مسقط ـ العُمانية: سجّل الاقتصاد العُماني خلال العام الجاري مستويات مرتفعة من النمو مدفوعًا بسلسلة من الإجراءات الحكومية للتنويع الاقتصادي وتعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني.
وتشير المؤشرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد الوطني إلى تحسن مسارات النمو الاقتصادي، ما يُمكّن سلطنة عُمان من تعزيز قدراتها التنافسية إقليميًّا وعالميًّا خاصة وأنَّ أداء أغلب القطاعات الاقتصادية الرئيسة تسير بخطى واثقة نحو تحقيق المستهدفات الاقتصادية لـ “رؤية عُمان 2040”.


وأوضحت الإحصائيات الصادرة عن وزارة الاقتصاد أنّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للاقتصاد العُماني سجّل خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي نموًا بنسبة 2.1 بالمائة ليبلغ 17.04 مليار ريال عُماني مقارنة بنحو 16.7 مليار ريال عُماني خلال النصف الأول من 2022م، مع توقعات الوزارة بتحقيق معدل نمو اقتصادي نسبته 2.3 بالمائة للعام الحالي.
ويُعزى هذا التحسن في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى نمو كلٍّ من القطاعين النفطي وغير النفطي، حيث سجّل القطاعان ما نسبته 1.4 بالمائة و2.1 بالمائة على التوالي؛ حيث أظهر الناتج من الأنشطة البترولية نموًّا ملحوظًا بنسبة 1.7 بالمائة مدعومًا بنموٍّ قدره 0.2 بالمائة في إنتاج الغاز الطبيعي.
وبلغ إسهام الأنشطة الصناعية في الناتج المحلي حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي نحو 3 مليارات و391.6 مليون ريال عُماني ما يمثل 0.4 بالمائة من الإجمالي، فيما بلغ إسهام الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي نحو مليار و710.6 مليون ريال عُماني تمثل 0.1 بالمائة من الإجمالي، وأسهمت الأنشطة الخدمية بـ 2.7 بالمائة والأنشطة الزراعية بـ 4.2 بالمائة وأنشطة النقل والتخزين بـ 7.1 بالمائة وأنشطة صيد الأسماك بـ 4.7 بالمائة.
وشهد الدين العام لسلطنة عُمان تطورًا ملحوظًا، حيث كان من المتوقع أن يصل إلى 23.2 مليار ريال عُماني لينخفض خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 16.3 مليار ريال عُماني وهو ما يمثل 37 بالمائة من حجم الاقتصاد العُماني.
وبلغ حجم إجمالي الإنفاق الاستثماري المخطط للعام الحالي نحو 4.5 مليار ريال عُماني، خصص 1.1 مليار ريال عُماني للوزارات المدنية و1.9 مليار ريال عُماني لجهاز الاستثمار العُماني و1.5 مليار ريال عُماني لتنمية طاقة عُمان.
وأوضحت الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أنّ فائض الميزان التجاري انخفض بنهاية يوليو الماضي إلى 27.3 بالمائة ليصل إلى 4.4 مليار ريال عُماني مقارنة بـ 6.1 مليار ريال عُماني خلال الفترة نفسها من عام 2022م، وبلغ حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان ودول العالم حتى يوليو الماضي نحو 21 مليارًا و263 مليون ريال عُماني.
وحافظت الإجراءات الحكومية -إلى حدٍّ كبير- على مستويات معتدلة للتضخم المحلي مقارنة مع ارتفاع التضخم عالميًّا؛ إذ ظل معدل التضخم منخفضًا على الصعيد المحلي، أي أقل بكثير من المتوسط العالمي، مستفيدًا من إطار السياسة النقدية ونظام سعر الصرف الثابت وتدابير المالية العامة، وبلغ متوسط تضخم أسعار المستهلك في سلطنة عُمان نحو 1.15 بالمائة في نهاية سبتمبر 2023 مقارنة بـ 2.9 بالمائة في عام 2022م، نظرًا لاعتمادها على الواردات لتلبية جزءٍ كبيرٍ من الطلب اليومي.
