الرابع عشر: «توظيف القوى العاملة الوطنيَّة».
قَبل أكثر من ثلاث سنوات، زارني صديق، بغرض مساعدته في الاتِّصال بأحَد رجال الأعمال، ممَّن تربطني به علاقة قديمة، علَّه يجد فرصة عمل لابنه تتناسب مع تخصُّصه الجامعي، وقَبل أسابيع من إعداد هذا المقال، التقيتُ به وسألتُه عن ولده، هل وُفِّق في الانخراط في سلك الوظيفة، ووجدَ فرصته في أيٍّ من المؤسَّسات الحكوميَّة أو القِطاع الخاصِّ، أو تدبَّرَ لِنَفْسِه مشروعًا تجاريًّا كما فعل الكثيرون؟ فأجاب على سؤالي والإحباط يتبدَّى من ملامحه، بأنَّه لا يزال قابعًا في المنزل يبحث عن هذه الفرصة ولَمْ يتركْ وسيلةً ولا صنيعًا ولا سبيلًا إلَّا وطرَقَه وسلَكَه، ولكنَّه لَمْ يوفقْ لحدِّ الآن.
بعدها بأيَّام بثَّ صديق آخر شكواه وهمَّه، فابنه الجامعي شارف على الثلاثين من العمر ولا يزال بعد واقفًا في طابور الباحثين عن عمل، وعَبَّر عن قلقه متسائلًا «متى سيعمل ويكوِّنُ ذاته ويُحقِّق طموحاته ويؤمِّن منزله ويتزوج…؟»، مَنْ يتحدث عن ابنته الَّتي أنفقَ عَلَيْها الآلاف من الريالات كَيْ تكملَ دراستها، وبعد سنوات من تخرُّجها والبحث عن عمل لَمْ تحصل عَلَيْه، أصبحت تعاني من حالة نفسيَّة سيئة وشعورٍ عميقٍ بالفشل؛ لأنَّها غير قادرة على إعانة والدها والإسهام في الإنفاق على المنزل كما كانت تؤمِّل وتتطلَّع. بل على النقيض من ذلك، فوالدها لا يزال رغم ضعف دخله يدفع لها مصروفها الشَّهري. آباء كُثر سمعتُهم يذكرون بأنَّهم طلبوا من أبنائهم وبناتهم الَّذين يدرسون في الخارج، الاجتهاد في تأمين وظائف لَهُم في تلكُمُ الدوَل، وإلَّا فسيجدون أنفُسَهم عاطلين وباحثين لسنوات عن الوظيفة. وإنَّه لَمؤسِفٌ حقًّا، أن نعيشَ هذه الأزمة بكُلِّ تداعياتها وأضرارها الخطيرة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وأن يستمرَّ نموُّها وتداخلاتها وتشابكاتها دُونَ أن نتمكَّنَ من تحجيم أعداد الباحثين عن عمل على الرغم من ضعف عدد السكَّان وتعدُّد موارد البلاد، ووجود عشرات الآلاف من الوافدين المهيمنين على الأسواق… ولَمْ تؤتِ الخطط والبرامج والسِّياسات والجهود والوعود ثمارها، في تحقيق سياسات التنويع وتنشيط القِطاعات الاقتصاديَّة والأسواق، الَّتي من شأنها ضمان توفير الوظائف للباحثين عن عمل، الَّذين يُشكِّل استمرارهم في طوابير المنتظرين إهدارًا لثروات بَشَريَّة متعلِّمة وكوادر عُمانيَّة مدرَّبة، ومن الإجحاف تجاهل دَوْرهم في تقدُّم الوطن. على المستوى الشَّخصي، نشرتُ خلال عَقدَيْنِ من الزمن العديد من المقالات الَّتي تناولتْ هذا الملف الشَّائك بكُلِّ تعقيداته وانعكاساته الخطيرة على الوطن، والَّتي فنَّدتُها وقدَّمتُ بشأنها عشرات الأفكار، وهو جهد بسيط ومتواضع في مقابل مقالات الكتَّاب الآخرين، والتحقيقات والبرامج الصحفيَّة والإذاعيَّة والتلفزيونيَّة، وما تعرضه وتناقشه وسائل التواصل وحسابات المواطنين ومؤسَّسات القِطاعَيْنِ، هذا بالإضافة إلى الندوات واللجان المُشَكَّلة والاجتماعات الرسميَّة. وبالرغم من ذلك فقَدْ أعلنت «وزارة العمل»، في مطلع العام الحالي أنَّ عدد الباحثين عن عمل تجاوز الـ»85» ألفًا، ومع