رسالة من الحاضر إلى المستقبل
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
يتزامن كتابة هذا المقال مع أيام غالية في قلب كلّ عُماني تبدأ إشراقتها يوم 18 نوفمبر؛ لتعلن عن العيد الوطني الـ53 المجيد الذي يُذكّر بنهضة قامت قبل 53 عامًا، ويُذكّر بأن هذه النهضة مستمرة ومتجددة في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظّم -حفظه الله ورعاه-، ولتوثّق هذه الرسالة التي تَعبر من الحاضر إلى المستقبل أن سلطنة عُمان وهي في أيامها المجيدة الخاصة آثرت أن تتنازل عن مظاهر فرحتها المعتادة في هذه الأيام السعيدة تضامنا مع مظاهر الأسى التي تمرّ على أهل فلسطين وغزة خصوصا؛ إذ تخوض فلسطين آلامها المتجددة، وهذه المرة تتحمل غزة الشق الأكبر من الألم بعد عدوان صهيوني يهدف إلى مسح هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية المجزأة -الصغير في مساحته والكبير في قوة شعبه-، وسحق مقاومته التي تخوض -حتى اللحظة- معارك التحرير وكسر إرادة الظلم والاحتلال.
كشفت لنا أحداث غزة عن تقنيات عسكرية فاقت ما كان مألوفا في ميدان الحروب؛ فبدءا من السابع من أكتوبر لعام 2023م حيث انطلقت شرارة هذه الأحداث بهجوم المقاومة الفلسطينية لمستعمرات الكيان المحتل -بعد نفاد الصبر بسبب الحصار والظلم الواقع على غزة وعموم الأراضي الفلسطينية- وفق طريقة تَشَتَّتَ المحللون في فهم واقعها وآليتها؛ فهناك من يرى أن المقاومة أفقدت الكيان المحتل قدراته التقنية التي يعتمد عليها في كشف أيّ اختراقات لثكناته ومستوطناته عبر تقنيات أكثر تقدما، وهناك من يرى أن الأمر برمّته استدراج للمقاومة لفخ يُراد بواسطته جرّها إلى حرب تكون للكيان المحتل به ذريعة لشن اجتياح شامل لغزة بغية اجتثاث مقاومتها واحتلالها من جديد، ووسط هذه التحليلات والتكهنات الكثيرة الأخرى لا يمكن أن نقطع بالرواية الحقيقية، ولكن قادم الأيام وأحداثها كفيلة أن تقرّبنا إلى تحليل أقرب للواقع. في حال افترضنا اعتماد التحليل الأول القائل إن المقاومة الفلسطينية أحدثت اختراقا للعدو مكنّها من تحقيق انتصار ميداني مباغت للكيان المحتل يوم 7 أكتوبر؛ فهناك مؤشرات إلى استعمالهم لتقنيات عالية الدقة عطَّلتْ أنظمة المراقبة الإسرائيلية وتقنياتها، وفي حال افترضنا وجود مثل هذه التقنيات التي يمكن أن تعتمد على مبدأ فكّ التشفير والتشويش للترددات والأنظمة الرقمية؛ فإن هذه سابقة تُحسب للمقاومة الفلسطينية التي فطنت إلى القوة التقنية التي يعتمد عليها العدو؛ فبادرت بامتلاك أو تصنيع تقنيات مضادة لتقنيات العدو التي لا يعني بالضرورة ارتباط وجودها بالتكلفة المالية العالية قدر ضرورة حاجتها لعقول مبدعة قادرة على إنتاجها أو على الأقل استعمالها، وهذه رسالة إلى المستقبل تحمل الدرس والنصيحة؛ إذ أصبح من الممكن لجميع الأمم الطامحة أن تدخل سباق التقنيات وتطوراتها الكثيرة؛ فهناك أنظمة الحوسبة المتقدمة وما يتصل بها من أنظمة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني التي بامتلاكها تتشكل قواعد دفاعية تفرض مبدأ القوة والهيبة، وطفرات العلم وتقنياته عبر تسارعها الكبير ذاهبة إلى تشكيل مستقبل أكثر خطرا وفق توقعات تجاوزت تلك التوقعات السابقة -التي تحدثنا فيها عن إيجابيات كثيرة بجانب ما يمكن اعتباره مخاطر وجودية- لأحداث غزة التي أظهرت عوار الحكومات الغربية -الداعمة لمشروع القتل الجماعي لأهل غزة الذي يمارسه الكيان الصهيوني- وفقدانها لأبسط مبادئ الإنسانية، وهنا يُسجل التاريخ أن لا وجود واقعي لقوانين العدالة التي اتَّفقَ العالم على وجودها وتطبيقها، وفي الوقت ذاته يُسجّل التاريخ وجود أحرار العالم من جميع الأديان والأعراق والألوان الذين رفضوا وجود هذا الظلم والتعطيل لقوانين العدالة والحريّة المزعومة.
