ضرب مطاحن غزة.. وقائع حرب التجويع الإسرائيلية للفلسطينيين
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
ضمن حملتها الواسعة ضد قطاع غزة، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا مطاحن السلام في دير البلح وسط القطاع، وأسفر القصف عن تدمير صوامع الدقيق والقمح مثلما أدى إلى خروج المطحنة من الخدمة، وبعدها ألحقت أضرارا كبيرة بمطاحن خان يونس، أكبر مخازن الدقيق في غزة، ما فاقم من الأزمة الغذائية والإنسانية. يُذكر أن مطاحن السلام هي شركة مساهمة محدودة، وتعود فكرة إنشائها إلى عام 2000 بهدف توفير الدقيق للقطاع والاستغناء عن إسرائيل، وبدأت المطاحن بالإنتاج الفعلي عام 2002 بقدرة إنتاجية بلغت 120 طنا/24 ساعة، قبل تطويرها ووصول القدرة الإنتاجية إلى 400 طن في الوقت الحالي (1) (2).
هذا وقد أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، أن الحصول على الخبز في قطاع غزة بات يُشكِّل تحديا بالغا، وأن المطاحن في غزة غير قادرة على طحن القمح بسبب نقص الوقود والكهرباء. وأشار المرصد إلى أن الاحتلال قصف ودمّر 11 مخبزا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فيما يصطف السكان لساعات طويلة أمام المخابز المتبقية ويتعرضون للغارات الجوية من أجل الحصول على بضعة أرغفة من الخبز.
ويذكر المرصد أيضا أن الاحتلال سمح بدخول نحو 2% فقط من المساعدات والإمدادات الغذائية إلى غزة من خلال معبر رفح، في حين يتعمد قصف آبار وخزانات المياه ومنها بئر وخزان تل الزعتر في شمالي قطاع غزة، وهما اللذان يغذيان أكثر من 70 ألف شخص في القطاع. ويحذر المرصد من اقتراب مجاعة واسعة النطاق في غزة مع استمرار حرب التجويع الإسرائيلية، التي تشمل تدمير المنطقة الزراعية شرقي غزة وقوارب الصيادين فضلا عن مهاجمة مراكز تموين المنظمات الإغاثية (3).
سياسة الجوع طويل الأمد
سياسة التجويع وإتلاف الأراضي الزراعية لا تُعَدُّ شيئا جديدا في أعراف دولة الاحتلال؛ يذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة أن الاحتلال أتلف قرابة 13500 دونم من الأراضي الزراعية (ما يزيد على 3000 فدان)، منذ بداية انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000 وحتى يوليو/تموز 2001 (خلال نحو 9 أشهر فقط)، وهو ما يُمثِّل 7% من إجمالي المساحة الزراعية آنذاك في القطاع (4).
وتشير التقارير إلى أن طائرات الاحتلال دأبت على رشّ الأراضي الفلسطينية بالمبيدات السامة بانتظام ومنهجية، وبمعدل مرتين سنويا على الأقل، وعادة ما يكون ذلك خلال شهر ديسمبر/كانون الأول لإتلاف المحاصيل الشتوية، ثم في شهر أبريل/نيسان للقضاء على المحاصيل الصيفية (6)، مما أدى إلى تدمير 14 ألف دونم ما بين أعوام 2014-2018. كما ترصد التقارير أثر تلك المبيدات على صحة المزارعين الذين باتوا يعانون من أمراض الصدر والجلد، كذلك نفوق الدواجن والماشية في أعقاب عمليات الرشّ الجوي.
على سبيل المثال، وفي مارس/آذار 2022 وعلى مدار أربعة أيام (5)، ألقت طائرات رشّ المحاصيل الإسرائيلية مبيدات أعشاب في المناطق المحاذية للسياج الممتد من بيت حانون شمال القطاع وحتى رفح جنوبا، بعدما أكدت أعمدة الدخان الأسود التي تُستخدم عادة قبل عملية الرش لتحديد اتجاه الرياح أن الرياح سوف تحمل تلك المبيدات غربا إلى أراضي المزارعين في غزة، فيما أوضح أحد المزارعين أن الطائرات تتوقف فورا عن تنفيذ عمليات الرش الجوي حين تغير الرياح اتجاهها إلى الشرق.
