لجريدة عمان:
2024-07-01@22:28:45 GMT

رسالة من الحاضر إلى المستقبل

تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT

يتزامن كتابة هذا المقال مع أيام غالية في قلب كلّ عُماني تبدأ إشراقتها يوم 18 نوفمبر؛ لتعلن عن العيد الوطني الـ53 المجيد الذي يُذكّر بنهضة قامت قبل 53 عامًا، ويُذكّر بأن هذه النهضة مستمرة ومتجددة في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظّم -حفظه الله ورعاه-، ولتوثّق هذه الرسالة التي تَعبر من الحاضر إلى المستقبل أن سلطنة عُمان وهي في أيامها المجيدة الخاصة آثرت أن تتنازل عن مظاهر فرحتها المعتادة في هذه الأيام السعيدة تضامنا مع مظاهر الأسى التي تمرّ على أهل فلسطين وغزة خصوصا؛ إذ تخوض فلسطين آلامها المتجددة، وهذه المرة تتحمل غزة الشق الأكبر من الألم بعد عدوان صهيوني يهدف إلى مسح هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية المجزأة -الصغير في مساحته والكبير في قوة شعبه-، وسحق مقاومته التي تخوض -حتى اللحظة- معارك التحرير وكسر إرادة الظلم والاحتلال.

أنقل إلى المستقبل مشاعر الحاضر التي تخالجنا ونحن نشهد أحد أكبر الأزمات الإنسانية دون أيّ ردع دولي وقانوني؛ فتتنازعنا الأفكار في أسباب هذا الظلم والخذلان الذي ينصّب في فقداننا لبُوصلة المنهج الذي يجمع بين قوة الإيمان وقوة العلم. من المهم أن نجوب بكم في حيثيات المعنى التقني والرقمي الذي نشاهده في حاضرنا، وكيف نرى هذه التقنيات المتقدمة من زاوية الحرب القائمة بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، وكيف نتصور تسارع هذه التقنيات وتطوراتها التي تقود ضعضعة المجتمعات الإنسانية وحضارتها، وهذا ما ستشهدونه في أيامكم القادمة -في المستقبل-. تُسجّلُ لكم هذه اللحظات مع شذرات للتوقعات المستقبلية التي تراود أفكارنا بشأن المجتمعات الإنسانية وتفاعلها مع التقدم العلمي عبر رسالة من الحاضر إلى المستقبل.

