هل تتغلب الاتفاقية المغربية الألمانية على البيروقراطية في جلب اليد العاملة؟
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
بذلت ألمانيا جهودا كبيرة لأجل التوصل إلى اتفاقية هجرة مع المغرب لجذب العمالة الماهرة والحد من الهجرة غير القانونية
بعد توقيع المغرب وألمانيا إعلان نوايا يهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين في القضايا الأمنية وفي مجال الهجرة، في الـ 30 من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، ساد تفاؤل كبير في أحاديث الشباب المغاربة المهتمين بفرص العمل التي يوفرها البلد، خاصة منهم من بدأ استعداداته قبل مدة رغبة في الهجرة نحو ألمانيا.
إحباط بسبب البيروقراطية!
بسمة، شابة مغربية تبلغ من العمر 25 سنة، تنتظر منذ أواخر شهر يوليو/تموز هي ومشغلها الألماني، الذي تمكنت من إقناعه بكفاءتها وسيرتها الذاتية المهنية إضافة إلى مجهودها في تعلم اللغة الألمانية، بمنحها عقد عمل. تحكي بسمة في مقابلة مع مهاجر نيوز، أن "المشغل يحاول منذ ثلاثة أشهر التواصل مع مكتب الأجانب، لكنه لا يتلقى أي رد، وأنا أيضا أحاول منذ أشهر التواصل معهم دون أي استجابة تذكر".
درست بسمة تخصص الفندقة في المغرب، وعلمت لاحقا أن دبلومها قد يمكنها من تحقيق حلم العمل في أوروبا، وبالضبط في ألمانيا، بالنظر للخصاص المهول في اليد العاملة بالبلد. حلمها بتجربة العيش في أوروبا كان دافعا مكنها من الحصول على شهادة لغة مستوى B1 خلال الأشهر الأولى من 2021، مما حفزها لبدء إعداد ملفها المكون من شهادات دراستها وتدريباتها المهنية، وفي منتصف شهر مايو/أيار 2022، وجدت فرصتها مع المشغل الألماني عن طريق موقع ألماني للبحث عن عمل.
بعد شهرين من المقابلة بعث لها المشغل عقد العمل، وبتوصية منه دفعت مقابل ملف التسريع للمشغل 411 يورو حسب تأكيدها، لكن إلى اليوم لم تحصل على أي رد. هذا التأخير، جعلها تفوت موعدها لدى القنصلية الألمانية بالرباط الشهر الماضي، الذي كان سيخصص لوضع ملف طلب الحصول على تأشيرة.
تقول بسمة "لقد حاولت جاهدة، وكنت جد متفائلة، أعانتني عائلتي ماديا ومعنويا، لكن هذه التجربة السلبية، والبطء الكبير في المعاملات الإدارية، أفقداني اليوم الشغف، أريد فقط أن أعرف لماذا لم يجيبوني، أليست ألمانيا من تشتكي من نقص اليد العاملة؟ لماذا لا يسهلون وصولنا للوظائف التي نجدها؟".
وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر مع نظيرها المغربي عبد الوافي لفتيت في العاصمة المغربية الرباط.
اتفاقيات لا تولي اهتماما للواقع!
الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة الألمانية تهدف بالأساس إلى تسهيل إصدار تأشيرات العمل والتدريبات المهنية للمهتمين في المغرب، لكن مقابلها هناك مطالبة ألمانية بتحسين التعاون في عمليات إعادة طالبي اللجوء المرفوضين من جانب المغرب.
ويبلغ عدد المغاربة المقيمين في ألمانيا المُطالَبِين بمغادرتها 3660 شخصاً، 2762 منهم حصلوا على تصريح إقامة (منع ترحيل أو دولدونغ) لأسباب مختلفة، أما 898 الباقون فيمكن ترحيلهم بسرعة. وكان المغرب لا يسمح سوى ببعض عمليات الترحيل الفردية على متن رحلات جوية مجدولة، وهو ما يزيد من صعوبة عمل الشرطة الاتحادية المسؤولة عن عمليات الترحيل.
