الجزيرة:
2024-06-29@22:56:25 GMT

لماذا غاب العرب عن كعكة واردات النفط الأوروبية؟

تاريخ النشر: 10th, July 2023 GMT

لماذا غاب العرب عن كعكة واردات النفط الأوروبية؟

في إطار سعي أوروبا لتعويض تراجع واردات الغاز الطبيعي الروسية، الذي كان يمثل نسبة عالية من استهلاكها، يبدو أن قراراتها لإحلال البديل لا يحكمها عامل السعر وحده، لكنها تسعى من خلال عقودها الجديدة إلى تحقيق مصالح إستراتيجية أخرى أيضا، وعلى رأسها إعطاء الأفضلية لتشجيع التجارة البينية بين دولها لمواجهة معدلات البطالة المرتفعة هناك، لا سيما أن بعضها يعاني من عجز تجاري كما هي الحال في بريطانيا.

وتشير الأرقام إلى أن الغاز الروسي -الذي كان يمثل 39% من واردات بريطانيا في 2021- انكمش خلال العام الماضي إلى 19%، وتم تعويض هذا الفارق من مصادر بديلة يكشف النظر فيها عن تلك المصالح الإستراتيجية التي تسعى أوروبا لتحقيقها على هامش تعاملها مع أزمة الطاقة لديها.

يمكننا مثلا أن نلاحظ شراءها كميات كبيرة من الغاز من حليفها الأميركي، الذي بدأ المنافسة للحلول محل روسيا في سوق الغاز الأوروبي والآسيوي، بل وفي بعض بلدان الشرق الأوسط كالكويت وتركيا، حتى قبل نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، في حين لم تمتد مساعيها للحصول على البديل إلى دول مثل إيران؛ التزاما بالعقوبات الأميركية.

نلاحظ كذلك أنها ضمنت استمرار أغلب كميات الغاز المتدفقة إليها عبر خطوط الأنابيب من الجزائر وليبيا وأذربيجان، إذ تمثل عائدات هذا الغاز موارد مالية للحكومتين الجزائرية والليبية تساعدهما على مراقبة سواحلهما ومنع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وهو الدافع ذاته الذي جعل الاتحاد الأوروبي يبادر مؤخرا إلى تقديم المساعدات إلى تونس بعد عودة الهجرة غير النظامية عبر حدودها.

زاد الاتحاد الأوروبي كذلك وارداته من الغاز المصري، سعيا إلى تحقيق هدفين: أولهما إدماج الاقتصاد الإسرائيلي في الاقتصاد العربي تحت مظلة "منظمة غاز شرق المتوسط"؛ إذ تورد إسرائيل الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب، لتتم إسالته فيها ثم يعاد تصديره إلى الدول الأوروبية. وثانيهما مكافأة الحكم في مصر الذي نجح في إيقاف مسارات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا منذ عدة سنوات.

ورغم ذلك، لم تقم الدول الأوروبية بعقد اتفاقات توريد طويلة الأجل، ربما لإدراكها أن الأزمة لن تطول كثيرا مع تضرر الاقتصاد الروسي من الحرب، وفي ظل سعيها لجذب روسيا إلى مائدة المفاوضات لحل الأزمة مع أوكرانيا، ولحاجتها كذلك إلى الطاقة الروسية "الأرخص" التي كانت تأتيها عبر أنابيب الغاز والنفط، ويسير هذا كله بالتوازي مع الأهداف البيئية الأوروبية لتقليل الانبعاثات الكربونية، عبر التوسع في مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح وتقليل استخدام الوقود الأحفوري من فحم أو نفط أو غاز طبيعي.

تشجيع التجارة الأوروبية البينية

تهدف أوروبا إستراتيجيا إلى بناء مخزون يكفل لها الاستغناء التدريجي عن الغاز الروسي، وإلى إعادة بناء شبكة واردات جغرافية جديدة، وذلك بعد فرض سقف (عقابي) على الواردات من روسيا عبر خط أنابيب نورد ستريم بعد غزوها الأراضي الأوكرانية، وهو الخط ذاته الذي توقف تماما بعد ذلك لتضرره بعمليات تفجير في سبتمبر/أيلول الماضي.

والبديل الأول لها لتحقيق ذلك هو الدول الأوروبية المنتجة للغاز من غير أعضاء الاتحاد الأوروبي؛ فقد زادت وارداتها من تلك الدول بنحو 85.5 مليار متر مكعب، إلى جانب 7 مليارات متر مكعب من النرويج التي تعد المورد الرئيسي للغاز في أوروبا، وكان البديل الثاني هو الولايات المتحدة التي ارتفعت الواردات منها إلى 41 مليار متر مكعب.

أما البديل الثالث فكان زيادة الكميات المستوردة من بلدان أخرى مثل قطر التي زادت الواردات منها إلى 5.5 مليارات متر مكعب، ومصر إلى 4 مليارات متر مكعب، وأنجولا 2.1 مليار متر مكعب، ثم كميات أقل من ترينيداد وتوباغو وبيرو ودول أفريقية.

