نوافذ: مدينة فقيرة صغيرة تقاوم
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
منذ زمن طويل أخبرنا محمود درويش أن غزة لا تتقن الخطابة، وليس لها حنجرة، «مسام جلدها هي التي تتكلم عرقًا ودمًا وحرائق. من هنا يكرهها العدوّ حتى القتل. ويخافها حتى الجريمة. ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم». كان هذا في كتابه «يوميات الحزن العادي» الصادر في طبعته الأولى عن مركز الأبحاث الفلسطيني سنة 1973م.
أي قوة يمتلكها أهل غزة! من أين لهم هذا الثبات في وجه الموت والدمار وفقدان الأحبة! وأنا هنا لا أتحدث عن الحرب الحالية فقط، على بشاعتها، بل عن اعتداءات إسرائيل العديدة التي لم تتوقف منذ سنين. على سبيل المثال تكتب الكاتبة الفلسطينية سما حسن في إحدى يوميات العدوان على غزة عام 2014 (نشرتها في كتاب «ضحك ولعب، دموع وحرب») ما يمكن سحبه على عدوان اليوم أيضًا: «في غزة أحسد كل من يموت مرة واحدة؛ لأن الأحياء يموتون كل لحظة من هول ما يرون، ويسمعون ويشعرون ويعيشون. لو عشتم تلك اللحظات الفاصلة بين مغادرة غرفة النوم، وفتح باب الشقة، ونزول الدرج (22 درجة) والوصول إلى بيت الدرج، لعلمتم أن تلك اللحظات هي الموت. الموت الذي لا يأتي ولكنه يمد لسانه في وجهك، وكأنه يقول لك: إلى موعد آخر! أو ما زال أمامي وأمامك فسحة أخرى للعبث!».
كيف أقنعت غزة أهلها بالبقاء فيها كل هذه السنين، وهي خارج الحياة تقريبا ! كيف صار الغزّاويون التطبيق العملي لمقوله: «لا تسأل ماذا يمكن لوطنك أن يفعل لك. بل اسأل نفسك ماذا يمكن أن تفعله لوطنك»! من مفارقات الحياة الساخرة أن يكون قائل هذه العبارة هو رئيس الدولة التي لَطالما كانت معاناة أهل غزة، بل وأهل فلسطين كلهم، بإشرافها ورعايتها، وقتلهم والتنكيل بهم بأسلحتها. إنه جون كينيدي، الذي يردّ عليه أمين معلوف في كتابه «التائهون»: «من السهل قول ذلك حين يكون المرء مليارديرًا، وقد انتُخِب للتو، في الثالثة والأربعين من العمر، رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية! أما حين لا تستطيع في بلدك إيجاد وظيفة، ولا تلقّي الرعاية الصحية، ولا إيجاد المسكن، ولا الاستفادة من التعليم، ولا الانتخاب بحرية، ولا التعبير عن الرأي، بل ولا حتى السير في الشوارع على هواك، فما قيمة قول جون كينيدي؟ لا شيء يُذكر!». ورغم أن ما ذكره معلوف هو من أساسيات الحياة في أي مكان في العالم، إلا أن أهل غزة آمنوا أنها لن تأتي بترك بلادهم، بل بالمقاومة والصبر والثبات على المبدأ، حتى وإن استمر ذلك سنين طويلة، ولذا، فإن أهل غزة اليوم أكثر حرية منا، ومن أمين معلوف نفسه؛ المثقف الكبير الذي لم نسمع له صوتًا واضحًا في إدانة ما يتعرضون له من إبادة جماعية.
يقول درويش إننا نظلم غزة حين نحولها إلى أسطورة؛ «لأننا سنكرهها حين نكتشف أنها ليست أكثر من مدينة فقيرة صغيرة تقاوم»، ولكن ليعذرني شاعرنا الكبير، إن هذه الصفات الثلاث (فقيرة، صغيرة، تقاوم) هي بالذات ما خلق منها أسطورة. وها هي اليوم أيقونة المقاومة ومجابهة الظلم لدى شعوب العالم، بما في ذلك شعوب الدول التي يدعم ساستها إسرائيل ويوفرون الغطاء العسكري والمالي والأخلاقي لجرائمها. ولا أشك مطلقًا أنها سائرة في طريق تحقيق استشراف المفكر الأمريكي نورمن فنكلستين في كتابه «غزة: بحثٌ في استشهادها» عندما قال إنه في صميم الرأي العام الجماهيري المتعاطف «ثمة حركة تضامن دولية مستعدة وراغبة وقادرة عندما تحين اللحظة أن تعطي غزة كل ما لديها»، وإنه في حال تمت تعبئة أهل غزة، من جهة، والرأي العام العالمي من جهة أخرى، وتم تحفيزه وتنظيمه (وهو ما نراه قد بدأ في التحقق اليوم)، «وإذا كان ثمة قضية تسترشد بالحقيقة، وتتعزز بالقانون، وتتغذى بالفضيلة، وتنحو نحو العدالة، فبوسعها أن تُطلق، كما يبيّن التاريخ، قوة أخلاقية لا يمكن مقاومتها لهزيمة قوة متوحشة ونزع سلاحها وتثبيطها؛ فحينها قد تحدث معجزة صغيرة: سيتمكن شعب غزة على الأقل، وأخيرًا، من التنفس من جديد، وسيتمكن في نهاية المطاف إذا حافظ -وحافظنا جميعًا- على الكفاح، من إنهاء الاحتلال». وما ذلك على أهل غزة ببعيد.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أهل غزة
إقرأ أيضاً:
افتتاح سوق اليوم الواحد في مدينة نصر.. سلع غذائية بتخفيضات من 20 إلى 50%
افتتح الدكتور شريف فاروق وزير التموين والتجارة الداخلية نائبًا عن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة، أول أسواق اليوم الواحد بالقاهرة، أمام مسجد آل رشدان بمدينة نصر لتوفير السلع الغذائية عالية الجودة بأسعار أقل من مثيلاتها في الأسواق بنسب تبدأ من 20% وتصل إلى 50% في بعض السلع.
سوق اليوم الواحد تستهدف إلغاء الحلقات الوسيطة بين المنتج والمستهلكأكد محافظ القاهرة أن الأجهزة التنفيذية تعمل على تنفيذ توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بتخفيف العبء عن المواطنين وتوفير السلع بأسعار مناسبة وتقديم مختلف صور الدعم الممكنة لهم.
أشار في بيان إلى ان سوق اليوم الواحد تستهدف إلغاء الحلقات الوسيطة بين المنتج والمستهلك لتقليل التكلفة، مضيفًا أن السوق تشارك فيها أكثر من 50 سيارة لبيع السلع الغذائية للمواطنين
مواعيد عمل سوق اليوم الواحد في مدينة نصرسوق اليوم الواحد التي جرى افتتاحها صباح اليوم، تعمل من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الخامسة مساءً، بمشاركة أكثر من 50 سيارة قابلة للزيادة بالتنسيق مع الشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين لبيع كل السلع الأساسية كالزيت والسكر والأرز والمسلى والمكرونة، والمنظفات والصابون، إلى جانب اللحوم الطازجة، والدواجن، والأسماك، والألبان والجبن، والخضار والفاكهة، والعصائر، والعسل، والبقوليات، بجانب توافر البيض بسعر 150 جنيها للطبق.