وبشكل مماثل، اعتاد الاحتلال إغراق الأراضي الزراعية في غزة من خلال فتح "عبّارات" مياه الأمطار خلف الشريط الحدودي شرق مدينتي خان يونس ودير البلح جنوب ووسط القطاع، الأمر الذي يتكرر موسميا في فصل الشتاء (7). فيما تذكر دراسة أشرف عليها معهد المياه والبيئة في جامعة الأزهر في غزة (8) أن الاستخدام المفرط للذخيرة إبان قصف القطاع في يوليو/تموز 2014 (الذي بلغ 36 ألف طن من القذائف) تسبب في حدوث 7473 حفرة في المناطق الزراعية، كما أشار تحليل العينات للتربة الزراعية إلى أن القذائف تسببت في زيادة نسبة المعادن الثقيلة، مثل الكروم والكادميوم والنيكل والكوبالت والنحاس، وهي المعادن التي تنتقل من التربة إلى المزروعات ثم إلى الإنسان وتؤدي إلى عدد كبير من الأضرار الصحية، أبرزها تلف الكلى والكبد وهشاشة العظام وأمراض الجهاز العصبي والسرطان والسكري، ويتأثر الأطفال بصورة أكبر حال التسمم بتلك المعادن.
سياسة تقليص السعرات الحرارية
"كيف يحكم إنسان سلطته على إنسان آخر يا ونستون؟ أجابه ونستون: بأن يجعله يقاسي الألم، يجعله يعاني".
جورج أورويل – رواية 1984
وإلى جانب ما يُحدثه التدمير المتعمّد للأراضي الزراعية الفلسطينية من نقص في الموارد وتفشي الأمراض وانتشار سوء التغذية بين السكان (الذي يقدر المرصد الأورومتوسطي أن انتشاره بلغ 90% بين أهل غزة)، فإن أحد الأهداف الرئيسية من إتلاف الأراضي يتمثل في رغبة الاحتلال في الحفاظ على الهيمنة على الأراضي والموارد (9). وبحسب تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى احتكار السيطرة على الأراضي والموارد الطبيعية تزامنا مع السيطرة الديموغرافية، ويدلل التقرير على ذلك من خلال تعهدات رئيس وزراء إسرائيل السابق "إسحاق رابين" عام 1985 (وكان يشغل آنذاك منصب وزير الدفاع) الذي تعهد بـ"أنه لن تكون هناك تنمية للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولن تُعطى تصاريح لتوسيع الأنشطة الزراعية أو الصناعية هناك".
وبالإضافة إلى تاريخ الاحتلال الطويل في إتلاف الأراضي الزراعية، تشير إحدى وثائق وزارة الدفاع الإسرائيلية المنشورة بموجب قرار المحكمة (10) إلى أن جيش الاحتلال أجرى حسابات دقيقة لمعرفة احتياجات سكان غزة من السعرات الحرارية يوميا خلال حصاره الأراضي الفلسطينية ما بين عامي 2007-2010، وكان ذلك بغرض تقييد كميات الطعام وتحديد الإمدادات الغذائية للضغط على حماس. وتشير إحدى البرقيات الدبلوماسية الأميركية المُرسلة أثناء فترة الحصار، التي كشف عنها موقع ويكيليكس عام 2012، أن دبلوماسيين إسرائيليين أبلغوا نظراءهم في أميركا بـ"أنهم يريدون إبقاء اقتصاد غزة على حافة الانهيار".
أميركا.. الخصم والحكم في الوقت ذاته!
هذا ويحظر القانون الدولي الإنساني استخدام التجويع أسلوبا من أساليب الحرب. كذلك تدينه المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف الخاصة بحماية ضحايا النزاعات، وتنصّ على أنه "يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل المواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية ومنشآت مياه الشرب". وفي مايو/أيار 2018، أصدر مجلس الأمن قرارا يدين استخدام تجويع المدنيين أسلوبا من أساليب القتال، ونوّه بأن القانون الدولي الإنساني يحظر الحرمان من وصول المساعدات الإنسانية وحرمان المدنيين من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة في حالات النزاع المسلح (11).
