جريدة الوطن:
2025-04-07@16:38:03 GMT

من دراسات الشورى «14ـ16»

تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT

الرابع عشر: «توظيف القوى العاملة الوطنيَّة».
قَبل أكثر من ثلاث سنوات، زارني صديق، بغرض مساعدته في الاتِّصال بأحَد رجال الأعمال، ممَّن تربطني به علاقة قديمة، علَّه يجد فرصة عمل لابنه تتناسب مع تخصُّصه الجامعي، وقَبل أسابيع من إعداد هذا المقال، التقيتُ به وسألتُه عن ولده، هل وُفِّق في الانخراط في سلك الوظيفة، ووجدَ فرصته في أيٍّ من المؤسَّسات الحكوميَّة أو القِطاع الخاصِّ، أو تدبَّرَ لِنَفْسِه مشروعًا تجاريًّا كما فعل الكثيرون؟ فأجاب على سؤالي والإحباط يتبدَّى من ملامحه، بأنَّه لا يزال قابعًا في المنزل يبحث عن هذه الفرصة ولَمْ يتركْ وسيلةً ولا صنيعًا ولا سبيلًا إلَّا وطرَقَه وسلَكَه، ولكنَّه لَمْ يوفقْ لحدِّ الآن.

بعدها بأيَّام بثَّ صديق آخر شكواه وهمَّه، فابنه الجامعي شارف على الثلاثين من العمر ولا يزال بعد واقفًا في طابور الباحثين عن عمل، وعَبَّر عن قلقه متسائلًا «متى سيعمل ويكوِّنُ ذاته ويُحقِّق طموحاته ويؤمِّن منزله ويتزوج…؟»، مَنْ يتحدث عن ابنته الَّتي أنفقَ عَلَيْها الآلاف من الريالات كَيْ تكملَ دراستها، وبعد سنوات من تخرُّجها والبحث عن عمل لَمْ تحصل عَلَيْه، أصبحت تعاني من حالة نفسيَّة سيئة وشعورٍ عميقٍ بالفشل؛ لأنَّها غير قادرة على إعانة والدها والإسهام في الإنفاق على المنزل كما كانت تؤمِّل وتتطلَّع. بل على النقيض من ذلك، فوالدها لا يزال رغم ضعف دخله يدفع لها مصروفها الشَّهري. آباء كُثر سمعتُهم يذكرون بأنَّهم طلبوا من أبنائهم وبناتهم الَّذين يدرسون في الخارج، الاجتهاد في تأمين وظائف لَهُم في تلكُمُ الدوَل، وإلَّا فسيجدون أنفُسَهم عاطلين وباحثين لسنوات عن الوظيفة. وإنَّه لَمؤسِفٌ حقًّا، أن نعيشَ هذه الأزمة بكُلِّ تداعياتها وأضرارها الخطيرة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وأن يستمرَّ نموُّها وتداخلاتها وتشابكاتها دُونَ أن نتمكَّنَ من تحجيم أعداد الباحثين عن عمل على الرغم من ضعف عدد السكَّان وتعدُّد موارد البلاد، ووجود عشرات الآلاف من الوافدين المهيمنين على الأسواق… ولَمْ تؤتِ الخطط والبرامج والسِّياسات والجهود والوعود ثمارها، في تحقيق سياسات التنويع وتنشيط القِطاعات الاقتصاديَّة والأسواق، الَّتي من شأنها ضمان توفير الوظائف للباحثين عن عمل، الَّذين يُشكِّل استمرارهم في طوابير المنتظرين إهدارًا لثروات بَشَريَّة متعلِّمة وكوادر عُمانيَّة مدرَّبة، ومن الإجحاف تجاهل دَوْرهم في تقدُّم الوطن. على المستوى الشَّخصي، نشرتُ خلال عَقدَيْنِ من الزمن العديد من المقالات الَّتي تناولتْ هذا الملف الشَّائك بكُلِّ تعقيداته وانعكاساته الخطيرة على الوطن، والَّتي فنَّدتُها وقدَّمتُ بشأنها عشرات الأفكار، وهو جهد بسيط ومتواضع في مقابل مقالات الكتَّاب الآخرين، والتحقيقات والبرامج الصحفيَّة والإذاعيَّة والتلفزيونيَّة، وما تعرضه وتناقشه وسائل التواصل وحسابات المواطنين ومؤسَّسات القِطاعَيْنِ، هذا بالإضافة إلى الندوات واللجان المُشَكَّلة والاجتماعات الرسميَّة. وبالرغم من ذلك فقَدْ أعلنت «وزارة العمل»، في مطلع العام الحالي أنَّ عدد الباحثين عن عمل تجاوز الـ»85» ألفًا، ومع تضارب الأرقام والتشكيك في البيانات الرَّسميَّة، وارتفاع وتنامي أعداد المُسرَّحين، فالكثيرون يعتقدون بأنَّ الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. مجلس الشورى من جهته بذل جهدًا كبيرًا، فأعدَّ جملة من الدِّراسات والتقارير المتخصِّصة، الَّتي عرضت لأرقام وإحصاءات ورؤى وتفاصيل تتحدَّث عن مخاطر ارتفاع عدد الباحثين، وتوصيات عمليَّة تعالج المُشْكلة، يُمكِن أن تُنفَّذَ على المديَيْنِ البعيد والمتوسِّط والمدى القريب كذلك. أُولى