اعتمدت سلطنة عمان خططا طموحة لتصبح واحدة من أكبر منتجي الهيدروجين النظيف على مستوى العالم، واتخذت خطوات عملية في هذا الشأن، حيث صدر المرسوم السلطاني في فبراير الماضي رقم 10/ 2023 الذي يقضي بتخصيص أراضٍ لأغراض تطوير مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، بما يتواكب مع استراتيجية سلطنة عمان في تحقيق تطلعات الطاقة البديلة والأهداف الأخرى لـ«رؤية عُمان 2040».

واتخذت سلطنة عمان خطوات مهمة نحو تسريع إجراءات تنظيم قطاع الهيدروجين، ووضع الأطر القانونية والسياسات اللازمة لنموه، وتخصيص المواقع المناسبة لإنتاجه تعزيزًا لجذب الاستثمارات، لما للهيدروجين من استخدامات واسعة تسهم في تنويع مصادر الطاقة، وخفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز النمو الاقتصادي، في خطوة مهمة وإيجابية لتحقيق الحياد الصفري الكربوني الذي سيسهم في تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والحد من تداعيات تغير المناخ.

ويعتبر التسارع الملحوظ في الإعلان عن المشروعات الجديدة، مؤشرا مهما على جاذبية بيئة الاستثمار وجدية سلطنة عُمان في سعيها لتثبيت حضورها كمركز عالمي في قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر كجزء من استراتيجيتها نحو التحول في الطاقة.

وعززت سلطنة عمان مكانتها في مشروعات الهيدروجين الأخضر عبر توقيعها على عدد من المشروعات لإنتاج 750 ألف طن في العام من الهيدروجين الأخضر بقيمة استثمارية تقدر بثلاثين مليار دولار في مرحلة المزايدات الأولى، مع طرحها لـ3 مناطق امتياز بمحافظة ظفار وفق مرحلة المزايدات الثانية والمتوقع إسنادها بنهاية الربع الأول 2024، وصولًا لخططها المستقبلية لإنتاج أكثر من مليون طن في عام 2030 و8 ملايين طن في عام 2050.

ويمثل تنامي قطاع الهيدروجين كطاقة نظيفة أهمية استراتيجية في خطة وزارة الطاقة والمعادن للتحول في الطاقة، خاصة في البعدين الاقتصادي والمناخي، فضلًا عن الدور الذي ستكون له أهمية في تأمين الطاقة عالميا، ويمثل التعاون والتنسيق مع الخبرات الدولية بعدًا أساسيًا يسهم في تطوير الجانب العلمي والتقني وجلب الاستثمارات.

وتمتلك سلطنة عمان مقومات في تخزين الهيدروجين تحت الأرض، بفضل الموارد الجيولوجية مثل القبب الملحية وتكوينات الصخور المسامية، التي يمكن أن تكون هذه الاستثمارات مدخلًا لاستخدام الطاقة المتجددة في إنتاج الهيدروجين والتقليل من الانبعاثات الكربونية، مما يمنح سلطنة عمان دورًا إقليميًا مهمًا في مجال تخزين الهيدروجين تحت طبقات الأرض.

وتعمل وزارة الطاقة والمعادن على ترسيخ مكانة سلطنة عمان في الاضطلاع بدور ريادي وموثوق على المستوى العالمي في هذا القطاع، من خلال وضع خطط استراتيجية للتحول في الطاقة للحدّ من انبعاثات الكربون وتحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والحد من تداعيات تغيّر المناخ والاستفادة من التكنولوجيا النظيفة، وتنويع مصادر الطاقة تماشيًا مع الخطوات المتخذة لتحقيق الحياد الصفري الكربوني عام 2050.

وأشارت الاستراتيجية الوطنية لسلطنة عُمان إلى الانتقال المنظم إلى الحياد الصفري -أحد مخرجات مختبر إدارة الكربون في أكتوبر عام 2022م- إلى أن التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه سيسهم بما يقارب 15 بالمائة من خفض إجمالي الانبعاثات المحلية في سبيل الوصول إلى الحياد الصفري في سلطنة عُمان بحلول عام 2050.