وتبذل سلطنة عُمان جهودًا حثيثة لتعزيز وجلب الاستثمارات الأجنبية من خلال تحديث العديد من القوانين واللوائح الخاصة بالاستثمار وتهيئة البيئة المناسبة لبدء الأعمال التجارية والتحول الرقمي في جميع الخدمات المقدمة للمستثمرين وتقديم حوافز ومميزات للراغبين في الاستثمار بسلطنة عُمان.
ودخلت حكومة سلطنة عُمان في 34 اتفاقية حول التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات مع مختلف دول العالم، شملت الاتفاقيةَ الاقتصادية الخليجية الموحدة، والاتفاقية العربية لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية، واتفاقيات الأفضليات التجارية لمنظمة الدول الإسلامية “الكومسيك”، وغيرها من الاتفاقيات، إضافة إلى المشاركة في فريق تفاوض خليجي في اتفاقيات التجارة الحرة والمشاركة في اجتماعات مجموعة العشرين.
وأكدت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أنّ الحكومة تعمل بالتكامل والشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاستثمار في القطاعات المستهدفة، وجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لسلطنة عُمان، وتنمية مصادر التنويع الاقتصادي، وتعزيز حجم الإيرادات غير النفطية في الناتج المحلي، وتبسيط وتسهيل الإجراءات المتعلقة بالاستثمار، ‏والتصدي للتحديات التي تواجهها، بما ينعكس إيجابًا على ثقة المستثمرين ويعزز المؤشرات وتنافسية سلطنة عُمان في هذا المجال.
وأوضحت الوزارة أنّ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي نحو 22 مليارًا و125.2 مليون ريال عُماني، حيث تصدرت المملكة المتحدة قائمة الاستثمار باستثمارات قدرها 10 مليارات و998.5 مليون ريال عُماني، تلتها الولايات المتحدة الأميركية بنحو 3 مليارات و712.7 مليون ريال عُماني، ثم الصين بمليار و251.7 مليون ريال عُماني، والإمارات العربية المتحدة بـ 911.1 مليون ريال عُماني، والكويت 742.5 مليون ريال عُماني، وقطر 420.4 مليون ريال عُماني، والبحرين 369.5 مليون ريال عُماني، والهند 278.4 مليون ريال عُماني، ونيذرلاندز 286.8 مليون ريال عُماني، وسويسرا 180.4 مليون ريال عُماني.
وفي قطاع تسهيل بيئة الاستثمار، أصدرت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار 35 لائحة لتعزيز وتحسين بيئة الأعمال خلال الفترة من 2020 ـ 2022، منها اللائحة التنفيذية لقانون استثمار رأس المال الأجنبي، وتحديد قائمة الأنشطة المحظور مزاولة الاستثمار الأجنبي فيها، ولائحة قانون الشركات التجارية، واللائحة التنفيذية لقانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، وإصدار لائحة نظام المطابقة ولائحة تنظيم وإدارة المعارض، كما تم إصدار قرار تبسيط إجراءات الاستثمار والتيسير على المستثمرين من خلال صالة “استثمر في عُمان” التي تعد نافذة موحَّدة لخدمات متكاملة لتقديم كافة الخدمات للمستثمرين وعرض الفرص الاستثمارية التي يفوق حجمها مليون ريال عُماني.
كما تقدم سلطنة عُمان العديد من الحوافز لجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية من خلال قانون استثمار رأس المال الأجنبي الذي حدد حوافز وضمانات للمستثمر الأجنبي، منها السماح بالتملك الأجنبي للمشروعات بنسبة تصل إلى 100 بالمائة، والإعفاء من شرط الحد الأدنى لرأس مال المستثمر، إضافة إلى إمكانية تخصيص الأراضي والعقارات اللازمة للمشروع الاستثماري عن طريق الإيجار لمدة طويلة أو بمنح حق الانتفاع بها.
وكفل قانون استثمار رأس المال الأجنبي الحقَّ للمستثمر الأجنبي للقيام بجميع التحويلات الخاصة بالمشروع الاستثماري من وإلى خارج سلطنة عُمان، وتشمل تحويلات الأرباح، وحصيلة بيع أو تصفية كل أو بعض المشروع الاستثماري، ونص على ضمانات تكفل حقوق المشاريع الاستثمارية القائمة في سلطنة عُمان.