تضارب الأرقام والتشكيك في البيانات الرَّسميَّة، وارتفاع وتنامي أعداد المُسرَّحين، فالكثيرون يعتقدون بأنَّ الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. مجلس الشورى من جهته بذل جهدًا كبيرًا، فأعدَّ جملة من الدِّراسات والتقارير المتخصِّصة، الَّتي عرضت لأرقام وإحصاءات ورؤى وتفاصيل تتحدَّث عن مخاطر ارتفاع عدد الباحثين، وتوصيات عمليَّة تعالج المُشْكلة، يُمكِن أن تُنفَّذَ على المديَيْنِ البعيد والمتوسِّط والمدى القريب كذلك. أُولى تلك الدِّراسات «توظيف القوى العاملة الوطنيَّة»، أُعدَّتْ في أكتوبر 1999م، وسبقَتْها دراسة أخرى في يناير، بعنوان «أوضاع الأسواق وتعمين نشاطها التجاري»، قدَّمتا توصيات شاملة تعالج كافَّة القِطاعات المرتبطة بتوظيف الكفاءات الوطنيَّة، غايتها إصلاح التعليم وسُوق وبيئات العمل، وتحقيق نهضة اقتصاديَّة وتنمويَّة قادرة على تنشيط وتنمية واستثمارات كافَّة القِطاعات والأنشطة برؤية عصريَّة لاستيعاب الباحثين عن عمل، أيًّا كانت تخصُّصاتهم والمراحل التعليميَّة الَّتي بلغوها، إدراكًا من المجلس بأنَّ إصلاح التعليم والاقتصاد هما الضَّامنان لمعالجة مُشْكلة البطالة… من أبرز تلك التوصيات، «تحديد الأهداف التنمويَّة بدقَّة ووضوح ـ تحديد الحدِّ الأدنى من النُّمو الاقتصادي والحدِّ الأقصى المُحتمل تحمُّله من العمالة الأجنبيَّة ـ إيجاد خطط علميَّة وعمليَّة وواقعيَّة من أجْلِ إعادة هيكلة الاقتصاد العُماني ـ تطوير قِطاعَي التجارة والخدمات وإزالة العوائق الَّتي تحدُّ من حركتها ونمائها ـ بذل كُلِّ الجهود المُمكِنة لتحويل الاقتصاد العُماني إلى اقتصاد تنافسي، وتحويل عُمان إلى مركز جذب للتجارة والخدمات ـ الاهتمام بتنمية السِّياحة ـ الاهتمام بالزراعة والصَّيد ـ البدء في إيجاد قاعدة متينة لصناعة المعلوماتيَّة ـ تطوير قِطاع البثِّ الفضائي وصناعة الإعلان وإيجاد دَوْر لعُمان في هذا السُّوق المتنامي إقليميًّا وعالَميًّا ـ استقطاب الاستثمارات والحصول على المِنح ـ إيجاد خطَّة واقعيَّة لتطوير الشركات الصغيرة والمتوسِّطة ـ تنمية قِطاعات الصِّناعات التحويليَّة ـ البدء في الإصلاح الإداري المنشود ـ وضع حدٍّ للتضارب بَيْنَ المصالح الخاصَّة والعامَّة ـ تطوير التعليم ـ ربط توزيع الطلبة على التخصُّصات المختلفة، بمدى حاجة البلد من المِهن والتخصُّصات للوفاء باحتياجات الأنشطة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة ـ الاهتمام بالبحث العلمي ـ إيجاد مركز متخصِّص لدَيْه المعرفة والدِّراية ولدَيْه المعلومات الكافية عن سُوق العمل، ومقابلة الباحثين عن العمل وتقييم قدراتهم ومساعدتهم في البحث عن الفرص الوظيفيَّة ـ إيجاد دراسة متكاملة مشفوعة بالحلول التشريعيَّة والإجرائيَّة عن التجارة المُستتِرة وانتشارها وتسبُّبها في زيادة القوى العاملة الوافدة ـ تشجيع المواطنين على بناء المُجمَّعات التجاريَّة في المناطق العُمانيَّة المختلفة….» مع لفْتِ النظر بأنَّ كُلَّ توصية من تلكُم التوصيات عُزِّزت بآليَّات عمل وتبريرات وحيثيَّات وتفرَّعت عَنْها توصيات أخرى… آخر تلك الجهود الَّتي عايشتُها كانت