أوروبا لم تكن مستعدة للغاز العربي (المسال) ذي التكلفة العالية، كما أنها لا تسعى وراء عقود طويلة الأجل تحسبا لتوقف الحرب وعودة الغاز الروسي

أحد البدائل الأوروبية المحتملة كذلك هي الغاز الجزائري، الذي كان يتم تصديره بالأنابيب عبر المغرب إلى إسبانيا، وتوقف بسبب الخلافات السياسية بين البلدين بذريعة انتهاء العقد، فقد يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تذليل العقبات السياسية التي تحول دون وصول هذا الغاز، وذلك بعد أن يتأكد من وجود مخزون كاف للتصدير في الجزائر بعد استيعاب الاستهلاك المحلي الذي استنفد 45% من الإنتاج العام الماضي. والوضع ذاته ينطبق على حل الخلافات بين الجزائر والنيجر التي دفعت الأخيرة إلى إعاقة وصول الغاز النيجيري عبر الأنابيب إلى الجزائر ليصل من هناك إلى أوروبا.

ورغم أن صادرات الغاز العربية إلى أوروبا زادت خلال العام الماضي بما مجموعه 4.7 مليار متر مكعب عن 2021 (82.7 مليار متر مكعب في 2022)، فإن نصيبها النسبي تراجع من 16.4% في 2021 إلى 15% في 2022، نظرا لزيادة استيراد أوروبا للغاز العام الماضي.

من بين حصة الغاز العربي المصدرة إلى أوروبا العام الماضي كان نصيب الجزائر 44.9 مليار متر مكعب، وقطر 28 مليارا، ومصر 6.5 مليارات، وليبيا 2.5 مليار، وسلطنة عمان 800 مليون متر مكعب.

لماذا غاب العرب؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تستغل الدول العربية فرصة الاحتياج الأوروبي للغاز، خاصة قبل فصل الشتاء لتزيد صادراتها إليها؟

تسهم طبيعة تجارة الغاز الطبيعي في توضيح الإجابة؛ إذ إنها تعتمد في الأغلب على العقود طويلة الأجل التي تصل إلى 10 سنوات وأكثر، وهذا يربطها بأسواق محددة لآجال طويلة (السوق الآسيوية في الأغلب).

والواقع أن أوروبا لم تكن مستعدة للغاز العربي الذي يباع في معظمه في شكله (المسال) مما يجعله أكثر تكلفة من ذلك الذي تستورده عبر الأنابيب ليتم تسييله في مصافيها، كما أنها كما ذكرنا لا تسعى وراء عقود طويلة الأجل، بل إلى ارتباطات مؤقتة وعاجلة تحسبا لتوقف الحرب الروسية الأوكرانية وعودة الغاز الروسي "الأرخص" إلى التدفق عبر خطوط الأنابيب.

في ضوء هذا الواقع حافظت الدول الخليجية على أسواقها التقليدية، حيث اتجه 60% من الغاز القطري العام الماضي إلى آسيا، مقابل 21% إلى أوروبا و19% إلى الشرق الأوسط، وحرصت الحكومة القطرية في مفاوضاتها مع الدول الأوروبية على توقيع عقود طويلة الأجل.

واتجهت 92% من صادرات الغاز العُماني إلى آسيا خلال العام الماضي، مقابل 5% إلى أوروبا، و93% من غاز الإمارات العربية المتحدة توجه إلى آسيا و5% إلى الشرق الأوسط، في حين تستهلك السعودية كامل إنتاجها محليا، أما الكويت فهي مستوردة للغاز الطبيعي.

كانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي عدلت سياساتها التصديرية لتوجه 73% من غازها المُسال إلى أوروبا للاستفادة من ارتفاع سعره، في حين وقعت اتفاقا لاستيراد الغاز الإسرائيلي وتسييله، كما حولت كثيرا من محطات توليد الكهرباء إلى استخدام المازوت بدل الغاز الطبيعي.

وتهدف مصر من ذلك إلى اقتناص حصيلة دولارية تعالج النقص الحاد الذي تعاني منه خزينتها، إضافة إلى الظهور بمظهر الداعم للصديق الأوروبي وقت الشدة، إذ تحتاج لمؤازرة ذلك الصديق للتوصل لحل لتعثر اتفاقها مع صندوق النقد الدولي وشروطه لإقراضها، وأملا كذلك في أن تعيد الدول الأوروبية النظر في توقيتات الحصول على أقساط قروضها المستحقة، وتحويل بعضها إلى استثمارات مثلما فعلت ألمانيا مؤخرا.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی العام الماضی إلى أوروبا

إقرأ أيضاً:

الكهرباء «ببلاش» فى إسبانيا.. لماذا؟

الفارق بيننا فى مصر وإسبانيا، ليس فارق المسافة والجغرافيا ومياه البحر المتوسط فقط، بل أهم من ذلك فارق كم التراكمات والبناء المؤسسى.
وبينما نحن المصريين فى شرق البحر المتوسط نعانى من أزمة كهرباء وطاقة طاحنة، فإن إسبانيا فى غربه تبيع الطاقة بأسعار تقترب من الصفر، بين الساعة 11 صباحًا و7 مساءً، أى ساعات النهار المشمسة.
مصر بلد الشمس، بها أزمة طاقة، بينما أوروبا فى الشمال بها أزمة تصريف للطاقة.
القضية هنا ليست موارد، لأننا بالطبع ننعم بمورد أكبر وهي الشمس التى تحرقنا حرارتها يوميا فى هذا الصيف الصعب.. وإنما القضية هى أزمة استغلال موارد.
لا تقتصر أزمة تصريف الطاقة على إسبانيا، وإنما تمتد إلى دول وسط وشمال أوربا ومنها ألمانيا.
ورغم أن ألمانيا لا تعرف الشمس المتوهجة كما تعرفها مصر وإسبانيا، فإن الألمان يبيعون الطاقة فى بعض الأحيان بأسعار جملة «سلبية».
هل تصدقون عبارة الأسعار السلبية؟
فهم يستغلون الرياح بدلا من الشمس فى توليد الطاقة، وبالتالى فالفائض فى بعض الأوقات يباع ليس «ببلاش» وإنما بأقل من ذلك.
الأغرب من كل هذا، أن مصر بدأت مشروع طاقتها الشمسية مع المهندس الأمريكى فرانك شومان بتشييد أول محطة فى المعادى وكان ذلك عام 1911، بينما أنتجت الطاقة الشمسية فى إسبانيا بحلول عام 2015.. اى بفارق 100 عام متأخرة عن مصر.
وكما تمتلك إسبانيا سواحل على المتوسط تصلح لمشروعات طاقة الرياح، فإن سواحل مصر على البحر نفسه تتجاوز طول السواحل الإسبانية.
وإذا كانت إسبانيا تطل على المحيط الأطلسى وبحرى قنطبرية والبوران، فإن مصر لديها شواطئ أطول على ساحل البحر الأحمر وخليجى السويس والعقبة.
إذن الفارق ليس فى الجغرافيا وإنما فى التاريخ.. ليس فى الثروات وإنما فى طريقة استغلال وإدارة الثروات.
وبينما نحن نتخبط فى «مكلمخانة» على «السوشيال ميديا»، ستجدهم هناك يبحثون خطط رفع مساهمات الطاقة النظيفة فى إجمالى إنتاج الطاقة.
الأمر لا يقتصر على التخطيط الحكومى فحسب، وإنما فى إرادة المجتمعات ككل، واحتشادها خلف هدف واحد هو البناء وليس التركيز على السلبيات.
قبل عامين تقريبا كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ينتظر انفجار الشارع فى أوروبا بسبب أزمة الطاقة الناشبة مع غزو روسيا لأوكرانيا، واعتماد أوروبا على روسيا فى توفير الطاقة..
كان ينتظر أن تخرج الجماهير لإسقاط حكومات أوروبا عبر صندوق الانتخابات، لينتصر على حلف شمال الأطلسى عبر صندوق انتخاباته نفسه وفى عقر داره.
لكن أوروبا عبرت أزمتها بالتخطيط العميق، والإرادة الواعية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعلمية.
وهنا فى مصر، بدأت الدولة مشروعا عملاقا للطاقة النووية فى الضبعة، و الطاقة الشمسية فى بنبان بأسوان.. وإن كانت المشروعات جاءت متأخرة فبعضها لظروف سياسية عمرها 70 عاما ومنها مشروع الطاقة النووية الذى انطلق فى خمسينيات القرن الماضى ولم يتحقق إلا على يد الرئيس السيسى.. وهذه حقيقة تاريخية لا تقبل المزايدة أو الانتقاص. لكن أن تأتى متأخرا خير من أن لا تأتى مطلقا.
تفاءلوا بالخير تجدوه.

مقالات مشابهة

  • الرئيس المشاط يلتقي نائب وزير النفط والمعادن
  • نفطهم يكفيهم لعشرات السنين
  • مواطنو هذه الدول يحتاجون إلى تأشيرة شنغن للسفر إلى أوروبا
  • دعوة ملغومة للحلفاء العرب
  • هل تصل «الفوضى الهلاكة» إلى أوروبا؟
  • لماذا تبيع شركة إيني الإيطالية حصة في حقل بساحل العاج؟
  • في 5 أسئلة.. لماذا تستمر احتجاجات كينيا رغم التراجع عن زيادة الضرائب؟
  • الكهرباء «ببلاش» فى إسبانيا.. لماذا؟
  • تحالف لصد إسرائيل.. لماذا الآن؟
  • أوروبا وخطر عودة الشموليات إلى السلطة والحكم