كما تُقدم سلطنة عُمان حوافز في كلٍّ من المناطق الحرة والمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والمدن الصناعية والمناطق العلمية كمجمع الابتكار بمسقط، وأيضًا تقدم حوافز خاصة للاستثمار في عدد من القطاعات كقطاع الصحة والتعليم والتعدين والأمن الغذائي والسياحة والطيران.
وتتضمّن الحوافز الإعفاء من الضرائب على الشركات لمدة تصل إلى 30 سنة، وعدم وجود رسوم على الاستيراد أو إعادة التصدير، والإعفاء من ضريبة الدخل لمدة خمس سنوات اعتبارًا من تاريخ بدء الإنتاج في المشروع، والإعفاء من الرسوم الجمركية لواردات المصانع من المعدات وقطع الغيار والمواد الخام ومواد التعبئة والتغليف طوال عمر المشروع، وعقدَ إيجار لمدة 30 عاما قابلًا للتجديد لمدة مماثلة، وإعفاء مدخلات الإنتاج من الرسوم الجمركية ورسوم جمركية ثابتة بنسبة 5 بالمائة، إضافة إلى الاستفادة من عضوية سلطنة عُمان في الاتفاقيات الاقتصادية، منها اتفاقيات مع دول مجلس التعاون والاتحاد الجمركي الخليجي ومنطقة التجارة العربية الحرة الكبرى واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.
وشهد الوضع المالي في سلطنة عُمان تحسنًا واضحًا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري (يناير-سبتمبر) مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022م، حيث بلغت الإيرادات العامة للدولة حوالي 8 مليارات و886 مليون ريال عُماني حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، وسجّل الإنفاق العام نحو 8 مليارات و95 مليون ريال عُماني، منخفضًا بمقدار مليار و349 مليون ريال عُماني، أي بنسبة 14 بالمائة مقارنة بالإنفاق الفعلي للفترة ذاتها من عام 2022م.
وسجلت الميزانية العامة للدولة فائضًا ماليًّا بلغ 791 مليون ريال عُماني بنهاية الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة بتسجيل فائض بلغ مليارًا و123 مليون ريال عُماني في الفترة نفسها من عام 2022م، حيث يتم توجيه الفائض المحقق لتعزيز الإنفاق الاجتماعي ودعم النمو الاقتصادي وإدارة المحفظة الإقراضية وخفض الدين العام.
ونتيجة لارتفاع أسعار النفط إلى جانب تنفيذ إجراءات ومبادرات ضبط الأداء المالي في إطار الخطة المالية متوسطة المدى وانخفاض مخاطر الدين العام، فقد تحسن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان من قبل مؤسسات التصنيف الدولية الرئيسة؛ حيث رفعت وكالة “ستاندرد آند بورز” تصنيفها من (BB) مع نظرة مستقرة في عام 2022م إلى (BB+) مع نظرة مستقرة في عام 2023م، ورفعت وكالة “فيتش” تصنيفها من (BB)مع نظرة مستقرة في عام 2022م إلى (BB+) مع نظرة مستقرة في عام 2023م في حين رفعت وكالة “موديز” تصنيفها من (Ba3) مع نظرة إيجابية في عام 2022م إلى (Ba2) مع نظرة إيجابية في العام الحالي.
وعلى مستوى أداء المؤشرات النقدية والمصرفية، فقد حققت مختلف هذه المؤشرات تحسنًا في نهاية شهر أغسطس الماضي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022م، ونمت السيولة المحلية (عرض النقد بمعناه الواسع) بنسبة 5.1 بالمائة، لتصل إلى نحو 21.6 مليار ريال عُماني بنهاية أغسطس 2023م بما يضمن توفير مستوى ملائم من السيولة المحلية لتأمين التمويل المناسب لمختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية، كما ارتفع إجمالي الودائع لدى القطاع المصرفي بنحو 6.6 بالمائة ليصل إلى 27.9 مليار ريال عُماني بنهاية أغسطس الماضي.