تمثل ملاك، الشابة المغربية التي وصلت إلى ألمانيا نهاية سنة 2021، والبالغة من العمر حالياً 34 سنة، حالة معقدة من بين حالات كثيرة تحدثنا إليها في مهاجر نيوز. هم أشخاص تمكنوا فعليا من الوصول إلى ألمانيا بطريقة قانونية، لكن سرعان ما تحولت حياتهم فيها إلى "جحيم" حسب وصفهم، فلا هم تمكنوا من تحقيق طموحاتهم، ولا البلد استفادت منهم كما يجب.
كانت ملاك معتادة في إطار عملها بمجال النقل الدولي، على القدوم إلى الكثير من البلدان الأوروبية طوال السنوات الماضية. تقول في تصريح لمهاجر نيوز "بسبب ظروف خاصة، لم أتمكن من العودة للمغرب حينما قدمت إلى ألمانيا". انتهت صلاحية التأشيرة وهي في ظرف قاهر حسب ما تحكيه، فنصحها أصدقاء ومعارف بطلب اللجوء رغم أنها لن تتمكن من الحصول على قبول لطلبها لأنها مواطنة مغربية، أي قادمة من بلد آمن، لكنهم اقترحوا عليها أن تستغل الوقت الذي يستغرقه البت في طلبها لتعلم اللغة وإيجاد عمل أو تدريب مهني.
فشلت السلطات في ترحيل ملاك كما يحصل في أغلبية حالات الترحيل بسبب مشاكل إدارية، وتدخل محاميها في القضية، ليتم منحها تصريح التسامح (منع الترحيل). وجدت الشابة المغربية فرص عمل بعد ذلك، لكن نوعية إقامتها كانت تمنعها منه كما تمنعها من مغادرة مركز اللجوء الذي تعيش فيه. تقول "طلبت من الموظفين أن يساعدوني على تغيير وضعيتي عبر السماح لي على الأقل بتعلم اللغة، فأنا لم أعتد أبدا على حياة الأكل والنوم، أردت أن أحقق شيئا".
صورة تعبيرية: الوكالة الفيدرالية للهجرة واللاجئين (BAMF)
وتساءلت الشابة قائلة "ألا تعاني ألمانيا من نقص اليد العاملة؟ لقد أتيتها برغبة في تحقيق الكثير، وليس البقاء محتجزة في مركز اللجوء".حصلت ملاك اليوم على مستوى B1 في اللغة الألمانية بعد السماح لها بالدراسة، ونهاية هذا الشهر سوف تجتاز الامتحان السياسي، وتحاول جاهدة إيجاد عمل أو تدريب، وتفكر في التطوع في عمل خيري لتكتسب مهارات لغوية وتندمج في المجتمع الألماني أكثر.
كل هذه المجهودات والمحاولات، لم تشفع لملاك في البقاء في ألمانيا، فصلاحية الإقامة التي منحت لها ستنتهي خلال أسابيع. تقول "أعيش الرعب من الترحيل يوميا، يستنزفوننا في كل دقيقة بكثرة المواعيد الإدارية التي يذكروننا خلالها بأن الترحيل وشيك، عوض السماح لنا بالتركيز في تعلم اللغة والعمل والاندماج، لا يفرقون بين من سينفع هذا البلد فعلا ويساهم في تطويره اقتصاديا، ومن يستنزفون أموال الدولة دون فائدة. السلطات الألمانية تعرقل وتركز جهودها على الأشخاص الخطأ، لا أفهم لماذا؟".
تهديد مغاربة بالترحيل رغم توفرهم على فرص عمل!
ما تشتكي منه ملاك، وإن تم تبريره بخطئها القانوني في البقاء في ألمانيا بعد انتهاء صلاحية تأشيرتها، إلا أنه أمر يعاني منه العشرات من الشباب المغاربة الذين وصلوا إلى ألمانيا إما عن طريق عقد عمل أو تدريب مهني، لكن واجهتهم مشاكل لم تكن بالحسبان.