وتواصل سلطنة عمان جهودها لإيجاد حلول عملية للحد من الانبعاثات الكربونية، وتمكين المبادرات والمشروعات المستقبلية المرتبطة بمجال التقاط الكربون وإنتاج الهيدروجين الأزرق من خلال تكوين بيت خبرة متخصص من أجل عمل تقييم «تكنو-اقتصادي» شامل في سلطنة عُمان، والإسهام في تطوير الإطار التنظيمي والاستراتيجيات اللازمة للنهوض بهذا القطاع.

وحازت سلطنة عمان على المرتبة الأولى على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والسادس عالميًّا في مؤشر «تنظيم الطاقة المتجددة»، وفقًا لمنظمة «رايز» المعنية بالسياسات الوطنية والأطر التنظيمية للطاقة المستدامة التابعة للبنك الدولي.

وتبذل سلطنة عمان ممثلة بوزارة الطاقة والمعادن جهودا متواصلة لإقامة الشراكات المحلية والدولية التي تسهم في تحقيق توجهاتها نحو الطاقة الخضراء حسب الاستراتيجية الوطنية للانتقال المنظم إلى خطة الحياد الصفري، وبدأت فعليًّا في العمل على مشروعات الطاقة النظيفة من خلال إطلاق حزم الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، حيث وقّعت سلطنة عُمان ممثلة بوزارة الطاقة والمعادن في أغسطس 2023م على مذكرة تفاهم في مجال التحول الأخضر مع جمهورية كوريا ممثلة بوزارة البيئة.

ووقّعت وزارة الطاقة والمعادن في الثامن من نوفمبر الجاري على مذكرة تعاون في مجال التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه وتطوير الهيدروجين الأزرق في سلطنة عُمان مع كل من شركة تنمية نفط عُمان، و«شل عُمان»، وأوكيو لشبكات الغاز، وأوكسيدنتال؛ لتكوين بيت خبرة يسهم في تطوير الإطار التنظيمي والاستراتيجي في هذا المجال.

ويأتي توقيع هذه المذكرة ضمن المبادرات التي تقودها الحكومة لتوظيف تقنيات التقاط الكربون وإنتاج الهيدروجين الأزرق في تحقيق مستهدفات استراتيجية سلطنة عُمان للتحول في الطاقة، والإعلان عن التزام سلطنة عُمان بتحقيق الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050.

وتعد تكنولوجيا التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه من الحلول الواعدة لتقليل الانبعاثات الكربونية والوصول للحياد الصفري الكربوني خاصةً في قطاعات إنتاج النفط والغاز والصناعات ومحطات توليد الكهرباء المعتمدة على الوقود الأحفوري.

وتماشيا مع الجهود العالمية في مجال الطاقة الهادفة إلى تحقيق الحياد المناخي افتتح في السادس من نوفمبر الجاري محطة الطاقة الشمسية لتحلية المياه، حيث تتجاوز قدرتها السنوية على إنتاج الكهرباء الخضراء والمتجددة الـ32 ألف ميجاواط في الساعة.

وتشكّل المحطة خطوة مهمة تندرج في إطار الجهود الرامية إلى إزالة الكربون في المنطقة، حيث ستسهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا بمعدل يناهز الـ27.2 ألف طن، أي ما يعادل الانبعاثات الناتجة عن حوالي 6000 مركبة تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي خلال الفترة نفسها.

وتسهم المحطة بشكل كبير في توفير الأمن المائي بسلطنة عمان وتطبيق الاستراتيجية الوطنية للطاقة التي تقوم على إنتاج 30% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وهذا أحد أهداف «رؤية عُمان 2040».

وفي مايو 2023م شاركت سلطنة عمان ممثلة في وزارة الطاقة والمعادن بالتنسيق مع سفارة سلطنة عُمان في مملكة نيذرلاند في أعمال القمة العالمية للهيدروجين التي أقيمت في مدينة روتردام بمملكة نيذرلاند، لمناقشة التطورات الأخيرة في تكنولوجيا الهيدروجين وتطورات السياسات والأطر التنظيمية لهذا القطاع، وفرص الاستثمار والتمويل للمشروعات المرتبطة به.

كما وقّعت وزارة الطاقة والمعادن مع وزارة الطاقة البلجيكية في مايو 2023م اتفاقية المشروع التجريبي لشهادات الهيدروجين الأخضر لمشروع «هايبورت الدقم»، وذلك بالعاصمة البلجيكية بروكسل.