كشفت لنا أحداث غزة عن تقنيات عسكرية فاقت ما كان مألوفا في ميدان الحروب؛ فبدءا من السابع من أكتوبر لعام 2023م حيث انطلقت شرارة هذه الأحداث بهجوم المقاومة الفلسطينية لمستعمرات الكيان المحتل -بعد نفاد الصبر بسبب الحصار والظلم الواقع على غزة وعموم الأراضي الفلسطينية- وفق طريقة تَشَتَّتَ المحللون في فهم واقعها وآليتها؛ فهناك من يرى أن المقاومة أفقدت الكيان المحتل قدراته التقنية التي يعتمد عليها في كشف أيّ اختراقات لثكناته ومستوطناته عبر تقنيات أكثر تقدما، وهناك من يرى أن الأمر برمّته استدراج للمقاومة لفخ يُراد بواسطته جرّها إلى حرب تكون للكيان المحتل به ذريعة لشن اجتياح شامل لغزة بغية اجتثاث مقاومتها واحتلالها من جديد، ووسط هذه التحليلات والتكهنات الكثيرة الأخرى لا يمكن أن نقطع بالرواية الحقيقية، ولكن قادم الأيام وأحداثها كفيلة أن تقرّبنا إلى تحليل أقرب للواقع. في حال افترضنا اعتماد التحليل الأول القائل إن المقاومة الفلسطينية أحدثت اختراقا للعدو مكنّها من تحقيق انتصار ميداني مباغت للكيان المحتل يوم 7 أكتوبر؛ فهناك مؤشرات إلى استعمالهم لتقنيات عالية الدقة عطَّلتْ أنظمة المراقبة الإسرائيلية وتقنياتها، وفي حال افترضنا وجود مثل هذه التقنيات التي يمكن أن تعتمد على مبدأ فكّ التشفير والتشويش للترددات والأنظمة الرقمية؛ فإن هذه سابقة تُحسب للمقاومة الفلسطينية التي فطنت إلى القوة التقنية التي يعتمد عليها العدو؛ فبادرت بامتلاك أو تصنيع تقنيات مضادة لتقنيات العدو التي لا يعني بالضرورة ارتباط وجودها بالتكلفة المالية العالية قدر ضرورة حاجتها لعقول مبدعة قادرة على إنتاجها أو على الأقل استعمالها، وهذه رسالة إلى المستقبل تحمل الدرس والنصيحة؛ إذ أصبح من الممكن لجميع الأمم الطامحة أن تدخل سباق التقنيات وتطوراتها الكثيرة؛ فهناك أنظمة الحوسبة المتقدمة وما يتصل بها من أنظمة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني التي بامتلاكها تتشكل قواعد دفاعية تفرض مبدأ القوة والهيبة، وطفرات العلم وتقنياته عبر تسارعها الكبير ذاهبة إلى تشكيل مستقبل أكثر خطرا وفق توقعات تجاوزت تلك التوقعات السابقة -التي تحدثنا فيها عن إيجابيات كثيرة بجانب ما يمكن اعتباره مخاطر وجودية- لأحداث غزة التي أظهرت عوار الحكومات الغربية -الداعمة لمشروع القتل الجماعي لأهل غزة الذي يمارسه الكيان الصهيوني- وفقدانها لأبسط مبادئ الإنسانية، وهنا يُسجل التاريخ أن لا وجود واقعي لقوانين العدالة التي اتَّفقَ العالم على وجودها وتطبيقها، وفي الوقت ذاته يُسجّل التاريخ وجود أحرار العالم من جميع الأديان والأعراق والألوان الذين رفضوا وجود هذا الظلم والتعطيل لقوانين العدالة والحريّة المزعومة.

وثّقت الأحداث الحالية كذلك فظاعة الأسلحة العسكرية التي استعملها الكيان الصهيوني في قصف غزة وإبادة أهلها من الناحية التدميرية والإجرامية؛ فوفقا لكثير من المحلِّلِين أن الكيان الصهيوني استعمل أسلحة تدميرية لم تُستعمل من قبل -بجانب الأسلحة المحرمة دوليا مثل قنابل الفسفور الحارقة- في أيّ حرب سابقة في العالم أجمع؛ إذ تُظهر الآثار التي تخلّفها هذه الأسلحة على الضحايا جروحا وحروقا من نوع لم يسبق للأطباء التعامل معه، وهذا دليل على أن الكيان الصهيوني جعل من غزة أرض تجارب لأسلحة فتّاكة ومتطورة، وهذا يقود إلى التساؤل عن مستقبل الأسلحة العسكرية وتطوراتها المرعبة التي ستظهر في المستقبل القادم؛ فكل ما يمكن استنتاجه أن عنصر الشر وكراهية الإنسان في أمثال هذه الكيانات المجرمة لا يزول إلا بيقظة الوعي الإنساني العالمي ومقاومته للظلم عبر غلبة عنصر الخير والعدالة وتمكّنه من إعادة ضبط القانون الدولي ومنحه القوة التي تمكّنه من إحلال العدالة ومعاقبة الظالم، وهذا ما نرجوه أن يتحقق في زمانكم المستقبل إن تعسّر تحقق ذلك في حاضرنا. بعيدا عن آلة الحرب المرعبة، تتفانى التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي في تقديم دور آخر في هذه الحرب عبر أساليب التزييف والتزوير ونشر الأخبار الكاذبة -التي تحدثت عنها في مقالات سابقة نشرتها في جريدة عُمان- التي تعمل كلها لأجل الحرب النفسية التي يحاول الكيان الصهيوني أن يلفت بواسطتها انتباه شعوب العالم التي أصبحت أكثر وعيا ويقظة مع الحقائق التي يحاول المحتل وأنصاره إخفاءها، وآخر هذه الادِّعاءات اقتحام قوات الاحتلال لمستشفى الشفاء في غزة -الذي يُضم المرضى والمصابين والطاقم الطبي- تحت ذريعة وجود مقرات للمقاومة في داخله وسط ادِّعاءات لم يُجِدْ كيان الاحتلال تمثيلها؛ لتكون ادِّعاءاته أضحوكة للعالم، وكاشفة لحمله وكذبه وإجرامه. أكدت مثل هذه السرديات المزيّفة فشل كيان الاحتلال في تحقيق نصره المزعوم وفشله في القدرة على التزييف سواء بالطرق التقليدية أو عبر الأنظمة المتقدمة.