صورة تعبيرية: عملية ترحيل لشخص من ألمانيا نحو بلده
مهدي، واحد من هؤلاء الشباب، وصل إلى البلد شهر مارس/آذار من العام 2023، بعد حصوله على عقد تدريب مهني واستيفائه كل الشروط التي تسمح له بالقدوم إلى ألمانيا. قبل نهاية مدة التدريب بيوم واحد، حسب ما يحكيه لمهاجر نيوز، قررت الشركة فسخ عقده، وأخبرت مكتب الأجانب بالأمر. هناك طُلِبَ منه نسخة من القرار وجواز السفر، وتم إخباره أنه ستتم إعادته إلى المغرب.
رغم حصوله على عقود عمل وتدريبات أخرى، في الولاية نفسها، يرفض مكتب الأجانب السماح له بالعمل إلى الآن، ويجددون طلب مغادرته ألمانيا في كل زيارة منه للموظف المسؤول عن ملفه، ويُبَلغ بهذا القرار كل مشغل منحه عقد عمل وحاول التوسط لدى مكتب الأجانب لحل مشكلته.
مهدي اليوم حائر، فلا هو يستطيع العمل رغم كثرة الفرص التي وجدها وإتقانه للغة، ولا هو قادر على اتخاذ قرار العودة طوعا للمغرب. يقول "استثمرت وعائلتي ماديا ومعنويا وبذلت الكثير من الجهد لأجل القدوم إلى ألمانيا بشكل قانوني، بهدف إيجاد فرصة لبناء مستقبل أفضل". ولا يدري مهدي هل نصيحة أصدقائه بتوكيل محام لمتابعة الملف، وتغيير محل سكنه نحو ولاية أخرى سيكون حلا، أم أنها ستكون مصاريف إضافية لا تنفع أمام تعنت الموظفين والسلطات الألمانية.
هل يتم التوصل لحلول للعراقيل الإدارية المعتادة؟
الجهود المبذولة من طرف ألمانيا لإيجاد حلول لنقص اليد العاملة وتوجهها لبلدان شمال إفريقيا ليس جديدا، فقبل إعلان الاتفاقيات بين كل من المغرب وألمانيا خلال أكتوبر المنصرم، كانت قد جرت مباحثات بين وزيرة الشؤون الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، أنالينا بيربوك، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، خلال زيارة عمل له في ألمانيا، خلالها سلط الوزيران الضوء على التعاون الوثيق في مجال الهجرة.
كما أن جهود ألمانيا في التنسيق مع البلدان الشمال إفريقية، تأتي في سياق جهود الاتحاد الأوروبي الذي يرى أن دول شمال القارة، شريك استراتيجي لمكافحة الهجرة غير القانونية، وفي الآن ذاته مصدر لليد العاملة التي تحتاجها أوروبا لتفادي ركود اقتصادي.
تصريح إقامة مؤقت لوقف الترحيل (دولدونغ)
لكن بالنسبة لكل من يفكر في الهجرة نحو ألمانيا من المغرب، فإن أول المعيقات التي تتبادر إلى الذهن هو بطء الإجراءات الإدارية واستمرارها لأشهر طويلة حسب شهادات استقيناها سابقا، حتى قبل الوصول إلى ألمانيا. وقد سبق لوزارة الخارجية الألمانية أن صرحت لمهاجر نيوز بخصوص هذا الموضوع سنة 2019 قائلة "السفارة الألمانية بالرباط تواجه طلبًا كبيرًا على التأشيرات في كل الأصناف".
وعند مقارنة المغرب ببلدان أخرى، فرقم الحاصلين على تأشيرة العمل يبدو قليلا، إذ تتصدر دول البلقان القائمة. وحتى عند مقارنة المغرب ببلدان في شمال إفريقيا، فمصر تتصدر تأشيرات العمل متبوعة بتونس ثم المغرب ثالثًا، متبوعة بالجزائر وفقاً لأرقام صادرة عن الخارجية الألمانية.
ماجدة بوعزة - مهاجر نيوز 2023
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: أنالينا بيربوك المانيا المغرب ترحيل المهاجرين طلبات اللجوء تعلم اللغة الالمانية أنالينا بيربوك المانيا المغرب ترحيل المهاجرين طلبات اللجوء تعلم اللغة الالمانية مکتب الأجانب الید العاملة إلى ألمانیا فی ألمانیا
إقرأ أيضاً:
خالد عبدالغفار يستقبل وزير الدولة الأول للدفاع والقوى العاملة بسنغافورة
استقبل الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، السيد زكي محمد وزير الدولة الأول للدفاع والقوى العاملة بدولة سنغافورة، والوفد المرافق له، لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وأوجه التعاون المشترك، فضلًا عن دعم الجهود المصرية الإغاثية ومساندة الأشقاء الفلسطنيين بقطاع غزة في ظل الأوضاع الإنسانية التي يمرون بها.
