أكد سعادة الدكتور علي بن قاسم اللواتي رئيس الأكاديمية السلطانية للإدارة أن الأكاديمية تحتضن منذ انطلاقها الجهود المرتبطة بتطوير العنصر البشري بالجهاز الإداري للدولة وفق منظور شامل، وباتساق وتوازن مع عناصر التطوير الإداري المنشود في ضوء تصور وطني متكامل يلبي الاحتياجات الحالية ويراعي طموحات سلطنة عمان المستقبلية، ويستوعب المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والبشرية.

وأوضح سعادته في حوار خاص لـ«عمان» أن البصيرة السامية لمولانا سلطان البلاد المعظم - حفظه الله ورعاه - التي عبّر من خلالها عن عزم جلالته السامي على إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتبسيط الإجراءات، وحوكمة الأداء بما يتسق مع الطموحات التي تحملها «رؤية عمان 2040»، تلك النظرة الاستراتيجية التي تؤسس لنهضة متجددة كبرى لتطوير الجهاز الإداري للدولة على مستوى الفعالية والكفاءة والنظم والتشريعات والوسائل الحديثة، فالجهاز الإداري -في أي دولة- هو «العمود الفقري» الواجب الارتقاء به، كونه الركيزة التي تقوم عليها جهود التنمية كافة، وهو القاسم المشترك في كل الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والبشرية.

جهاز إداري مرن

وأضاف اللواتي: إن «رؤية عمان 2040» أولت اهتمامًا كبيرًا بهذا الأمر، إذ شملت أولوياتها حوكمة الجهاز الإداري للدولة، فجاء التوجه الاستراتيجي دافعا نحو الوصول إلى جهاز إداري مرن ومبتكر وصانع للمستقبل وقائم على مبادئ ثابتة، وهو ما يتحقق بتكامل ثلاثة عناصر أساسية، أولها يتمثل في رأس المال البشري دائم التطور في المهارات والقدرات والمعارف والثقافة المؤسسية، وثانيها يتمثل في تطور التشريعات والنظم واللوائح الإدارية وثالثها يتمثل في وسائل التقنية الإدارية الحديثة، موضحًا أنه يجب النظر إلى الصورة بكامل تفاصيلها واستيعاب ضرورة إحداث التكامل بين العناصر الثلاثة السابقة والسعي نحو إحداث النمو المتوازن بينها.

وحول مواكبة الأكاديمية السلطانية للإدارة التطورات العالمية ومنها التطور الرقمي في برامجها وخدماتها المختلفة، بيّن سعادته أنه بات من الصعب اليوم تصور إحداث التطوير بعيدًا عن التقنية؛ نظرًا لما تقدمه من تسهيلات وفوائد على كافة الأصعدة، ومنها التّعلم والتدريب. ومنذ ظهور الإنترنت، تطور شكل ومنهج وأسلوب التعلم والتدريب والتأهيل، حيث تدرج الاعتماد على التقنية وتفاوت مقداره إلى أن تم الوصول مؤخرًا إلى صيغة جديدة توازن بين ما هو تقليدي (يعتمد على التفاعل الشخصي المباشر)، وبين ما هو تقني (يعتمد على التفاعل غير المباشر)، واستثمار فوائد كل منهما، ومن أجل ذلك، تعتمد الأكاديمية السلطانية على منهجية تمزج بين خصائص كل من التّعلم الصفي التقليدي والتّعلّم الرقمي في نموذج متكامل، يستفيد من التقنيات والميزات المتاحة لكل منهما.