وتهدف الاتفاقية إلى تقييم جاهزية استيفاء مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر بسلطنة عُمان لاشتراطات الاتحاد الأوروبي ذات العلاقة، بما يمهد لتصدير الهيدروجين الأخضر مستقبلًا للأسواق الأوروبية.

وخلال أكتوبر الماضي تم التوقيع على 6 اتفاقيات ومذكرات تفاهم لمشروعات في قطاع الصناعات الخضراء بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم ضمن أعمال منتدى الدقم الاقتصادي، وشملت الاتفاقيات تخصيص أرض بمساحة 150 كيلومترا مربعا بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لمشروع تحالف هايبورت الدقم لتوليد الطاقة الخضراء بحجم يتراوح بين 250 و500 ميجاواط عبر موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ لتحويلها إلى مشتقات الهيدروجين مثل الأمونيا وغيرها من المنتجات الثانوية.

كما تضمنت اتفاقيتا حق الانتفاع للمرحلة الأولى والثانية لمشروع هايبورت الدقم تطوير الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في الموقع المخصص لمشروعات الطاقة البديلة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.

ويتواكب مشروع هايبورت الدقم مع استراتيجية سلطنة عمان في تحقيق تطلعات الطاقة البديلة والأهداف الأخرى لـ«رؤية عُمان 2040».

وسيتم تطوير المشروع على مساحة 150 كيلومترًا مربعًا وهو مصمم لإنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية بقدرة طاقة متجددة مجتمعة تبلغ حوالي 1.3 جيجاواط للمرحلة الأولى وحوالي أكثر من 2.7 جيجاواط في المرحلة الثانية.

كما وقعت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة وشركة ميناء الدقم وشركة شل للتنمية عُمان (شل عُمان) مذكرة تفاهم بشأن رغبة الشركة في توطين مشروع الهيدروجين الأخضر الأزرق والتخلص من الكربون الناتج، وتنص المذكرة على إعداد خطة رئيسية لاستكشاف مجالات الاستثمار الممكنة في قطاع الطاقة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم وبما يتماشى مع خطط سلطنة عُمان للحياد الصفري بحلول عام 2050 و«رؤية عُمان 2040».

وشملت الاتفاقيات مذكرة تفاهم لاستثمارات الطاقة البديلة لمشروع إنشاء مصنع لإنتاج مشتقات الهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وإنشاء مصنع لإنتاج الأمونيا وتصديرها ضمن خطتها لتصدير 150 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويا، وإقامة مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء ومشتقات الهيدروجين الأخضر في صناعات الشق السفلي، كما أبرمت شركة فولكن للحديد الأخضر، شراكة مع سلطنة عمان؛ لإحداث ثورة في صناعة الحديد العالمية وتسريع التحول إلى التقنيات الخضراء باستثمارات تقارب 3 مليارات دولار، ويتضمن هذا التعاون ثلاث اتفاقيات رئيسية موقعة بين شركة فولكن للحديد الأخضر وميناء الدقم وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.

وفي سبتمبر الماضي وقعت وزارة الطاقة والمعادن مذكرتي تفاهم مع شركة «إيدن جيوباور» الأمريكية ومركز استشارات علوم الأرض العماني، من أجل تسيير النقاشات العلمية حول إجراء دراسات أولية شاملة لمعرفة الإمكانات والفرص لاستكشاف الهيدروجين الجيولوجي وتحديد مواقع لإجراء البحوث التجريبية بالتنسيق مع الوزارة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المنطقة الاقتصادیة الخاصة بالدقم وزارة الطاقة والمعادن الانبعاثات الکربونیة الهیدروجین الأخضر إنتاج الهیدروجین الطاقة البدیلة التقاط الکربون الحیاد الصفری تحقیق الحیاد سلطنة عمان فی الطاقة بحلول عام فی تحقیق فی مجال فی قطاع عام 2050 مان فی

إقرأ أيضاً:

هل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية تغيِّر مسار مستقبل المهن والوظائف في سلطنة عمان؟

يشهد سوق العمل في سلطنة عمان تحولات كبيرة نتيجة التغيّرات الاقتصادية والتطورات التكنولوجية المتسارعة، مما يجعل التوظيف واستدامة فرص العمل من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، وبرزت الحاجة إلى تهيئة بيئة عمل متكاملة تواكب مستهدفات رؤية عمان 2040، وتعزز دور القطاع الخاص في استيعاب القوى العاملة الوطنية.