يأتي اللقاء في إطار تنفيذ توجيهات فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بتقديم كافة أوجه الدعم الصحي المساعدات الإنسانية، للأخوة الفلسطنيين.
خلال الاجتماع استعرض الدكتور خالد عبدالغفار، جهود الدولة المصرية ودورها في تقديم المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية، مؤكدا أهمية التباحث حول وضع خطة لإعادة إعمار غزة وتوفير الاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين، لافتا إلى متابعة الوزارة لتداعيات أزمة غزة، وحرصها على تقديم كافة أوجه الدعم للمصابين والجرحى منذ اندلاع الأحداث.
واستكمل «عبدالغفار» أن نائب رئيس مجلس الوزراء ناقش مع الجانب السنغافوري، خطة البلدين ومحاور العمل، في تقديم الخدمات العلاجية والدعم النفسي للشعب الفلسطيني وعلى رأسهم الأطفال، جراء هذه الأحداث الدامية، بالإضافة إلى التعاون في تقديم الخدمات الطبية والوقائية وتوفير الطعوم والأمصال اللازمة.
وقال إن نائب رئيس مجلس الوزراء، أكد أهمية التعاون في توفير الاحتياجات العاجلة لسكان قطاع غزة، بالإضافة إلى التعاون في توفير الأجهزة والمستلزمات الطبية، بما يساهم في توفير متطلبات الأشقاء الفلسطنيين وتخفيف معاناتهم، ودعم المنظومة الصحية الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة.
وأضاف «عبدالغفار» أن الوزير أكد أهمية التواصل المستمر وعقد الاجتماعات الدورية لمتابعة الموقف داخل غزة، وإتخاذ القرارات العاجلة التي من شأنها استدامة الجهود «المصرية السنغافورية» في دعم الشعب الفلسطيني.
ومن جانبه، أشاد وزير الدولة الأول للدفاع في دولة سنغافورة، بالدور المصري المحوري في دعم الشعب الفلسطيني منذ اندلاع الأحداث، مثمنًا جهود دول العالم المختلفة سواء العربية أو الأجنبية في دعم الشعبي الفلسطيني وإعادة الإعمار بقطاع غزة، مشيدًا بالعلاقات القوية التي تجمع مصر وسنغافورة في العديد من المجالات، وعلى رأسها الملفات الصحية، موجهًا الشكر للدولة المصرية لاستجابتها السريعة في دعم الأشقاء الفلسطينيين، مؤكدًا حرص بلاده على التعاون مع الدولة المصرية، واستعدادها لتقديم كافة المساعدات الإنسانية، استكمالا لدور مصر البارز في الأزمة الفلسطينية.
حضر اللقاء من جانب وزارة الصحة، الدكتور عمرو قنديل نائب الوزير، والدكتور أحمد سعفان مساعد الوزير لشؤون المستشفيات، والدكتور بيتر وجيه رئيس قطاع الطب العلاجي، والدكتور حاتم عامر معاون الوزير للعلاقات الدولية، ومن جانب سنغافورة، السيد دومينيك جوه سفير سنغافورة لدى مصر، والسيد آلان تان مدير الشؤون الدولية بمكتب سياسة الدفاع السنغافورية، والدكتور بنجامين تونغ ضابط طبي بالقوات المسلحة السنغافورية، والسيد تشان تشين هي رئيس الفرع بمقر قوة العمليات الخاصة القوات المسلحة السنغافورية، والسيدة غوين نج مديرة مكتب سياسة الدفاع، والسيدة تان يي فان السكرتير بسفارة سنغافورة، والسيدة فانيسا تشوانج مديرة عمليات السياسات بمكتب سياسة الدفاع السنغافورية.