أي صراع إقليمي تقريباً يكتسب تلقائياً بُعداً بالوكالة، وبدلا من العمل معا لإطفاء مثل هذا الصراع لصالح الاستقرار، فإن الجهات الفاعلة الخارجية القوية لا تؤدي إلا إلى صب الزيت على النار عندما تحاول استغلال أي فرصة لتقليص النفوذ الدولي لبعضها البعض وسط التحولات البنيوية والشكوك.

ويرى الأكاديمي والباحث ياوهيني بريهرمان، مؤسس ومدير مجلس حوار مينسك للعلاقات الدولية، في تحليل نشره موقع "مودرن دبلوماسي" وترجمه "الخليج الجديد" أن الحرب الحالية في غزة ينطبق عليها هذا المفهوم بشكل كبير.

وبالإضافة إلى مستويات العنف القصوى، تبدو ردود الفعل الدولية أيضاً مختلفة عن الروتين الدبلوماسي الذي ساد في العقود الماضية.

ومن المؤكد أن الولايات المتحدة والقوى الأجنبية الأخرى تبحث عن مفاتيح دبلوماسية لمنع المزيد من التصعيد الرأسي والأفقي للحرب، وتدعو الأطراف المتحاربة إلى الحد من إراقة الدماء، كما يقول الكاتب.

اقرأ أيضاً

بسبب حرب غزة.. صندوق النقد الدولي يدرس زيادة برنامجه لمصر

التحفز بين القوى العظمى

ومع ذلك، فإن مثل هذه الدعوات تضيع خلف الخطاب المحمل بالجيوسياسية والافتقار إلى التعاون بين القوى العظمى.

ويقول: بدلاً من العمل معاً لمعالجة التحديات على المستوى الأرضي بين إسرائيل وغزة بهدف إنهاء القتال، تنشغل القوى العالمية باتهام بعضها البعض بتسهيل الحرب والاستفادة منها.

روسيا والصين وإيران مقابل أمريكا والغرب

فمنذ اليوم الأول، لم تتردد الأصوات الغربية في تسمية إيران وروسيا والصين بالأسماء كمسؤولين مشاركين فيما حدث، وعلى الطرف الجيوسياسي المعاكس، يركز السرد على "المصلحة الأنانية" للغرب ودوره الخبيث في عملية السلام التي استمرت لعقود من الزمن في الشرق الأوسط.

كما تترسخ المواقف المتضاربة في الخطابات حول الحقائق الأساسية للصراع.

اقرأ أيضاً

بوتين يدعم غزة ويرى في الحرب مصلحة له.. وتهديدات إسرائيلية بدفع الثمن

وهكذا، على المستوى الخطابي، أصبحت الحرب بين إسرائيل وغزة على الفور حرباً بالوكالة.

وقد تم ترجمة ذلك دبلوماسيا في العجز اليائس الذي يعاني منه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث تتناوب القوى التي تمتلك حق النقض في عرقلة قرارات بعضها البعض.

ويرى الكاتب أنه كلما طال أمد القتال في غزة، كلما زاد احتمال أن يشق العنصر الوكيل طريقه إلى ساحة المعركة وينتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ويردف: في الواقع، نشهد بالفعل أعدادًا متزايدة من الهجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ والغارات الجوية في سوريا والعراق، والتي تتجاوز حتى مستوى الوكيل وتتورط فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر.

أوكرانيا مثالا

على سبيل المثال، وبسبب ذلك، فشلت المحاولات الغربية المتعددة لإقناع بكين بلعب دور سلمي في الحرب الروسية الأوكرانية، وسوف تظل محكوم عليها بالفشل طالما استمر السباق الجيوسياسي نحو القاع.

كما أن بكين لن تتسامح مع هزيمة روسية كبرى، سواء في ساحة المعركة أو دبلوماسية، وهو ما يمكن أن تنسب إليه الولايات المتحدة الفضل. ونتيجة لذلك، فإن هذه الاعتبارات الجيوسياسية الأساسية تتفوق على مخاوف الصين الأخرى تجاه الصراع في أوكرانيا.