ومع تسارع هذا التحول الرقمي وانتشار الذكاء الاصطناعي، باتت طبيعة الوظائف تتغيّر، حيث أصبحت المهارات التقنية والتحليلية والتخصصات المتقدمة من أهم العوامل التي تحدد فرص التوظيف، وتستطلع (عُمان) الآراء والتوقعات حول مستقبل الوظائف والمهن في سلطنة عمان.

أكد سعادة الدكتور عبدالعزيز بن راشد الهاشمي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى أن توظيف القوى العاملة الوطنية يشكل عاملا أساسيا في تحقيق التنمية والازدهار؛ إذ تساهم الكوادر الوطنية في عمليات الإنتاج ودفع عجلة النمو الاقتصادي، موضحا أن الدولة تعمل على تنفيذ العديد من البرامج التنفيذية وفق مستهدفات رؤية عُمان 2040، بما يراعي الاستدامة، الجوانب الاجتماعية، وتوفير فرص العمل، مشيرًا إلى أن سوق العمل يخضع لمعادلة العرض والطلب، حيث يمثل العرض الباحثين عن عمل وفق تخصصاتهم وخبراتهم، فيما يعتمد الطلب على القوى العاملة على حجم الاقتصاد وهيكل النشاط الاقتصادي واحتياجاته.

وأضاف الهاشمي أن النمو في القطاع الحكومي محدود، مما ينعكس على محدودية الفرص الوظيفية المتاحة فيه، ما يستدعي تعزيز دور القطاع الخاص في توظيف الباحثين عن عمل، وهنا تبرز مسؤولية الدولة في توفير بيئة داعمة لنمو واستدامة القطاع الخاص من خلال تشريعات وقوانين تحفز الاستثمار وتطور البنية التحتية، إضافةً إلى تنفيذ برامج التنويع الاقتصادي في قطاعات الأمن الغذائي، الصناعات التحويلية، اللوجستيات، التعدين، السياحة، والاقتصاد الأخضر، فضلًا عن دعم ريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بما يعزز مساهمة هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي ويوفر فرص عمل متزايدة.

مبادئ التنافسية والربحية

وأشار الهاشمي إلى أن القطاع الخاص قائم على مبادئ التنافسية والربحية، وبالتالي فإن التوظيف فيه يخضع لمعايير تشمل التخصص، المستوى العلمي، المهارات الشخصية والتخصصية، والخبرة العملية، مؤكدا أن على الدولة مسؤولية تطوير التعليم بمختلف مراحله لضمان توافق التخصصات مع متطلبات سوق العمل، إلى جانب إعداد كوادر تتمتع بالمهارات اللازمة لتعزيز الإنتاجية، وفي المقابل، يقع على عاتق القطاع الخاص مسؤولية تدريب القوى العاملة التي يستقطبها، وتنمية قدراتها المهنية، وتهيئتها لمواكبة متطلبات العمل وتعزيز مساراتها الوظيفية.

وفي ظل التحديات المرتبطة بارتفاع أعداد الباحثين عن عمل مقابل محدودية الفرص في سوق العمل، شدد الهاشمي على أهمية تدخل الدولة عبر أدوات فعالة، مثل برامج التدريب والإحلال، وتحفيز القطاع الخاص من خلال زيادة الإنفاق وتقديم التسهيلات اللازمة، بما يضمن استقرار سوق العمل ويوفر فرصًا وظيفية مستدامة.

وأكد الهاشمي أن التحول الرقمي المتسارع والانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي يشكلان تحديًا كبيرًا لمستقبل التوظيف، حيث تؤدي التقنيات الحديثة وأتمتة العديد من العمليات إلى تقليل الحاجة إلى القوى العاملة في مختلف القطاعات. ولمواجهة هذه التحديات، دعا إلى تطوير التشريعات والأنظمة بسرعة ومرونة، وتحديث المناهج التعليمية والتدريبية، مع التركيز على التخصصات المرتبطة بتقنية المعلومات، والاقتصاد الرقمي، بما يضمن استمرارية النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل مستقبلية للباحثين عن عمل.

