السُوْدَان الجَديد خُلاصَة التضّحِيات (1)

نضال عبدالوهاب

 

لم تمّر دولة في مُحيطنا الأفريقي بكُل هذه الحروبات والصراعات المُسلحة ، مُنذ حرب الجنوب الأولي في ١٩٥٥ ، وحتي حرب ١٥ أبريل الحالية ، مروراً بحرب الجنوب الثانية ، ثم دارفور ومناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق ، وصولاً للحرب الحالية التي نشطت خاصة في الخرطوم وغرب وجنوب وشمال دارفور ، إضافة لاجزاء من جنوب وشمال كردفان ، الناظر إلي كُل هذا الصراع الطويل من الحرب ، وكذلك إذا أُقترن بجميع الثورات السّلمية يجدها جميعاً تُلخص حالة من الإنعتاق والتحرر والقطيعة مع السُودان القديم والذي فشل في تقديم نموذج للتعايش السّلمي والحكم المقبول والدولة المتوحدة المُستقرة….

ليس كُل هذا الصّراع والحروبات كان مقصوداً بها السُلطة وتقاسمها ، وإلا لكانت قد نجحت إتفاقيات السلام السابقة منذ حرب الجنوب وإتفاقية أديس أبابا في عهد مايو ، وما تلاها من إتفاقيات جُزئية في عهد الإسلاميين ما بعد ١٩٨٩ وحتي نيفاشا التي مهدت لإنفصال الجنوب ، ثم الإتفاقيات التي وقعت مع حركات دارفور في الدوحة وأبوجا وغيرها من أتفاقيات وحتي سلام جوبا الجُزئي ما بعد الثورة ، جميّع هذه الإتفاقيات لم توقف الحرب ولم تصنع السلام المُستدام والإستقرار في السُودان ، وظل الحال كما هو ، يكفي أن هنالك أجيال ولدت وماتت في معسكرات النزوح وبعيداً عن مواطنها وبئاتها الأصلية ، ويكفي أن هنالك من ظل يُقاتل لأربعين عاماً كما هو الحال في إقليم جبال النوبة ، ويكفي أن الحرب لم تتوقف في دارفور لعشرون عاماً ولم يستقر هذا الإقليم بعد…

كُل هذه الحروب لها أسبابها التي أشعلتها والتي تتلخص في الظُلم التاريخي الذي وقع علي تلك المناطق سواء في الجنوب أو دارفور أو جنوب كردفان وإقليم جبال النوبة أو النيل الأزرق والشرق ، وحتي الحرب الأخيرة والدائرة الآن في الخرطوم واجزاء واسعة في دارفور وبعض اجزاء من شمال وجنوب كردفان ، هي أيضاً نتيجة لتراكم أخطاء تاريخية ظلت بدون حلول إيجابية لصالح وطن ودولة هي في طبيعتها لايمكن بأي حال إدارتها بتلك الطريقة التي لا تراعي تنوعنا وتعددنا الإثني والقبلي والديني والثقافي واللغوي ،،، لذلك فكُل تاريخنا السياسِي الحديث ملئ بالعديد من الأخطاء وتكرارها ، لذلك لا يمكن بل ومن المُستحيل معها وجود شكل من الإستقرار والوحدة والتقدم ،،، لا يُمكن أن يتم إختطاف الدولة لصالح هوية مُحددة في ظل كُل هذا التنوع ، ولا أن يتم إختطافها لصالح طريقة حُكم مركزية لا تضمن التوزيع العادل للثروة ومصادر وموارد الإقتصاد ، ولا يمكن أن تتمتع قلة من السُكان بحقوق المواطنة الكاملة في تولي المناصب السياسية والدستورية والوظائف العُليا ، في مُقابل إقصاء وتهميش وإبعاد لمجموعات سُكانية و إثنيات من مناطق أخري ، أو أن يتكون هنالك دستور لا يُعطي لغير المُسلم سواء كان مسيحياً أو صاحب ديانة أفريقية مُعينة أو حتي لا دينياً من حقه الكامل في تولي رئاسة البلاد بموجب الدستور مثله والذي يُدين بالإسلام ، كما كان يُطبق من حكموا سابقاً وخاصة الإسلاميين ، فحدوث هذا يهدّم أي حديث عن حقوق مُتساوية أو مواطنة لمواطنين داخل نفس الدولة ومهما جاءت التبريرات أو حاول البعض تمريرها لخلق حالة من القبول بهكذا دساتير أو تشريعات أو سياسة أمر واقع متوهمة بناءً علي الأغلبية المُسلمة كمثال كما فعل الإسلاميين في فترة حكمهم أو حتي الأحزاب الدينية والطائفية في نظرتهم وإجابتهم علي السؤالين ( من يحكم وكيف يُحكم ) بالنسبة للسُودان والشعوب السُودانية بكاملها…

