قبل عام من أولمبياد باريس وفي عالم تحكمه ديمقراطيات مشتعلة بالأزمات والحروب، لم تسلم فرنسا من التعرض لحمى شديدة العنف أثرت على صورتها في الخارج وعلى وسائل الإعلام الأجنبية التي لخصت الوضع بعبارة "فرنسا تحترق!".

ورغم استعانة الدولة بأكثر من 40 ألف رجل أمن لقمع الاحتجاجات في المدن الكبرى والمناطق الحضرية الأصغر، كانت المرافق العامة ووسائل النقل والمحلات التجارية في مرمى نيران الغضب التي اندلعت عقب مقتل الفتى نائل ذي الأصول الجزائرية على يد شرطي أثناء تفتيش مروري.

واليوم مع انتهاء العاصفة، بدأت الحكومة في تقييم حجم الخسائر التي خلفتها مشاهد الدمار على الاقتصاد الفرنسي بالأرقام.

ووفق تقدير أولي لجمعية أرباب العمل الفرنسية "ميديف"، فإن التكلفة تصل إلى أكثر من مليار يورو.

مليار يورو على الأقل

وفي مقابلة مع جيفروي رودي بيزيو رئيس جمعية "ميديف"، أعلن أنه من السابق لأوانه تقديم رقم دقيق، لكن الأمر الأكيد هو أن الأضرار تتجاوز مليار يورو، وذلك بدون احتساب التداعيات التي لحقت بقطاع السياحة.

ووفق معطيات الجمعية، فقد تمت سرقة 200 متجر بالكامل و300 فرع مصرفي و250 محلا لبيع السجائر في جميع أنحاء فرنسا في الأيام التي تلت مقتل نائل.

ومن الواضح أن "أعمال الشغب" ستكلف شركات التأمين غاليا. فقد أعلن اتحاد شركات التأمين الفرنسي أن "تقييم المطالبات الأولية التي قدرت بأكثر من 6500 حتى الآن ستكلف ما لا يقل عن 280 مليون يورو على مدار 4 أيام".

وعند المقارنة، تبدو أن فاتورة الاحتجاجات المرتبطة بمقتل نائل ستكون أثقل بكثير من الأحداث التي اندلعت في ليلة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2005 إثر وفاة شابين صعقا في محطة كهرباء في أثناء اختبائهما من الشرطة.

فقد كلفت أعمال الشغب التي استمرت عدة أسابيع نحو 204 ملايين يورو، وتم تحديد وإعلان المطالبات بالتعويض آنذاك بما يقرب من 10 آلاف مطالبة.

وبمقارنة أخرى سريعة لتوضيح حجم الاختلاف؛ نجد أن عدد السيارات المحترقة في عام 2005 بلغ حوالي 9 آلاف خلال 3 أسابيع، بينما احترقت 6 آلاف سيارة في الأيام الماضية لكن في غضون 6 أيام فقط.

وبالتالي، تقدر جمعية "ميديف" أن التكلفة الاقتصادية التي واجهتها فرنسا قبل 18 عاما ستكون أقل بـ5 مرات من تكلفة هذا العام. وقد يكون سبب ذلك في طبيعة الضرر، حيث أضرمت حينها النيران في السيارات بشكل أساسي وكانت الخسائر التي تكبدتها المتاجر قليلة نسبيا.

شركات التأمين في قلب الأزمة

ولمواجهة الأضرار التي لحقت بالتجار وأصحاب الشركات، طلب وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير من شركات التأمين تمديد المواعيد النهائية للتبليغ وتقليل الخصومات وتبسيط الإجراءات والتعويض السريع للمهنيين الذين كانوا ضحايا لأعمال النهب.

كما طلب الوزير من البنوك تأجيل دفع الرسوم الاجتماعية والضريبية للشركات التي تواجه صعوبات بعد لقاء جمعه بممثلين عن التجار وأصحاب المطاعم والفنادق وشركات التأمين والمصارف الفرنسية.

وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أوضح منذر شريف أستاذ الاقتصاد والمالية في جامعة رانس وفينانسيا في باريس أن الحكومة الفرنسية "ترفض تقديم المساعدة لشركات التأمين على عكس ما فعلت أثناء جائحة كورونا، ما يعني أنها ستجد نفسها وحيدة لتعويض الجهات المتضررة".

ويثق شريف في قدرة شركات التأمين على الاستجابة بسرعة لأنها مجهزة لتسديد التعويضات لكن المعضلة تكمن في تكرار هذا النوع من المطالبات، فقد أصبحت "فرنسا تشهد مزيدا من الكوارث الاجتماعية مثل الفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى"، على حد تعبيره.

ويعتقد أستاذ الاقتصاد أنه في مرحلة من المراحل، ستقوم شركات التأمين بزيادة الأسعار بسرعة، ما يعني أن المشترك في التأمين سيضطر لدفع الفاتورة، أو ستضطر الدولة إلى إنشاء صندوق حكومي محدد للحصول على احتياطي معين يجعل التمويل والمشاركة في السداد مع التأمين ممكنا.

وفي حديثه للجزيرة نت، سلط شريف الضوء على مدى صعوبة تحديد التأثير الحقيقي لأعمال الشغب على المواطنين والتجار. ويشرح ذلك بالقول إنه "من السهل قياس التعويضات عند حرق منزل أو سيارة مثلا لكن العكس غير صحيح إذا تعرض متجر لتحطيم النوافذ أو السرقة أو الإغلاق".

ولا تُعد شركات التأمين الجهات الوحيدة التي لن تتلقى مساعدة من الدولة؛ إذ سيتعين على مجالس البلديات إيجاد الحلول والأموال اللازمة للقيام بكل عمليات الإصلاح خارج مظلة الحكومة من خلال خفض النفقات المستقبلية أو إلغاء بعض الأنشطة لتوفير نفقات الميزانية.

ويرى أستاذ الاقتصاد أنه من غير المستبعد أن تشهد الضرائب المحلية وضرائب الإسكان ارتفاعا في الفترة المقبلة، وهو ما سيؤدي بالمواطن إلى دفع ثمن كل هذا الضرر وتأثر قوته الشرائية.

السياحة هي الأكثر تضررا

يُعد قطاع السياحة، الذي كان يعول على موسم الصيف لمواصلة تحسين صورة البلاد وحصد مكاسب اقتصادية إضافية، من القطاعات الأكثر تضررا أيضا.

فقد أدت أعمال الشغب الأخيرة إلى انفجار في عمليات إلغاء الرحلات الجوية والحجوزات، خاصة من السياح الأجانب. ووصلت نسبة الإلغاء إلى أكثر من 25% وفي بعض المدن إلى 50%، وفق تقديرات متخصصين في السياحة.

وعند سؤال أحد العاملين في فندق في الدائرة الـ16 الواقعة بالقرب من برج إيفل، أخبر الجزيرة نت أن العديد من السياح ألغوا الحجز ولم يقترحوا حتى استبداله بتواريخ أخرى، خاصة السياح الذين كان من المقرر أن يصلوا من الولايات المتحدة وكندا.

ويذكر أنه في نفس الفترة من العام الماضي، حققت عائدات البلاد في السياحة من غير المقيمين وحدهم أكثر من 5 مليارات يورو. ويقدر خبراء أن القطاع قد يشهد عجزا يبلغ نحو ملياري يورو هذا العام.

وفي سياق متصل، يتنبأ شريف منذر بوقوع مشكلة في ميزان المدفوعات أو ميزان الخدمات، وعلى وجه الخصوص إيرادات السياحة، حيث تستقبل فرنسا ما يتراوح بين 60 مليونا و80 مليون سائح سنويا، ما يعني عجزا نسبته 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويشير أستاذ الاقتصاد إلى مشكلة أخرى ستواجه الاقتصاد الفرنسي وتتمثل في تردد المستثمرين الأجانب في إنشاء المشاريع في بلد يواجه اضطرابات وإضرابات لا تتوقف، وهو ما قد يؤثر على النمو الاقتصادي للبلاد بمقدار نقطة واحدة في عام 2024.