مستقبل المهن والوظائف

أكد الأستاذ الدكتور محمد بن زاهر العبري، أستاذ هندسة النفط والكيمياء بجامعة السلطان قابوس ومدير مركز أبحاث تقنية النانو أن مستقبل المهن والوظائف في سلطنة عمان يشهد تحولا جذريا بفعل التطورات التكنولوجية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والإنترنت والرقمنة، موضحا أن سوق العمل لم يعد يعتمد فقط على العمالة التقليدية، بل أصبح التركيز الأكبر على المهارات العقلية والفكرية والتخصصات المتقدمة، مما يستدعي التركيز على الدراسات المتعمقة والتدريب على المهارات الحديثة.

وأوضح العبري أن القطاعات الأكثر نموًا في سوق العمل العماني تشمل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية والطاقة النظيفة، خاصة مشاريع الهيدروجين الأخضر وتقنيات خفض الانبعاثات الكربونية، وذلك تماشيًا مع التوجهات العالمية والتزامات سلطنة عمان في تحقيق أهداف الاستدامة.

وحول تأهيل الشباب العماني لسوق العمل المستقبلي، أكد العبري أن هناك حاجة إلى مواءمة التعليم مع متطلبات السوق، مشيرا إلى أن التغيير جارٍ بالفعل في المؤسسات الأكاديمية، لكنه بحاجة إلى وتيرة أسرع لمواكبة التطورات المتسارعة، مشددا على أهمية التعلم الذاتي وتطوير المهارات الشخصية، حيث لم يعد التعليم الجامعي وحده كافيًا، بل يتطلب الأمر تطوير القدرات الشخصية، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات والتكيف مع المتغيرات.

وفيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، أوضح العبري أن تأثيره يعتمد على ما إذا كانت السلطنة ستتجه نحو إنتاج وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي محليا، أم ستكتفي فقط باستخدامها، فإذا تمكنت عمان من الاستثمار في توطين وتصنيع الذكاء الاصطناعي، فسيؤدي ذلك إلى خلق فرص عمل متقدمة تتطلب مهارات عالية، وإذا اقتصر الأمر على استيراد التقنية واستخدامها، فقد يحد ذلك من فرص الابتكار والنمو الوظيفي.

وأكد العبري أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة مع اعتماد القطاع الخاص في عمان بشكل كبير على تقديم الخدمات بدلا من التصنيع والإنتاج، لافتا إلى أن تعزيز الإنتاج المحلي والقطاعات التكنولوجية المتقدمة سيكون مفتاحا لخلق وظائف نوعية مستدامة في المستقبل.

مستقبل المهن

أوضح الدكتور قيس بن داؤود السابعي، مستشار قانوني وخبير اقتصادي وعضو بالجمعية الاقتصاد العمانية أن الوظائف ومستقبل المهن في سلطنة عمان والعالم بشكل عام يشهد تحولات كبيرة في ظل التطور السريع الذي يشهده العالم، مشيرا إلى أن هذه الوظائف أصبحت جزءا أساسيا ومحوريا في عملية التنمية والتقدم، بل وفي توفير الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبشرية، موضحا بأننا نشهد تطورا متسارعا في شتى المجالات، حيث كان الناس في الماضي يعتمدون على الأجهزة التكنولوجية البسيطة والهواتف النقالة، بينما أصبح اليوم قطاع التكنولوجيا، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي، الأتمتة، الخوارزميات، الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي هي المحور الأساسي لحياة المجتمع الحالي.

وأشار السابعي إلى أنه سيكون هناك طلبا متزايدا على الوظائف التي تتطلب مهارات فنية وتقنية، مثل التسويق الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، الأتمتة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء بالإضافة إلى مجالات مثل الطاقة المتجددة والأمن السيبراني والرقمنة، وسيكون هناك طلب على متخصصين في تحليل البيانات، تطوير مواقع الويب، تصميم الأيقونات الإلكترونية، وتوثيق المواقع. وأضاف أن هذه التحولات تتأثر أيضا بالمتغيرات العالمية؛ كالعرض والطلب وتقلبات الأسعار للمواد الاستهلاكية وسلاسل الإمداد والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى التغيرات الجيوسياسية.