ويشير تحليل أنشطة البنوك التجارية التقليدية خلال الفترة من أغسطس 2022م إلى أغسطس 2023م إلى استمرار نمو الائتمان في سلطنة عُمان، حيث سجّل إجمالي رصيد الائتمان الممنوح من قِبل هذه البنوك زيادة بنسبة 5.4 بالمائة، أمّا بالنسبة للائتمان الممنوح للقطاع الخاص ارتفع بمقدار 5.5 بالمائة ليصل إلى 20.3 مليار ريال عُماني بنهاية أغسطس الماضي.
وفيما يتعلق ببورصة مسقط، فقد سَجَّلت في شهر أكتوبر الماضي أفضل قيمة للتداول خلال العام الجاري عند 161.9 مليون ريال عُماني مستفيدة من إدراج شركة “أوكيو لشبكات الغاز” وارتفاع قيمة التداول على سهم بنك مسقط إثر قيام مجموعة دبي المالية ببيع جزء من حصتها في البنك.
وشهدت بورصة مسقط في شهر أكتوبر الماضي تداول 749.6 مليون ورقة مالية، وهو أعلى مستوى شهري للأوراق المالية المتداولة في البورصة خلال العام الجاري. كما سجلت الصفقات المتداولة مستوى قياسيًّا جديدًا بصعودها إلى 31 ألفًا و56 صفقة ودفعت “أوكيو لشبكات الغاز” القيمة السوقية للأوراق المالية المدرجة في بورصة مسقط للارتفاع بنهاية الشهر الماضي إلى 23 مليارًا و718.4 مليون ريال عُماني مسجلة مكاسب بـ 204.3 مليون ريال عُماني مقارنة بمستواها في نهاية سبتمبر الماضي البالغ 23 مليارًا و514 مليون ريال عُماني.
وشهد قطاع السياحة في سلطنة عُمان خلال الفترة الماضية نموًّا مطردًا في كافة المجالات حيث من المتوقع أن يصل إسهام القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.75 بالمائة خلال السنتين القادمتين قياسًا بـ 2.4 بالمائة بنهاية عام 2022، وبلغ إسهام القطاع السياحي العُماني في الناتج المحلي الإجمالي مليارًا و70 مليون ريال عُماني في 2022م من إجمالي إنتاج بلغ مليارًا و900 مليون ريال عُماني في ذات العام.
وأوضحت وزارة التراث والسياحية أنّ الحجم الاستثماري المستهدف خلال خطة التنمية السياحية الشاملة (2021 – 2025) من المتوقع أن يصل إلى 3 مليارات ريال عُماني.
وأشارت مؤشرات المنشآت الفندقية (3-5) نجوم في جميع محافظات سلطنة عُمان خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي إلى أنّ عددها وصل إلى 126 منشأة توفر 17199 غرفة بإجمالي إيرادات وصلت إلى أكثر من 155 مليون ريال عُماني، وعدد نزلاء الفنادق بلغ مليونًا و460 ألفًا و826 نزيلًا، وسجّلت نسبة الإشغال لهذه الفنادق 46.2 بالمائة.
وأثبتت هيئة الطيران المدني دورها الحيوي في إدارة الحركة الجوية النشطة في سلطنة عُمان، حيث بلغ إجمالي حركة الطائرات منذ بداية هذا العام حتى شهر أكتوبر الماضي نحو 477 ألفًا و137 طائرة، أمّا بالنسبة للمطارات فقد شهد مطار مسقط الدولي حركة نشطة حيث بلغ عدد المسافرين منذ بداية هذا العام حتى نهاية شهر سبتمبر الماضي 9 ملايين و324 ألفًا و591 مسافرًا في حين بلغت حركة الطائرات 76 ألفًا و180 طائرة، وبلغت حركة الشحن 115 ألفًا و994 طنًّا.
أمّا في مطار صلالة فقد بلغت حركة المسافرين خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر الماضي حوالي مليون و152 ألفًا و237 مسافرًا، وحركة الطائرات سجلت نحو 10 آلاف و298 طائرة، وإجمالي الشحن 493 طنًّا، وفي مطار صحار بلغ إجمالي حركة المسافرين 41 ألفًا و211 مسافرًا وإجمالي حركة الطائرات 1141 طائرة، وبلغت حركة المسافرين في مطار الدقم نحو 51 ألفًا و601 مسافر وحركة الطائرات 636 طائرة.
وترتبط سلطنة عُمان مع العديد من دول العالم من خلال 122 اتفاقية في مجال تنظيم خدمات النقل الجوي منها 66 اتفاقية للأجواء المفتوحة، حيث تهدف هذه الاتفاقيات إلى تنظيم عملية تشغيل شركات الطيران بين سلطنة عُمان وتلك الدول، وتقوم هيئة الطيران المدني بمواصلة جهودها نحو إبرام المزيد من تلك الاتفاقيات مع بقية دول العالم.