تتسارع تطويرات التقنيات الرقمية الذكية التي ستكون في حاضركم القادم ذا سلوك بشري -من حيث المحاكاة الشاملة للوظائف الدماغية البشرية والسلوكية- أكثر من المحاكاة السلوكية البشرية التي نشهدها في حاضرنا؛ فتصل إلى مستويات من الذكاء تتجاوز فيها ذكاء الإنسان وتفوقه قسوة وإجراما، وستبلغ قدرات هذه الأنظمة الذكية في صناعة المحتويات -مثل المحتويات المرئية- وتزييفها مستويات من الصعب تمييز المحتوى المزيّف من الحقيقي، ولكن في الجانب الآخر ستقدّم التقنيات المتقدمة حلولها الذكية المضادة في كشف هذه التزييفات دون الحاجة إلى الطرق التقليدية التي ما تزال تُسْتَعْمَلُ في حاضرنا. أظهرت هذه الأحداث التي نعيشها أننا بحاجة إلى جهود كبيرة نخوضها في سبيل التقدم العلمي والتقني، وأرجو أن يتحقق ذلك في الزمان القادم مع التأكيد على أنَّ البشرية تبذل الجهد في تحقيق مقدمات أوليّة لهذه النهضة العلمية. من البَدَهِيّ أنه من السهل عليكم -يومها- أن تدركوا كل هذه الأحداث عبر ما سجّله التاريخ ووثّقه، ولكن تظل مثل هذه الرسائل جسر وصلٍ يصل الحاضر بالمستقبل عبر عالم الأفكار الذي يَصعب تدوينه دون كُلفةِ المشاعر وأفكارها الكثيرة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکیان الصهیونی إلى المستقبل التی ت الذی ی

إقرأ أيضاً:

التعاون الإسلامي تدين بشدة مصادقة حكومة الكيان الصهيوني على شرعنة بؤر استيطانية

الثورة نت/
أدانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة مصادقة حكومة الكيان الصهيوني على شرعنة خمس بؤر استيطانية استعمارية في الضفة الغربية، والتخطيط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، وفرض الضرائب على الكنائس ومؤسساتها وممتلكاتها المختلفة بالقدس المحتلة، والاستمرار في قرصنة أموال الضرائب الفلسطينية، معتبرة ذلك امتدادا لسياستها القائمة على التطهير العرقي والتهجير القسري والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

وأكدت المنظمة، في بيان لها، أن جميع الإجراءات والقرارات التي يتخذها الكيان الصهيوني التي تهدف إلى تكريس نظامها الاستعماري في الأرض الفلسطينية المحتلة لاغية وباطلة بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، خاصة قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016.
كما حذرت من خطورة استمرار إرهاب المستوطنين الصهاينة المتصاعد في الضفة الغربية، داعية في الوقت نفسه المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حمل الكيان الصهيوني الغاصب، على وقف جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة والإجراءات غير القانونية التي ترتكبها في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.

مقالات مشابهة

  • الحرب على غزة وصمود المقاومة
  • بعد تسعة شهور من طوفان الأقصى.. هذه هي صورة الكيان من الداخل
  • وقفات في ذمار تضامنا مع الشعب الفلسطيني
  • ألا موت يُباع فأشتريه.. لسان حال جامعة الدول العربية
  • أحمد الحريري: لنحصن بلدنا في مواجهة العدوّ الإسرائيلي
  • «شارة نصر»
  • أوباما يدافع عن بايدن: ناضل من أجل الناس طوال حياته
  • أكسيوس: واشنطن تدفع بصياغة جديدة وتعديل لمقترح صهيوني حول اتفاق وقف النار في غزة
  • التعاون الإسلامي تدين بشدة مصادقة حكومة الكيان الصهيوني على شرعنة بؤر استيطانية
  • بهاء الحريري الى البقاع