هذا الواقع المُختل الطويل في طريقة وكيفية الحُكم والدستور وغيرها من أساسيات الدولة المتنوعة والمتعددة العناصر من هوية إلي إثنيات إلي قبليات وديانات ولغة وثقافة ، هي التي أنتجت دولة فاشلة بمقاييس الإستقرار والتنمية والنمو و الوحدة و التقدم ، علماً بأننا نمتلك كافة المُعينات لنجاح ومقومات الدولة الحديثة والتي يُمكن أن تنمو وتنهض وتزدهر وتصبح نموذجاً في كُل أفريقيا….

بمقابل كُل هذا هنالك تضحيات عظيمة صاحبت محاولات الوصول لهذه الدولة النموذج ، مُنذ التمّرد الأول وحرب توريت ١٩٥٥ وحتي ثورة ديسمبر وإلي حرب ١٥ أبريل…..

في الجزء الثاني بإذن الله ساتناول وبتركيز ، كيف يمكننا الوصول لقطيعة مع الماضي والسُودان بشكله الغاتم الجادب والهش القديم ، نحو السُودان الجديد الذي هو خُلاصة كافة التضحّيات العظيمة التي بُذلت لأجله ، وأنه لن يكون مُتاحاً بالمرّة إستعادة وإحياء ذات الشكل القديم الذي أورثنا هذا الدمار والخراب فيما يتم الإعداد له الآن من محاولات حلول و ( ترقيعات) وترميم يُعيد ذات المنظومة الكاملة والفاشلة التي أقعدت هذه البلاد طويلاً وساقتها إلي الحروب والإنقسام والتشظي والخراب ، وجعلت الفروق بين بنات وأبناء الوطن الواحد بفعل الإقصاء والتهميش وفرض نموذج لايخدم إلا قلة قليلة تتمتع بحقوق المواطنة وبالثورة والسُلطة بينما يعيش أغلبية السُكان والشعوب كمواطنين من الدرجتين الثانية والثالثة ويُمكن أدني من ذلك!….

18 نوفمبر 2023

الوسومالجديد السودان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجديد السودان

إقرأ أيضاً:

«محامي دارفور» تتهم السلطات باعتقال مواطنين على أساس جهوي

هيئة محامي دارفور أعلنت أنها ستتقدم بمذكرة للنائب العام لإيقاف ممارسة الإنتهاكات الجسيمة للمتأثرين بالاعتقال.

الخرطوم: التغيير

اتهمت هيئة محامي دارفور وشركاؤها، السلطات السودانية باعتقال مجموعة من الشباب- غالبيتهم من دارفور- بولاية نهر النيل وبتهمة واحدة، في ممارسة للتمييز الاجتماعي والجهوي.

ومنذ تفجر الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023م بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى، اعتقلت استخبارات الجيش عدداً كبيراً من الحزبيين والناشطين وأعضاء لجان المقاومة ولجان الطوارئ والمتطوعين وفاعلين آخرين.

تمييز جهوي

وقالت هيئة محامي دارفور وشركاؤها في بيان، الخميس، إنه بسبب ممارسة التمييز الإجتماعي والجهوي، تم القبض على ابني الأستاذ الطاهر ضو البيت (عادل والصادق) بقرية الحرة وحدة الكتياب بواسطة شرطة الكتياب والاستخبارات وتفتيش مسكن الأسرة وهواتف أفرادها وقيد دعاوى جنائية في مواجهتهما تحت المواد (50 و51 من القانون الجنائي تقويض النظام الدستوري).

وأشارت إلى أنه تم القبض على شباب غالبيتهم من دارفور والتهمة واحدة.