ويلاحظ السابعي بأنه على الرغم من التطور التكنولوجي الكبير، فهناك وظائف بشرية حقيقية لا يمكن الاستغناء عنها، مثل مهنة الطب البشري، فإنه من غير المتوقع أن يكون البشر في الشرق الأوسط أو الدول النامية مستعدين لقبول العلاج من قبل روبوتات أو تقنيات مشابهة، لافتا إلى أن الاختلافات الثقافية تؤدي دورًا كبيرًا في تحديد الوظائف المطلوبة، حيث تُصنف بعض الوظائف على أنها تقليدية أو دنيا وأخرى على أنها عليا، ولكن المستقبل يتجه نحو الوظائف التي تعتمد بشكل أساسي على تقنية المعلومات، وفي الوقت الحالي لا توجد وظيفة يمكن ممارستها دون الإلمام بأساسيات التكنولوجيا، سواء في القانون، الطب، الشركات أو أي مجال آخر، فمن الضروري أن تكون لدى الشخص معرفة بأساسيات استخدام الحاسب الآلي، مثل إتقان برامج "إكسل" و"وورد"، وفتح وإرسال البريد الإلكتروني، واستخدام الإنترنت ومواقع الويب، فقد أصبحت على الأقل هذه المهارات أساسية وضرورية في سوق العمل اليوم.

وشدد السابعي على أهمية تفعيل مادة تقنية المعلومات بشكل أكبر وأعمق مع إلمام الطلبة بالجوانب المتطورة والمتعلقة بهذه المادة في كل المراحل الدراسية، كجزء من مناهجهم الدراسية في جميع التخصصات لتعريف الطلبة بتقنيات المعلومات والبرمجيات الحديثة، بالإضافة إلى أهمية عمل حلقات تدريبية للباحثين عن عمل والموظفين العاملين لإثراء معرفتهم وتثقيفهم ليتمكنوا من مواكبة التحولات التكنولوجية العالمية.

ريادة الأعمال

كما اقترح السابعي أهمية وجود مادة متعلقة بالاقتصاد والاستثمار وريادة الأعمال، حيث أوضح السابعي أن ريادة الأعمال ستؤدي دورا كبيرا في تقليل البطالة في سلطنة عمان، حيث يشكل القطاع الخاص العامل الأساسي في دفع الاقتصاد الوطني، داعيا إلى أهمية توسيع قاعدة القطاع الخاص ودعمه من قبل الحكومة لتعزيز قدرة هذا القطاع على توفير المزيد من فرص العمل.

وفيما يتعلق بتأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على سوق العمل، قال السابعي: "نعم، ستتأثر الوظائف التقليدية، وسيقل الطلب عليها بشكل تدريجي بسبب التحول نحو التكنولوجيا الحديثة والأتمتة". وأوضح أن تطبيقات التكنولوجيا مثل التجارة الإلكترونية والمصارف الرقمية قد تسببت في تقليص عدد الموظفين في العديد من الشركات.

وأوضح السابعي أن العائق الأكبر أمام الباحثين عن العمل في سلطنة عمان هو تباين الوظائف المتاحة وعدم التناسب مع المتطلبات الحالية لسوق العمل، إلى جانب تأثير الظروف الاقتصادية والجيوسياسية على توافر الفرص.

وأكد السابعي أن التحديث المستمر في المهارات المهنية لمواكبة التطورات التكنولوجية أصبح ضروريا لضمان النجاح في سوق العمل، وأن العمل على تحديث المناهج وتطوير المهارات الرقمية سيكون له دور كبير في تقليل البطالة وتحسين الأداء الاقتصادي في السلطنة.

التقنيات الحديثة

أكد المهندس سعيد بن عبدالله المنذري، الرئيس التنفيذي لمجموعة إذكاء التابعة لجهاز الاستثمار العماني أنه بحكم عمله في مجال التكنولوجيا فإن سوق العمل المستقبلي سيشهد تحولات جوهرية، حيث ستزداد الحاجة إلى التخصصات المرتبطة بالتقنيات الحديثة، لا سيما في مجالات تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، والبرمجة، موضحا أن العديد من الوظائف التي بها تراتبية سوف ستتلاشى لصالح الأنظمة المؤتمتة والروبوتات، مما يستدعي توفير كوادر قادرة على تطوير هذه التقنيات وإدارتها، مبينًا أننا لن نشهد انخفاضا في الوظائف وإنما سيكون هناك تغيير في نوعية الوظائف.

وأشار المنذري إلى أن هذه التحولات تصب في مصلحة سلطنة عمان، إذ يمكن تهيئة الكوادر الوطنية والباحثين عن عمل لتلبية متطلبات سوق العمل المستقبلي، خصوصًا في مجالات التقنية وعلوم البيانات، بينما ستتراجع الحاجة إلى الوظائف ذات المهارات المحدودة وستستبدل بالتقنية.