أعاد مجلس الأمن التأكيد على هذه الأمور مجددا في بيان بتاريخ 3 أغسطس/ آب 2023، فيما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عبر موقعها الرسمي أن البيان هو "ثمرة الجهود الأميركية"، وعلّق "أنتوني بلينكن" وزير الخارجية الأميركي على ذلك بقوله: "هذا المجلس مسؤول عن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، ولا يسعنا الحفاظ على السلام والأمن بدون تعزيز الأمن الغذائي" (12). في الوقت نفسه تتغافل أميركا عما تقوم به دولة الاحتلال من تجويع في حق الشعب الفلسطيني، وتجدر الإشارة إلى كون التجويع سياسة أميركية تعود جذورها إلى قانون "فرانسيس ليبر" المعروف بـ"تنظيم سلوك جنود الاتحاد في الحرب الأهلية"، والذي أباح لجنود الاتحاد تجويع المتحاربين المعادين، المسلحين والمدنيين على حدٍّ سواء خلال الحرب الأهلية الأميركية (13).
ويُعَدُّ قانون "ليبر" أول وثيقة مكتوبة تحرض على استخدام آلية التجويع خلال النزاعات. وتشير منظمة الصليب الأحمر (14) إلى أن القراءة الدقيقة لقانون ليبر تؤكد أن قوانين وأعراف الحرب في تلك الفترة لم تتضمن أي قواعد لحماية الأشخاص الخاضعين لسلطة العدو، ولا سيما أسرى الحرب وسكان الأراضي المحتلة.
يعدُّ "ليبر" أحد أبرز المنظرين الذين رسخوا لفكرة إلحاق الضرر بالمدنيين من أجل إنهاء الحرب. وتقوم تنظيرات "ليبر" على فكرة "أن من الأخلاقي استخدام وسائل وحشية لإنهاء حرب عادلة". وفي عام 1863 قامت وزارة الحرب الأميركية بالاستعانة به في صياغة مدونة سلوك الجنود التي عُرفت في وقت لاحق باسم قانون "ليبر". ولا تزال النسخة الحالية من دليل قانون الحرب الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية تشيد بقانون "ليبر"، واصفة إياه بأنه "وثيقة قانون الحرب الأساسية للولايات المتحدة"، رغم أنها تعترف أن "أجزاء منه لم تعد تعكس القانون الحالي".
———————————————————————–
المصادر:1) مأساة إنسانية تتفاقم.. الحرب والمجاعة والأوبئة تجتمع على غزة.
2) شركة مطاحن السلام، دير البلح، غزة.
3) تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، 5 نوفمبر/تشرين ثاني 2023.
4) المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسليم"، فبراير/شباط 2002.
5) The Cradle March 2022.
6) المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أبريل/نيسان 2020.
7) وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، ديسمبر/كانون أول 2022.
8) Soil and Rubble Pollution with Heavy Metals in the Gaza strip, Emad Ali, Institute of water and environment.
9) تقرير منظمة حقوق الإنسان، أبريل/نيسان 2021.
10) The Gurdian, Oct. 2012.
11) بيان رئاسي من مجلس الأمن الدولي بخصوص المجاعة وانعدام الأمن الغذائي العالمي الناجم عن الصراع، مايو/أيار 2018.
12) U.S Department of State, Aug. 2023.
13) قانون "ليبر" (صفحة رقم 8).
14) اللجنة الدولية للصليب الأحمر 1997.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المرصد الأورومتوسطی الأراضی الزراعیة لحقوق الإنسان إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
قطعة من جهنم.. هكذا يعمق الاحتلال عذابات الأسرى في رمضان
غزة- "كان نفسي أنام ليلة شبعان"، بهذه الكلمات يختصر محمد فلنة ظروف الحياة البائسة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وزادت قساوة بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فلنة (60 عاما) من سكان رام الله بالضفة الغربية، وهو أحد الأسرى المبعدين للقطاع، وتحرر في إطار صفقات التبادل مع المقاومة الفلسطينية ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، التي انتهت منتصف الليلة الماضية.
