لجريدة عمان:
2024-10-02@09:13:41 GMT

نوافذ: مدينة فقيرة صغيرة تقاوم

تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT

منذ زمن طويل أخبرنا محمود درويش أن غزة لا تتقن الخطابة، وليس لها حنجرة، «مسام جلدها هي التي تتكلم عرقًا ودمًا وحرائق. من هنا يكرهها العدوّ حتى القتل. ويخافها حتى الجريمة. ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم». كان هذا في كتابه «يوميات الحزن العادي» الصادر في طبعته الأولى عن مركز الأبحاث الفلسطيني سنة 1973م.

واليوم بعد خمسين عامًا ما زالت غزة هي غزة؛ عنوان الصمود الإنساني في وجه الجبروت والطغيان، والدرس المجاني البليغ للصمود، الذي لا يبدو أن أحدًا يود الاستفادة منه! عنقاء المدن العالمية التي تولد من الرماد كل مرة، ورمز التحدي لقوة البطش الغاشمة. ألم يردد الشهيد ياسر عرفات -رحمه الله- غير مرة في تحديه للتهديدات الإسرائيلية والإملاءات الأمريكية: «اللي مش عاجبه، يشرب من بحر غزة»!

أي قوة يمتلكها أهل غزة! من أين لهم هذا الثبات في وجه الموت والدمار وفقدان الأحبة! وأنا هنا لا أتحدث عن الحرب الحالية فقط، على بشاعتها، بل عن اعتداءات إسرائيل العديدة التي لم تتوقف منذ سنين. على سبيل المثال تكتب الكاتبة الفلسطينية سما حسن في إحدى يوميات العدوان على غزة عام 2014 (نشرتها في كتاب «ضحك ولعب، دموع وحرب») ما يمكن سحبه على عدوان اليوم أيضًا: «في غزة أحسد كل من يموت مرة واحدة؛ لأن الأحياء يموتون كل لحظة من هول ما يرون، ويسمعون ويشعرون ويعيشون. لو عشتم تلك اللحظات الفاصلة بين مغادرة غرفة النوم، وفتح باب الشقة، ونزول الدرج (22 درجة) والوصول إلى بيت الدرج، لعلمتم أن تلك اللحظات هي الموت. الموت الذي لا يأتي ولكنه يمد لسانه في وجهك، وكأنه يقول لك: إلى موعد آخر! أو ما زال أمامي وأمامك فسحة أخرى للعبث!».

كيف أقنعت غزة أهلها بالبقاء فيها كل هذه السنين، وهي خارج الحياة تقريبا ! كيف صار الغزّاويون التطبيق العملي لمقوله: «لا تسأل ماذا يمكن لوطنك أن يفعل لك. بل اسأل نفسك ماذا يمكن أن تفعله لوطنك»! من مفارقات الحياة الساخرة أن يكون قائل هذه العبارة هو رئيس الدولة التي لَطالما كانت معاناة أهل غزة، بل وأهل فلسطين كلهم، بإشرافها ورعايتها، وقتلهم والتنكيل بهم بأسلحتها. إنه جون كينيدي، الذي يردّ عليه أمين معلوف في كتابه «التائهون»: «من السهل قول ذلك حين يكون المرء مليارديرًا، وقد انتُخِب للتو، في الثالثة والأربعين من العمر، رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية! أما حين لا تستطيع في بلدك إيجاد وظيفة، ولا تلقّي الرعاية الصحية، ولا إيجاد المسكن، ولا الاستفادة من التعليم، ولا الانتخاب بحرية، ولا التعبير عن الرأي، بل ولا حتى السير في الشوارع على هواك، فما قيمة قول جون كينيدي؟ لا شيء يُذكر!». ورغم أن ما ذكره معلوف هو من أساسيات الحياة في أي مكان في العالم، إلا أن أهل غزة آمنوا أنها لن تأتي بترك بلادهم، بل بالمقاومة والصبر والثبات على المبدأ، حتى وإن استمر ذلك سنين طويلة، ولذا، فإن أهل غزة اليوم أكثر حرية منا، ومن أمين معلوف نفسه؛ المثقف الكبير الذي لم نسمع له صوتًا واضحًا في إدانة ما يتعرضون له من إبادة جماعية.