تلك الدِّراسات «توظيف القوى العاملة الوطنيَّة»، أُعدَّتْ في أكتوبر 1999م، وسبقَتْها دراسة أخرى في يناير، بعنوان «أوضاع الأسواق وتعمين نشاطها التجاري»، قدَّمتا توصيات شاملة تعالج كافَّة القِطاعات المرتبطة بتوظيف الكفاءات الوطنيَّة، غايتها إصلاح التعليم وسُوق وبيئات العمل، وتحقيق نهضة اقتصاديَّة وتنمويَّة قادرة على تنشيط وتنمية واستثمارات كافَّة القِطاعات والأنشطة برؤية عصريَّة لاستيعاب الباحثين عن عمل، أيًّا كانت تخصُّصاتهم والمراحل التعليميَّة الَّتي بلغوها، إدراكًا من المجلس بأنَّ إصلاح التعليم والاقتصاد هما الضَّامنان لمعالجة مُشْكلة البطالة… من أبرز تلك التوصيات، «تحديد الأهداف التنمويَّة بدقَّة ووضوح ـ تحديد الحدِّ الأدنى من النُّمو الاقتصادي والحدِّ الأقصى المُحتمل تحمُّله من العمالة الأجنبيَّة ـ إيجاد خطط علميَّة وعمليَّة وواقعيَّة من أجْلِ إعادة هيكلة الاقتصاد العُماني ـ تطوير قِطاعَي التجارة والخدمات وإزالة العوائق الَّتي تحدُّ من حركتها ونمائها ـ بذل كُلِّ الجهود المُمكِنة لتحويل الاقتصاد العُماني إلى اقتصاد تنافسي، وتحويل عُمان إلى مركز جذب للتجارة والخدمات ـ الاهتمام بتنمية السِّياحة ـ الاهتمام بالزراعة والصَّيد ـ البدء في إيجاد قاعدة متينة لصناعة المعلوماتيَّة ـ تطوير قِطاع البثِّ الفضائي وصناعة الإعلان وإيجاد دَوْر لعُمان في هذا السُّوق المتنامي إقليميًّا وعالَميًّا ـ استقطاب الاستثمارات والحصول على المِنح ـ إيجاد خطَّة واقعيَّة لتطوير الشركات الصغيرة والمتوسِّطة ـ تنمية قِطاعات الصِّناعات التحويليَّة ـ البدء في الإصلاح الإداري المنشود ـ وضع حدٍّ للتضارب بَيْنَ المصالح الخاصَّة والعامَّة ـ تطوير التعليم ـ ربط توزيع الطلبة على التخصُّصات المختلفة، بمدى حاجة البلد من المِهن والتخصُّصات للوفاء باحتياجات الأنشطة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة ـ الاهتمام بالبحث العلمي ـ إيجاد مركز متخصِّص لدَيْه المعرفة والدِّراية ولدَيْه المعلومات الكافية عن سُوق العمل، ومقابلة الباحثين عن العمل وتقييم قدراتهم ومساعدتهم في البحث عن الفرص الوظيفيَّة ـ إيجاد دراسة متكاملة مشفوعة بالحلول التشريعيَّة والإجرائيَّة عن التجارة المُستتِرة وانتشارها وتسبُّبها في زيادة القوى العاملة الوافدة ـ تشجيع المواطنين على بناء المُجمَّعات التجاريَّة في المناطق العُمانيَّة المختلفة….» مع لفْتِ النظر بأنَّ كُلَّ توصية من تلكُم التوصيات عُزِّزت بآليَّات عمل وتبريرات وحيثيَّات وتفرَّعت عَنْها توصيات أخرى… آخر تلك الجهود الَّتي عايشتُها كانت في 2014، فقَدْ أنجزَ مجلس الشورى دراسة شاملة تناولت ملف «الباحثين عن عمل»، بغرض «الوقوف على أسباب المُشْكلة» وتقصِّي ما وصلت إليه مستجدَّاتها وتطوُّراتها ونتائجها. وقدَّم جملة من التوصيات شملت «مجال التخطيط التنموي والسِّياسات الاقتصاديَّة ـ وفي مجال التعليم والتدريب ـ وفي مجال سياسات التوظيف…»، وطالبت الدِّراسة بالعمل على «تنفيذ برنامج وطني لتشغيل الباحثين عن عمل، يتضمن الإعلان عن عدد الباحثين المُسجَّلين والَّذين تنطبق عَلَيْهم شروط ومعايير الباحث عن عمل، وتقديم حزمة من الحوافز لِتشجيعِ العُمانيِّين على الالتحاق بالعمل بشركات ومؤسَّسات القِطاع الخاصِّ والاستقرار فيه…». وفي مشروعات الخطط الخمسيَّة والموازنات السنويَّة وطلبات المناقشة والبيانات الوزاريَّة ولقاءات الشورى بمجلس الوزراء… تكُونُ قضيَّة الباحثين عن عمل، ضِمْن البنود الرئيسيَّة فيها… ولو تمَّ النظر إلى تلك الجهود والحلول، بجديَّة وأمانة وتقدير لقِيمتها، لأسْهَمتْ دُونَ شكٍ في احتوائها قَبل استفحالها.
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الباحثین عن عمل الع مانی الق طاع ـ إیجاد على الم ق طاعات ع مانی من الم