في 2014، فقَدْ أنجزَ مجلس الشورى دراسة شاملة تناولت ملف «الباحثين عن عمل»، بغرض «الوقوف على أسباب المُشْكلة» وتقصِّي ما وصلت إليه مستجدَّاتها وتطوُّراتها ونتائجها. وقدَّم جملة من التوصيات شملت «مجال التخطيط التنموي والسِّياسات الاقتصاديَّة ـ وفي مجال التعليم والتدريب ـ وفي مجال سياسات التوظيف…»، وطالبت الدِّراسة بالعمل على «تنفيذ برنامج وطني لتشغيل الباحثين عن عمل، يتضمن الإعلان عن عدد الباحثين المُسجَّلين والَّذين تنطبق عَلَيْهم شروط ومعايير الباحث عن عمل، وتقديم حزمة من الحوافز لِتشجيعِ العُمانيِّين على الالتحاق بالعمل بشركات ومؤسَّسات القِطاع الخاصِّ والاستقرار فيه…». وفي مشروعات الخطط الخمسيَّة والموازنات السنويَّة وطلبات المناقشة والبيانات الوزاريَّة ولقاءات الشورى بمجلس الوزراء… تكُونُ قضيَّة الباحثين عن عمل، ضِمْن البنود الرئيسيَّة فيها… ولو تمَّ النظر إلى تلك الجهود والحلول، بجديَّة وأمانة وتقدير لقِيمتها، لأسْهَمتْ دُونَ شكٍ في احتوائها قَبل استفحالها.
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
الباحثین عن عمل
الع مانی
الق طاع
ـ إیجاد
على الم
ق طاعات
ع مانی
من الم
إقرأ أيضاً:
تداولات بورصة مسقط تقفز إلى 234.5 مليون ريال عُماني في فبراير الماضي
العُمانية: ارتفعت قيمة التداول ببورصة مسقط في شهر فبراير الماضي إلى 234.5 مليون ريال عُماني مقابل 75.3 مليون ريال عُماني في يناير 2025 مستفيدة من تنفيذ صفقات خاصة على سهم البنك الأهلي الذي شهد تداولات بقيمة 162.7 مليون ريال عُماني تمثل 69.3 بالمائة من إجمالي قيمة التداول.
وقام البنك الأهلي المتحد البحريني ببيع حصته البالغة 35 بالمائة من رأسمال البنك الأهلي؛ تملّك منها شؤون البلاط السُّلطاني 17.5 بالمائة، فيما توزعت النسبة المتبقية والبالغة 17.5 بالمائة على عدد من المستثمرين العُمانيين.
وشهدت بورصة مسقط الشهر الماضي أداءً متفاوتًا ركّز فيه المستثمرون على أسهم محدودة في الوقت الذي تم فيه طرح 20 بالمائة من رأسمال شركة أسياد للنقل البحري للاكتتاب العام ضمن خطة الشركة للتحول إلى شركة مساهمة عامة، وجاء هذا الطرح بعد فترة وجيزة من إدراج شركة أوكيو للصناعات الأساسية ببورصة مسقط في ديسمبر الماضي؛ الأمر الذي ضغط على السيولة في الوقت الذي تسعى فيه الصناديق والمؤسسات الاستثمارية لامتصاص مبيعات المكتتبين الأفراد.
وركّز المستثمرون في تداولات شهر فبراير الماضي على سهم أوكيو للاستكشاف والإنتاج الذي شهد تداولات بنحو 13.8 مليون ريال عُماني، والإصدار الثامن من الصكوك السيادية الذي شهد تداولات بقيمة 10.3 مليون ريال عُماني، وأوكيو للصناعات الأساسية التي شهدت تداولات بقيمة 5.2 مليون ريال عُماني، وبنك مسقط الذي شهد تداولات بقيمة 4.4 مليون ريال عُماني.
وسجلت بورصة مسقط الشهر الماضي تراجعًا في العديد من مؤشراتها، فقد هبطت القيمة السوقية إلى 27 مليارًا و310.2 مليون ريال عُماني مسجلة خسائر خلال الشهر تقدر بـ 228.7 مليون ريال عُماني، وتراجع عدد الصفقات المنفذة من نحو 22 ألف صفقة إلى 17 ألفًا و347 صفقة مسجلة تراجعًا بنحو 21 بالمائة.