دخل السجن شابا يافعا وحكم عليه الاحتلال بالمؤبد، ليخرج منه وقد اشتعل رأسه شيبا، ويقول للجزيرة نت إن "كل سنوات السجن من معاناة وألم وفراق عن الأهل والأحبة، أقل بكثير مما عايشناه خلال شهور الحرب على غزة بما فيها شهر رمضان الماضي".
كانت الـ 15 شهرا من الحرب على غزة "قطعة من جهنم"، بحسب وصف فلنة، "وجاء شهر رمضان ولم تأت معه الرحمة، فهذا العدو المجرم لا يعرف الرحمة، وضاعف من تعذيبنا، حتى أنني كنت أتمنى أنام ولو لمرة واحدة شبعانا طوال شهور الحرب".
خلال سنوات سجنه الطويلة، قضى فلنة 34 رمضانا متنقلا بين سجون مختلفة، لا يتذكر أنه عانى خلالها مثلما عانى ورفاقه الأسرى خلال شهر رمضان الماضي، الذي جاء في خضم العدوان المروع على غزة، ويقول "إننا كأسرى لم نسلم من هذه الحرب، وذقنا ويلات من التعذيب الجسدي والنفسي".
ولم تعد السجون ما قبل 7 أكتوبر كما بعده، فكل شيء اختلف، و"الاحتلال كان يعاملنا وكأننا من نفذنا عملية طوفان الأقصى"، بحسب المحرر فلنة.
إعلانوعلى مدار سنوات اعتقاله، شارك في فعاليات احتجاجية وإضرابات انتزع بفضلها الأسرى "جزءا من حقوقهم الإنسانية"، ويقول إن "كل هذه الحقوق تبخرت بعد حرب غزة، وصادرت قوات الاحتلال كل شيء، حتى الأغطية والملابس وملاعق الطعام، وكثير من الأسرى كانوا ينامون على الأرض بلا فرشة".
ويتابع "في شهور رمضان قبل اندلاع الحرب كانت لنا كأسرى طقوس، نخرج للفورة (ساحة السجن) من الصباح وحتى قبيل موعد أذان المغرب، ومن بعد العصر تبدأ كل مجموعة في إعداد طعام الإفطار من سلع وخضار توفرها مصلحة السجون في الكانتينا (مقصف السجن)، ونشتريها من أموالنا بأسعار مضاعفة ولكنها كانت متوفرة".
ومع مغيب الشمس، يضيف فلنة "ندخل الغرف، وكل واحدة بها 6 أسرى، ونحضر مائدة الإفطار، ونصلي التراويح ونقرأ القرآن". وبعد لحظة صمت عابرة وتنهيدة، يضيف "كان هذا كله قبل أن يمنعونا من كل ذلك وحتى المصاحف سحبوها من الغرف".
بعد الحرب على غزة انقلبت حياة الأسرى الاعتقالية رأسا على عقب، وفق فلنة، وأطلقت دولة الاحتلال العنان لمصلحة السجون لتعذيبهم بصنوف غير مسبوقة. وبينما الواقع على هذه الحال، حل عليهم شهر رمضان المبارك من العام الماضي، وفيه ضاعف الاحتلال من معاملته الوحشية، إلى جانب الاقتحام، وكان يتعمد تأخير الطعام لساعتين وأكثر بعد موعد الإفطار.
ماذا كان إفطاركم داخل السجون؟ سألته الجزيرة نت، فأجاب بكثير من الحزن والغضب "لم يكن إفطارا، كان أي شيء إلا أكلا يصلح للإنسان. قليل جدا من الطعام السيئ وكان السجانون يتعمدون أن يقدم لنا غير مطبوخ جيدا".
ومثلما خسر فلنة نحو 30 كيلوغراما من وزنه خلال شهور الحرب على غزة، يؤكد الأسير المحرر ضياء الآغا الملقب بـ "عميد أسرى غزة" وقضى نحو 33 عاما في الأسر، أن كل أسير داخل سجون الاحتلال في فترة الحرب خسر ما بين 30 إلى 50 كيلوغراما من الوزن، بسبب ما وصفها بـ "سياسة التجويع" التي تمارسها مصلحة السجون، حيث الطعام قليل وردئ.