[65585492ed70e]

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی ملیار ریال ع مانی الأولى من العام من العام الحالی العام الجاری خلال الأشهر ع مانی خلال الع مانی

إقرأ أيضاً:

تحويلات المهاجرين في روسيا تهديد للاقتصاد المحلي وشريان حياة لغيرها

موسكو – أصبحت تحويلات الأموال التي يُجريها العمال المهاجرون في روسيا محط اهتمام متزايد من السلطات والرأي العام في البلاد، في ظل تقارير وتقديرات رسمية تفيد بأن حجم تدفقات الأموال إلى الخارج يشكل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد الروسي.

وكشف ألكسندر غوروفوي، النائب الأول لوزير الداخلية الروسي، أن حصة الأموال المُحوّلة من العمال المهاجرين في روسيا تمثل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول.

وأوضح أن 80% من هذه الدول تنتمي إلى رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي)، مشيرًا إلى أن التحويلات المالية من العمال الطاجيك -على سبيل المثال- تشكل نحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي لطاجيكستان.

أما البنك الدولي، فقد أكد في بياناته أن هذا المؤشر يُعد الأعلى عالميًا من حيث القيمة النسبية، حيث بلغت النسبة في قرغيزستان 24%، وفي أوزبكستان 14% من الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما.

من جانبه، صرّح رئيس حزب "روسيا العادلة – من أجل الحقيقة"، سيرغي ميرونوف، بأن تدفق الأموال إلى الخارج يمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لروسيا، لافتًا إلى أن المهاجرين من الدول المجاورة يعملون في كثير من الأحيان بطرق غير قانونية، ولا يدفعون الضرائب، بينما يرسلون معظم دخلهم إلى بلدانهم الأصلية.

إعلان

وأشار ميرونوف أيضًا إلى أن هؤلاء العمال، من خلال إرسال الأموال إلى الخارج، يخدمون اقتصادات دولهم على حساب الاقتصاد الروسي، مطالبًا بفرض "تعويضات" على شكل رسوم خاصة على التحويلات المالية.

فوائد مقابل أضرار

يقول خبراء روس إن تحويلات العمال المهاجرين من روسيا تسهم بشكل كبير في خفض مستويات الفقر في دول آسيا الوسطى، إذ يتمكن هؤلاء العمال من مضاعفة دخلهم بما يصل إلى 3 أضعاف بفضل فرص العمل في روسيا، مما يحسّن من مستوى معيشة أسرهم بشكل ملحوظ.

تحويلات العمال المهاجرين من روسيا تسهم بشكل كبير في خفض مستويات الفقر في دول آسيا الوسطى (شترستوك)

فعلى سبيل المثال، ذكر البنك الدولي أن نسبة الفقر في قرغيزستان تنخفض إلى أقل من 10% بين الأسر التي تتلقى تحويلات مالية، بينما كانت ستتجاوز 50% لولا هذه التحويلات.

أما في أوزبكستان، فقد قدّر البنك أن غياب هذه التحويلات كان سيؤدي إلى ارتفاع معدل الفقر من 9.6% إلى 16.8%.

لكن في المقابل، تشير هذه الأرقام إلى آثار سلبية على الاقتصاد الروسي، مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أندريه زايتسف أن روسيا، في ظل معاناتها من نقص متزايد في الأموال المخصصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكنها تحمّل خروج رأس المال بهذه الكميات الكبيرة، خصوصًا في ظل العقوبات والضغوط المالية الحالية، حيث لم تعد صادرات رأس المال تقابلها واردات كافية لتعويض الخسائر.

وفي حديثه للجزيرة، شدّد زايتسف على ضرورة التمييز بين التحويلات المالية القانونية وتهريب الأموال، موضحًا أن التحويلات تتم ضمن إطار قانوني، في حين أن التهريب يمثل مخالفة صريحة، إلا أن كلتا الحالتين تؤديان إلى نتائج اقتصادية سلبية متماثلة.