إقرأ أيضاً:

بين استحضار الذاكرة الثورية وإلهام الحاضر المقاوم.. دراسات في الثورة الجزائرية

الكتاب: دراسات في ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)
المؤلف: مجموعة من المؤلفين
تحرير: ناصر الدين سعيدوني وفاطمة الزهراء قشي
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


في لحظة تاريخية تتسم بتجدد المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وسط حرب إبادة غير مسبوقة تذكّر بفظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، يكتسب كتاب "دراسات في ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)" أهمية مضاعفة، ليس فقط لكونه يعيد فتح ملفات أكبر ثورة تحررية عرفها العالم العربي في القرن العشرين، بل لأنه يربطها، بوعي أو بدونه، بنبض التاريخ الذي لا ينقطع في معارك الشعوب ضد الطغيان والهيمنة.

الكتاب، الذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، هو عمل جماعي شارك فيه خمسة عشر باحثًا عربيًا من مجالات معرفية متعددة تشمل التاريخ، الفلسفة، الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع. وقد أشرف على تحريره الأكاديميان ناصر الدين سعيدوني وفاطمة الزهراء قشي، في محاولة لتقديم قراءة منهجية نقدية ومعمّقة لثورة ما زالت –رغم مرور أكثر من ستين عامًا على انتهائها– موضوعًا حيًّا في الذاكرة الوطنية الجزائرية والعربية.

ثورة أكبر من أن تُختزل

منذ الاستقلال، لطالما عانت الثورة الجزائرية من محاولات اختزالها أو تشويهها، خاصة في الأدبيات الفرنسية التي حرصت على تسميتها بـ"أحداث" أو "حرب الجزائر"، في محاولة لمحو بعدها التحرري والإنساني، ووضع الضحية والجلّاد على قدم المساواة. في مواجهة هذا التزوير التاريخي، يضع الكتاب نفسه كرافعة أكاديمية توثق الثورة كما عاشها الجزائريون، وتفكك تعقيداتها الفكرية والسياسية والاجتماعية.

أربعة محاور.. وفلسفة الثورة

ينقسم الكتاب إلى أربعة محاور رئيسية، تبدأ بـ "فلسفة الثورة الجزائرية وبعدها الأيديولوجي"، حيث تتناول الفصول الأولى الطابع الفكري والرمزي للثورة، خاصة عبر مقاربة مفهوم "التحرر" من زاوية فلسفية واجتماعية. ويتوقف أحد الفصول عند مؤتمر الصومام كمحطة مركزية جمعت بين الرؤية الاستراتيجية والتأطير الأيديولوجي للنضال المسلح.