يقول درويش إننا نظلم غزة حين نحولها إلى أسطورة؛ «لأننا سنكرهها حين نكتشف أنها ليست أكثر من مدينة فقيرة صغيرة تقاوم»، ولكن ليعذرني شاعرنا الكبير، إن هذه الصفات الثلاث (فقيرة، صغيرة، تقاوم) هي بالذات ما خلق منها أسطورة. وها هي اليوم أيقونة المقاومة ومجابهة الظلم لدى شعوب العالم، بما في ذلك شعوب الدول التي يدعم ساستها إسرائيل ويوفرون الغطاء العسكري والمالي والأخلاقي لجرائمها. ولا أشك مطلقًا أنها سائرة في طريق تحقيق استشراف المفكر الأمريكي نورمن فنكلستين في كتابه «غزة: بحثٌ في استشهادها» عندما قال إنه في صميم الرأي العام الجماهيري المتعاطف «ثمة حركة تضامن دولية مستعدة وراغبة وقادرة عندما تحين اللحظة أن تعطي غزة كل ما لديها»، وإنه في حال تمت تعبئة أهل غزة، من جهة، والرأي العام العالمي من جهة أخرى، وتم تحفيزه وتنظيمه (وهو ما نراه قد بدأ في التحقق اليوم)، «وإذا كان ثمة قضية تسترشد بالحقيقة، وتتعزز بالقانون، وتتغذى بالفضيلة، وتنحو نحو العدالة، فبوسعها أن تُطلق، كما يبيّن التاريخ، قوة أخلاقية لا يمكن مقاومتها لهزيمة قوة متوحشة ونزع سلاحها وتثبيطها؛ فحينها قد تحدث معجزة صغيرة: سيتمكن شعب غزة على الأقل، وأخيرًا، من التنفس من جديد، وسيتمكن في نهاية المطاف إذا حافظ -وحافظنا جميعًا- على الكفاح، من إنهاء الاحتلال». وما ذلك على أهل غزة ببعيد.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أهل غزة

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال يشن عمليات برية صغيرة داخل الأراضي اللبنانية

كشف مصدران مطلعان لشبكة سي إن إن، أن القوات الخاصة الإسرائيلية نفذت عمليات برية صغيرة داخل الأراضي اللبنانية في الأيام الأخيرة في إطار الاستعدادات لهجوم بري إسرائيلي محتمل.

وذكر المصدران، اللذان تحدثا شريطة عدم الكشف هويتهما لحساسية مناقشة المسائل العسكرية، أن قوات الكوماندوز الإسرائيلية تسللت إلى الأراضي اللبنانية، واستهدفت مواقع حزب الله بالقرب من الحدود، من أجل جمع معلومات استخباراتية وتدمير مواقع حزب الله في المنطقة.

من جانبه، رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على هذه المعلومات.

وتعتبر العمليات المحدودة هذه، أحدث مؤشر على أن إسرائيل تضع الأساس لتوغل بري كبير في لبنان.

ويأتي ذلك على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية لا يبدو أنها اتخذت قرارًا نهائيًا بشأن شن مثل هذا الهجوم البري.

حصيلة ضحايا غارات إسرائيل

من جهتها، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم الاثنين، استشهاد 63 شخصا وإصابة 92 بسلسلة غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة جنوب وشرق البلاد.

ومنذ 23 سبتمبر الجاري تشن إسرائيل "أعنف وأوسع" هجوم على لبنان منذ بدء المواجهات مع "حزب الله" قبل نحو عام، ما أسفر حتى ظهر الاثنين عن ما لا يقل عن 962 شهيدا، بينهم أطفال ونساء، و2778 جريحا، وفق رصد الأناضول لبيانات السلطات اللبنانية، ووسط مخاوف من اندلاع حرب إقليمية.

فيما يستمر دوي صفارات الإنذار بوتيرة غير مسبوقة في أنحاء إسرائيل، إثر إطلاق كثيف من "حزب الله" لصواريخ وطائرات دون طيار "درونز" وقذائف مدفعية تستهدف مواقع عسكرية ومستوطنات، وسط تعتيم صارم من الرقابة العسكرية الإسرائيلية على الخسائر البشرية والمادية، حسب مراقبين.

وأفادت وزارة الصحة اللبنانية في بيان الاثنين، بارتفاع حصيلة ضحايا غارة إسرائيلية مساء الأحد على بلدة عين الدلب شرق صيدا (جنوب) إلى "45 شهيدا و70 جريحا".

وسبق أن أعلنت الوزارة مساء الأحد، استشهاد 24 شخصا وإصابة 29 آخرين في الغارة ذاتها، ما يعني ارتفاع عدد الضحايا بمقدار 21 شهيدا و39 جريحا.

كما أعلنت الوزارة في بيان ثان عن "12 شهيدا و20 جريحا" في "غارات العدو الإسرائيلي" فجر الاثنين على منطقة الهرمل شرقي لبنان.

وقتلت طائرات حربية إسرائيلية، الاثنين، 6 مسعفين وأصابت 4 في غارة على مركز للدفاع المدني في بلدة سحمر بالبقاع الغربي (شرق)، وفق بيان ثالث لوزارة الصحة.

وللقبول بوقف إطلاق نار، اشترط وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في رسائل أرسلها إلى نظرائه في 25 دولة، تحريك "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه، حسب هيئة البث الإسرائيلية (رسمية).

ولاحقا، أكد نائب الأمين العام لـ "حزب الله" نعيم قاسم، في كلمة متلفزة الاثنين، أن الحزب مستمر في عمليات "المقاومة" ضد إسرائيل؛ لإسناد قطاع غزة والدفاع عن لبنان، وذلك رغم اغتيال تل أبيب الأمين العام للحزب حسن نصر الله الجمعة.

مقالات مشابهة