وأوضح أن المشكلة الكبرى تكمن في أن جزءًا كبيرًا من العمال الذين يرسلون الأموال إلى الخارج هم من المقيمين بشكل غير شرعي داخل البلاد.

إعلان

واستشهد بإحصاءات تُفيد بأنه حتى تاريخ 5 فبراير/شباط من العام الجاري، تم تسجيل حوالي 67 ألف مهاجر من قرغيزستان ضمن قائمة الأشخاص الخاضعين للمراقبة بسبب انتهاكات لقوانين الهجرة، وارتفع هذا العدد بنحو 20 ألفًا إضافية بحلول نهاية الشهر ذاته، ما يجعل من قضية العمال غير الشرعيين تحديًا قائمًا بحد ذاته، إلى جانب أضرارها الاقتصادية المباشرة.

وأضاف أن هناك، بحسب تقديرات مختلفة، أكثر من 6 ملايين مهاجر عمالي في روسيا، قام عدد كبير منهم بـ"شراء" تصاريح عمل مرتفعة التكلفة، ما يعكس واقعًا اقتصاديًا غير رسمي يضم فئة واسعة من العاملين بشكل غير قانوني.

توصيات باتخاذ مجموعة من التدابير قصيرة وطويلة الأجل لمواجهة تدفق رأس المال إلى الخارج (رويترز) وريد مثقوب

من جانبها، تقترح الباحثة في مركز التحليل الاقتصادي الكلي، سفيتلانا شتورغينا، اتخاذ مجموعة من التدابير قصيرة وطويلة الأجل لمواجهة تدفق رأس المال إلى الخارج.

وتتمحور هذه الإجراءات، بحسب ما صرّحت به للجزيرة نت، حول تشديد الرقابة على دخول العمال الوافدين، وفرض إيداعات إلزامية تتراوح بين 10% و15% من دخلهم، لا يمكن سحبها بالكامل إلا عند انتهاء فترة الإقامة والمغادرة النهائية للبلاد.

وترى شتورغينا أن هذه التدابير من شأنها تقليص خروج العملات الصعبة في وقت تعاني فيه روسيا من تراجع حاد في الإيرادات نتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليها.

ووصفت روسيا بأنها "مغناطيس" يجتذب ملايين الوافدين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، لا سيما جمهوريات آسيا الوسطى، إلا أن هذا الانجذاب يقابله استنزاف سنوي يفوق 13 مليار دولار بفعل التحويلات المالية.

وأشارت إلى أن المسألة لا تتعلق فقط بخروج المال، بل تمس البنية الدورية للاقتصاد الروسي، الذي يعاني من "وريد مثقوب" تتسرب من خلاله أموال تُعادل ميزانيات كاملة لبعض المناطق الروسية، وعلى مدى سنوات.

إعلان

واختتمت بالقول إن هذه الأموال كان يمكن استغلالها في بناء عشرات المدارس والمستشفيات والمشاريع التنموية، ودعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل محلية، لكنها بدلًا من ذلك تُسهم في دعم اقتصادات دول أخرى.

مقالات مشابهة

  • بنمو 79%.. الإسكندرية للأدوية تحقق 296 مليون جنيه أرباحا في 8 أشهر
  • هبوط 78 مليون جنيه في أرباح مصر لصناعة الكيماويات.. خلال 9 أشهر
  • صندوق النقد يتوقع ارتفاع الدين العالمي لما يزيد عن 95% من الناتج المحلي الإجمالي
  • 920 مليون ريال إيرادات قطاع الاتصالات العام الماضي.. ونسب التعمين تصل إلى 93%
  • طرح 26 مناقصة بتكلفة 400 مليون ريال في 3 أشهر.. وإسناد مشاريع بتكلفة 203 ملايين
  • معالجة أزيد من 31 مليون طن من البضائع خلال الثلاثي الأول من 2025
  • صندوق النقد يتوقع تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لـ مصر حاجز 500 مليار دولار في 2029
  • معالجة أزيد من 31 مليون طن من البضائع خلال الثلاثي الأول
  • تحويلات المهاجرين في روسيا تهديد للاقتصاد المحلي وشريان حياة لغيرها
  • 45 مليون ريال إجمالي قيمة أذون الخزانة الحكومية