لجريدة عمان:
2024-09-19@10:16:14 GMT

مستقبل الحرب على غزة

تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT

يتعرض الفلسطينيون في الأرض المحتلة وخصوصًا في قطاع غزة لحرب إبادة لا مثيل لها في التاريخ، فقد اجتمعت كل قوى الشر في العالم على دعم العدوان الإسرائيلي، بكل الوسائل، وعلى مدار ما يقرب من شهر ونصف، يشاهد العالم صباح مساء الإبادة بكل الوسائل، إلا أن ما يستحق الوقوف عنده هو صمود هذا الشعب وتكاتفه وإصراره على المقاومة، بوسائله التقليدية إيمانًا بقضيته، ورغم ذلك فأنا على ثقة بأن النصر قادم لا محالة بصرف النظر عن الحرب الإعلامية الضارية التي يمارسها العدو، لكن الغريب في الأمر دخول بعض الدعاة من بني جلدتنا بإقحام أنفسهم في تلك الحرب النفسية، وتوظيف الدين على المنابر في قضية ليست من مهامهم، حينما يطل علينا بعض الدعاة من على المنابر قائلين بأن هؤلاء المناضلين ليس من حقهم دينيًا أن يشعلوا حربا لا يقرها أولى الأمر من حكامهم، لم يخجل هؤلاء ولم يكتفوا بالصمت، وإنما راحوا يروجون لمقولات ليس لها علاقة بالدين، معتبرين المدافعين عن أرضهم وبيوتهم وحياتهم ما هم إلا جماعة خارجة على الدين، لمجرد أن حكامهم لم يوافقوا عليها.

يعتقد البعض بأن ما يتعرض له الفلسطينيون من عمليات الإبادة التي نشاهدها عبر وسائل الإعلام من الأشلاء والدماء والأطفال والنساء وهدم البيوت على ساكنيها، وكل المشاهد المأساوية التي ينفطر لها قلب كل إنسان- كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى استسلام أصحاب الأرض، لقد تعرض الفلسطينيون عبر تاريخهم الحديث لما هو أصعب من ذلك، لكنهم دائما يفضلون الموت على الحياة التي تفقدهم أرضهم وبيوتهم، لذا سوف ينتصر الفلسطينيون لا محالة، فالشعب الذي تعرض لكل هذه المآسي كان إيمانه بقضيته وسعيه إلى الاستشهاد يفوق كثيرًا ما واجهته معظم الشعوب التي تعرضت لمثل هذه التجارب، ورغم الانقسام الفلسطيني الفلسطيني لكنه انقسام على الخطط والبرامج وليس انقسامًا على القضية التي حملها جيل وراء جيل، والمشهد في شوارع غزة والقطاع والضفة الغربية ينبئ عن مستقبل القضية، فالأطفال والشباب والنسوة يواجهون القصف غير عابئين، وهم يتسابقون في حمل موتاهم وأشلاء أطفالهم رافعي الرأس غير مكترثين بالموت الذي يحصدهم ساعة بعد أخرى.

سينتصر الفلسطينيون لا محالة، وسوف يرهقون عدوهم ويوصلونه لدرجة اليأس، بعد أن ادعى بأنها حرب سيخوضها جيش الاحتلال في عدة أيام، لكن هاهي الحرب قد طالت لما يقرب من شهر ونصف، وهو استنزاف لا يتحمله العدو، بينما أهل غزة والقطاع يواصلون قتالهم بجسارة على أرضهم وفي شوارعهم أو حتى في أنفاقهم غير مكترثين لا بالموت ولا بهدم البيوت ولا حتى لافتقادهم للدواء والطعام.

سينتصر الفلسطينيون لأنهم يقدمون على الموت أكثر من إقدام عدوهم على الحياة، وقد أعدوا قطاع غزة على الثبات انتظارًا للموت، الذي يعتبرونه إرادة إلهية لا يحظى بشرفها إلا المخلصون لقضيتهم، لذا فهم مهيأون لانتظار الموت في كل لحظة، وأعتقد أن مقاتلي غزة قد أعدوا أنفسهم لهذا اليوم منذ سنوات، فقد بنوا خنادقهم وأنفاقهم وخزنوا أسلحتهم وغذاءهم ودواءهم انتظارا لمواجهة عدوهم الذي يملك كل أسلحة الدمار الشامل، لكنهم يملكون ما هو أهم من كل ذلك وهي الأرض التي يقاتون عليها، فضلًا عن إيمانهم بقضيتهم، وهو ما يفوق طائرات عدوهم وصواريخهم.