تُعيد اللحظة السياسية الراهنة ـ في ظل المجازر الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ـ تسليط الضوء على النموذج الجزائري، لا بوصفه ماضيًا تمجيديًا، بل كذاكرة مقاومة حيّة، ومنظومة مفاهيم قابلة للتجديد: رفض أنصاف الحلول، التنظيم الشعبي، مركزية الهدف، واعتبار الكفاح جزءًا من كرامة الإنسان لا مجرّد أداة لتحقيق استقلال جغرافي.المحور الثاني يعالج السرديات التاريخية والروايات الشفوية، مسلطًا الضوء على التوتر بين الذاكرة والتاريخ، وبين ما كُتب وما لم يُكتب بعد، حيث يتم تحليل المذكرات والشهادات التي تركها الفاعلون في الثورة، دون أن تخلو الفصول من قراءة نقدية لطريقة تأريخ هذه التجربة في المدارس الأكاديمية الجزائرية نفسها.

أما المحور الثالث، فيستعرض التفاعل الإقليمي والدولي للثورة الجزائرية، موضحًا كيف تجاوزت الثورة حدود الجزائر، لتصبح نموذجًا عالميًا لحركات التحرر، خاصة من خلال تحليل مظاهرات أكتوبر 1961 في باريس وتداعياتها على الرأي العام الفرنسي.

ويأتي المحور الرابع والأخير ليكشف العلاقة الشائكة بين السياسي والعسكري داخل الثورة، والتحديات التي ظهرت بعد الاستقلال، بما في ذلك صيف 1962 وأزمة بناء الدولة، مبرزًا الصراعات بين المؤسسات المنبثقة عن جبهة التحرير الوطني ومآلات اتفاقيات إيفيان.

الكتاب كأفق بحثي

ما يميز هذا الإصدار ليس فقط غِنى مواده وتعدد وجهات النظر فيه، بل دعوته الصريحة إلى تجاوز الروايات الرسمية والحماسية نحو قراءة علمية نقدية للثورة الجزائرية، بوصفها تجربة تحررية معقدة ومركبة. ففي خاتمته، يشير ناصر الدين سعيدوني إلى أن الثورة ما زالت تمثل "لحظة لم تنقضِ"، إذ تشكّل الأساس الذي لا تزال الدولة الجزائرية تُبنى عليه، وهي حاضرة في المخيال الجمعي العربي، لا كرمز فقط، بل كدرس نضالي قابل للتجدد.

صدى الجزائر في فلسطين.. والعكس

تُعيد اللحظة السياسية الراهنة ـ في ظل المجازر الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ـ تسليط الضوء على النموذج الجزائري، لا بوصفه ماضيًا تمجيديًا، بل كذاكرة مقاومة حيّة، ومنظومة مفاهيم قابلة للتجديد: رفض أنصاف الحلول، التنظيم الشعبي، مركزية الهدف، واعتبار الكفاح جزءًا من كرامة الإنسان لا مجرّد أداة لتحقيق استقلال جغرافي.

في ظل التراجع العربي العام، يبقى هذا الكتاب دعوةً ملحّة إلى الباحثين العرب لإعادة بناء سردياتهم التحررية بعيدًا عن مركزية الغرب ومقولاته، مستفيدين من ما أصبح اليوم في متناولهم من أرشيف وشهادات وأدوات بحث، ليقرأوا تاريخهم بأعينهم، ويرووا ثوراتهم بلغتهم.

يقول الناشر: "لا تقِلُّ الثورةُ الجزائرية أهميةً عن الثورات العالمية الكبرى، لكنّ إجحافًا متعمَّدًا لحقها من الكتّاب والمؤرخين الفرنسيين، تمثَّلَ في فصلها عن تاريخ الجزائر الأشمل وعَدِّها "أحداثًا"، أو "حربًا" تجري من خلالها المساواة بين الضحية والجلّاد، متجاهلين بُعدَها التحرري".