إعلانويتفق الآغا، الذي تحرر من سجنه في الدفعة الأخيرة قبل نحو أسبوع، مع فلنة في وصف رمضان من العام الماضي بأنه "الأصعب"، ويقول للجزيرة نت "الاحتلال مارس ضدنا فنونا من التعذيب سواء باقتحام الغرف والاعتداء علينا بالضرب المبرح، أو بالحرمان من الطعام والشراب وحتى الاستحمام".
وفي ليلة عيد الفطر الماضي، يقول فلنة إن "قوات القمع اقتحمت غرفتنا، وقيدت أيادينا من الخلف، واعتدى الجنود علينا بالضرب وهم يصرخون ويتضاحكون ويستهزئون بنا، هذا هو احتفال العيد.. كل عام وأنتم بخير".
من جانبه، يقول الأسير المحرر المبعد إلى غزة إسماعيل الردايدة للجزيرة نت "نحن لا نفقد الأمل وسط ظلام الزنزانة، الأسير الفلسطيني يعيش على أمل الحرية ليستطيع مجابهة جبروت السجن والسجان، ونعلم أننا إذا استسلمنا لليأس فإننا نحقق للعدو غايته ونتحول إلى بقايا بشر داخل مقابر، ومجرد أشباح بلا روح".
يبتسم الردايدة، وهو يتذكر أنه كان ينام إلى جوار جدار الغرفة في سجن رامون ويطيل النظر بها ويتخيلها، صحنا من الدوالي (ورق العنب محشو بالأرز)، الذي كان المفضل بالنسبة له، خاصة في شهر رمضان، وخصيصا تعده له والدته التي وافتها المنية بعد اعتقاله ولم يحظ بفرصة إلقاء نظرة الوداع عليها.
أكثر ما كان يشتاق إليه الردايدة في سجنه خلال شهر رمضان هي "لمة الأهل والعيلة". وعلى مدار ربع قرن قضاها محكوما بالسجن المؤبد، يقول "كانت شهور رمضان الأشد قسوة من بين شهور العام، ففي رمضان تستعيد ذكريات الطفولة والشباب، ومائدة الإفطار مع الأهل، والسهرات بعد صلاة التراويح".
ويضيف "مع مرور الزمن تأقلمنا على أجواء رمضان داخل السجون، غير أن رمضان الماضي كان قاسيا، نصوم ساعات طويلة ونفطر ولا نشبع بسبب سياسة التجويع، والغرف مظلمة طوال الوقت، وتعمدت قوات الاحتلال مضاعفة أعداد الأسرى داخلها من 6 إلى 12، وربما أكثر، وسحبت المصاحف والفرش والأغطية وأدوات الطعام البسيطة".
إعلانمن ناحيته، يقول مدير دائرة التوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة -للجزيرة نت- إن إدارة سجون الاحتلال "لا تحترم قدسية شهر رمضان ولا تراعي طقوسه الدينية، ولا تتيح للأسرى حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية، بل تعرقل ذلك عمدا وتفرض قيودا على قراءة القرآن جهرا والصلاة الجماعية.
ويعاني الأسرى الأمرين في شهر رمضان، ما بين مطرقة الحرمان والشوق والحنين للأهل، وسندان ظروف الاحتجاز الصعبة وما يتعرضون له من تعذيب قاسٍ واعتداءات وضرب وتنكيل، إضافة إلى سوء الطعام وقلته، كما ونوعا، وتردي الأوضاع الصحية مع استمرار سياسة الحرمان من العلاج والإهمال الطبي المتعمد، يضيف فروانة.
ووفقا له فقد "اشتد كل هذا وأكثر بعد 7 أكتوبر، ما جعل حياة المعتقلين جحيما"، ويرجح أن رمضان هذا العام، سيكون مختلفا من حيث اشتداد الظروف قساوة وفظاعة المعاملة، مع استمرار التحريض الإسرائيلي الرسمي على الأسرى؛ في ظل انقطاع زيارات الأهل والقيود المفروضة على زيارات المحامين وعدم السماح لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة السجون ورفض الاحتلال تزويده بأعداد معتقلي غزة وأسمائهم، ما جعل الآلاف منهم خلال الحرب في عداد المختفين قسرا.