تابع جيش الاحتلال الصهيوني استهداف المشافي في قِطاع غزَّة، بعد أن كان قَدْ قطعَ الطريق على كُلِّ مساعي إدخال الطَّاقة والوقود والأدوية وأدوات الجراحة ولوازمها منذ بداية العدوان على القِطاع. وقَدْ توَّج أُولى عمليَّات الإجرام المُنفلت في استهداف المشافي أمام العالَم بأسْرِه من خلال إلقاء قنبلة فتَّاكة ومن العيار الثقيل (قنبلة MK48) على باحة المشفى المعمداني فاستُشهد نَحْوَ أربعمئة مواطن عربي فلسطيني على الفور، وغالبيَّتهم من الأطفال والنِّساء.

إنَّ استهداف المشافي في قِطاع غزَّة من قِبل جيش الاحتلال، وآخرها اقتحام مشفى الشفاء، أقْدَمِ مشافي غزَّة، المشفى الَّذي شيَّده الفلسطينيون في أربعينيَّات القرن الماضي، أي قَبل قيام كيان الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، وقَدْ سعَى نتنياهو وقادة جيشه من خلال اقتحام مشفى الشفاء لترويج بروباجندا مُفبرَكة ومكشوفة عنوانها أنَّ المقاومة الفلسطينيَّة تتَّخذ من الطَّابق السُّفلي من المشفى مقرًّا قياديًّا. وقَدْ تهاوت تلك الرواية على الفَور وانكشف زَيْفها، بالرغم من محاولة جيش الاحتلال إدخال قِطَع من السِّلاح لخداع الرأي العامِّ العالَمي والقول بأنَّها تَعُودُ للقوى الفلسطينيَّة الَّتي تقاتله. إنَّ نتنياهو أراد من خلال تدمير البنى التحتيَّة ومن بَيْنِها المشافي لتحقيق عدَّة أغراض من حيث المدلولات والمعاني. وأوَّلها: استهداف الحاضنة الشَّعبيَّة للعمل الفلسطيني المقاوم ودفع النَّاس لحافَّة الانهيار واليأس والكفر بالثَّورة والمقاومة والرضوخ لمشيئة الاحتلال. وثانيها: الإيغال بنهج الإبادة الجماعيَّة وإرهاب الدَّولة الشَّامل لتركيع الفلسطينيِّين ليس في قِطاع غزَّة فقط، بل وفي الضفَّة الغربيَّة والقدس والأرض المحتلَّة عام ١٩٤٨، ودفعهم لرفع الأعلام البيضاء أمام الانكسار المفجع في موازين القوى من ناحية العتاد والسِّلاح في ظلِّ صبيب وتدفُّق الدَّعم لـ»إسرائيل» والَّذي تُقدِّمه لها واشنطن وبعض الغرب. وثالثها: دفع الفلسطينيِّين للتفكير بالخروج من القِطاع نهائيًّا، وبالتَّالي تنفيذ وتمرير سياسة ترانسفير وتطهير عِرقي جديدة هذه المرَّة من قِطاع غزَة بعد نكبة العام ١٩٤٨. ورابعها: التعويض عن هزائمه أمام مُجتمعه المُنفلت في وحشيَّته وهمجيَّته وغرائزه البهيمة في استهداف الآخرين وهُمْ هنا الشَّعب الفلسطيني صاحب الأرض. تلك الفاشيَّة والهمجيَّة الَّتي عَبَّرَ عَنْها وزير ما يُسمَّى بالتراث (عميخاي بن شموئيل بن الياهو) عِندما اقترح إلقاء قنبلة نوويَّة على قِطاع غزَّة ومسْحِه من الوجود. إنَّ حالة التطرف دفعت بدَولة الاحتلال الصهيوني عَبْرَ مندوبها بالأُمم المُتَّحدة لرفض قرار مجلس الأمن رقم (712) الصادر ليلة 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، والَّذي يدعو إلى «هدنة إنسانيَّة عاجلة وممتدَّة، وإنشاء ممرَّات عَبْرَ قِطاع غزَّة، لِتمكينِ الوصول السَّريع والآمن دُونَ عوائق للوكالات الإنسانيَّة التَّابعة للأُمم المُتَّحدة، بما يتماشى مع القانون الدولي». حيث صوَّتت 12 دَولة لصالح القرار، وامتنعَت ثلاث دوَل عن التصويت، من بَيْنِها روسيا، الَّتي لَمْ يتمَّ تضمين تعديلها الَّذي يدعو إلى هدنة فوريَّة في مسوَّدة مشروع القرار. في هذه الأثناء، ومع اقتحام مشفى الشفاء في غزَّة يوم الأربعاء 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، لَمْ يبقَ لنَا سوى القول بأنَّ المطلوب تحرُّك حيٌّ ونابض، عربيًّا وأُمميًّا، على كُلِّ المستويات بعد وضوح الصورة أمام المُجتمع الدولي وشعوب العالَم قاطبةً، لوقف العدوان، ورفْعِ الحصار الظَّالم عن القِطاع، والانتقال لمحكمة الجنايات الدوليَّة لمحاسبة مرتكبي حرب الإبادة وممَّن استهدف المشافي، وهذه مُهمَّة ضروريَّة وتحتاج لجهود متراكمة، لكن لا بُدَّ من البدء بخطواتها الأولى.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
ali.badwan60@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: اقتحام مشفى الشفاء