المساحات التشاركية

وأشار الدكتور علي اللواتي إلى أن المساحات التشاركية لها بصمة كبيرة في البرامج المنعقدة في الأكاديمية، حيث إنها تستند على منهج علمي حديث في التطوير بشكل عام، وتتيح هذه المساحات التشاركية التفاعل بين الأشخاص بما يكسب الفرد المزيد من الخبرة، ويحقق التفاعل المهني والمجتمعي الذي بدوره يجلب أيضا مشاركة الأفكار التي يمكن استخدامها لتحسين الأعمال وتطوير الفرد، مؤكدًا أن التجربة العملية التي طبقتها الأكاديمية السلطانية للإدارة أثبتت أن العمل في هذه المساحات التشاركية قد نجح بشكل ملحوظ في تجسير المسافات بين المستويات الإدارية المماثلة من مختلف المؤسسات، وكذلك بين المستويات الإدارية القيادية والتنفيذية، وهو ما يقود لأمرين الأول يحقق التقارب بين القيادات العليا في المؤسسات المختلفة بما يعزز التعاون المشترك بينها في الحياة العملية الفعلية خارج ساحات التدريب، والثاني يُحدث تقاربا ملحوظا بين القيادات الاستراتيجية في المؤسسات وقيادات التنفيذ.

وأضاف: إن هذه المساحات ساعدت على التقارب الأفقي بين المؤسسات وعلى التلاحم الرأسي بين المستويات الإدارية داخل المؤسسة الواحدة، وأسهمت في تفعيل التقارب والانسجام في التصورات والمعالجات بين القطاعات المختلفة في الدولة، وكذا بين الحكومة المركزية من ناحية والإدارة المحلية من ناحية أخرى، حيث كان لهذه الفعاليات أثر ملموس في تسريع إنجاز العديد من الموضوعات، وأفردت مساحات أوسع للنقاش والتفاهم حولها كان يصعب إنجازها بشكل تقليدي عن طريق المكاتبات أو اللجان الرسمية المشتركة.

تعزيز القدرات

وحول الأهداف المتوقعة من عملية ربط المحتوى العالمي لتعزيز قدرات القيادات ومواكبة البرامج التي تعقدها الأكاديمية المحتوى العالمي والسياق المحلي أفاد سعادته أنه من الصعب للغاية في عالم اليوم تصور أن هناك حدودًا فاصلة بين السياق العالمي والسياق المحلي، فالترابط بين ما هو محلي وما هو عالمي بات أمرًا مسلَّما به، ولا يتعارض إطلاقا مع مفهوم الحفاظ على الخصوصية المحلية، وإنما يستدعي أكثر من أي وقت مضى ضرورة استيعاب التطورات العالمية واستحضار أنسبها لرؤيتنا المحلية وخططنا التنموية والتشبع بها وليس مجرد التعرف عليها.

وقال: من أجل ذلك تعمل الأكاديمية «كمنارة» تلتقي عندها مدارس الإدارة المختلفة، من خلال علاقتها القائمة والمتجددة مع كبرى الجهات الأكاديمية العالمية، لاستيعاب التجارب العلمية والعملية الحديثة، ثم تأطيرها ونقلها ضمن السياق المحلي، لتقديم أنسب نماذج التعلم على المستويين الإقليمي والعالمي، مشيرًا إلى أن انفتاح الأكاديمية لا يقتصر على المستوى العالمي فقط، بل تهتم كثيرا بالتعامل مع المؤسسات الوطنية، وتسعى دومًا للاستعانة بالخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات، وهو ما يساعد الأكاديمية على الاتساق أكثر مع السياق المحلي، ومن ناحية أخرى، يدعم اندماج تلك المؤسسات الوطنية مع السياقات العالمية.

الزخم المعرفي

وحول وجود خطة مستقبلية تعمل عليها الأكاديمية من أجل استحداث برامج تخصصية للفئات الأخرى غير القيادية من المؤسسات والجهات قال الدكتور علي: هناك دائما مدرستان في هذا العمل الذي نقوم به، الأولى هي التوسع في استهداف الفئات كافة، والثانية هي التركيز على فئات وفق أولويات، ولعل المدرسة الأولى يزداد فيها عدد المستفيدين، ولكن الزخم المعرفي والتركيز يكون بطبيعة الحال أقل، وتصلح هذه المدرسة في التدريب العام والدورات التقليدية، ويكون مردودها الفعلي على واقع الحال أقل، موضحًا أن الأكاديمية السلطانية للإدارة اختارت المدرسة الثانية، ووفق دراسات للاحتياجات الفعلية واستيعابًا لخطط الدولة التنموية، نركز بشكل أساسي في الوقت الراهن على مستوى القيادات الاستراتيجية وقيادات التنفيذ، بينما لا نغفل الجانب الذي يستهدف الدرجات الوظيفية الأقل ولكن من خلال «برامج تخصصية»، موجهة على نحو دقيق وتتكامل مع الاحتياجات وتعتمد على التعلم المدمج.