اقرأ أيضاً

معادلة روسيا وإسرائيل.. غزة توتِّر علاقتهما وإيران تمنع انهيارها

روسيا وحرب غزة

وبالمثل، فإن موقف موسكو تجاه الحرب في الشرق الأوسط يتشكل الآن في المقام الأول من خلال التفكير الجيوسياسي الكبير، حيث يبدو أن عرقلة النفوذ الدولي الغربي واستنزاف الموارد الأمريكية (لصرف انتباه واشنطن عن أوكرانيا) هي الأهداف الأساسية.

ومن ثم، وبغض النظر عن التقدم في العلاقات بين إسرائيل وروسيا في العقود الأخيرة والعلاقات الشخصية الدافئة على ما يبدو بين فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو، فإن موسكو تتصرف وفقًا لمنطقها الجيوسياسي الشامل وتنظر إلى الحرب بين إسرائيل وغزة من خلال عدسات بالوكالة، كما يقول الكاتب.

تأطير الصراع بين الديمقراطية والاستبداد

علاوة على ذلك، يرى الكاتب أن إدارة بايدن مخطئة في الاعتقاد بأن ربط الصراعات الإقليمية المختلفة في إطار واحد "الديمقراطيات مقابل الأنظمة الاستبدادية" سيساعد في تعزيز المصالح الغربية.

فمعظم الدول غير الغربية ببساطة لا تصدق هذه الرواية وستحاول تجنب الانحياز إلى أي طرف إذا توسعت سلسلة الوكلاء.

ونتيجة لذلك، فبدلاً من تعبئة الأغلبية العالمية للانضمام إلى المعسكر الديمقراطي، يعمل هذا النهج على تحفيز المنافسين الجيوسياسيين الرئيسيين لواشنطن ــ الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية ــ على مضاعفة جهودهم في ترسيخ تحالف متوازن ضد الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً

الصين تحذر من دعم أي طرف في حرب غزة أو أوكرانيا دون الالتفات لمطالب الآخر

وفي ظل هذه الظروف، فلابد من إعادة إضفاء الشرعية على الدبلوماسية باعتبارها السبيل الوحيد للمضي قدماً في وقت حيث تستنتج أعداد متزايدة من الجهات الفاعلة في مختلف أنحاء العالم أن القوة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافها، كما يقول الكاتب.

لذلك، يثني بريهرمان على المحاولات الأخيرة التي بذلتها الحكومتان الأمريكية والصينية لإحياء الحوار رفيع المستوى والسيطرة على الأضرار.

وأخيرا، ينبغي للدول الأصغر حجما، وخاصة تلك الأكثر عرضة للصراعات القائمة أو المحتملة بالوكالة، أن تمارس أقصى قدر من الضغط الدبلوماسي على القوى العظمى لحملها على تبني سلوك جيوسياسي أقل خطورة.

ويختم الكاتب بالقول: "لهذا السبب، فقد حان الوقت للبدء في نسخة القرن الحادي والعشرين من حركة عدم الانحياز".

المصدر | ياوهيني بريهرمان / مودرن دبلوماسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: حرب غزة حرب بالوكالة إيران روسيا الصين الولايات المتحدة الولایات المتحدة بین إسرائیل اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

شكوى بحق الكاتب الجزائري كمال داوود.. أفشى سر مريضة في روايته الفائزة (شاهد)

أعلنت محامية جزائرية رفع شكويين ضد الكاتب الجزائري-الفرنسي كمال داوود وزوجته الطبيبة النفسية بتهمة استخدام قصة إحدى مريضاتها في رواية "حوريات" التي نال عنها أخيرا جائزة غونكور الأدبية العريقة في باريس.