ونوهت الهيئة إلى أنها ظلت تكشف ممارسات التمييز الاجتماعي والجهوي وتحذر من خطورتها خاصة في ظل الحرب الدائرة واتخاذ الاشتباه مدخلا لاستهداف المتحدرين من مناطق غرب السودان واعتقالهم وفتح بلاغات جنائية في مواجهتهم تحت مواد الجرائم الموجهة ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري.

وأكدت أن الأستاذ الطاهر ضو البيت من أعلام إقليم دارفور والسودان ساهم في ضريبة الوطن وفي تربية وتعليم الأجيال المتعاقبة وظل في السنوات الأخيرة يعاني من مرض الفشل الكلوي والغسيل الدوري وهو  يتلقى العلاج بريفي شندي وظل يعتمد على ابنيه (عادل والصادق) في متابعه علاجه وغسيل الكلى.

وقالت إنه تم القبض على ابنيه مع زملائهما من قرية الحرة وحدة الكتياب الإدارية وتم توقيفهم جميعاً وبمراجعة وثائقهم الثبوتية تم الإفراج عن أبناء المنطقة واعتقال أبني الأستاذ الطاهر المولودان في دارفور (الفاشر ونيالا) وفتحت في مواجهتهما المواد (50 و51 من القانون الجنائي السوداني) بحسب إفادة والدهما.

هيئة دفاع

ونقلت الهيئة عن رسالة من والد المقبوض عليهما (عادل والصادق) الطاهر ضو البيت عمر، أنه تم القبض عليهما بواسطة الاستخبارات العسكرية المدفعية عطبرة، وقضيا 45 يوماً فيها وتم تحويلهما لمباحث عطبرة والآن اكملو شهر كامل بها.

وأضاف أنه وجهت لهما تهمة بالمواد 50/ 51 حسبما علموا لكن لم يتم تقديمهما للمحكمة حتى الآن.

وذكر أنه أثناء القبض كان معهم 4 من أبناء المنطقة وبعد الاطلاع على البطاقات تم فك إطلاقهم وإبقائهما لأنهما من مواليد دارفور (الفاشر ونيالا) ومعهم مجموعة أخرى غالبيتهم من أبناء دارفور والتهمة واحدة وهم الآن بالمباحث عطبرة.

وقالت الهيئة إنها علمت- من خلال المتابعة وإفادات أخرى- بوجود العديد من الشباب خاصة من أبناء دارفور في الاعتقال والحبس.

وأوضحت أنها تشاورت مع الزملاء المحامين من أبناء عطبرة لتشكيل هيئة دفاع عن ابني الأستاذ الطاهر ضو البيت (عادل والصادق) وعن جميع المعتقلين والمقبوضين الآخرين، وستتقدم بمذكرة للنائب العام لإعمال سلطاته لإيقاف ممارسة الإنتهاكات الجسيمة للمتأثرين بالاعتقال والقبض خارج نطاق القانون تحت غطاء الإشتباه.

الوسومالاستخبارات العسكرية الحرة السودان الفاشر القانون الجنائي السوداني المباحث دارفور شندي عطبرة نهر النيل نيالا هيئة محامي دارفور وشركاؤها

مقالات مشابهة

  • السودان: انعدام الوصول للمستلزمات الطبية يعيق علاج مئات الجرحى
  • وزير البيئة يكشف.. الجيش الإسرائيلي أحرق 1250 هكتاراً في الجنوب
  • «أطباء بلا حدود»: انعدام الوصول للمستلزمات الطبية بدارفور يعرقل علاج مئات الجرحى
  • «محامي دارفور» تتهم السلطات باعتقال مواطنين على أساس جهوي
  • حاكم إقليم دارفور يعلن عن تمكن الجيش السوداني من تحرير مدينة الدندر بولاية سنار
  • قوات الدعم السريع تعلن السيطرة على لواء تابع للجيش بغرب كردفان
  • الجيش السوداني يعلن صد هجوم للدعم السريع على منطقة الميرم بولاية غرب كردفان
  • الجيش السوداني يعلن صد هجوم للدعم السريع بغرب كردفان
  • اللواء هشام أبوالنصر محافظ أسيوط الجديد يؤدى اليمين الدستوري أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي
  • إعلام أسيوط ينشر السيرة الذاتية لـ اللواء هشام أبوالنصر المحافظ الجديد