وحول آليات تأهيل الشباب العماني لسوق العمل الجديد، أوضح المنذري أن هناك مسارين أساسيين: الأول يركز على إعداد الناشئة وخريجي التخصصات التقنية من خلال تعزيز مهاراتهم في مجالات تكنولوجيا المعلومات والوظائف المستقبلية، فيما يتمثل المسار الثاني في دعم رواد الأعمال لإنشاء شركات تقنية ناشئة، مما يسهم في تعزيز ريادة الأعمال وخلق فرص جديدة في السوق.

وفيما يتعلق بالمهارات التي تبحث عنها الشركات عند توظيف الكوادر الجديدة، شدد المنذري على أهمية المهارات التطبيقية إلى جانب المؤهلات الأكاديمية، مؤكدًا أن سوق العمل المستقبلي لن يعتمد فقط على المعرفة النظرية، بل سيتطلب مهارات كفنون التواصل والقدرة في التعامل مع الآخرين والعمل ضمن فريق وحل المشكلات بالإضافة إلى المهارات الفنية المتخصصة في المجالات التقنية، مما يجعل الشهادات المهنية والتقنية ذات أهمية متزايدة.

كما أكد المنذري على ضرورة تحديث المناهج الدراسية لتواكب متطلبات سوق العمل المستقبلي، مشيرًا إلى أهمية إدراج برامج ريادة الأعمال والتقنيات الحديثة في مراحل التعليم الأساسي، بالإضافة إلى تعزيز الجانب العملي في التعليم الجامعي ودمجه بشكل وثيق مع القطاعات الاقتصادية المتنوعة في السلطنة، بما يسهم في إعداد خريجين قادرين على تلبية احتياجات السوق بكفاءة.

وحول التحديات التي يواجهها الشباب العماني في الحصول على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية، لفت المنذري إلى أن بطء النمو الاقتصادي في بعض الفترات وتأخر تنفيذ المشاريع قد يؤثران على سرعة الطلب على الكوادر البشرية، إلا أن التحسن الاقتصادي يسهم بشكل مباشر في توفير المزيد من الفرص الوظيفية.

وأكد المنذري بأنه قد يدّعي البعض أن القدرات لا تتواكب مع المتطلبات، ولكن من خبرتنا في التعامل مع خريجي الكليات التقنية، بأن الخريجين يحتاجون لفترة وجيزة لتهيئتهم لسوق العمل، وهذا الوقت القصير قد يؤتي ثماره لإيجاد كوادر قادرة جدا على أداء مهامهم بكفاءة. وفي هذا السياق، أوضح أن مجموعة إذكاء أطلقت عدة برامج لتعزيز مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، من بينها برنامج "تمكين"، الذي يستهدف خريجي الجامعات من خلال إلحاقهم بتجربة عملية مكثفة، تمتد من 6 إلى 12 شهرًا؛ بهدف سد الفجوة بين الجوانب الأكاديمية والتطبيقية، مما يسهم في تسريع اندماجهم في بيئة العمل الحقيقية.

مقالات مشابهة

  • أصدقاء المغرب الكبار يدخلون الصحراء المغربية بإستثمارات قياسية غير مسبوقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر
  • رئيس الحكومة: المغرب أصبح مركزا إقليميا للطاقة الخضراء
  • انتقاء 5 مستثمرين لإنجاز 6 مشاريع الهيدروجين الأخضر في 3 جهات بالأقاليم الجنوبية
  • هل تنجح أوروبا في إنقاذ صناعتها الثقيلة وتسريع نشر الطاقة النظيفة؟
  • هل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية تغيِّر مسار مستقبل المهن والوظائف في سلطنة عمان؟
  • نواب البرلمان: الهيدروجين الأخضر مفتاح مصر لتعزيز الاقتصاد وريادة الطاقة النظيفة عالميًا
  • إيفلين متى: مشروع الهيدروجين الأخضر يعيد تشكيل الصناعة المصرية
  • برلماني: مشروع الهيدروجين الأخضر يعزز مكانة مصر الاقتصادية عالميًا
  • مدبولي يستعرض مشروعا مقترحا لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بخليج السويس
  • سلطنة عمان تحقق إنجازا طبيا بفصل توأم سيامي