وشهدت بورصة مسقط الشهر الماضي أيضًا تفوقًا للأسهم الخاسرة على الرابحة مع تراجع أسعار 43 ورقة مالية مقابل 37 ورقة مالية ارتفعت أسعارها و18 ورقة مالية استقرت عند مستوياتها السابقة.
وباستثناء مؤشر قطاع الصناعة الذي ارتفع الشهر الماضي 422 نقطة سجلت المؤشرات الأخرى تراجعًا، فقد تراجع المؤشر الرئيس لبورصة مسقط 107 نقاط وأغلق على 4435 نقطة، وتراجع مؤشر القطاع المالي 84 نقطة، وسجل مؤشر قطاع الخدمات تراجعًا بـ 59 نقطة، وفقد المؤشر الشرعي حوالي 8 نقاط.
وتصدّر سهم الجزيرة للمنتجات الحديدية الأسهم الرابحة مرتفعًا بنسبة 25 بالمائة وأغلق على 390 بيسة، وارتفع سهم أسمنت عُمان بنحو 24 بالمائة وأغلق على 491 بيسة، وصعد سهم صناعة مواد البناء إلى 82 بيسة مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 20 بالمائة، وارتفع سهم فولتامب للطاقة بنسبة 19.8 بالمائة وأغلق على 599 بيسة.
وجاء سهم صناعة الكابلات العُمانية في مقدمة الأسهم الخاسرة متراجعًا بنسبة 11.6 بالمائة وأغلق على ريالين و430 بيسة، وهبط سهم أوريدو بنسبة 10.3 بالمائة وأغلق على 200 بيسة، وسجل سهم مسقط للغازات تراجعًا بنسبة 10 بالمائة وأغلق على 90 بيسة.
وشهد الشهر الماضي إدراج الإصدار الـ 73 من سندات التنمية الحكومية بقيمة 100 مليون ريال عُماني مقسّمة إلى مليون سند بقيمة 100 ريال عُماني للسند الواحد وبفائدة سنوية قدرها 4.6 بالمائة.
ومن أخبار الشركات، قرر مجلس إدارة البنك الأهلي إصدار أسهم حق أفضلية بقيمة 50 مليون ريال عُماني بسعر 142 بيسة للسهم الواحد تتضمن 140 بيسة قيمة السهم و2 بيسة مصاريف إصدار، وقال البنك: إن هذه الزيادة ستسهم في تعزيز رأسمال البنك ودعم نمو أعماله، مشيرًا إلى أنه سيتم الإعلان عن تفاصيل الإصدار بعد الحصول على الموافقات اللازمة من الجهات التنظيمية.
وتبدأ شركات المساهمة العامة الأسبوع الجاري إقرار توزيعات الأرباح التي أعلنت عنها خلال الأسابيع الماضية، ففي الثالث من مارس تعقد شركة «التغليف العُمانية» اجتماع الجمعية العامة العادية السنوية الذي تناقش فيه توزيع أرباح نقدية بنسبة 10 بالمائة بما يعادل 10 بيسات لكل سهم، وفي التاريخ نفسه تعقد شركة «مصانع مسقط للخيوط» اجتماع الجمعية العامة العادية السنوية الذي تبحث فيه توزيع أرباح نقدية بنسبة 10 بالمائة أيضًا، وفي الخامس من مارس الجاري تعقد شركة «شل العُمانية للتسويق» اجتماع الجمعية العامة العادية السنوية الذي تبحث فيه توزيع أرباح نقدية بنسبة 37 بالمائة، وفي السادس من مارس يبحث مساهمو شركة «مسندم للطاقة» توزيع أرباح نقدية بنسبة 13.8 بالمائة.
حيث ارتفعت الأسبوع الماضي أسعار 28 ورقة مالية مقابل 28 ورقة مالية أخرى تراجعت أسعارها و27 ورقة مالية استقرت عند مستوياتها السابقة، ودفعت الارتفاعات المسجلة القيمة السوقية لبورصة مسقط لتحقيق مكاسب بـ 23.2 مليون ريال عُماني مختتمة تداولات الأسبوع الماضي عند 27 مليارًا و310.2 مليون ريال عُماني.