اعتاد العدو الإسرائيلي أن يقاتل من خلف أسلحته ومدمراته، بينما الفلسطينيون قد راحوا يستدرجون عدوهم إلى أرض ودروب لا يعرفها ولا عهد له بها، وهو ما يفسر تقاعس العدو عن الإقدام على دخول قطاع غزة، وبات من الواضح بأن الإسرائيليين لديهم معلومات بأن حماس تستدرجهم لدخول القطاع لكي تبدأ الحرب الحقيقية على الأرض، وهو ما تحرص إسرائيل على تجنبه خوفًا من مقاتلين غير معروفة أماكنهم ولا نوعية أسلحتهم ولا أعدادهم، لذا سوف تبدأ الحرب الحقيقية رجلًا لرجل، وهو ما لا تستطيع إسرائيل أن تتحمله.

إذا ما أرادت إسرائيل أن تحرز انتصارًا حقيقيًا فعليها القضاء نهائيًا على الفلسطينيين وإبادتهم، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق أبدًا، فإسرائيل أضعف مما يمكن أن نتصور، وخصوصًا في حرب تعد الأرض هي العامل الحاسم دفاعًا عن أصحابها، وهو ما يفسر تحريك البوارج الأمريكية والأوروبية، وزيارة رؤساء الدول الكبرى إلى إسرائيل لدعم معنويات مقاتليها، وهو ما يؤكد ضعفها وهشاشة بنيتها الاجتماعية والسياسية والعسكرية.

أعتقد أن حماس كانت على بينة بأن الرأي العالمي سيتغير، بعد هذا الحشد الإعلامي الذي سوقه الإسرائيليون وأصدقاؤهم، على اعتبار أنها داعش بنسختها الجديدة التي تهدد الحضارة المعاصرة، وهو ما لم يتحقق بعد أن خرجت المظاهرات وملأت الميادين في كثير من دول العالم، مطالبة بوقف هذه الإبادة الإنسانية، فضلًا عما أحدثته هذه الحرب من تغيير واضح في موازين القوى بين روسيا وأوكرانيا، التي تحظى بدعم أمريكي وأوربي لا نظير له، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة الامريكية والغرب قد أصيبوا بصدمة هائلة بسبب صمود الشعب الفلسطيني وانصراف العالم عن الحرب الروسية الأكرانية، لذا فالأزمة تتفاقم بشكل واضح، بعد أن فشلت معظم الخطط الأوروبية والأمريكية وثبات الفلسطينيين على أرضهم، وفشل مخطط تهجيرهم إلى سيناء، كما فشلوا في شق الصف الفلسطيني الفلسطيني، رغم الترويج من بعض حكامنا وأجهزتنا الإعلامية بأن حماس قد أضاعت القضية الفلسطينية.

الأزمة ستطول على المستويين الدبلوماسي والعسكري، لكن نهايتها قطعًا سوف تكون في مصلحة الفلسطينيين وقضيتهم.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وهو ما

إقرأ أيضاً:

50 فرصة عالمية لتصميم مستقبل الشباب

دبي: «الخليج»