وأضاف: إن تركيز الأكاديمية السلطانية للإدارة في هذه المرحلة على مستوى القيادات، هو الحاجة الفعلية للتنمية، واستيعابًا لحقيقة أن تطوير القيادات ينعكس مباشرة على تطوير باقي الهرم الوظيفي بشكل أو بآخر، ويحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

التعلم التنفيذي

وأشار رئيس الأكاديمية السلطانية للإدارة إلى أن الأكاديمية تعمل وفق أحدث مفاهيم وأساليب التعلم التنفيذي وأكثرها نجاعة، من أجل تنمية وتراكم رأس المال البشري بوحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاع الخاص، وباتساق مع أنسب وأحدث المدارس العلمية والعملية، بما يضمن تأطيرًا حقيقيًا للخبرات، ويضمن سلاسة انتقالها لخدمة التطوير الكلي للجهازين الحكومي والخاص.

كما تحرص على استخلاص دواعي التطوير ومجالاته المطلوبة من المشاركين في كل برنامج، من خلال تطوير «ورقة سياسات» التي يتم تداولها مع المسؤولين، من أجل اتخاذ معالجات وتدخلات للتطوير، إلى جانب حرصها على بناء شبكة علاقات إنسانية بين المشاركين في البرامج كافة، بغية توطيد العلاقات الإنسانية بينهم، التي تنعكس على نجاعة الإنجاز بشكل ملموس في الحياة العملية الفعلية، وفي هذا الصدد أنشأت الأكاديمية -باهتمام كبير- مكتبًا للخريجين يُعنى بإدارة العلاقة الممتدة مع المشاركين والحفاظ على التواصل المستمر معهم من خلال الفعاليات والمبادرات، مؤكدًا أن المكتب يعكس نظرة الأكاديمية لمجتمع الخريجين على أنه يمثل «مجتمعا قادرا على إثراء الأفكار وتعزيز المقترحات ورافدًا للمعرفة» في كافة الموضوعات التي نطرحها عليهم، كما تشجع هذه الآلية على أمر غاية في الأهمية، وهو بناء الرغبة والعزيمة لدى الخريجين للمساهمة في المحافل الفكرية والعالمية التي ترتبط مع الأكاديمية، وهو ما يعزز التواجد العماني في هذه المحافل ويدعم قوة عمان الناعمة.

وأضاف: تتبع الأكاديمية منهجا رصينا في تقييم التدريب وصولًا إلى قياس أثره، وبرغم صعوبة ذلك؛ لأن إحداث الأثر الفعلي للتدريب يخضع لعوامل عديدة ومتداخلة، وليس فقط تقديم التدريب، وكون علاقة التدريب بالأثر ليست علاقة أحادية وإنما علاقة مركبة تقتضي تضافر أطراف تلك العلاقة كافة مع الأكاديمية؛ لذا، تقوم الأكاديمية بتقييم برامجها التطويرية، بينما تقتصر دراسات قياس أثر التدريب على بعض البرامج النوعية وفق منهجيات معتمدة.