وقالت المحامية فاطمة بن براهم لوكالة فرنس برس "بمجرد صدور الكتاب تقدمنا بشكويين ضد كل من كمال داود وزوجته عائشة دحدوح الطبيبة العقلية التي عالجت الضحية" سعادة عربان، والتي ظهرت في قناة جزائرية تتهم الكاتب باستغلال قصتها في الرواية من دون إذن منها.




وأضافت المحامية "الشكوى الأولى باسم المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب"، و"الثانية باسم الضحية"، مشيرة إلى أن المدّعين لم ينتظروا فوز الكتاب بجائزة غونكور أوائل الشهر الحالي لتقديم الشكوى، وإنما فعلوا ذلك مباشرة بعد صدور الكتاب في آب/أغسطس.


وأوضحت فاطمة بن براهم "تقدمنا بالشكويين أمام محكمة وهران، مكان إقامة كمال داود وزوجته، بعد أيام من صدور الكتاب، لكننا لم نرد الحديث عنهما حتى لا يقال إننا نشوش على ترشيح الكاتب للجائزة".

وأكدت المحامية المعروفة في الجزائر أن موضوع الشكويين يتعلق بـ "إفشاء السر المهني، فالطبيبة أعطت كل ملف مريضتها لزوجها، وكذلك قذف ضحايا الإرهاب ومخالفة قانون المصالحة الوطنية" الذي يمنع نشر أي شيء عن فترة الحرب الأهلية في الجزائر بين 1992 و2002.

وقبل أيام، ظهرت سعادة عربان في قناة تلفزيونية محلية لتؤكد أن قصة رواية "حوريات" تروي نجاتها من الموت بعد تعرّضها لمحاولة قتل ذبحا إبان الحرب الأهلية.

ولم يردّ الكاتب كمال داود على هذه الاتهامات، لكن دار "غاليمار" الفرنسية الناشرة لأعماله نددت الاثنين "بحملات تشهير عنيفة مدبرة من النظام الجزائري" ضد الكاتب منذ صدور روايته وفوزها بأكبر جائزة أدبية في فرنسا.




وقال أنطوان غاليمار في بيان "في حين أن رواية حوريات مستوحاة من أحداث مأسوية وقعت في الجزائر خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، إلا أن حبكتها وشخصياتها وبطلتها خيالية بحتة".

وأضاف رئيس دار النشر "بعد منع الكتاب ودار النشر من المشاركة في معرض الجزائر للكتاب" خلال الشهر الحالي، "جاء الآن دور زوجته (وهي طبيبة نفسية) التي لم تزوّد (زوجها الكاتب) بتاتا بأي مصدر لصياغة الحوريات، ليُمسّ بنزاهتها المهنية".

وتحكي الرواية التي بعض أحداثها في وهران قصة شابة فقدت القدرة على الكلام بعد تعرضها لمحاولة قتل ذبحا في 31 كانون الأول/ديسمبر 1999، خلال الحرب الأهلية التي أسفرت عن 200 ألف قتيل بحسب أرقام رسمية.

مقالات مشابهة

  • أجواء إيجابية تلوح بأفق لبنان.. مبادرة واشنطن تقترب من وقف الحرب
  • أجواء إيجابية تلوح في أفق لبنان.. مبادرة واشنطن تقترب من وقف الحرب
  • عقب قرار المحكمة الدولية.. أمريكا تلوح باستخدام القوة العسكرية ضدها
  • القراءة في عقل الأزمة
  • القاعدة الأميركية في بولندا.. روسيا تلوح بـ"تحرك خطير"
  • الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
  • شكوى بحق الكاتب الجزائري كمال داود.. أفشى سر مريضة في روايته الفائزة (شاهد)
  • شكوى بحق الكاتب الجزائري كمال داوود.. أفشى سر مريضة في روايته الفائزة (شاهد)
  • تعرف على بنود العقيدة النووية الروسية الجديدة.. حرب عالمية ثالثة تلوح في الأفق
  • انتخاب ترامب واحتمال تأثيره على الأوضاع في السودان