وأشار أن "الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي (1962-1954) مثلت حدثًا رئيسًا في تفكيك المشروع الاستعماري في الشرق والغرب، فتجربتها النضالية ضد الهيمنة الاستعمارية الممتدة منذ القرن التاسع عشر كرست قطيعة مع أساليب النضال السابقة؛ إذ جعلت هدفها الاستقلال التام، اعتمادًا على طلائع ثورية مصممة على إنهاء الواقع الاستعماري مهما بلغت التضحيات، مع قلة الوسائل المادية واختلال موازين القوى. وما كان لهذه الثورة أن تحقق ما حققته إلا بخصائص مطموسة، يُذكَر منها: نزعتها الإنسانية، والشدة والذكاء في التعامل مع الظاهرة الاستعمارية، ووضوح هدفها، وتنظيمها المحكم، ورفضها أنصاف الحلول، واستمرار حملها المشروع التحرريّ حتى بعد الاستقلال... وغيرها من الخصائص، التي تضع على عاتق الباحثين العرب مهمة إطلاق مشاريع بحثية نقدية لتوثيق الثورة الجزائرية، وبحثها ودراستها واستكشاف مقاربات جديدة تعيد النظر في ما نعرفه إلى غاية اليوم، خاصة في أدبيات التأريخ الفرنسي لتلك الفترة من عمر الاستعمار الفرنسي.

هذا الكتاب دعوةً ملحّة إلى الباحثين العرب لإعادة بناء سردياتهم التحررية بعيدًا عن مركزية الغرب ومقولاته، مستفيدين من ما أصبح اليوم في متناولهم من أرشيف وشهادات وأدوات بحث، ليقرأوا تاريخهم بأعينهم، ويرووا ثوراتهم بلغتهم.وتقدم خاتمة الكتاب جملة من التأملات بشأن آفاق البحث التاريخي، العابر لاختصاصات العلوم الاجتماعية، في الثورة الجزائرية في ذكرى انتصارها الستين. ويبرز فيها ناصر الدين سعيدوني أن موضوعات الكتاب، في مجملها، تظهر تنوع الإشكاليات المتعلقة بهذه الثورة وتشعبها، وغنى المقاربات والمنهجيات. فدراسة أحداث الثورة تمثل فضاءً بحثيًّا واسعًا لا يزال في حاجة إلى جهود المؤرخين خصوصًا والباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية عمومًا، خاصة بعد مرور أكثر من ستين عامًا على انتهائها وتوافر المدى الزمني الكافي الذي يتيح للباحثين من الأجيال التي لم تعش أحداثها تناول مواضيعها بمنهجية علمية مجدّدة بعيدًا عن الخطاب الحماسي والتسييس، لتقدم وجهة النظر الجزائرية الوطنية الأصيلة، وتخلق نوعًا من التوازن بين الإنتاج الأكاديمي في ضفتَي المتوسط كمًّا ونوعًا؛ إذ لا تزال الكفّة حتى الآن لفائدة الضفة الشمالية.

ويشير سعيدوني إلى أن الأمل معقود على ظهور جيل من المؤرخين الجزائريين والعرب يضطلع بهذه المهمة، ويستفيد من الكمّ الهائل من وثائق الأرشيف والكتابات والشهادات المتعلقة بهذه الثورة، والتي أصبحت في متناول الباحثين لسهولة الوصول إليها وتطور تقنيات جمعها والاستفادة منها، ليُقرأ تاريخ الثورة الجزائرية قراءةً علمية متزنة لا تتوقف عند البطولات الفردية والحساسيات الشخصية، بل تتناولها بصفتها تجربة إنسانية تحررية فريدة، تجاوز صداها حدود الجزائر والعالم العربي والإسلامي إلى العالم كلّه، وباعتبارها لحظة تاريخية لم تنقضِ بعد لأنها ما زالت الأساس الصلب الذي تشيّد فوقه الدولة الجزائرية الحديثة، وحاضرة في المخيّلة الجماعية للشعب الجزائري والشعوب العربية، على الرغم من الانتكاسات التي تلت انتصارها.

مقالات مشابهة

  • اجتماعية الشورى تناقش مع مختصين مشروع قانون المؤسسات المدنية
  • بين استحضار الذاكرة الثورية وإلهام الحاضر المقاوم.. دراسات في الثورة الجزائرية
  • ماكرون: مصر وفرنسا تعتزمان إيجاد حل قائم على التفاوض لدعم استقرار السودان
  • مناقشة مشروع قانون المؤسسات المدنية بـ الشورى
  • فيديو.. احتفال ماني بهدف رونالدو يثير التفاعل
  • "مجلس عُمان" يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي بأوزبكستان
  • وفد أعضاء مجلس الشورى يعقد اجتماعًا مع أعضاء البرلمان الأوروبي
  • تأثير الحرب التجارية الأمريكية على القطاع اللوجستي العُماني
  • شاهد.. ساديو ماني يشعل السوشيال ميديا بحركة احتفالية
  • تصرف من ماني خلال مباراة النصر والهلال يشعل تفاعلاً.. ماذا فعل؟