إقرأ أيضاً:

الضربات الإسرائيلية في سوريا: الكشف عن السبب الحقيقي وراء استهداف القواعد الجوية التركية

مقاتلات إسرائيلية (سي إن إن)

تكشفت تفاصيل جديدة حول الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية في سوريا هذا الأسبوع، حيث أفادت مصادر متعددة بأن تركيا كانت في صدد تعزيز وجودها العسكري في المنطقة.

وفقًا لتقارير من مصادر عسكرية وإقليمية، قامت تركيا بتفقد ثلاث قواعد جوية على الأقل في سوريا، تمهيدًا لنشر قواتها هناك كجزء من اتفاق دفاعي مشترك محتمل، قبل أن تشن إسرائيل ضربات جوية على هذه المواقع.

اقرأ أيضاً قرار أمريكي حول ميناء الحديدة يدخل حيز التنفيذ اليوم الجمعة 4 أبريل، 2025 عشبة الخلود: اكتشاف نبتة معجزة تطيل عمرك وتغذي قلبك وتحمي كبدك 4 أبريل، 2025

الضربات الإسرائيلية، التي كانت جزءًا من سلسلة من الهجمات الجوية التي وقعت مساء الأربعاء، استهدفت قواعد جوية في محافظة حمص، مثل قاعدة تي4 وقاعدة تدمر، بالإضافة إلى المطار الرئيسي في حماة.

وقالت المصادر العسكرية إن الفرق التركية، التي كانت موجودة في الأسابيع الأخيرة في هذه القواعد، كانت قد أجرت تقييمًا دقيقًا للبنية التحتية للمطارات، بما في ذلك المدرجات وحظائر الطائرات، في خطوة تمهيدية لنقل قوات تركية إلى هذه المواقع.

ووفقًا لمسؤول مخابرات إقليمي، فإن هذه التحركات التركية كانت جزءًا من جهود تركيا لتعزيز وجودها العسكري في سوريا، وهو ما أثار قلقًا لدى إسرائيل. وعلى الرغم من محاولات تركيا لطمأنة الولايات المتحدة بأنها لا تنوي تهديد إسرائيل، إلا أن القلق الإسرائيلي بقي قائمًا بشأن أي تمركز تركي قرب الحدود السورية.

من جانبه، أكد مسؤول إسرائيلي كبير أن إسرائيل ليست في صدد الدخول في صراع مع تركيا في سوريا. وأضاف المسؤول الإسرائيلي أن إسرائيل تأمل في أن تبتعد تركيا عن التصعيد، لكن في الوقت نفسه أوضح أن "إسرائيل لن تسمح بتواجد عسكري تركي على حدودها"، مؤكدًا أن "كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع هذا التهديد المحتمل".

هذه التطورات تشير إلى تصاعد التوترات في المنطقة، حيث تلتقي الأطراف الإقليمية في منافسات استراتيجية على الأرض السورية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد العسكري في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • النائبة أمل سلامة تستنكر الصمت الدولي تجاه الجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني
  • برلمانية تستنكر الصمت الدولي تجاه الجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني
  • مسيرة في رام الله تندد بالحرب الإسرائيلية وتدعو لتوحيد الصف الفلسطيني
  • اقتحام جديد للمسجد الأقصى.. وإصابات برصاص الاحتلال في بيت لحم
  • استنكرت وأدانت استهداف الاحتلال للمدنيين العزل.. السعودية تطالب العالم بوضع حدٍ لمأساة الشعب الفلسطيني
  • وزير الثقافة الفلسطيني يدين استهداف الاحتلال مستودعا تابعا للمركز السعودي للثقافة شرق رفح
  • برلماني: اقتحام المسجد الأقصى من المتطرفين الإسرائيليين ينذر بتصعيد كبير
  • برلماني: مجزرة الاحتلال برفح الفلسطينية استكمال لسيناريو الإبادة الجماعية
  • الضربات الإسرائيلية في سوريا: الكشف عن السبب الحقيقي وراء استهداف القواعد الجوية التركية
  • برلمانية: اقتحام وزير أمن الاحتلال للمسجد الأقصى استخفاف بالقوانين الدولية