مشاركة الخبرات

وحول وجود العديد من القيادات المختلفة من جميع المؤسسات الحكومية والخاصة التي تسهم في توسع الأفكار ومشاركة الخبرات أوضح سعادته قائلا: إننا نؤمن في الأكاديمية السلطانية للإدارة بأن العنصر الأساسي في عملية التنمية هو القدرة الحقيقية على توليد الأفكار وتناقل الخبرات وانتقالها إلى حيز التنفيذ والتحقق، كما نؤمن بأن القطاعين الحكومي والخاص هما المحرك الرئيس الدافع لعجلة التنمية المستدامة، لذلك فإننا ننظر إلى التقارب بين قيادات القطاعين نظرة تتسق مع التوجهات الاستراتيجية للدولة، سواء قيادات القطاع الحكومي وحدها، أو قيادات القطاع الخاص سويا، أو كلاهما معًا، بما يعني أننا نتحرك في هذا الأمر على ثلاثة مسارات لكل منها أهميته.

ولتحقيق ذلك، قامت الأكاديمية بتصميم برامج وفعاليات في كل مسار من المسارات الثلاثة بما يضمن تحقيق الاستفادة الكبرى من توليد الأفكار، وتبادل الخبرات وتفهم المواقف، كما تقوم الأكاديمية بتصميم مسارات خاصة، وفق الأولويات الوطنية، مثل مسار قيادات الإدارة المحلية، ومسار القيادات الاقتصادية؛ وذلك لإيجاد مساحات تقارب بين القيادات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأکادیمیة السلطانیة للإدارة الجهاز الإداری للدولة من خلال وهو ما من أجل إلى أن

إقرأ أيضاً:

أمير قطر: دار الأوبرا السلطانية جسر للتواصل الحضاري والثقافي والفني مع العالم

مسقط - العُمانية

قام حضرةُ صاحبِ السُّموّ الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أميرُ دولة قطر اليوم بزيارة إلى دار الأوبرا السُّلطانية مسقط في إطار زيارة "دولةٍ" يقوم بها سُموّهُ إلى سلطنة عُمان.

وتجوّل سُموُّه في أرجاء الدّار واستمع إلى شرحٍ موجز عن أقسامها ومرافقها وطبيعة العروض التي تقدّمها ومواسمها وبرنامجها على مدار العام.

واطلع سُموّهُ خلال تجواله على الثراء المعماري الذي يتميّز به التصميم الهندسي للدار، ويبرز فيه الإرث الثقافي المعماري العُماني ممزوجًا بالثقافة المعمارية من قارات العالم المختلفة.

وبمناسبة زيارة سُموّ الشيخ أمير دولة قطر للدار، قدمت دار الأوبرا السُّلطانية مسقط عرضًا موسيقيًّا أحياه فريق الإنشاد الحماسي والفرقة الفولاذية والسرية الأولى بموسيقى الحرس السُّلطاني العُماني.

وفي ختام زيارته للدّار قام سُموُّه بتسجيل كلمة في سجلّ كبار الزوار عبّر فيها عن سعادته بزيارة دار الأوبرا السُّلطانية مسقط، واصفًا إيّاها بأنها جسرٌ للتواصل الثقافيّ والحضاريّ والفنيّ مع مختلف دول العالم.




 

مقالات مشابهة

  • نهلة الصعيدي: المرأة القوية التي تحسن تربية الأبناء وتقدر على صنع المستحيل
  • رئيس الأكاديمية المالية : الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل سوق المواهب العالمية
  • الرقابة المالية: تطوير وتحديث شامل لمعايير المحاسبة المصرية لمواكبة الممارسات العالمية
  • رئيس «الرقابة المالية»: تطوير معايير المحاسبة لمواكبة الممارسات العالمية
  • أمير قطر: دار الأوبرا السلطانية جسر للتواصل الحضاري والثقافي والفني مع العالم
  • معلومات الوزراء يستعرض تقرير "توسيع الشراكات العالمية لتعزيز قدرة إفريقيا وتطلعاتها"
  • معلومات الوزراء يستعرض تقرير «بروكينجز» حول توسيع الشراكات العالمية لتعزيز قدرة إفريقيا
  • منصور بن محمد: القيادات الوطنية لبنة أساسية في بنيان الإمارات
  • ما البنود الإنسانية التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
  • عاجل| رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري تلقى اتصالا من وزير الخارجية الأميركي بحثا فيه التطورات في غزة وسوريا ولبنان