعرفه عن الصاروخ فرط الصوتي الروسي الذي أطلق لأول مرة على أوكرانيا .. خارق ولا يمكن اعتراضه ويصل أمريكا
  • روته التقى ترامب في الولايات المتحدة
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • هل يمكن وقف الحرب في أوكرانيا؟
  • كوريا الشمالية: الولايات المتحدة تخلق جواً من المواجهة النووية