من جهة أخرى، قررت الدولة منح المتاجر أسبوعا إضافيا للتنزيلات في البلاد خلال يوليو/تموز الجاري للسماح لهم بتحقيق المزيد من المبيعات والحد من الخسائر التي تراوحت بين 20 و40% من رقم المعاملات.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

قرار جمهوري بالموافقة على مذكرة تفاهم خاصة بـآلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة بمليار يورو

كتب- محمد عبدالناصر:

أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارا برقم 400 لسنة 2024 بشأن الموافقة على مذكرة التفاهم الخاصة بـ"آلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة بقيمة مليار يورو" بين حكومة جمهورية مصر العربية والاتحاد الأوروبي.

نشر القرار في الجريدة الرسمية.

وأمس، وافق مجلس النواب، خلال جلسته العامة، على قرار رئيس الجمهورية بشأن اتفاق تسهيل قرض بقيمة مليار يورو كمرحلة أولى بين حكومة جمهورية مصر العربية والاتحاد الأوروبي، لدعم الاقتصاد الكلي وسد عجز الموازنة العامة.

الرئيس عبدالفتاح السيسي قرار جمهوري دعم الموازنة

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة الرئيس السيسي: المصريون أثبتوا وعيهم ووقوفهم جنبًا إلى جنب لحماية أخبار المفتي: وضعنا استراتيجية من 5 محاور لتحقيق الأمن الفكري بالتعاون مع أخبار "القومي للمرأة" يشارك بجناح بمعرض تراثنا للحرف اليدوية أخبار "الحرية المصري": الدولة تتخذ خطوات ملموسة لتعزيز حقوق الإنسان بمفهومها أخبار أخبار مصر وكيل نقل البرلمان يستعرض تقرير البرلمان بشأن قانون التجارة البحرية منذ 32 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر مجلس النواب يوافق على تعديل قانون رسوم السفن منذ 41 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر خيري رمضان: نعترف أننا في أزمة والدولة والنظام لديهما مبررات لهذا منذ 42 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر الشراء الموحد والمنظمة العالمية للترقيم تطلقان منصة تسجيل مواقع الرعاية منذ 44 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر مجلس النواب يوافق على تعديل مشروع قانون التجارة البحرية منذ 47 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر "الصحة النفسية" تستعرض تجربة مصر في مكافحة الإدمان بالحوار الأفريقي منذ 48 دقيقة قراءة المزيد

إعلان

إعلان

أخبار

قرار جمهوري بالموافقة على مذكرة تفاهم خاصة بـ"آلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة بمليار يورو"

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك داخل المتحف المصري الكبير.. شاهد حكاية 7 آلاف سنة 22

القاهرة - مصر

22 12 الرطوبة: 40% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • الداخلية تواصل مداهمة شركات السياحة غير المرخصة
  • توزيع نصف قرن سجناً على أفراد “عصابة المليار” التي استولت على أموال ومجوهرات فيلا طبيب بالجديدة
  • رئيس الوزراء الفرنسي الجديد يعلن تشكيل حكومة خلال أيام
  • رفع العلم الفرنسي فوق السفارة في دمشق لأول مرة منذ 2012
  • اتحاد الغرف السياحية: نقدر التحركات الحكومية الأخيرة الخاصة بصناعة السياحة
  • معظمه بالدولار.. ديون موريتانيا تجاوزت 4 مليارات يورو في 2024
  • قرار جمهوري بالموافقة على مذكرة تفاهم خاصة بـآلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة بمليار يورو
  • عاجل:- قرارات جديدة للرئيس السيسي بشأن دعم الاقتصاد والموازنة بقيمة مليار يورو
  • قرار جمهورى بالموافقة على “آلية مساندة الاقتصاد ودعم الموازنة” بقيمه مليار يورو
  • لماذا خصصت السعودية 50 مليون يورو لتجديد مركز بومبيدو الفرنسي؟