أطلقت مؤسسة دبي للمستقبل، إصداراً خاصاً من تقريرها المعرفي «تقرير الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية» يتناول أبرز الفرص الواعدة التي يمكن البناء عليها لبناء شراكات دولية مؤثرة وإطلاق مشاريع ومبادرات شاملة لتمكين الشباب حول العالم وتصميم مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وتم إطلاق التقرير بالتزامن مع اقتراب موعد انعقاد «مؤتمر القمة المعني بالمستقبل» الذي تنظمه الأمم المتحدة خلال الفترة 22 - 23 سبتمبر 2024 في مدينة نيويورك الأمريكية، لمناقشة الفرص التي يحملها المستقبل للشباب والأجيال القادمة.
تشمل هذه الطبعة الخاصة آراء ورؤى 14 خبيراً من مؤسسات بحثية وأكاديمية من دولة الإمارات ومختلف دول العالم بما في ذلك كندا وإيطاليا والهند والولايات المتحدة وأستراليا، استعرضوا رؤاهم الخاصة حول الفرص المتعلقة بالشباب والأجيال القادمة وتمكين المجتمعات وتوفير الحلول للاحتياجات البشرية الأكثر إلحاحاً، وتحفيز الابتكار بين الأفراد والمجتمعات، وتمكين تحول البشرية للواقع الجديد، والاقتصادات المبتكرة.
وذكر التقرير أن شريحة الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً تشكل نحو 16٪ من سكان العالم، أي حوالي 1.2 مليار شاب.
ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة بنحو 7٪ بحلول عام 2030 ليصل العدد إلى حوالي 1.3 مليار شاب، إلا أن نسبتهم من إجمالي سكان العالم ستنخفض على مدار العقود القادمة.
دعوة عالمية
ويشكل هذا التقرير دعوة عالمية لصُنّاع السياسات والمسؤولين وقادة الحكومات والمجتمعات لتوحيد الخطط والاستراتيجيات المستقبلية والاستفادة من الفرص الحالية والواعدة للعمل بشكل مشترك من أجل تحقيق النمو والازدهار وتعزيز جودة الحياة للشباب والأجيال القادمة.
وتهدف مؤسسة دبي للمستقبل من خلال هذا التقرير المعرفي إلى مشاركة رؤيتها حول المستقبل مع الخبراء والشركاء والمؤسسات والمنظمات الدولية لمناقشة أهم الفرص المستقبلية التي يمكن تحقيقها على المدى القريب أو البعيد، ومواكبة أهم التحولات التوجهات العالمية التي حددها التقرير ومنها ثورة المواد، وتسارع الانتقال إلى الواقع الرقمي الجديد، وإعادة تحديد الأهداف الإنسانية، وتزايد الاهتمام بالصحة المتقدمة والتغذية.
وتضمنت الفرص التي تناولها التقرير عكس المسار المهني التقليدي، ليحصل الشباب في بداية حياتهم المهنية على دعم مالي ليتفرغوا لاستكشاف اهتماماتهم المستقبلية، وهذا ما قد يعيد هيكلة منظومة العمل في ظل التحولات الجذرية وظهور نماذج عمل جديدة. وهنا تبرز التغيرات تساؤلات محورية حول مستقبل العمل: كيف سيتغير شكل العمل؟ وهل سيظل العمل يحظى بنفس الأهمية؟ وكيف يمكننا إيجاد فرص جديدة في ظل تراجع الأهداف التقليدية للوظائف؟
تنوع الأجيال
وأشار التقرير إلى فرصة مستقبلية مهمة حول ضرورة أن تضم مجالس الإدارة ومجالس الأمناء في الشركات والقطاع الحكومي والمجتمع المدني أفراداً من جميع الأجيال، ليصبح هذا التنوّع من أبرز مبادئ حوكمة الشركات وقاعدة رئيسية في جميع المعايير القانونية والتنظيمية والدولية.
التعليم الثانوي
وذكر التقرير أن الاستغناء عن الترتيب التقليدي للصفوف الدراسية قد يسهم في تزويد طلاب المرحلة الثانوية بالثقة والمرونة، وتعزيز صحتهم النفسية، وتمكينهم من استكشاف الإمكانات المستقبلية واتخاذ قرارات قائمة على المعرفة، ضمن بيئات تتكيّف مع احتياجاتهم الشخصية بالكامل وتقدم لهم معرفة متنوعة.