وثّقت الأحداث الحالية كذلك فظاعة الأسلحة العسكرية التي استعملها الكيان الصهيوني في قصف غزة وإبادة أهلها من الناحية التدميرية والإجرامية؛ فوفقا لكثير من المحلِّلِين أن الكيان الصهيوني استعمل أسلحة تدميرية لم تُستعمل من قبل -بجانب الأسلحة المحرمة دوليا مثل قنابل الفسفور الحارقة- في أيّ حرب سابقة في العالم أجمع؛ إذ تُظهر الآثار التي تخلّفها هذه الأسلحة على الضحايا جروحا وحروقا من نوع لم يسبق للأطباء التعامل معه، وهذا دليل على أن الكيان الصهيوني جعل من غزة أرض تجارب لأسلحة فتّاكة ومتطورة، وهذا يقود إلى التساؤل عن مستقبل الأسلحة العسكرية وتطوراتها المرعبة التي ستظهر في المستقبل القادم؛ فكل ما يمكن استنتاجه أن عنصر الشر وكراهية الإنسان في أمثال هذه الكيانات المجرمة لا يزول إلا بيقظة الوعي الإنساني العالمي ومقاومته للظلم عبر غلبة عنصر الخير والعدالة وتمكّنه من إعادة ضبط القانون الدولي ومنحه القوة التي تمكّنه من إحلال العدالة ومعاقبة الظالم، وهذا ما نرجوه أن يتحقق في زمانكم المستقبل إن تعسّر تحقق ذلك في حاضرنا. بعيدا عن آلة الحرب المرعبة، تتفانى التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي في تقديم دور آخر في هذه الحرب عبر أساليب التزييف والتزوير ونشر الأخبار الكاذبة -التي تحدثت عنها في مقالات سابقة نشرتها في جريدة عُمان- التي تعمل كلها لأجل الحرب النفسية التي يحاول الكيان الصهيوني أن يلفت بواسطتها انتباه شعوب العالم التي أصبحت أكثر وعيا ويقظة مع الحقائق التي يحاول المحتل وأنصاره إخفاءها، وآخر هذه الادِّعاءات اقتحام قوات الاحتلال لمستشفى الشفاء في غزة -الذي يُضم المرضى والمصابين والطاقم الطبي- تحت ذريعة وجود مقرات للمقاومة في داخله وسط ادِّعاءات لم يُجِدْ كيان الاحتلال تمثيلها؛ لتكون ادِّعاءاته أضحوكة للعالم، وكاشفة لحمله وكذبه وإجرامه. أكدت مثل هذه السرديات المزيّفة فشل كيان الاحتلال في تحقيق نصره المزعوم وفشله في القدرة على التزييف سواء بالطرق التقليدية أو عبر الأنظمة المتقدمة.
تتسارع تطويرات التقنيات الرقمية الذكية التي ستكون في حاضركم القادم ذا سلوك بشري -من حيث المحاكاة الشاملة للوظائف الدماغية البشرية والسلوكية- أكثر من المحاكاة السلوكية البشرية التي نشهدها في حاضرنا؛ فتصل إلى مستويات من الذكاء تتجاوز فيها ذكاء الإنسان وتفوقه قسوة وإجراما، وستبلغ قدرات هذه الأنظمة الذكية في صناعة المحتويات -مثل المحتويات المرئية- وتزييفها مستويات من الصعب تمييز المحتوى المزيّف من الحقيقي، ولكن في الجانب الآخر ستقدّم التقنيات المتقدمة حلولها الذكية المضادة في كشف هذه التزييفات دون الحاجة إلى الطرق التقليدية التي ما تزال تُسْتَعْمَلُ في حاضرنا. أظهرت هذه الأحداث التي نعيشها أننا بحاجة إلى جهود كبيرة نخوضها في سبيل التقدم العلمي والتقني، وأرجو أن يتحقق ذلك في الزمان القادم مع التأكيد على أنَّ البشرية تبذل الجهد في تحقيق مقدمات أوليّة لهذه النهضة العلمية. من البَدَهِيّ أنه من السهل عليكم -يومها- أن تدركوا كل هذه الأحداث عبر ما سجّله التاريخ ووثّقه، ولكن تظل مثل هذه الرسائل جسر وصلٍ يصل الحاضر بالمستقبل عبر عالم الأفكار الذي يَصعب تدوينه دون كُلفةِ المشاعر وأفكارها الكثيرة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی إلى المستقبل التی ت الذی ی
إقرأ أيضاً:
جماعة الحوثي تحيي صمود الشعب الفلسطيني وتؤكد: لا سلام دون زوال الكيان
أكد محمد عبد السلام، المتحدث الرسمي باسم جماعة الحوثي في اليمن، أنه لن يكون هناك سلام حقيقي في منطقة الشرق الأوسط إلا بزوال الاحتلال.
وأضاف عبدالسلام في بيان، عقب الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس: “نحن في اليمن نحمد الله أن وفق شعبنا وقواته المسلحة (تابعة للجماعة) لحمل هذه المسؤولية بإسناد غزة بمظاهرات مليونية أسبوعية، وبعمليات عسكرية فاعلة ومؤثرة من أول الطوفان (عملية طوفان الأقصى) حتى إعلان وقف إطلاق النار في غزة“.
بسم الله الرحمن الرحيم
نحيي بإكبار وإجلال صمود غزة الأسطوري والتاريخي في مواجهة أعتى وأشرس عدوان إسرائيلي استهدف الشعب الفلسطيني المظلوم.
كما نثمن وكل أحرار العالم التضحيات الكبيرة للمقاومة الفلسطينية في غزة واستشهاد عدد من قادتها الكبار منهم الشهيد القائد إسماعيل هنية والشهيد… — محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) January 15, 2025
وحيا عبدالسلام “صمود غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي”.
وأكد، "نثمن وكل أحرار العالم التضحيات الكبيرة للمقاومة الفلسطينية في غزة، واستشهاد عدد من قادتها الكبار دون أن يفت ذلك في عضدها، فاستمرت بكل قوة وبسالة في مقارعة العدو حتى دفعه إلى القبول بوقف إطلاق النار".
وتابع: “مع وصول هذه المعركة إلى خواتيمها بإعلان وقف إطلاق النار في غزة، فالقضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية الأولى التي يتوجب أن تنهض الأمة بالمسؤولية تجاهها، باعتبار كيان العدو الصهيوني كيانا خطرا على الجميع وهو باستمرار احتلاله فلسطين يمثل تهديدا لأمن واستقرار المنطقة”.
وأكد عبدالسلام، أنه “لن يكون هناك سلام حقيقي تنعم به المنطقة إلا بزوال هذا الكيان الطارئ المزروع عنوة بقوة غربية أمريكية تمده بأسباب البقاء على حساب الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة”.
وأشار إلى أن دخول اليمن في “معركة إسناد غزة لم يكن عن فائض قوة أو استعراض لها، بل من واقع صعب”.
وتضامنًا مع قطاع غزة في مواجهة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تشنّ جماعة الحوثي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 هجمات متكررة على سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بالاحتلال في البحر الأحمر، مستخدمةً الصواريخ والطائرات المسيّرة، كما استهدفت مواقع داخل الأراضي المحتلة.
وردًا على هذه الهجمات، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة منذ مطلع كانون الثاني/ يناير 2024 بتنفيذ غارات جوية وهجمات صاروخية على مواقع يُعتقد أنها تابعة للحوثيين في اليمن.
وردت جماعة الحوثي بإعلانها اعتبار جميع السفن الأمريكية والبريطانية أهدافًا عسكرية مشروعة، مع توسيع نطاق هجماتها ليشمل السفن المارة في البحر العربي والمحيط الهندي، أو أي منطقة يمكن أن تصلها أسلحتها.