ويعد هذا التحول إجراء ضرورياً لمستقبل للأجيال القادمة، فالمهارات المطلوبة في سوق الوظائف في القرن الحادي والعشرين تختلف اختلافاً كبيراً عن تلك التي كانت مطلوبة في الماضي، إذ يتجه حالياً أصحاب العمل إلى البحث عن مهارات التفكير النقدي والإبداع والتعاون والثقافة الرقمية.
لحكمة ومستقبل التعليم
وفي قطاع التعليم أيضاً، ذكر التقرير أهمية إحداث تحول جذري من خلال تطوير برامج تعليمية قائمة على مفهوم الحكمة، ما يعزز قدرة الطلاب على التفكير المنطقي المنفتح ثقافياً واكتساب المهارات اللازمة لمعالجة التحديات المعقدة التي تفرضها التقنيات الناشئة على الشباب وكبار السن.
ويمكن أن يعزز التركيز على الحكمة من قدرة الشباب والأجيال القادمة على اجتياز الأوقات التي تسودها حالات الغموض على نحو متزايد بنهج مدروس ومستدام.
تحقيق الذات
وتناول التقرير أيضاً أهمية تركيز الحكومة والمجتمع على ضمان أعلى مستويات السعادة وجودة الحياة والتطوير الذاتي للأجيال القادمة، بحيث تجعل الحكومات في تحقيق الذات أولوية في جميع تشريعاتها، وهو ما يؤثر في أولويات سياساتها المختلفة وأولويات مواطنيها كذلك.
عمل تطوعي مدفوع الأجر
وتشمل الفرص الواردة في التقرير أيضاً إمكانية إتاحة الخدمة المجتمعية مدفوعة الأجر للجميع بشكل قانوني، ما يؤدي إلى تغيير النظرة الشائعة حول العمل والتلاحم المجتمعي والمشاركة المجتمعية والبيئية، ويتيح الفرصة للأفراد للإسهام في تنمية مجتمعاتهم قبل بدء حياة مهنية أو مرحلة جديدة في حياتهم.
الصحة المستقبلية
وتوجد فرصة واعدة في قطاع الصحة تتمثل في ابتكار أجهزة متنقلة مزودة بتكنولوجيا النانو المتقدمة يمكنها التعرف إلى البكتيريا على الفور، ما يتيح معالجة المريض بشكل أدق وأسرع، من دون الحاجة إلى الفحوص البكتيرية التي تستغرق وقتاً طويلاً.
ذكاء اصطناعي لا يستثني أحداً
وذكر التقرير أن الذكاء الاصطناعي المتاح للجميع، سيعزز مفهوم المساواة وسيحفز جهود الابتكار من خلال تمكين الأفراد والأكاديميين والشركات الناشئة والقطاع الحكومي من تحسين جودة قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي وتعزيز مصداقيتها، وزيادة الثقة في أنظمة الذكاء الاصطناعي المتاحة للجميع، وهو أمر حيوي ومهم للشباب والأجيال القادمة. 
منازل ذكية
تطرق التقرير كذلك إلى زيادة الوقت الذي يقضيه الأفراد في منازلهم بنسبة 30٪، ما أدى إلى زيادة الطلب على جميع الخدمات الخاصة بالمنازل. ومع استمرار توسع المدن والنمو السكاني وتغيّر المناخ، من المتوقع أن يستمر الأفراد في العيش في بيئات ذات كثافة سكانية عالية، ما يزيد من التحديات المرتبطة بإدارة الموارد. وتعد المنازل الذكية القادرة على التواصل والتنبؤ باحتياجاتنا وترجمة أفكارنا ومشاعرنا والتكيف معها ومع المتطلبات البيئية والسياسات العالمية، تحولاً جذرياً في حياتنا وتتيح فرصاً غير مسبوقة لتحقيق أقصى درجات الراحة والكفاءة.

مقالات مشابهة

  • في خريف عمره بايدن يريد حلا لمشكلة السودان المستعصية التي أعيت الطبيب المداويا
  • حسن إسماعيل: هذا هو السبب الذي اشعل الحرب في السودان(….)
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • الرئيس العراقي اتّصل بميقاتي.. وأدان الاعتداء الذي تعرّض له لبنان
  • الفلسطينيون يطالبون بتصويت على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة
  • 50 فرصة عالمية لتصميم مستقبل الشباب
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • مشعل: حماس ستلعب دورا حاسما في مستقبل غزة ولسنا في عجلة لإنهاء الحرب بأي ثمن
  • الحكومة العراقية تعوّل على القطاع الخاص.. له مستقبل الوظائف وصناعة القرارات الاقتصادية
  • مَن هو النائب خالد شلبي أمين تنظيم حزب مستقبل وطن؟